على شاطئ البحيرة, جلس بجواره فى بساطة وهو مطمئن تماماً..حتى ليحسبهما الرائى صديقين !!
.
.
تنهد الأسد في حسرة قائلاً: أتعلم أيها الفأر الصغير أن مثلك لم يكن ليجرؤ يوماً ما فى الماضى القريب من الجلوس هكذا بجانب أى فرد من أفراد عائلتى!
إبتسم الفأر فى سخرية قائلاً: لماذا أيها الأسد؟ وماذا كنتم فى الماضى حتى كنت أخاف منكم هكذا؟!
أجابه الأسد: لم تكن الفئران وحدها هى من تخاف منا ياعزيزى, بل كانت كل الحيوانات هكذا..كنا ملوك الغابة بلا منازع...كنا أسيادها حتى حدث ما حدث وما ترى الآن...
قال الفأر متعجباً : وماذا حدث ؟ ألم تكن أحوال الغابة كما هى اليوم يحكمها الحمير؟!... إحكى أيها الأسد ما كان يبدو أن ورائك قصة...!
طأطأ الأسد رأسه وتنهد بحسرة, ونظر إلى صورته المنعكسة فوق صفحة المياه وبدأ يحكى وكأنه يروى فيلم سينيمائى قديم..: قديماً كنا الأقوى, كان معروفاً أن الأسد هو الملك بلا منازع, كان يخاف منه الإنسان والحيوان والطير.. فلا يقترب منا إنسان ولا يتحدانا حيوان ولاطائر.. كان لنا كل شئ.. كان الواحد منا يمشى مرفوع الرأس واثقاً أن ليس هناك أحد أقوى منه, كانت العدالة تسود ياعزيزى .
_ أى عدالة تقصد؟؟!
أكمل الأسد: العدالة أيها الفأر..هناك قوى يحكم, هناك حاكم ومحكومين, لكل منهم دور فى هذه الحياة لايتعدى أحد على دور غيره مثلما يحدث الآن!
_ عذراً أيها الأسد فلم أراكم يوماً مثلما تحكى , لم أعرف غير حكامنا الحمير... لم أراك غير محكوماً وخادماً لهم, فى الحقيقة كنت أتعجب من قوتك ومن ضعفهم,لكنى لم أتحدث يوماً عما أراه مناسباً ... تعلم غير مسموح هنا بمثل هذه الأحاديث فى القانون الحميرى !... لم أراك يوماً غير خادماً تأكل الفتات الذى يُقدم لك, وتنساق ورائهم مثلنا جميعاً هنا..!
أطلت من عينى الأسد نظرة حزينة وقال: خادماً!!! ... فتات! أتعلم أننا معشر الأسود لم نكن نأكل غير مايتم صيده فى لحظته وكنا نعاف الجيفة ولا نقربها..لم نأكل الفتات سوى الآن..
صاح الفأر: فماذا حدث إذن كى تصبح هكذا, يحكمك ....!
_لاتتعجل سأحكى لك كل شئ, كما قلت لك كنا الأقوى, وكنا نحن من يحكم هنا, وكان الجميع تابع لنا... كنا دوماً معاً لم يكن لنا رأيان أبداً وإنما كنا نجتمع حول رأى واحد دوماً, فلم نختلف يوماً فقد كانت شريعتنا واضحة, لهذا دامت لنا هذه الأرض لسنوات وسنوات.. حتى جاء اليوم الذى إختلفنا فيه معاً , وكثر حديثنا عن إنشقاقنا, فعلم الجميع به, بعد أن كان لايعلم به غيرنا , وكان إختلافنا هذا فرصة لضعاف الحيوان من الإقتراب منا على غير المعروف فى عالمنا.. فأصبح كل أسد له من الحيوانات الأخرى أصدقاء ومقربين يوسوسون له بما يزيد من فرقتنا, فقد وجدوا إبتعادنا هذا فرصة لهم لكى يرتقوا ويفرقوا فيما بيننا كى يتاح لهم الحكم وأن يصبحوا فى مكان قوة...فكثرت الفتن, ولم يكن يمر يوم دون أن نتقاتل بعد كذبة أسمعها من هذا أو خبر ملفق يسمعه من ذاك, وكنا نصدق ولا نفكر فيما يُقال ونتقاتل فى كل مرة , ولم يمر وقت طويل حتى ضعفنا, وخارت قوتنا وأصبحنا أضحوكة الغابة, بعد أن كان الكبير قبل الصغير يخاف منا .. وإستمر الحال وكان لابد من ملك يحكم بعد إنشغالنا بخلافاتنا والإستماع إلى الأكاذيب, وكانت تلك الفرصة الذهبية للحمير أن يبدأوا التحكم فينا وفى كل الحيوانات, وهكذا فقد إعتلى العرش ...., ومن وراءه .... ... لم يتركوا لنا فرصة الإتحاد ثانيةً, فحرصوا على إشعال الأمور أكثر حتى قويت شوكتهم وحكمونا بيد من حديد حتى لاتتاح لنا فرصة العودة إلى ما كنا عليه من جديد..
تعجب الفأر وقال: إنما أنت الأقوى كيف ترضى بهذا الذل أن يدوم بك طويلاً؟؟!
_ أتعلم ماذا يحدث فى السيرك؟!
_ماذا تقصد بالضبط؟
_ أقصد ألم ترى هناك أسود ونمور وغيرهم؟؟!
_نعم...
_ وكيف يكونوا؟؟... ألم تراهم يفعلون ما يأمرهم به إنسان ويخضعون له فى ضعف؟؟
_ نعم...
_ أتدرى لماذا نجح هذا الإنسان في فعل هذا؟ إنها الحرية ياعزيزى الفأر.. الحرية عندما تُسلب من أقوى الأقوياء يتحول إلى خادم يفعل ما يؤمر به.. وهذا ما حدث لنا, بعد تفرقنا وبعد أن تولى الحكم هؤلاء الحمير حرصوا على ألا نتمتع بأى قدر من الحرية فكل شئ بحساب... يحرصوا أن نكون فى خلاف دائم حتى لانجتمع سوياً ونطيح بهم .. إنهم الأضعف وهم يعلمون ..لكننا متفرقون ومسلوبوا الحرية..
ضحك الفأر طويلاً... ثم قال: ياللعجب.. تعلم جيداً أنك الأقوى وتتحدث بمثل هذا الخضوع وتترك الأضعف يسلبك حريتك وتجلس تبكى عليها فى صمت وتعيش فى "كان" و"كنا" و"قديما" ولاتفعل شئ..! بالتأكيد كل قومك يعلمون هذا ولكنهم مثلك..يتحدثون فقط... أتعلم! ما رأيك كما تبادلتم الأدوار أن تتبادلوا الأسماء أيضاً فإسمك لا يليق بمثل هذا الضعف ....
ومضى تاركاً إياه يبكى على ما كان متأملاً وجهه على صفحة المياه ...