كثير من الناس لا يدرك حتى الآن خطورة تناول مجموعة من الأدوية لعلاج حالة مرضية عنده، وأن سلوكه هذا يمكن أن يؤدي إلى حدوث أمراض أخرى قد تفتك بأعضاء جسمه دون أن يدري.
والغريب هنا أمران،الأول: ظن الناس وإن علت ثقافتهم وارتفع قدرهم أن كثرة الأدوية هي الحل الأمثل في العلاج، وأنه كلما زادت الأدوية قصر الطريق وقلت المسافة إلى الشفاء، وهو فهم يخالطه الكثير من قصور في النظر وجهل بحقائق الأمور وطبيعة مكونات الأدوية وتأثيرها الفعال في الجسم.
الثاني: ادعاء بعض الأطباء أن المرضى لا يقتنعون بدواء واحد يوصف لهم، وأن مهارة الطبيب المعالج تبرز في تسجيل قائمة من الأدوية في هذه الوصفة الطبية لاستعراض ما لديه من علم وخبرة واسعة واهتمام بالمريض، وبيان مركزه الأدبي والمهني أمام جمهور المراجعين وأصحاب الاستشارات العاجلة.
والأخطر من هذا وذاك أن بعض الناس يعالجون أنفسهم عن طريق الصيدلي بطلبهم الدواء، بعد أن يشرحوا له طبيعة المرض.
ورغم علمه المحترم بأنواع الأدوية وتأثيرها وتفاعل مكوناتها، إلا أنه ليس كالطبيب المعالج الذي تتاح له فرصة الكشف وإجراء الفحوصات والتحليل ومعرفة تاريخ المرض والعلاجات السابقة ومتابعة الحالة لعمل التشخيص اللازم والدقيق قبل وصف العلاج، وتحديد الدواء الأنسب في كل مرحلة من مراحل تطور الحالة، سواء في عيادته بالمستشفى أو بعناية خاصة في بيت المريض عبر زيارات منزلية في بعض الحالات التي تستدعي ذلك وفي أوقات قد تكون غير عادية أحيانًا أو صعبة. وتلك مشكلة أخرى كبيرة تحتاج إلى كلام كثير.
لقد أثبتت التجارب والدراسات أن لكل دواء مضاعفات تتفاوت في خطورتها بين دواء ودواء، حسب الحالة ونسبة التعاطي وكثافة الدواء، حتى أصبح معروفًا أن لكل حبة أسبرين على سبيل المثال مضاعفات جانبية يعرفها الأطباء والصيادلة إذا أخذها المريض بشكل عشوائي وبغير وصفة طبية دقيقة، وكل هذه المضاعفات وبلا أدنى مبالغة يجهلها الناس، لكنهم اعتادوا أن «يبلعوا» أو يتناولوا بأنفسهم أو عن طريق بعض الأطباء أو الصيادلة الأصدقاء كمية من الأدوية المنوعة، على أمل سرعة الشفاء وحصار المرض وإنهاء الآلام والخلاص من الـ «آه».
لكن أحدًا منهم لم يبذل جهده ليفكر في عواقب الأمور، ولم يسأل عن طبيعة هذه الأدوية ومزاياها ومضاعفاتها وسلبياتها، وحتى بعض الذين يعرفون أحيانًا يستهترون ويقولون: «هي موتة ولا أكثر!!» وكأن أحدهم يستسلم للانتحار بإرادته، وهنا يتسرب الشك إلى قلبه والعياذ بالله فإذا مات منتحرًا هلك دنيا وآخرة، وإن نجا بفضل الله تحققت المعجزة.
المهم أنه لا تزال لدينا في مجتمعنا العربي سلوكيات غير صحية تساعد في تضخم المشكلة عند تناول الدواء، فكثير منا يتباهى بمعرفة العلاج ويجرؤ على وصف الدواء بالتحديد وفي منتهى الشجاعة لزميل له أو مريض، وكأنه خبير الطب العالمي!! وهذا باب آخر من أبواب المصائب في دنيا الأمراض، فقد يبدأ المرض من مستصغر الدواء. وقد تحدث كارثة لهذا الزميل أو المريض نتيجة هذه النصيحة أو المشورة، ناسيًا أن سبب ذلك هو الزميل أو الرفيق الذي استشاره وأخذ بمشورته، وأنه هو نفسه ذلك الصديق الذي عذبه وقتله لا أحد غيره!
ولست أدري إلى متى يظل الكثيرون هكذا دون وعي كامل بخطورة الدواء، خصوصًا إذا دخل الجسم وتفاعل مع أدوية أخرى، أو إذا أخذه دون استشارة الطبيب المختص الحكيم الذي لا يكتب وصفة إلا في حدود العقل والمنطق كما تمليها عليه خبرته والضمير المهني. ألم نسمع بأن الإنسان طبيب نفسه؟!
يبقى هنا أن نشير إلى أهمية التوعية الصحية بخطورة الدواء العشوائي أولاً، ثم بخطورة المفهوم المعمول به حاليًا بين الناس والأطباء والذي يقول إنه كلما امتلأت الوصفة بأنواع من الأدوية يكتبها الطبيب كالقائمة كان الطبيب ماهرًا والعلاج ناجعًا.. والحقيقة أن مسؤولية التوعية تقع على جميع الأطراف: المريض والطبيب والصيدلي ونظام صرف الدواء وأدعياء الطب وأجهزة الإعلام دون شك!
د / مصطفى شهيب