الكبد والطحال غذاء ودواء لمعالجة الفاقة الدموية
هما غذاء:
يعتبر الكبد في فن الصحة وفي مباحث الأغذية بمثابة اللحم، لغناها بالمواد البروتينية. وتعتبر في فن الغذاء مدخراً للعامل المضاد لفاقة الدم ومخزناً للحديد الضروري لتكوين خضاب الكريات الحمر، ومخزناً للنحاس المساعد على ذلك. ويحتجز الكبد كمية من الدم في شباكه الشعرية. وتحتوي الكبد على معظم الفيتامينات فهي غنية بالفيتامينات آ ـ A ومجموعة من الفيتامينات ب ـ B وحمض الفوليك (الذي يعجل أيضاً نمو الكريات الحمر في مخ العظام ) والفتامين هـ ـ H (بيوتين أو عامل الجلد).
أم الطحال فإنها ـ وإن كانت من خلائف اللحم كالكبد ـ تعد الرئة من الأعضاء الثقيلة الأقل تغذية من الكبد واللحوم، غير أنها مدفن للكريات الحمر الهرمة ومخزن لحديدها [1].
وهما مباحان شرعاً من أي حيوان مباح اللحم .
هما دواء
1. فوائد الكبد :
لقد أثبت العالم الأمريكي وايبل Whipple أن أكل الكبد النيئة يفيد فائدة كبيرة في معالجة فاقات الدم المختلفة، ولا سيما فقر الدم الخبيث، كما يفيد في معالجة قصور الكبد والأمراض الأخرى التي تضطرب فيها وظيفة الخلايا الكبدية.
أم مقدارها فهو 150ـ 300 غرام كل يوم مفرومة ومدسوسة في أغذية نيئة أخرى، أو موضوعة في شطيرة أو مع اللحم المدقوق، وذلك ليسهل قبولها. أم إذا تقزز المريض منها ولم يحتملها، فتشوى شيئاً خفيفاً أو تسلق خلال 2ـ 3 دقائق، ثم يأكلها المريض ويشرب ماء السلق أيضاً. وإذا لم يحتملها المريض بالرغم من ذلك، فتعطى له خلاصة الكبد المستعملة شرباً أو حقناً.
ولقد تبين أخيراً أن الكبد المطبوخ ـ مسلوقاً كان أم مشوياً ـ لا ينقص شيء هام من فوائده، كما كان يعتقد فيما مضى .
ويفيد استعمال الكبد المرضى المكبودين، إذ أنه ينشط الوظيفة الصفراوية والسكرية والمضادة للسموم عند المصابين بقصور الكبد. وتعدل خلاصة الكبد المائية سموم كثيرة من جراثيم الأمعاء الحالة للدم.
وأهم استطبابات الكبد وخلاصته هو فقر الدم، ولا سيما الخبيث (داء بيرمر) وذلك لاحتوائه على العامل المنضج للكريات الحمر وهو الفيتامين (ب12) وعلى قليل من الحديد العضوي والبروتينات [2].
2. فوائد الطحال:
يفيد الطحال ـ وخاصة الغنم ـ مضاداً لفقر الدم، ولا سيما في المصابين بالبرداء (الملاريا) . وذلك لغناه بالدم وعناصره المختلفة. تفيد خلاصته المستعملة حقناً في معالجة بعض أمراض الجلد المصحوبة بالحكة وفي معالجة البرص. ويفيد مزيجها بخلاصة الكبد في معالجة فقر الدم الخبيث.
ويستعمل مسحوق الطحال المجفف بمقدار (0.25 ـ 2) غ في برشان، كما تستعمل خلاصته حقناً، وهي توجد في حبابات بحجم 1_5 سم3، تعطى حبابة كل يوم حقناً عضلياً[3].
وهكذا يمكن للمصاب بالفاقة الدموية أن يتناول الكبد والطحال كغذاء ودواء، فيوفر على نفسه من مصاريف التداوي ويدعم اقتصاد بلاده بالإقلال من المستوردات .
هذا، ويدخل الامتناع عن الكبد والطحال في عداد حمية المصابين بالنقرس أو بالرمال البولية ؟
هل هما دمان ؟
لقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما : " أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال" [4]فما هو وجه إطلاق اسم الدم عليهما، مع أنه لكل منهما نسيج خاص به تخترقه العروق الدموية الشريانية والوريدية كما تخترق باقي الأعضاء ؟
الجواب على ذلك من أوجه :
1. يمكن أن العرب كانوا يعتبرون الكبد والطحال من الدماء. وبما أن الإسلام حرم الدم فاستثناهما ـ حسب اعتبار المخاطبين ـ من التحريم وأحلهما.
2. إن كثرة احتوائهما على الدم توجب الشبهة بتحريمهما لتحريم الدم فدفعت الشبهة بإعلان حلّهما.
3. إن ذلك الإطلاق ليس من باب ذكر الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز. ففي الحديث تشببيه بليغ حيث أطلق (دمان) على الكبد والطحال لكثرة الدم والعروق الدموية فيهما، نسبة إلى الأعضاء الأخرى، فإنهما يمتازان بميزات دموية دورانية وهي غنى الشبكة الشعرية فيهما، ووجود تفرعات وريد الباب في الكبد، ووجود الجيوب الوريدية في الطحال، فهما أغنى الأعضاء بالدم.
إن القول بوجود تشبيه في ذلك الحديث ليس بدعاً من القول، فقد سبق إليه العلماء المتقدمون. قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره قوله تعالى : " إنما حرَّم عليكم الميتة والدم .. " من سورة البقرة (المسألة الثانية ) اختلفوا في قوله عليه الصلاة والسلام : " أحلت لنا ميتتان ودمان .. " .
هل يطلق اسم الدم عليهما فيكون استثناءً صحيحاً أم لا ؟ فمنهم من منع ذلك لأن الكبد يجري مجرى اللحم وكذا الطحال، وإنما يوصفان بذلك تشبيهاً، ومنهم من يقول هو كالدم الجامد ويستدل عليه بالحديث.
4. وهناك وجه آخر للمجاز: وهو أن هذين العضوين يتدخلان في توليد الكريات الحمر في الإنسان والحيوان، فإن الكبد باحتوائها على العامل المنضج للكريات الحمر تنبه النقي في توليد تلك الكريات وتساعد على اكتمال نموها نضوجها. أما الطحال فإنه ـ كما ذكرت ـ يعتبر مدفناً للكريات الحمر الهرمة ومخزناً لحديدها ليقدمه من جديد إلى الدم الذي يوصله إلى نفي العظام، فيستخدمه هذا في تكوين خضاب الكريات الحمر.
فالكبد والطحال دمان من باب المجاز المرسل والعلاقة هي السبب والله تعالى أعلم .
بقلم الدكتور محمود ناظم النسيمي
منقوووووووووووول