الملك المملوكي قطز
في سنة ثمانية وخمسين وستمائة هجرية، كاتب بيبرس البندقدار الملك المظفّر قطز صاحب مصر، فمنحه الملك قطز الأمان. وحين أقبل عليه، أنزله قطز في دار الوزارة وأقطعه أماكن كثيرة.
معركة عين جالوت (1260م)
في هذه السنة خرج الملك المظفّر قطز، ملك مصر، وجمع عساكره من التراكمة والشهرزوية لقتال كَتُبْغا ومن معه من التتر. فسار في بداية شهر رمضان المبارك قاصداً بلاد الشام. ولما وصل خبر قدوم المسلمين إلى كتبغا، الذي كان نائب هولاكو على الشام، جمع عساكره، والتقى الجمعان في عين جالوت بالقرب من بيسان. وجرت هناك معركة حامية الوطيس، وانهزم التتر هزيمة قبيحة، وقتل قائدهم كتبغا، وأُسِر ابنه. وهرب منهم الكثيرون أو أسروا، ولحق ركن الدين الظاهر بيبرس البندقدار بفلولهم.
ثم سار الملك المظفّر قطز إلى الشام يرتّب الأمور هناك، حتى خلت الشام من التتر، الذين كانوا قد استولوا على الشام مدة سبعة اشهر.
مقتل الملك قطز
لما كان الملك المظفّر قطز في طريق عودته إلى مصر، اتّفق بيبرس البندقداري مع جماعة من المماليك الصالحية على قتله. فلما حانت الفرصة حمل عليه بيبرس البندقداري الصالحي وضربه بالسيف، واجتهد الجميع عليه ورموه عن فرسه وقتلوه بالنشاب.
وكان هذا سنة 658 هجرية. وقد حكم الملك المظفّر قطز مدة أحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً .
ما سبب القتل؟
كان بيبرس قد سأل الملك المظفر قطز أن يجعله والياً لولاية حلب، فلم يجبه لطلبه هذا، ولهذا أضمر له الغدر.
يقتل الملك ويجلس مكانه !
لما وصل بيبرس ومن معه إلى الدهليز بالصالحية، كان هناك نائب السلطنة فارس الدين أقطاي. فسألهم أقطاي: "أيهم منكم الذي قتل الملك"؟ فقال له بيبرس: "أنا قتلته". فقال له أقطاي: "اجلس في مرتبة السلطنة". فجلس وحلفت له العساكر في اليوم الذي قتل فيه الملك قطز. وأطلق على نفسه لقب "الملك الظاهر بيبرس".
القاهرة المسكينة
وكانت القاهرة وسائر مدن مصر قد زيِّنت احتفالاً باستقبال الملك المظفّر قطز، الذي حقق النصر على التتر. فكانت زينتها احتفالاً باستقبال قاتله ومغتصب عرشه!
الملك قطز بين فكّي التاريخ
إن العمل العظيم الذي قام به الملك المظفّر قطز أنقذ العالم الإسلامي كله من مذابح التتر الذين كانوا قد اعملوا السيف في رقاب الناس في بغداد وهاجموا دار الخلافة وقتلوا كل من كان فيها من الإشراف. ولم يسلم من القتل إلا من كان صغيراً ، فأخذ أسيراً .
وقد دام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوماً، وكان الخليفة المستعصم من بين القتلى، وقيل غرق، وقيل رموه تحت أرجل الدوابّ، وقيل رفسوه حتى الموت.
وهذا كان أيضاً مصير مدن الشام: حلب وحماة ودمشق ونابلس وعجلون وغيرها. وقد أنقذ قيام الملك قطز بتوحيد جيوش مصر والسير لمقاتلة التتار وانتصاره عليهم في عين جالوت بلاد المسلمين من وحوش هولاكو.
ولكنّ هذا الملك الذي أنقذ البلاد، كان مصيره القتل غدراً على يديّ بيبرس الذي أتاه صفر اليدين من الشام، فعطف عليه وأحسن إليه وأقطعه الأراضي ورفع مكانته الحربية.
وقد قتله بيبرس وانتزع الحكم منه وعاد من الشام للقاهرة وكأنه هو قاهر التتر! وحرم صاحب النصر الحقيقي من تذوّق نشوة النصر وهتاف الأهالي وولاء الأمراء !
منقول