قال الإمام ابن القيم تعليقا على التقديم والتأخير بين السموات والأرض في آيات القرآن:
غالباً تذكر السموات والأرض في سياق آيات الله الدالة على وحدانيته وربوبيته، ومعلوم أن الآيات في السموات أعظم منها في الأرض لسعتها وعظمها وما فيها من كواكبها وشمسها وقمرها وبروجها وعلومها واستغنائها عن عمد تقلها، أو علاقة ترفعها إلى غير ذلك من عجائبها التي الأرض وما فيها كقطرة في سعتها، ولهذا أمر سبحانه بأن يرجع الناظر البصر فيها كرة بعد كرة، ويتأمل استواءها واتساقها وبراءتها من الخلل والفطور. فالآية فيها أعظم من الأرض وفي كل شيء له آية سبحانه وبحمده.
وأما تقديم الأرض عليها في قوله: (
وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) [يونس:61]
وتأخيرها عنها في سورة سبأ فتأمل كيف وقع هذا الترتيب في سبأ في ضمن قول الكفار: (
لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض) [سبأ:3]
كيف قدم السموات هنا، لأن الساعة إنما تأتي من قبلها وهي غيب فيها ومن جهتها تبتدىء وتنشأ،
ولهذا قدم صعق أهل السموات على أهل الأرض عندها فقال تعالى: (
ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض) [ الزمر : 68 ]
وأما تقديم الأرض على السماء في سورة يونس فإنه لما كان السياق سياق تحذير وتهديد للبشر وإعلامهم أنه سبحانه عالم بأعمالهم دقيقها وجليلها، وإنه لا يغيب عنه منها شيء، اقتضى ذلك ذكر محلهم وهو الأرض قبل ذكر السماء...
فتبارك من أودع كلامه من الحكم والأسرار والعلوم ما يشهد أنه كلام الله وإن مخلوقاً لا يمكن أن يصدر منه مثل هذا الكلام أبداً.
انتهى كلامه رحمه الله