سوق الأسهم السعودية واتجاه المستقبل
د. محمد أل عباس - أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد - أبها 03/09/1428هـ
أنهت السوق السعودية تصحيحا هائلا بدأ بانهيار كبير تسبب في أزمة لجميع المتداولين سميت أزمة شباط (فبراير) ـ آذار (مارس) 2006، ثم اتجهت السوق نحو تصحيح شامل استمر أكثر من تسعة أشهر عاناه الكثير من صغار المتداولين على وجه الخصوص ونتجت عنه أزمة ثقة وخروج للمستثمرين من السوق بحثا عن فرص أفضل وأسواق أقل ضبابية. وفي الآونة الأخيرة استطاعت السوق أن تخرج من أزمتها وتصنع لنفسها اتجاها صاعدا, وذلك بعد أن تجاوزت الحاجز النفسي باختراق القناة الهابطة التي سيطرت عليها منذ تسعة أشهر, وأثار هذا الاتجاه الجديد العديد من الأسئلة المهمة: ما المسار؟ وما مستقبل السوق السعودية؟ هل ستعود الأسعار إلى مستويات ما قبل الانهيار؟ ومتى؟ هذه الأسئلة تشغل تفكير المستثمر الصغير وإجاباتها ضرورية في الوقت نفسه.
بالتأكيد تسبب الانهيار في هروب الكثير من المستثمرين الذين جذبتهم السوق السعودية خلال الفترة التي سبقت التصحيح بقدرتها على تحقيق عوائد غير عادية. وبما أن الأموال لا تعرف التوقف, والمستثمرون يبحثون دوما عن فرص جديدة, فقد كان من المتوقع أن تتجه الاستثمارات نحو أسواق أخرى. وتوقع البعض أن تكون السوق القادمة للعقار, خاصة في ظل التوجهات الاقتصادية التي سعت إلى إنشاء مدن اقتصادية جديدة أو بسبب قلة المعروض من المباني السكنية والتجارية مع ارتفاع نسب الطلب عليها، أضف إلى ذلك تعليق العديد من المساهمات العقارية السابقة بسبب تباطؤ النمو في سوق العقار. وهذا تحليل يبدو منطقيا للوهلة الأولى، لكن حركة الأموال لا تعرف المنطق الذي نعرفه – المتأثر بعواطفنا وأمنياتنا وخداع الوسطاء، بل تعرف طريق العوائد فقط، تتجه الاستثمارات دائما نحو العوائد غير العادية. لم تستطع السوق العقارية حتى الآن أن تثبت قدرتها على تحقيق عوائد غير عادية جاذبة للمستثمرين والأموال التي نجحت في الخروج من السوق المالية. لذلك فإنني أعتقد أن سوق العقار ليست قادرة حتى الآن على سحب البساط من السوق المالية, وليس الهدف القادم.
في المقابل, فإن المتتبع للحركة الاقتصادية يجد نموا سريعا لما يسمى شركات الأسهم الخاصة، وهي تلك الشركات التي تسعى إلى اقتناص الفرص من خلال شراء حصص سيطرة في شركات ذات مسؤولية محدودة – أو غيرها - وضخ أموال كبيرة الهدف منها تلميع الشركة وتحسين مستويات الربحية بصورة سريعة مهما كانت المخاطر طويلة الأجل من تلك الإجراءات، ثم يتم بيع تلك الشركات بعد أن تحقق عوائد كبيرة- محاسبية - خلال فترة وجيزة إما للسوق المالية عن طريق نظام شركات الطرح الأولية IPOs وإما بيع تلك الحصص لشركات تمثل ثقلا اقتصاديا كبيرا وتحتاج إلى دعم نموها بشراء شركات ناجحة وتحقق عوائد جيدة.
هذا النمو لهذا النوع من الشركات بدأ يأخذ وتيرة متصاعدة, خاصة من قبل مجموعة من المستثمرين الذين تمكنوا من جني أرباح كبيرة من سوق الأسهم السعودية، ويبدو أن هناك توصيات من شركات استثمارية عالمية لمثل هذا النوع من الاستثمارات التي تحقق نجاحات كبيرة في الأسواق العالمية وتحقق عوائد كبيرة على رغم المخاطر المصاحبة لها.
والآن كيف يمكن أن يؤثر هذا الاتجاه في سوق الأسهم السعودية؟ وما دوره في الإجابة عن الأسئلة المهمة السابقة؟ ليس من المتوقع أن تعود الأموال إلى سوق الأسهم بالصورة الكبيرة التي يتخيلها معظم صغار المستثمرين, وذلك لأن السوق المالية السعودية لم تعد تحقق عوائد استثمارية غير عادية. بمعنى آخر فإن السوق السعودية تتجه إلى تحقيق معدلات عائد طبيعية وذلك على المديين المتوسط والطويل، وأما على المدى القصير وبالنسبة للمضارب اليوم المحترف فإن ذلك يعتمد على خبراته وقدراته ومع ذلك فإنها ستظل في مستويات طبيعية. لهذا ليس من المتوقع أن يحقق مؤشر السوق اختراقات سريعة للعديد من النقاط المهمة كما كان يحدث سابقا، من المتوقع أن تحافظ السوق على وتيرة الصعود ولكن بتباطؤ كبير وتراجعات مستمرة، مخيفة وحادة في بعض الأوقات، ولكن هذا بالطبع على مستوى السوق الثانوية، سوق التداول، لكن الأمر سيكون مختلفا على مستوى السوق الأولية، سوق الاكتتابات.
من المتوقع أن تستمر السوق المالية في جذب العديد من الشركات على التحول إلى شركات مساهمة, وذلك بالطبع لما تحققه السوق المالية الأولية – سوق الاكتتابات – من نجاحات كبيرة، هذا أولا. ثانيا، ما زالت هيئة السوق المالية تمضي قدما في اتجاه تعميق السوق بإدخال شركات جديدة. لذلك فإنه من المتوقع مع تعاظم اتجاه المستثمرين إلى نماذج شركات الأسهم الخاصة ومن ثم بيع الحصص في السوق المالية أن يتعاظم أداء السوق المالية الأولية وتتسارع وتيرة الاكتتابات بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من 2007, وربما تكون السمة السائدة خلال 2008 و2009, وربما تبلغ ذروتها مع 2010. هذا التحليل قد يجد مبررا له من خلال النجاحات التي حققتها الاكتتابات الأخيرة وخاصة صغيرة الحجم أو التي تمثل شركات القائمة وناجحة. من هنا فإنه من المناسب للمستثمر الصغير أن يركز أكثر على سوق الاكتتابات الأولية من جانب ويعتمد أسلوب الاستثمار طويل الأجل بالنسبة إلى السوق الثانوية.
يظل هذا التحليل عرضة للتحدي, خاصة مع السماح لمواطني دول الخليج بالدخول إلى السوق السعودية، القضية هنا هي في تقدير إمكانية دخول الأموال الحارة عن طريق دول الخليج التي تفتح أسواقها للاستثمارات الأجنبية بصور كبيرة، فبعض دول الخليج تسمح بحرية في حركة الأموال أكثر مما يوجد لدينا، فتقدير أثر مثل هذا الاحتمال أمر سيتضح مع قادم الأيام.
منشور بالإقتصادية