بقلم :عامر عبد المنعم
ما فعلته جريدة اليولدس بوستن الدانمركية من التطاول علي النبي محمد صلي الله عليه و سلم ليس له أي صلة بحرية التعبير . فالإساءة إلي رسولنا جريمة تكشف عن بروز روح التعصب و الكراهية لدي قطاعات من الأوربيين تتنافي مع قدسية الأديان السماوية ، وتتنافي مع حقوق الاعتقاد التي يتحدث عنها منظرو الغرب و روح التسامح التي يصدعون بها أدمغتنا
عدم اعتذار الصحيفة عن هذه الإساءة التي هزت الضمير الإسلامي ،بل و الإصرار علي موقفها يؤكد أن المسألة و كأنها موقفا عدائيا صريحا من القائمين عليها تجاه المسلمين. و كذلك محاولة المسئولين الرسميين الدانمركيين التغطية علي مرتكبي هذه الجريمة يؤكد أننا أمام سلوك جماعي لا يحترم عقيدتنا .
و هذا الموقف المدان يكشف عن أننا نواجه موجة من الحقد و الكراهية للدين الإسلامي مصاحبة للحملة العسكرية الصليبية التي تقودها أمريكا و بعض الدول الأوربية علي العالم الإسلامي .
فما معني أن يرسموا وجها متجهما يزعمون انه رسول الإسلام و يضع علي رأسه عمامة بها قنبلة و مكتوب علي جبته لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و ماذا يريدون عندما يرسموا شخصا ممسكا بخنجر و خلفه سيدتان منتقبتان و يدعون أنه النبي ؟ وماذا يقصدون عندما رسم أحدهم شخصا فوق السحاب ويرفض استقبال أشخاص يتصاعد الدخان من أجسادهم و يقول لهم " توقفوا توقفوا لم يبق لدينا حوريات"؟!
ما نشرته الصحيفة ليس مجرد إنتاج لرسام كاريكاتير تمادى و تخطي حدوده و ينسب إليه وحده هذا الفعل الشنيع ، و إنما هي مسابقة أعلنت عنها هذه الصحيفة و طالبت الرسامين بإظهار مواهبهم الشيطانية و تقديم رسوماتهم للصحيفة . أي أن الصحيفة تعمدت الإساءة للإسلام في شخص رسوله عن عمد و ترصد .
وهذا التصرف من الصحيفة لا يمت بأي صلة للفن أو لحرية الرأي أو لحرية التعبير .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا فعلت الصحيفة هذه الجريمة ؟ و ماذا يفيدها من التهجم علي نبي أكثر من مليار مسلم؟!
إذا كانوا يقصدون أن النبي إرهابي - من خلال الرسومات - ووصم المسلمين كلهم بالإرهاب فهذا جنون و قلة عقل لأنهم يستثيرون عداء العالم الإسلامي كله ضدهم و هذا يخالف المنطق ، وليس في صالحهم إن كانوا يحملون أي رسالة سامية أن يتطاولوا هكذا و بكل هذه البساطة علي نبي مرسل من السماء . و إذا كانوا لا يبالون كثيرا بالعالم الإسلامي فليحترموا مواطنيهم المسلمين الذين يعيشون في الدانمرك و ليقدموا لنا المثل في التسامح الذي يتحدثون عنه و يتهمون الإسلام و نبيه بخلافه .
فإذا كانوا يريدون الحديث عن الإرهاب فليقولوا لنا ماذا تفعل جيوشهم في بلادنا ؟ و من المجرم ومن الضحية؟ ومن يقتل من بأسلحة الدمار الشامل، واليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض؟!
وليقولوا لنا كم مليونا سقطوا في حروب الأوربيين مع بعضهم البعض في الحربين العالميتين؟!
وماذا فعل أجدادهم عندما نزلوا أمريكا و أبادوا الهنود الحمر؟!
إن هذه الهجمة الشيطانية التي جاءت من الدانمرك هذه المرة لا يمكن فصلها عن توجه أوربي معادي لمسناه في السنوات الأخيرة تجاه الإسلام من مستويات مختلفة . إلا أن الإساءات السابقة لم تكن بمثل هذه الفجاجة و الوقاحة .
فقد سبق و أن تطاول رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني على الإسلام و لكن بالهجوم على ما أسماه الحضارة الإسلامية و ادعي أن الحضارة الغربية متفوقة علي الحضارة الإسلامية!! و قوبل يومها بعاصفة احتجاج دولية نظرا لصدور هذه الإساءة من رئيس وزراء . و في ذات الإطار تعرض المسلمون في فرنسا لهجوم من الحكومة في إطار ما عرف بقانون الرموز الدينية ، و تم حظر الحجاب و هو فريضة إسلامية في المدارس الحكومة . ثم ما حدث مؤخرا من تحذير توني بلير من الخلافة الإسلامية التي يسعى الإسلاميون لإقامتها .
نحن إذن أمام حالة عداء صريحة للإسلام ، تجاوزت كل الحدود و فاقت في إجرامها كل السوابق. فالمسلمون لن يقبلوا من حفنة ضالة حاقدة أن تتطاول على أشرف الخلق أجمعين.
فهؤلاء الذين لم يحترموا الإسلام و لا يدينهم بني جلدتهم أبلغ دليل على روح هذه الحضارة الغربية التي تقبل سب دين المسلمين. فاحترام الأديان مقياس علي تحضر الشعوب. وأي مجتمع لا يحترم الأديان غير جدير بالاحترام .
و استمرار هذا التهجم علي الإسلام و رسوله لهو أكبر رسالة من الغرب تحض علي الكراهية .
و الذي ساهم في بروز هذه الحالة المعادية و تصعيدها استمرار الاحتلال الغربي للبلاد الإسلامية و استمرار الشحن المعنوي و المجهود الحربي لمساندة الصليبيين الغزاة و محاولة يائسة لرفع الروح المعنوية لجيوشهم المنهارة و تصوير حروبهم الفاشلة علي أنها حروب مقدسة ضد " الإرهاب الإسلامي " .
فهذه الحملة العسكرية هي التي جرأت هؤلاء المتهوسين علي "قلة الأدب" مع الإسلام .
و لكن ، ستطيش كل هذه الترهات مع انكسار الجيوش الغربية في العراق و أفغانستان . و سيتلاشى هؤلاء الأقزام الذين لم يعرفوا قدر رسولنا مع اندحار القوات الصليبية و شحن جنودهم في نعوش إلي بلادهم غير مأسوف عليهم .
و مع ذلك فإن ما فعلته الصحيفة الدانمركية يحرج الأوربيين الذي يتحدثون عن الحوار بين الأديان و يطلبون منا أن نعمق قيم التسامح و قبول الآخر . هؤلاء الذي التزموا الصمت أمام هذه الجريمة عليهم أولا أن يعلموا أبناء ملتهم احترام الأديان و توقير الأنبياء ، و عليهم قبل أن يأتوا للحوار أن يحسنوا صورة الغرب أمام المسلمين . فمن يسب ديننا و رسولنا لا ينتظر منا الورود و الزهور .
بالتأكيد عدم تصدي عقلاء الغرب أنفسهم لمثل هؤلاء المتطاولين علي الإسلام سيترتب عليه صدام الحضارات و ليس تحاورها ، ثم صدام الأديان و هذا ما لا يرضاه المؤمنون بالله حقا .
و هذا الصدام لن يكون في بلاد بعيدة عنهم كما يظنون ، فالمسلمون أصبحوا جزءا من نسيج كل بلاد العالم ، و لا توجد دولة بلا مسلمين . و المسلم مستعد للتضحية بروحة من أجل الإسلام و نبيه صلي الله عليه و سلم . و ليس من الحكمة تجاهل المسلمين و أهانتهم و ازدراء عقيدتهم بهذا الأسلوب .
إن سب الرسول و التطاول عليه بهذه البذاءة ليس لعبة و ليس وجهة نظر.
فهؤلاء الصغار – للأسف - يشعلون نارًا و لا يقدرون العواقب