عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا، فاستوفي منه، ولم يعطه أجره رواه البخاري .
:
الشَّرْحُ
قال المؤلف في كتابه ( رياض الصالحين ): باب تحريم الغدر، وقد تقدم معناه والكلام على الآية الأولى مما صدر به المؤلف الباب وهي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أما الآية الثانية فهي قول الله تعالى: { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } أمر الله أن يوفي بالعهد، يعني إذا عاهدت أحدا وقلت: عليك عهد الله ألا أفعل كذا أو ألا أخبر بما أخبرتني به أو ما أشبه ذلك، فإنه يجب عليك أن تفي بالعهد لأن العهد سوف تسأل عنه يوم القيامة، ولهذا قال: { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } أي: مسئولا عنه يوم القيامة، ثم ذكر أحاديث سبق لنا الكلام عليها، أي شرحها، وأعظمها أنه ينصب لكل غادر يوم القيامة لواء، اللواء ما يكون في الحرب مثل العلم يرفع لكل غادر لواء تحت استه والعياذ بالله، أي تحت مقعدته، ويرتفع هذا اللواء بقدر غدرته إن كانت كبيره صار كبيرا، وإن كانت صغيرة صار صغيرا، ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان .
والعياذ بالله، وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد وفيه أيضا أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم، وأن ما ذكر من أن الإنسان يوم القيامة يدعى باسم أمه فيقال يا فلان بن فلانة، فليست الحقيقة، بل إن الإنسان يدعى باسم أبيه كما يدعى به في الدنيا .
وفي الحديث الأخير أيضا التنبيه على مسألة يفعلها كثير من الناس اليوم، وهي أنهم يستأجرون الأجراء ولا يعطون لهم أجرا، هذا الذي يفعل يستأجر الأجير ولا يعطيه أجره يكون الله عز وجل خصمه يوم القيامة، كما قال تعالى في الحديث القدسي: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر يعني: عاهد بي ثم غدر والثاني رجل باع حرا فأكل ثمنه حتى لو كان ابنه أو أخاه الأصغر ثم باعه وأكل ثمنه يكون الله عز وجل خصمه يوم القيامة، والثالث هذا الرجل الذي استأجر أجيرا فاستوفى منه وقام الأجير بالعمل كاملا ثم لم يعطه أجرته ومن ذلك ما يفعله بعض الناس اليوم في العمال الذي يأتون بهم من الخارج، تجده يستأجره بأجرة معينة مثلا ستمائة ريال في الشهر، ثم إذا جاء به إلى هنا ماطل به وآذاه ولم يؤت له حقه، وربما يقول له تريد أن تبقى هنا بأربعمائة ريال وإلا سافرت، هذا والعياذ بالله يكون الله خصمه يوم القيامة، ويأخذ من حسناته ويعطيها هذا العامل، لأن قوله إما أن تعمل بأربعمائة وإلا سفرتك، هذا استأجره بستمائة ولم يعطه أجره، فيدخل في هذا الوعيد الشديد، وهؤلاء الذي يأتون بالعمال ولا يعطونهم أجورهم أو يأتون بهم وليس عندهم شغل، ولكن يتركونهم في الأسواق، ويقول اذهب وما حصلته فلي نصفه، أو مثلا يقول اذهب وعليك في الشهر ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال، كل هذا حرام والعياذ بالله، ولا يحل لهم، وما أكلوه فإنه سحت، وكل جسد نبت من السحت فالنار أولى به، وهؤلاء الذين يأكلون أموال هؤلاء العمال المساكين، هؤلاء لا تقبل لهم دعوة والعياذ بالله، يدعون الله فلا يستجيب لهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب .
ومطعمه حرام وملبسه حرام، وغذي من حرام، فأنى يستجاب له وما يأكل هؤلاء من أجور هؤلاء العمال أو يظلمونهم به، فإنهم يأكلونه سحتا نسأل الله العافية .
فعلى الإنسان أن يتقي الله، أنا أعلم أنكم سوف تبلغون هذا إلى هؤلاء الظلمة والعياذ بالله، الذين عاقبهم الله عقوبة عاجلة والعياذ بالله ما هي العقوبة العاجلة ؟ استمراء هذا العمل والاستمرار فيه والإصرار عليه، فإن الإصرار على الذنب عقوبة والعياذ بالله إذا لم يمن الله على الإنسان بالتوبة من الذنب فاعلم أن استمراره في هذا الذنب عقوبة من الله له، لأنه لا يزداد بهذا الذنب من الله إلا بعدا ولا تزداد سيئاته إلا كثرة، ولا يزداد إيمانه إلا نقصا .
فنسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق