قد يضيق صدركِ بصخب طفلك أو لعبه وصراخه، فتشترين هدوءَه وسكوته بمشاهدة التلفاز، ويرتاح بالكِ حين يجلس ساكنًا وديعًا مستغرقًا في البرامج، فتنصرفين مطمئنةً لمزاولة أعمالك المنزلية أو الجلوس إلى ضيوفك.. لكن هل سألتِ نفسَك مرةً واحدةً ماذا يُقدِّم هذا الجهاز لطفلك؟! وأي غذاءٍ يشحن به رأسه؟
حسنًا.. لا بأسَ بمشاهدة طفلك للتلفاز، ولكن في حدود، وليس هروبًا من القيام بدور الأمومة.
يرى بعض العلماء أن وضع الطفل أمام شاشة التلفاز يساعد على خلق النشاط العشوائي عنده؛ إذ إن الطاقة الجسدية التي تخلفها الصور التلفازية ولا تستعمل يتم تخزينها جسديًّا لتنطلق خارجًا في صورة نشاطٍ عشوائيٍّ لا هدفَ له حال إغلاق الجهاز، وقد يؤدي في بعض الحالاتِ إلى نوعٍ من العنف الشديد مهما كان نوع البرامج المشاهَدة.
كما أكدت الدراسات في فرنسا مؤخرًا أن مشاهدة التلفاز أكثر من 50 دقيقةً في اليوم يُحدث تأثيرًا ضارًّا على القدرات العقلية للطفل؛ حيث إن شاشة التلفاز الملوَّن والعادي يصدر منها أشعة تُسمَّى ميكروويف، وهي نوعٌ من الموجات الكهرومغناطيسية المتناهية الصغر، وقد ثبت علميًّا أن لها بعض التأثيرات البيولوجية على الصحة، وفي صورة إجهادٍ للعين والشعور بالإرهاق، وضعف القدرة على التركيز والقلق العصبي.
سلبيات كثيرة
إن مشاهدة التلفاز بكثرة تبلد قوى التخيل؛ لأنها تُقدِّم للطفل خيالاً جاهزًا؛ الأمر الذي قد يجعل الطفل أقلَّ استخدامًا لقدراته التخيلية الابتكارية، ففي تقرير نشرته مجلة (اليونسكو) عن نتيجة استطلاعٍ ياباني عن وسائل الإعلام جاء فيه: "إن فيض المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام يعطل تطور القدرات التأملية الخلاقة لدى الأطفال".
والطفل حين يجلس أمام التلفاز لا يقوم بعمل إيجابي وإنما يستسلم له، ويمتص محتوى ما يقدمه كالإسفنجة، ومثل هذا التعرض السلبي للمضمون التلفازي يخلق شخصياتٍ سلبيةً.
فمشاهدة التلفاز تعوِّد طفلك على أن يصبح مجرَّد متفرج، ويفقد المبادأة، وربما تصل به إلى أن يُفضِّل الحياةَ كما تعرضها الشاشة أكثر من الحياةِ ذاتها، وسيتعود أن يرى الأشياء التي أعدَّها له الآخرون أكثر من أن يبذل مجهودًا حقيقيًّا لنفسه، فالطفل في سنواته الأولى يستمد خبرته ومعرفته بالأشياء عن طريق حاستَي السمع والبصر، ومن ثَمَّ تبقى المادة الإعلامية المصوَّرة والمسموعة في مقدمة ما يشده ويتأثر به؛ لأن الطفل بطبيعته مقلد، فهو حين يجلس أمام التلفاز يتلقَّى دروسًا، ويكتسب عادات وأخلاقًا حتى يصبح هذا السلوك متأصلاً راسخًا في نفسه، فيصعب تغييره؛ لأن التلفاز يعطي قيمةً للمعلومة فهو صورة وصوت وألوان.. ثم تتساءلين عن السبب!!
الخطر رقم واحد
وقد أجمع التربويون وأساتذة الطب النفسي على أن التلفاز يُمثِّل الخطر رقم واحد على الجيل القادم، خاصةً في ظل عدم وجود ضوابط لما يقدم، والاعتماد على المستورد من البرامج، وغياب دور الأسرة الضابط لسلوكيات الجيل القادم؛ إذ إن المواد الإعلامية وبرامج البث المباشر تكسب الأطفال العديد من أنماط السلوك التي تؤدي إلى انحراف الأطفال وخروجهم عن المألوف، كما تؤثر على صحتهم الجسمانية والنفسية، وجوانب نموهم العقلي والاجتماعي، وبناء شخصيتهم بصورةٍ سويةٍ، خاصةً إذا تكررت مشاهداتهم التلفازية.
فالأفلام التي تأتي إلينا من الخارج مثل "توم وجيري" و"مسنجر" والنينجا" تتبع المدرسة الأمريكية التي تعتمد على التكتيك السينمائي، الذي يتبع العنف والإبهار، وليست صالحةً للطفل العربي الذي يعيش في ظروفٍ بيئيةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ تختلف عن الطفل الأوروبي والأمريكي، وبعض الأفلام تعطي محتوًى سيئًا عن الهوية العربية والإسلامية، وتقدمها على أنها ضعيفة و"مهزوزة"، وتجري وراء المال دون أي وازع من القيم.
علاقة السلوك بالبرامج.. العدوانية
في دراسة حول علاقة سلوكيات الأطفال ببرامج التلفاز- أجريت على 200 أسرةٍ من مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية- أثبتت الدراسة أن العدوانية، واستخدام الألفاظ البذيئة من أكثر السلوكيات السلبية التي يكتسبها الأطفال من التلفاز بنسبة 69% من حجم عينة الدراسة، كما أشارت إلى أن هناك سلبيات أخرى يكتسبها الطفل من التلفاز، وهي عدم احترام الوقت، وعدم طاعة الوالدين، والفوضى، والنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى ازدواج الشخصية، وذكرت الدراسة أن أهم المواد التي تساعد على اكتساب العنف هي الدراما الأجنبية، وبرامج الأطفال، بما فيها أفلام الرسوم المتحركة.
كيف نحمي الطفل؟
لا بد أن يكون للأسرة دور تربوي، فيجب أن تشارك الأم طفلها في لعبه؛ كي تنمي قدراته الطبيعية، وتلاحظ تصرفاته لتصحيح الخاطئ منها، وتحرص على انتقاء البرامج المناسبة لطفلها، وتحديد الوقت الذي يشاهده، فهي مسئولية الأم الأولى، خاصةً في مرحلة الطفولة المبكرة؛ حيث التحكم أسهل، وفي أثناء جلوس الطفل أمام التلفاز تجلس الأم معه مهما كانت مطمئنةً للبرامج؛ لأن هناك سمومًا خفيةً، ويجب أن تنمي لديه التمييز وحسن الاختيار، وتلاحظ ماذا يرفض ومنها تستطيع أن توجهه.
منقول