نيرون الرجل الذي أحرق شعبه
لو كان لكتاب التاريخ يد لكان مدها ليمحى بها صفحات من الوحشية والقسوة سطرها فيه العديد من الطغاة والظالمين، فلا يشرف التاريخ إطلاقا بانضمام أشخاص استعملوا نفوذهم كحكام وأباطرة للدول في تعذيب شعوبهم وإذاقتهم ويلات الظلم والقهر.
وبالنظر إلى صفحات التاريخ نجد بعضها يقطر دماً وتتصاعد منه أهات وأنين، ومن هذه الصفحات المؤلمة تطل علينا شخصية نيرون الإمبراطور الروماني الذي لم يدخر جهداً في تعذيب أبناء شعبه وقتل القريب منه والبعيد، وماذا ننتظر من شخص قتل أمه ومعلمه؟.
النشأة
ولد نيرون عام 37م بأنتيوم والده هو جناوس دوميتيوس أهينوباريوس كان من طبقة النبلاء بروما أما والدته فهي أجربينا الصغرى حفيدة الإمبراطور أوغسطس، والتي من الممكن أن يكون نيرون قد ورث عنها ميوله الوحشية.
توفى والده عندما كان نيرون ما يزال طفلاً صغيراً فقامت والدته بالزواج من الإمبراطور كلوديوس عام 49م، وبعد زواج أجربينا وكلوديوس قام الأخير بتبني نيرون فجعله كابن له وأطلق عليه اسم نيرون كلوديوس دوق جرمانكوس، كما تزوج نيرون من أوكتافيا ابنة كلوديوس.
نيرون إمبراطورا
صعد نيرون إلي عرش روما وهو في الخامسة عشر من عمره، وبدأ منذ هذه اللحظة سلسلة من الأحداث المتتابعة فلم يصعد نيرون إلى العرش لأنه يستحقه أو لأنه ابن للإمبراطور السابق، بل لقد قامت والدته بدس السم لكلوديوس لكي يعتلي أبنها العرش.
كانت السنوات الأولى التي أعتلى فيها نيرون عرش الإمبراطورية الرومانية سنوات معتدلة تميزت بالاستقرار النسبي، وقد أرجع البعض هذا نظراً لوجود معلمه " سينيكا" بجواره يوجهه ويرشده، هذا المعلم الذي اعتنى بالقيم والأخلاق وترويض النفس، ولكن دوام الحال من المحال فما لبث أن قام نيرون بإتباع أساليب عديدة من العنف والجور والظلم لأبناء شعبه فقتل وعذب وقهر.
تساقط القتلى
تبع صعود نيرون إلى عرش الحكم تحوله إلى الظلم والقهر، وبدأت معاناة الشعب ولم يقتصر هذا على الشعب فقط بل امتدت يده لتبطش بأقرب الناس إليه فقتل أمه ومعلمه "سينيكا" كما قتل زوجته أوكتافيا، وأخاه، وانتقلت يده لتقتل بولس وبطرس الرسولين المسيحيين زيادة في بطشه وظلمه وطغيانه.
قيل في إحدى الروايات عن قتله لزوجته أوكتافيا أنه عندما كان يؤدي دوراً في مسرحية وكان يمسك بيده صولجاناً فسقط من يده، وقامت زوجته بمدح أدائه في المسرحية ولكنها علقت بقولها " ولكن لو أنك لم تسقط الصولجان" وكانت هذه الجملة هي نهاية أوكتافيا فبادر نيرون بقتلها، وكانت المسكينة أوكتافيا عبرة لغيرها فلم يستطع أحد بعدها أن ينتقد أي عمل يقوم به نيرون.
وعن السبب الذي دفعه لقتل معلمه قيل أن " سينيكا" كان فيلسوف روماني شهير له شعبيته بين الشعب وكان المعلم الخاص لنيرون ومستشاره المخلص فعمل على تقويمه وكبح جماح وحشيته، ولكن ألتف المرابين حول نيرون وتحولت أخلاقه من سيء إلى أسوء، فأكثر "سينيكا" من توبيخه محاولاً تعديله وتقويمه دون فائدة، وفي النهاية ضاق نيرون من معلمه ونصائحه المستمرة له، كما أوشى له البعض بضرورة التخلص من "سينيكا" خاصة لما كان له من تأثير قوي على الشعب الذي كان يلتف حوله فوجب إسكاته، وبالفعل عقد نيرون العزم على قتله ولما علم "سينيكا" بهذا فضل أن يقتل نفسه على أن يتم قتله على يد هذا الطاغية.
حريق روما
جاء انتشار الديانة المسيحية في روما لتكون سبباً أخر في زيادة ظلم نيرون، خاصة عندما وجد أن كثير من الشعب قد دخل إلى المسيحية، وجاء التاريخ ليدون واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت فيه وهي حريق روما الشهير عام 64م، حيث عمل على زيادة تعذيب الشعب وجاءت أبشع صور طغيانه لتضيف جريمة جديدة لتلك التي فعلها في حياته حيث قام بإشعال النار في روما وجلس متفرجاً، متغنياً بأشعار هوميروس ومستعيداً لأحداث طروادة، وانتشرت النيران في أرجاء روما واستمرت مندلعة لأكثر من أسبوع حاصدة معها أرواح البشر من رجال ونساء وأطفال، كما زاد في جوره وطغيانه للمسيحيين ولم يترك أي وسيلة لتعذيبهم إلا وفعلها.
بعد حريق روما وتصاعد النبرة الغاضبة الكارهة له سواء من شعبه أو من باقي ملوك أوربا، مشيرة إلى أنه السبب وراء هذا الحريق الهائل، عمد إلي إيجاد ضحية جديدة ليفتدي بها نفسه فكان عليه أن يختار ما بين اليهود والمسيحيين، وبما أن اليهود كانوا تحت حماية بوبياسبينا إحدى زوجات نيرون، فلم يتبق لديه سوى مسيحي روما فألصق تهمة الحريق بهم، فسفك دمائهم وعمد إلى اضطهادهم، وحشد الشعب من أجل هدف واحد وهو قتل المسيحيين وتعذيبهم في مشاهد دموية وحشية بشعة.
لكل ظالم نهاية
لكل ظالم نهاية وكثرة الظلم تولد الثورات، فاجتمع العديد من الناس ورجال المملكة على عزل نيرون، فتم عزله وحكم عليه بالقتل ضرباً بالعصى، وشاءت الأقدار أن اليد التي امتدت لتقتل وتبطش هي نفس اليد التي تلتف وترتد لصاحبها مرة أخرى لتقتله، فقد أبى نيرون على نفسه أن يقتل بيد شعبه فقتل نفسه، وقيل في بعض الروايات أنه أمر كاتم أسراره بقتله، وقيل أيضاً أن الجنود انقضوا عليه فقطعوه بسيوفهم قطعاً، فكانت وفاته عام 68م.
مبارك أحد رواد التعليم في مصر
علي باشا مبارك أحد الأعلام الهامة بجمهورية مصر العربية والذي كان له دور أساسي في النهضة التعليمية بمصر، هذا بالإضافة لتأليفه للعديد من الكتب التي أثرت المكتبة العربية، وقد تم إطلاق اسم " أبو المعارف المصرية" عليه.
النشأة
ولد علي مبارك عام 1824م بقرية برنبال الجديدة من أعمال مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، لعائلة كريمة متوسطة الحال، والده هو الشيخ مبارك بن سليمان بن إبراهيم الروجي، تلقى مبارك تعليمه الابتدائي في كتاب القرية، ونظراً لتفوقه تم اختياره للتعلم في المدرسة الجهادية بالقصر العيني، ثم التحق بالمدرسة التجهيزية بأبي زعبل، التحق بعد ذلك في عام 1839م بمدرسة المهندسخانة، وقد تلقى مبارك في هذه المدرسة العديد من العلوم مثل الميكانيكا، الديناميكا، الهيدروليكا، الطبوغرافيا، الفلك، الكيمياء، الجيولوجيا.
عقب تخرجه عام 1844م، ونظراً لتفوقه ونبوغه تم اختياره للسفر في بعثة دراسية إلى فرنسا بمرافقة أنجال محمد علي باشا ومجموعة من الطلاب النابغين، وفي فرنسا قام مبارك بدراسة العلوم العسكرية لمدة خمس سنوات، فألتحق بالمدرسة المصرية الحربية بباريس، أعقبها بدراسة المدفعية والهندسة الحربية بكلية متز، ثم جاءت مرحلة من التدريب بالجيش الفرنسي، وعقب وفاة محمد علي باشا 1848م، تم استدعاء البعثة فعادوا إلى مصر.
المجال العملي
في عهد عباس باشا بدأ على مبارك مشواره العملي كمعلم بمدرسة المدفعية بطرة، ثم رقي إلى وظيفة مراقب على امتحانات الهندسة بالأقاليم، كما تم تكليفه من قبل عباس الأول هو وشخصين آخرين بمشروع لتنظيم ديوان المدارس، فكلف مبارك بنظارة المدارس والعمل على تنفيذ المشروع والإشراف عليه، وبالفعل نفذ المشروع على أحسن وجه فقام مبارك بإعادة ترتيب ديوان المدارس وعين المدرسين، كما شارك في تأليف عدد من الكتب الدراسية، وقام بتدريس عدد من المواد وغيرها من الأمور التي تعمل على الارتقاء بالتعليم في مصر.
وعند تولي سعيد باشا الحكم عام 1854م، قام بعزل علي مبارك وأرسله مع الجيش المصري إلى حرب القرم، ومكث هناك قرابة العامين، وبعد عودته لمصر تم تعينه وكيلاً في نظارة الجهادية، ثم مهندس مقيم لجزء من مصر العليا، كما ساهم في تعليم الضباط.
ومع تولي إسماعيل باشا مقاليد الحكم في مصر 1863م، عين مبارك مشرفاً على القناطر الخيرية، وتولى مسئولية إعادة توجيه مياه النيل من فرع رشيد، كما تم تكليفه من قبل إسماعيل باشا بمشروع معماري يهدف على إعادة تنظيم مدينة القاهرة، هذا المشروع الذي عمل مبارك على تنفيذه ببراعة فشقت الطرق الواسعة وخططت الميادين وشيدت المباني، ومازال وسط القاهرة يحمل ملامح هذا التخطيط الذي قام به.
هذا بالإضافة لقيام الخديوي بتكليفه بتمثيل مصر في النزاع الناشئ بين كل من الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، فحقق النجاح في فض هذا النزاع، ليثبت مبارك مرة بعد أخرى تفوقه وتميزه.
تم تعينه بعد ذلك وكيلاً عاماً لديوان المدارس، مع استمراره في عمله كناظر على القناطر الخيرية، ثم ناظراً للمعارف عام 1868م، وناظراً للأشغال العمومية ، ثم تولى نظارة عموم الأوقاف.
جهوده في النهضة التعليمية
ظهر علي مبارك في عصر كانت الدولة المصرية فيه تنتقل إلى مرحلة أخرى أكثر تقدماً، حيث كان حاكم مصر محمد علي باشا عاكفاً من اجل إجراء إصلاحات شاملة في كافة المجالات والتي كان التعليم أحد أركانها الأساسية، فعمل على إنشاء المدارس وإرسال البعثات التعليمية إلى أوروبا، وظهر عدد من رواد النهضة التعليمية في ذلك الوقت مثل علي مبارك ورفاعة الطهطاوي الذين اخذوا على عاتقهم مهمة الارتقاء بالتعليم في مصر.
كان مشروع علي مبارك والذي عرف " بلائحة رجب" هو أول المشاريع الفكرية التي ظهرت عام 1868م، ويرجع تسمية المشروع بهذا الاسم نسبة إلى شهر رجب الذي انطلق فيه هذا المشروع، والتي تحددت أهدافه في نشر الكتاتيب في مصر وزيادة عدد المدارس الابتدائية، كما اهتم مبارك بإعداد المعلم، فطالب بإنشاء " مدرسة العلوم" عام 1872م، والتي هدفت إلى تخريج أساتذة للغة العربية والآداب للمدارس الابتدائية، كما قام بتأسيس دار الكتب عام 1870م، وأنشأ مجلة " روضة المدارس" على نفقة وزارة المعارف، كما اهتم بالتعليم الفني فتم إنشاء عدد من المدارس الفنية فتم إنشاء مدرسة التلغراف ومدرسة المساحة.
مؤلفاته
قدم على مبارك للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الهامة والتي نذكر منها موسوعة " الخطط التوفيقية الجديدة" والتي تتألف من عشرين جزء قام المؤلف بتقسيمها إلى الستة أجزاء الأولى للقاهرة، والجزء السابع لمدينة الإسكندرية والأجزاء الأخرى تتناول باقي المدن المصرية ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً تاريخياً وجغرافياً للباحثين نظراً لتناوله المدن المصرية منذ العصور القديمة مروراً بوصف لمساجدها وزواياها وكنائسها وغيرها.
كما ألف كتاب " تنوير الأفهام في تغذى الأجسام " تم طبعه عام 1872م، و كتاب " نخبة الفكر في تدبير نيل مصر "، "علم الدين "، وكانت أخر مؤلفاته كتاب " آثار الإسلام في المدينة والعمران "، هذا بالإضافة لعدد من الكتب المدرسية مثل تقريب الهندسة، حقائق الأخبار في أوصاف البحار، تذكرة المهندسين، الميزان في الأقيسة والأوزان.
الوفاة
توفي على باشا مبارك في 14 نوفمبر عام 1893م في منزله بمنطقة الحلمية الجديدة، متأثراً بالمرض، بعد حياة حافلة قضى جزء كبير منها في التفاني من أجل نهضة بلده.
هوميروس ملحمة من الغموض
شاعر إغريقي شهير وأحد أعلام الأدب في العصور التاريخية القديمة، احتل هوميروس مكانة عظيمة عند شعبه، فيعد رمزاً للوطنية ومصور للتاريخ اليوناني القديم، وهوميروس هو صاحب الملحمتين الشعريتين الإلياذة والأوديسا" واللتين حصل بهما هوميروس على لقب" صاحب أعظم الملاحم البطولية في التاريخ"، هذا على الرغم من الغموض الذي يحيط به.
قال أفلاطون عنه إن من بين الإغريق من يعتقد اعتقاداً راسخاً أن "هوميروس يستحق أن ينظر إليه كمعلم في مجال إدارة الشئون الإنسانية وتهذيبها، وأن على المرء أن ينسق حياته كلها مترسماً خطى هذا الشاعر".
ظهر الكثير من الجدل والخلاف حول هوميروس في نشأته وحياته بل أن البعض يشكك في وجوده أصلاً ويقال إنه ربما يكون شخصية أسطورية، كما شكك البعض الأخر في إذا ما كانت الملحمتين الشعريتين منسوبتين إليه بالفعل أم لأخرين، ولكن على الرغم من هذا تبقى الإلياذة والأوديسا شاهدتين على أديب عبقري جسد بهما العديد من الأحداث التاريخية الهامة.
عرفت أشعار هوميروس بتأثيرها البالغ في الأدب والثقافة والتربية، والتي أصبح ينظر إليها على أنها أساس للأخلاق ومعين للعلم والمعرفة، عمل هوميروس على التدقيق والتهذيب في أساليبه الشعرية مما جعله دائم الارتقاء بها وقد ظهر هذا في ملحمتيه الشعريتين الخالدتين " الإلياذة والأوديسا" وهما عبارة عن قصتين شعريتين تمكن بهما هوميروس من احتلال مكانة بارزة في الأدب العالمي.
حياته
تعددت آراء العلماء حول نشأة هوميروس فلا أحد يعلم على وجه الدقة شيء عن حياة هذا الشاعر، فمنهم من يرجع نسبه إلى عدد من الآلهة الإغريقية القديمة، ومنهم من يرجع نسبه إلى عائلة متواضعة الحال ومن المرجح أن هذا الجدل قد نشأ حوله نتيجة لأنه لم يكن مثل باقي الشعراء الذين يذكرون شيئاً من حياتهم في قصائدهم الشعرية، مما أفسح المجال أمام العديد من العلماء لكي يحيكوا القصص المختلفة حول نشأته وحياته.
يقال إن هوميروس قد مال في الصغر إلى سماع القصائد وحفظ الأناشيد، وأنه بدأ يتغنى بشعره فتم رفضه في بداية الأمر وذاق مرارة الفقر، ثم نبغ بعد ذلك وزاد إتقانه للأدوات الشعرية فوجد الاستحسان والقبول من طبقة الأثرياء التي تنافست لدعوته للقصور من اجل التغني بأمجادهم والإشادة بتاريخهم هم وأسرهم وأبطالهم، ومن خلال ذلك تنقل هوميروس بين العديد من المدن الأمر الذي جعله يجمع قدر كبير من الثقافات والمعرفة عن عادات ومعتقدات مختلفة، مما جعل عنده رصيد ضخم من المعلومات والذي ساعده بعد ذلك على نظم العديد من القصائد التي تخلد المواقف والأحداث التاريخية.
وتشير عدد من الروايات أن هوميروس كان ضريراً أو أنه كان مبصراً وفقد بصره بعد ذلك، كما يقال إنه عاش عمراً طويلاً ومات بجزيرة تدعى "ايوس".
اختلاف بين العلماء
اختلف العلماء في العصر الذي وجد به هوميروس فقال هيكاتيوس والذي يعد أول مؤرخ يوناني "أن هوميروس عاصر الحرب الطروادية والتي قام بوصف أحداثها، ويدل هذا على أنه ازدهر في منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد"، ولكن جاء هيرودت مخالفاً لهذا الرأي مؤكداً أن هوميروس ظهر في منتصف القرن التاسع، ثم ظهر رأي آخر جاء به السفسطائي "ثيوبوميوس" وجعله معاصراً للشاعر الهجائي أرخيلوخوس والذي ذاعت شهرته في منتصف القرن السابع قبل الميلاد وبالتالي كان لكل من المؤرخين الثلاثة رأياً مختلفاً عن الأخر.
ولكن جاءت الأبحاث بعد ذلك مؤيده لرأي هيرودت فعندما تم دراسة لغة هوميروس وجدوها لغة القرنين التاسع والثامن ق.م وليست لغة العصر الموكيني التي كانت ضاربة في القدم وتضم العديد من الألفاظ النادرة والكلمات العتيقة الغير مألوفة، كما أنها لم تكن لغة الشعر الغنائي والتي تمتلئ بالحركة لتوافق الألحان الموسيقية، وكانت نتيجة هذه الدراسات أن هوميروس عاش في أواخر القرن التاسع ق.م بعد انتهاء حرب طروادة وقبل ازدهار الشعر الغنائي بقرون، فقام بوصف أحداث هذه المعركة بناء على الروايات التي سمعها والآثار التي شاهدها في ربوع اليونان، ثم قام بوصف الأحداث في لوحات تصور المجتمع الذي عاش فيه، والحضارات التي عاصرها، فقام بتسجيل حياة اليونانيين فيما بين القرن الثاني عشر وأوائل الثامن قبل الميلاد وقام بعرضها في أسلوب قصصي روائي يمزج بين الواقع والأسطورة.
الأدب اليوناني وملحمتي هوميروس
عرف الأدب اليوناني كأقدم أنواع الأدب وأكثرها تأثيراً في النواحي الثقافية والأدبية في العالم أجمع، وقام الكتاب الإغريق بالتعرض لكافة الأشكال الأدبية والشعرية فقاموا بتسجيل الشعر الغنائي، والملحمي، والمسرحيات الهزلية، والرسائل الأدبية وسير البطولات، وكان الشعر الملحمي أكثر الأشكال الأدبية المميزة في الأدب اليوناني والذي كان هوميروس من أبرز رواده فقدم أبرز ملحمتين في التاريخ وهما الإلياذة والأوديسا .
قام هوميروس في الإلياذة بالتعرض لحروب طروادة بأسلوب شعري دقيق وسهل واصفاً العمل الملحمي بدقة مستخدماً التشبيه، والصور البلاغية الرائعة فكان متمكناً من أدواته الشعرية مما جعله يعرضها بشكل متميز، وفي الأوديسا قام بسرد مغامرات البطل الإغريقي " أوديسيوس" وهو عائد إلى وطنه بعد سقوط طروادة.
هتلر النازي الذي ارتبط به تاريخ ألمانيا
أدولف هتلر زعيم ألماني تناولته كتب التاريخ كأحد القادة العسكريين البارزين، حيث قاد ألمانيا في عدد من الحروب، وتمكن من النهوض بها مرة أخرى بعد السقوط الذي تعرضت له بعد الحرب العالمية الأولى، وتولى قيادتها في الحرب العالمية الثانية، تمتع هتلر بذكاء حاد وقدرة خطابية عالية وهو الأمر الذي أهله لتكوين إمبراطورية قوية، هذا على الرغم من الإخفاق الذي تعرض له في أخر الأمر وقيامه بالانتحار.
النشأة
ولد هتلر في 20 إبريل عام 1889م لوالدين ينتميان إلى الطبقة المتوسطة، كان والده يعمل كموظف صغير بالجمارك وكان على خلاف دائم مع هتلر ،وكان يعارض التحاقه بمدرسة الفنون، فكان والده يريده أن يصبح موظفاً حكومياً، و لم يعلمه والده بعد ذلك هو أن ولده لم يحقق كلا الأمرين حيث اختار لنفسه طريقاً ثالثاً ليس له أي علاقة بالفن أو بالوظيفة الحكومية، توفي والده في عام 1903 ومن بعده والدته في عام 1907، وبعد وفاتهما قرر هتلر الرحيل إلى فيينا من أجل دراسة الرسم هذه الهواية التي عشقها منذ الصغر، ولكن لم يتحقق له ما كان يرجوه حيث تم رفض طلبه للالتحاق بمدرسة فيينا للفنون الجميلة.
في الفترة التي قضاها هتلر في فيينا تأثر كثيراً بالفكر المعادي للسامية وذلك بسبب الوجود المكثف لليهود بالمدينة، فتنامت لديه مشاعر الكره والحقد عليهم لأقصى درجة.
هتلر والجيش
قام هتلر بالانتقال إلى مدينة ميونخ وذلك للهرب من التجنيد الإلزامي في الجيش ولكن تم إلقاء القبض عليه بواسطة الجيش النمساوي وبالكشف عليه أتضح أنه غير لائق صحياً.
وعلى الرغم من فرار هتلر السابق من الالتحاق بالجيش إلا أنه قرر التطوع في الجيش البافاري أثناء الحرب العالمية الأولى فعمل به كساعي بريد عسكري، وبذل هتلر الكثير من الجهد والتفاني في عمله ولكنه وعلى الرغم من تفانيه وتعرضه الدائم للخطر عند نقل الرسائل إلا أنه لم يحصل على أي ترقيات، حيث قيل عنه في أحد التحاليل النفسية انه "مضطرب عقلياً وغير مؤهل لقيادة جمع من الجنود" كان هتلر يؤمن دائماً بقوة الجيش الألماني كما عرف بوطنيته الشديدة وتحمسه للجيش الألماني لذلك لم يستوعب الهزيمة والاستسلام الذي تعرض له في الحرب العالمية الأولى، وكان هذا الخبر من أشد الأخبار التي وقعت عليه قسوة.
ظل هتلر جندي في الجيش الألماني ،وأصبح عمله متمثلاً في قمع الثورات الاشتراكية التي تتقد من آن لآخر في ألمانيا، قام بعد ذلك بالانضمام إلى دورات معدة من "إدارة التعليم والدعاية السياسية" وكانت المهمة الأساسية لهذه الإدارة هي الدراسة والتعرف على الأسباب التي أدت إلى هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وأدت هذه الدراسة في نهاية الأمر إلى إلقاء اللوم على كل من اليهود والشيوعيين وغيرهم.
وأصبح هتلر هو المسئول الرسمي عن إلقاء الخطب في الجنود والتي تحفزهم على كره اليهود وجعلهم سبب رئيسي في هزيمة ألمانيا في الحرب.
بداية جديدة
قام هتلر في عام 1919 بالالتحاق بحزب العمال الألماني الوطني، وفي العام التالي تم تسريحه من الجيش حيث تفرغ للعمل الحزبي، وظل هتلر يعمل بالحزب بمنتهى العزم والقوة حتى تمكن من رئاسته وقام بتغيير اسمه إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني، واتخذ الحزب الصليب المعقوف شعاراً له وللنازية.
بوصول هتلر إلى زعامة الحزب النازي وصل إلى قمة الهرم السياسي لألمانيا وقد وجد الدعم المباشر من أجهزة الإعلام التي أخذت على عاتقها مهمة الترويج للحزب، وذلك من اجل أن يحصد التأييد الشعبي لسياسته فتم التعامل معه كمنقذ لألمانيا من الكساد الاقتصادي التي تعرضت له بعد الحرب العالمية الأولى، وأيضاً كحامي للبلاد من الخطر اليهودي.
مما قاله في كرهه لليهود" يجب أن نقضي على الحقوق المتاحة لليهود بصورة قانونية مما سيؤدّي إلى إزالتهم من حولنا بلا رجعة".
الحاكم الجديد
تمكن هتلر بشكل أو بأخر من أحكام قبضته على مقاليد الحكم بالبلاد، وكان يعمل على فرض سياسته حتى وأن لاقى معارضة، فكانت سياسته تعتمد على قدر كبير من العنف والقوة من خلال الجستابو، وسياسة التهجير ومعسكرات الإبادة.
وبعد أن توفى رئيس الدولة هيندينبيرغ في الثاني من أغسطس 1934 قام هتلر بدمج مهامه السياسية كمستشار لألمانيا ورئيس للدولة، وبدأت مرحلة جديدة من التاريخ الألماني بعد أن تربع هتلر على كرسي السلطة وكانت البداية مع اليهود الذي حرمهم من حق المواطنة الألمانية، وفصلهم من أعمالهم الحكومية ومحلاتهم التجارية، بالإضافة لتميزهم عن طريق إجبار كل يهودي على وضع نجمة صفراء على ملابسه، وغادر من ألمانيا حوالي 180 ألف يهودي، وعلى الرغم من السياسات القاسية التي أتبعها هتلر إلا أن البلاد شهدت في عصره نهضة اقتصادية شاملة فقد التحق جميع الألمان بالعمل ولم يعد هناك وجود لأي عاطل، وتم بناء وتحديث السكك الحديدية والجسور والشوارع وغيرها العديد من الإصلاحات الأخرى.
بداية أم نهاية
هتلر وموسوليني
اتجه هتلر نحو إنشاء وبناء جيش قوي مدعم جواً وبحراً فقام بتجديد العمل بنظام التجنيد الإلزامي وضرب بمعاهدة فرساي عرض الحائط في عام 1935م، كما قام باحتلال أرضي الراين وهي المنطقة المنزوعة السلاح، وأرسل قوات ألمانية لأسبانيا من أجل مناصرة الثائر "فرانسيسكو فرانكو" على الحكومة الأسبانية، وعلى الرغم من هذه الانتهاكات المتوالية التي قام بها هتلر ضد معاهدة فرساي إلا أن كل من فرنسا وبريطانيا لم يحركوا ساكناً في بادئ الأمر.
وفي الخامس والعشرين من أكتوبر 1936م بدأ هتلر في التجهيز من أجل توسعة الرقعة الألمانية وفرض سيطرتها على العالم فعمل على عقد اتفاق تحالف مع الزعيم الإيطالي موسوليني، وضم هذا التحالف بعد ذلك اليابان وهنغاريا، رومانيا، بلغاريا، النمسا وعرف هذا التحالف باسم دول المحور، وفي الخامس من نوفمبر عام 1937م أعلن هتلر صراحة عن خطته في توسيع ألمانيا، وبالفعل وصل إلي قلب العاصمة التشيكية براغ في 10 مارس 1939م في تحدي جديد لكل من فرنسا وبريطانيا، ثم عقد اتفاقاً مع الاتحاد السوفيتي متمثلاً في الزعيم ستالين عرفت بمعاهدة "عدم الاعتداء" في 23 أغسطس 1939م، مستغلاً الخلاف الناشب بين كل من الاتحاد السوفيتي وكل من بريطانيا وفرنسا.
أعلن بعد ذلك كل من الجانب الإنجليزي والفرنسي الحرب على ألمانيا وبدأت الحرب العالمية الثانية والتي أذاقت العديد من الدول ويلاتها.
بدأ هتلر بعد ذلك حملته في التوسع فقام بغزو بولندا واكتسح كل من النرويج والدنمارك واحتل بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج ومعظم فرنسا ففي أقل من عام خضعت ثلاثة أرباع فرنسا للقوات الألمانية وذلك عام 1940م.
استمر الألمان في تقدمهم وإحراز الانتصارات المتوالية فقاموا بغزو كل يوغسلافيا واليونان، واتجه الجيش الألماني نحو شمال إفريقيا، امتدت أطماع هتلر بعد ذلك وتعاظمت حتى أنه قرر أن ينقض معاهدة " عدم الاعتداء" التي عقدها مع الإتحاد السوفيتي واتجه لغزو روسيا وبالفعل تمكن من فرض السيطرة الألمانية على جزء كبير من الأراضي الروسية، وبدأ في التوجه نحو العاصمة موسكو ولكن لم يتمكن الجيش الألماني من مواصلة التقدم نظراً للانخفاض الشديد في درجات الحرارة الأمر الذي أعاق الجيش من التقدم وكانت موقعة ستالينجراد أول هزيمة تكبدتها جيوش هتلر، ثم توالت الهزائم على الجيش الألماني حيث قامت القوات الإنجليزية بهزيمة الألمان في موقعة العلمين.
بعد الانتصارات المتوالية التي حققها هتلر من بداية الحرب إلا أن دوام الحال من المحال فقد توالت الهزائم وزحف الضعف إلى الجيش والاقتصاد الألماني على حد سواء وعلى الرغم من ظهور العديد من المؤشرات التي تدل على قرب الانهيار إلا أن هتلر أصر على المواصلة حتى النهاية، فأعلن الحرب أيضاً على الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1941م وهو الأمر الذي وضعه أمام كل من الاتحاد السوفيتي، وبريطانيا وأمريكا والتي كانت تشكل كل واحدة منهم قوة منفردة، فكان هتلر بهذا التحدي قد أعلن نهايته وهو ما حدث فعلاً فقد بدأ الحلفاء الزحف من أجل تحرير الأراضي الواقعة في القبضة الألمانية فتم إخلاء الأراضي الروسية من الألمان، وبدأت الانتصارات المتوالية للحلفاء وتقهقرت القوات الألمانية، ومع النهاية أمر هتلر بتدمير المصانع وخطوط المواصلات والاتصالات وقام بتعيين هينريك هملر زراعه اليمنى مستشاراً لألمانيا، ومع زحف القوات الروسية إلي برلين أقدم هتلر على الانتحار هو وعشيقته إيفا بيرون في الأول من مايو 1945م، وبذلك كانت النهاية لواحد من أشهر القادة العسكريين الذي سعى من أجل فرض سيطرته على العالم ولكن توج فشله بالانتحار في النهاية.
المؤلفات
صدر له كتاب بعنوان "كفاحي" والذي قام فيه بعرض آرائه ونظرياته في الاشتراكية وفي غيرها من الأمور، وكتاب أخر باسم "الكتاب الثاني" يقال إنه الجزء الثاني أو تكملة الكتاب الأول " كفاحي"، وهذا الكتاب الثاني لم يظهر إلا بعد وفاة هتلر على شكل مسودة وتم نشره في عام 1961م، كما كتب العديد من المقالات النازية لصحيفة الحزب النازي "فويكشر بأوباختر".
الظاهر بيبرس
الظاهر بيبرس هو أحد الحكام الذين تمكنوا من سطر سيرتهم في التاريخ بخطوط بارزة، بما قاموا به من إنجازات عديدة، وعلى الرغم من بعض التحفظات في شخص هذا الحاكم إلا أنه كان صاحب الفضل في تغيير وجه مصر حيث قام بالعديد من الإنشاءات والتطورات التي ساهمت في رفع مكانة الدولة ومازال التاريخ يذكرها جيدا وينسب الفضل في وجودها إليه.
وما تزال العديد من المعالم الأثرية المتبقية من عصر الظاهر بيبرس واقفة لتشهد على مدى ازدهار عصره ومدى حرصه على النهضة بالبلاد، هذا على الرغم من البداية السيئة التي وصل بها للحكم بعد قيامه بالاتفاق مع عدد من الأمراء على قتل سلطان البلاد سيف الدين قطز فكان صاحب الضربة التي أودت بحياة السلطان ثم تم تنصيبه سلطاناً للبلاد خلفاً لقطز لتبدأ مرحلة جديدة من الحكم.
النشأة والتعريف به
اسمه بالكامل هو ركن الدين بيبرس البندقداري، من أصل تركي ولد تقريباً في عام 620هـ - 1223م بمنطقة القبجاج قريباً من نهر الفلوجا بوسط أسيا، وقد وقع بيبرس في الأسر من قبل المغول وتم أخذه من بلاده حيث بيع في دمشق لرجل يدعى " العماد الصايغ" ثم اشتري عن طريق الأمير علاء الدين أيدكين الملقب بالبندقداري والذي أخذ منه بيبرس لقبه بعد ذلك فأصبح "بيبرس البندقداري"، انتقل بيبرس بعد ذلك من الأمير علاء الدين إلى الملك نجم الدين أيوب الذي قام بمصادرة جميع أملاك الأمير علاء الدين والمماليك أيضاً، وانضم بيبرس إلى فرسان المماليك البحرية تحت قيادة الأمير أقطاي، وبدأ تفوق بيبرس كفارس يتجلى ويظهر بوضوح وخاصة في موقعة المنصورة والتي برز أداء بيبرس فيها كقائد في الوقوف في وجه الحملة الصليبية والقضاء عليها، وأسر الملك لويس التاسع ملك فرنسا، كما برز أدائه كفارس في العديد من الصراعات الداخلية التي أشترك فيها مع قائده أقطاي.
رحيل وعودة
بعد أن تولى عز الدين أيبك حكم البلاد خلفاً للسلطان نجم الدين أيوب كلف قائد فرسانه سيف الدين قطز بقتل الأمير فارس الدين أقطاي، مما أبدل حال بيبرس وفر هو ومن معه من المماليك إلى بلاد الشام وظل في حالة من التنقل بين البلاد فينزل بالشام تارة والكرك تارة أخرى، إلى أن تولى سيف الدين قطز مقاليد الحكم في البلاد، فأرسل له بيبرس يطلب منه الأمان والعودة مرة أخرى إلى مصر وهو ما قد كان، فعاد بيبرس مرة أخرى إلى البلاد حيث قابله قطز بالترحاب ولم يكتف بهذا بل أنزله دار الوزارة وأقطعه قليوب وما حولها، وأعطاه مكانته كفارس متميز، ولقد كان بيبرس بالفعل فارس متميز ظهرت براعته في العديد من المعارك، والتي تأتي على رأسها معركة عين جالوت وذلك في عام 658هـ - 1260م، والتي برز بها أدائه كفارس وكان واحداً من أبطالها.
بيبرس ما بين الغدر والحكم
بعد تحقيق النصر في معركة عين جالوت أتجه تفكير بيبرس إلى الملك والسلطة وأوغل قلبه العديد من المحيطين به نحو السلطان قطز مما أشعل نيران الحقد في قلبه، ومما زاد من اشتعال الموقف رفض قطز إعطاؤه ولاية حلب حيث اعتبر ذلك نوع من الإهانة له وتقليل من جهوده المبذولة في المعركة ضد التتار، فعقد العزم على تدبير مؤامرة هو وعدد من رفاقه من أجل اغتيال قطز، وقد كان فأقدم على طعن قطز طعنة أودت بحياته، وجاء من بعده ليتولى مقاليد الحكم في البلاد.
سلطان مصر
جلس بيبرس على عرش مصر ليخلف السلطان الراحل قطز وتم إطلاق لقب الملك الظاهر عليه، أخذ بيبرس على عاتقه مهمة تطوير البلاد وتحديثها وسعى من أجل ذلك كثيراً وبالفعل أصبحت مصر في عهده على درجة عالية من الاستقرار والحداثة، فعمل على تقريب الأمراء إليه ومنحهم الألقاب والإقطاعيات، ولم يقتصر هذا على الأمراء فقط بل قرب إليه عامة الشعب وخفف عنهم أعباء الضرائب التي كانت تثقل كاهلهم، وأطلق سراح العديد من المسجونين.
وعلى الرغم من سياسية اللين الذي أتبعها بيبرس إلا أنه كان ينتهج الشدة والحزم مع الأعداء الخارجيين، كما عمل على القضاء على الفتن والمؤامرات والثورات التي نشبت في البلاد عقب توليه الحكم، وكان أشد هذه الثورات اثنان نشبت الأولى في دمشق وكان على رأسها الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي أعلن التمرد ونادى بنفسه سلطاناً وتمكن بيبرس من السيطرة على الموقف حيث أرسل إليه جيشاً جلبه أسيراً إلى القاهرة.
أما محاولة التمرد والثورة الثانية جاءت في القاهرة من قبل أحد رجال الشيعة الذي حاول تجميع عدد من الشيعيين حوله من أجل القيام بمحاولة تمرد وثورة وقام هو ومن معه بالاستيلاء على الخيول والأسلحة وأقاموا الثورات ولكن لم تستمر هذه الثورة كثيراً حيث سارع بيبرس بالقضاء عليها وأمر بجلد قائدها هو ومن معه.
إنجازاته وانتصاراته
شهد عصر السلطان بيبرس العديد من الإنجازات والأعمال التي ارتبطت باسمه، والتي نذكر منها: تأسيسه للدولة المملوكية وقيامه بمحاولة إحياء الخلافة العباسية والتي أصابها الانهيار مع سقوط بغداد في يد هولاكو، فقام بإحضار " أبو العباس أحمد" وجعله خليفة للمسلمين وبايعه على العمل بكتاب الله وسنة نبيه وهكذا أصبح هناك خليفة للمسلمين مرة أخرى، وعلى الرغم من وجود الخليفة إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد بيبرس.
كما عمل بيبرس على مد نفوذه إلى العديد من البلدان حتى وصل إلى الحجاز، وقضى على أعدائه وأعداء الدولة المملوكية، وقضى على حاكم الكرك الملك "عمر بن العادل الأيوبي" والذي كان يناصب بيبرس العداء فاستولى بيبرس على الكرك وقام بتعيين والي عليها.
ومن الأمور الهامة التي قام بها بيبرس سعيه من أجل القضاء على ما تبقى من الصليبين والمغوليين المتربصين بالدولة الإسلامية، فعقد الاتفاقيات والمعاهدات، وتأكد من تماسك جبهته الداخلية وجهز الجيش من أجل الخروج لتأمين جبهته الخارجية أيضاً فبدأ في شن الغارات على الإمارات الصليبية ، كما عمل على استرداد ما في أيديهم من أراضي، وبالنسبة للمغول فقد قام بالتحالف مع " بركة خان" هذا الزعيم المغولي الذي أعلن إسلامه ووطد علاقته به من أجل أن يأمن جانبه ويتحالف معه ضد مغول هولاكو وأولاده واللذين كانوا يفرضون سيطرتهم على العراق وفارس.
عمل بيبرس على إعداد الجيش والأسطول وتجهيزهم بجميع المتطلبات اللازمة لهم من أسلحة وعتاد، فتمكن من تحقيق العديد من الانتصارات على الساحتين الصليبية والمغولية، ومن انتصاراته الصليبية نذكر فتحه لقيسارية، وأرسوف، قلعة صفد، يافا، واختتمت بفتح أنطاكية والتي كانت تعد الحصن الحصين للصليبيين فحقق انتصاراً باهراً بفتحه لهذه المدينة.
كما حقق انتصارات عديدة على المغول في موقعة البيرة وحران، ورد هجمات المغول المتتابعة على بلاده، إلي أن قضى عليهم نهائياً عند بلدة أبلستين وذلك في عام 675هـ ، وبذلك حقق بيبرس ما كان يبتغيه من تأمين لجبهته الخارجية وحدود دولته.
إنجازاته الداخلية
على المستوى الداخلي عمل بيبرس على تقوية دعائم البلاد والنهضة بها في كافة المجالات، فشهدت مصر في عهده عصر جديد من الازدهار خاصة وقد تمكن من تأمين حدودها الخارجية وقضى على الفتن والمؤامرات الداخلية، ومن الإصلاحات التي شهدتها مصر على يده قيامه بإدخال تعديلات على النظام القضائي فقام بتعيين أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة ، كما أعاد للجامع الأزهر رونقه فشن عليه حملات من الترميم والتجميل حتى عاد له جماله ومكانته مرة أخرى، وعمل على إنشاء العديد من المؤسسات التعليمية فأنشأ المدارس بمصر ودمشق وتعرف المدرسة المصرية باسم "المدرسة الظاهرية" وتضم المدارس المكتبات الضخمة التي تزخر بكميات هائلة من الكتب.
وفي القاهرة قام بإنشاء أحد الجوامع الهامة وهو جامع الظاهر بيبرس والذي مازال قائماً إلي اليوم، وتعرف المنطقة حوله باسم حي الظاهر، هذا بالإضافة للعديد من الآثار المتبقية والتي ظلت خالدة لتشهد على فترة زاهية عاشتها مصر، كما عمل بيبرس على إنشاء الجسور وحفر الترع وإنشاء القناطر، وأنشأ مقياس للنيل وغيرها العديد من الأعمال.
وفي خارج مصر قام بعدد من الإصلاحات في الحرم النبوي بالمدينة المنورة، وقام بتجديد مسجد إبراهيم عليه السلام في الشام، كما قام بتجديد قبة الصخرة وبيت المقدس، وعمل على إقامة دار للعدل للفصل في القضايا والنظر في المظالم.
وفاة السلطان
جاءت وفاة بيبرس في الثامن والعشرين من محرم عام 676 هـ - والثاني من مايو 1277م ، بعد حياة حافلة قضى حوالي 17 عام منها في الحكم، تولى من بعده أكبر أولاده ناصر الدين الحكم، إلا أن أولاد بيبرس لم يدم لهم الحكم طويلاً وذلك نظراً لطمع المماليك في الحكم فتم قتل أولاده، وتولى الحكم أحد أمراء المماليك والذي عرف باسم سيف الدين قلاوون الألفي.
ابن بطوطة شاهد على عجائب البلدان
ابن بطوطة هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم الطنجي، رحالة شهير لف معظم بلاد العالم وأتى بمغامرة من كل بلد منها، من منا لا يريد أن يكون مثل هذا الإنسان الرائع الذي قام بزيارة العديد من البلدان حيث تعرف على ثقافات متنوعة وعادات وتقاليد مختلفة منها الطبيعي ومنها الغريب، والأجمل من كونه قام بزيارة هذه البلدان هو قيامه بتسجيل ما رآه فيها في كتاب شهير قام بكتابته له ابن الجوزي هو الكتاب الذي يعرف باسم "رحلات ابن بطوطة"، حيث أصبح هذا الكتاب بعد ذلك دليلاً لكثير من المهتمين بالإطلاع على كل ما يتعلق بثقافات البلاد الأخرى.
قضي ابن بطوطة في رحلاته هذه حوالي ثلاثين عاماً تعرض فيهم للعديد من الأحداث، منها العديد من الأحداث التي تعرضت فيها حياته للخطر، ومن خلال كتابه قام بإعطاء وصف دقيق لكل ما صادفه في رحلته من أماكن وشخصيات ومعالم وأحداث وغيرها من الأمور الشيقة التي قام بتناولها.
النشأة
ولد ابن بطوطة في مدينة طنجة بالمغرب في عام 1304م، وقام بدراسة الشريعة وقرر وهو في الحادية والعشرين من عمره وذلك في عام 1325م أن يخرج لأداء فريضة الحج، وعزم أنه في أثناء رحلته هذه سوف يعمل على التوسع في دراسة الشريعة في بلاد العرب.
عشق ابن بطوطة السفر منذ الصغر ومما حببه به أكثر الكتب التي تداولها العرب والتي يوجد بها العديد من أخبار البلدان ومعالمها مثل كتاب "المسالك والممالك" لابن خرداذبة، و"مسالك الممالك " للأصطخري والتي تتناول البلدان من الناحية التاريخية والجغرافية.
وعرف العرب باهتمامهم بالرحلات ووصف البلاد التي قاموا بزياراتها وذلك من أجل معرفة المزيد من العلوم والمعارف ونقلها إلى العربية وكانت تفيد هذه الرحلات في نقل الثقافات والعادات المختلفة بين البلاد المختلفة بالإضافة للتعرف على شعوب جديدة.
إصرار وعزيمة
على الرغم من الأخطار والأهوال التي عرف ابن بطوطة أنه سوف يتعرض لها أثناء رحلته خاصة أنه سوف يتوجه إلى بلاد غريبة وسوف يدخل إليها لأول مرة إلا أن هذا لم يثني من عزيمته، فقرر بمنتهى العزم أن يبدأ رحلته ويكملها إلى نهايتها، فبدأ هذه الرحلة وحيداً ثم أنضم بعد ذلك لقافلة من التجار وواصل الرحلة هكذا، وكلما يمضي قدماً ينضم إليه آخرين.
في بداية رحلته وبالتحديد في مدينة بجاية تعرض ابن بطوطة للمرض وأصابه الضعف الشديد ولكنه أصر على مواصلة المسير مفضلاً الموت وهو متوجه لمكة للحج عن التخلف عن القافلة.
رحلاته
قام ابن بطوطة بثلاث رحلات خلال حياته بدأت الرحلة الأولى من المغرب وبالتحديد من طنجة وباتجاه شمال إفريقيا حتى الإسكندرية ومنها إلى دمياط فالقاهرة، ثم تابع سفره في النيل إلي أسوان فعيذاب على البحر الأحمر ومنها قام بالإبحار حتى وصل إلى جدة ، ثم عاد إلى القاهرة فدمشق عبر فلسطين، ثم سار إلى اللاذقية فحلب واتجه مع قافلة حجاج إلي مكة المكرمة، توجه بعد ذلك إلي العراق ثم فارس وحج للمرة الثانية ثم أنطلق من مكة إلى اليمن فالبحرين ومنها إلى مكة ورجع للقاهرة.
بدأت رحلة ابن بطوطة الثانية باتجاه الشمال فزار الشام ودخل أسيا الصغرى وبلغ سينوب على البحر الأسود ثم عبرها إلى جزيرة القرم وزار جنوب روسيا قبل أن ينتقل لأرض البلغار ومنها عاد إلى فارس ودخل أرض الهند، وفي الهند أقام سنوات في خدمة السلطان، ثم زار كل من سيلان وأندونيسيا وكانتون في الصين، وعاد من سومطرة إلى ظفار بحراً وانتقل برا إلى فلسطين، ثم رحل باتجاه بلاده عبر مصر فتونس وفي طريقه زار سردينا بحراً، وخلال زياراته لفاس عبر مضيق جبل طارق وزار الأندلس، وكانت الرحلة الثالثة إلى أعماق إفريقيا وحتى مالي ثم عاد إلى فارس بعد أن خاض الكثير من المشاق.
قام ابن بطوطة بوصف مفصل لكل ما صادفه في طريقه، وذكر جميع الأحداث التي مرت به فذكر الطريق والبلاد والقصور وأبواب المدن ومعالمها والأشخاص الذين مروا عليه والأحداث التي حدثت بينهم سواء تشاجر مع أحد أو تقابل مع أخر فأكرمه، حتى فترات مرضه ذكرها أيضاً ولم يغفل نقطة مهما كانت بساطتها، فلم يترك ابن بطوطة بلداً مر فيه إلا وصفه وذكر أهله وحكامه وعلمائه وقضاته.
مما قاله في وصف البلاد
يقول في وصفه لمدينة الإسكندرية "ثم وصلنا في أول جمادى الأولى إلى مدينة الإسكندرية حرسها الله، وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس، العجيبة الشأن الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها ولطفت معانيها وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها"
ولقد بهرته أيضاً مدينة القاهرة ووصفها قائلاً " أم المدن, سيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة, لا حدود لمبانيها الكثيرة, لا نظير لجمالها وبهائها, ملتقى الرائح والغادي, سوق الضعيف والقوي... تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم..."
كما سحرته دمشق وقال عنها "تنوع ونفقات الأوقاف الدينية في دمشق تتجاوز كل حساب، هناك أوقاف للعاجزين عن الحج إلى مكة, ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحج نيابة عنهم، وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس اللائي تعجز عوائلهن عن شرائها, وأوقاف أخرى لعتق رقاب السجناء، وهناك أوقاف لعابري السبيل تدفع من ريعها أثمان طعامهم وكسائهم ونفقات سفرهم لبلدانهم، كما أن هناك أوقافاً لتحسين ورصف الدروب, لأن كل الدروب في دمشق لها أرصفة على جانبيها يمشي عليها الراجلون, أما الراكبون فيمضون في وسط الدرب."
ومما قاله فيما رأه في وصف الهند "ولما انصرفت عن هذا الشيخ رأيت الناس يهرعون من عسكرنا، ومعهم بعض أصحابنا فسألتهم ما الخبر فأخبروني أن كافراً من الهنود مات أججت النار لإحراقه ، وامرأته تحرق نفسها معه، ولما احترقا، جاء أصحابي واخبروا أنها عانقت الميت حتى احترقت معه"
وفي جزر المليبار قال "ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة وهي خديجة بنت السلطان جلال الدين، وهم يكتبون الأوامر في سعف النخيل بحديدة معوجة تشبه السكين ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم ولما وصلت إليها نزلت بجزيرة كنلوس وكان غرضي أن أسافر منها إلى المعبر وسرنديب وبنجالة ثم إلى الصين "
توفى ابن بطوطة في مراكش، طبعت رحلته مراراً وهي باسم " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" كما ترجمت فصول منها لعدد من اللغات الأجنبية.
ريتشارد قلب الأسد
الملك ريتشارد قلب الأسد هو واحد من أهم ملوك إنجلترا وأشهرهم والذي ذكرهم التاريخ كثيرا، عرف ريتشارد كقائد عسكري محنك، خاض العديد من المعارك والتي يعد من أهمها الحملة الصليبية والتي قام بها حكام أوروبا من أجل استعادة بيت المقدس من المسلمين، وكان ريتشارد على رأس هذه الحملة باعتباره قائداً حربيا لا يشق له غبار، وأيضاً لكونه ملكاً لواحدة من أكبر الإمبراطوريات قديماً.
ولد ريتشارد في أكسفورد بإنجلترا في الثامن من سبتمبر عام 1157م، هو الابن الثالث للملك هنري الثاني، نشأ ريتشارد منذ الصغر متدرباً على الأمور العسكرية والقتالية الأمر الذي أهله بعد ذلك لتولي الحكم كقائد حربي متميز.
سعيه من أجل الفوز بالحكم
سعى ريتشارد كثيرا من أجل الفوز بالحكم وقام بالعديد من المحاولات من أجل ذلك وكانت أولى هذه المحاولات عندما تآمر هو وأخوته من أجل الاستيلاء على الحكم من والده الملك هنري الثاني، وكان ذلك في عام 1173م ولكن باءت هذه المحاولة بالفشل، وعلى الرغم من هذا استمر ريتشارد بمحاولاته ولم ييأس في الضغط على أبيه من أجل جعله وريثاً لعرش إنجلترا والمقاطعات الفرنسية التابعة له، وتقاتل مع أخوته أيضاً على الملك، واستمرارا في محاولاته هذه قام بالتمرد والثورة على والده مرة أخرى في عام 1188م، حيث تحالف مع ملك فرنسا فيليب أوغسطس ضد والده، وبالفعل تحقق له ما أراد أخيرا وتوفى والده في عام 1189م ليخلفه ريتشارد ليصبح ملكا على عرش واحدة من اكبر الإمبراطوريات في ذلك الوقت وهو عرش إنجلترا، وذلك في عام 1189م.
مشاركته في الحملة الصليبية
كان لسيطرة العرب على بيت المقدس بعد أن استقر في أيدي الصليبين لفترة طويلة من الزمن أثر كبير في إثارة الملوك الأوربيين، فبدأت تتجمع الآراء من أجل الإتحاد معاً واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، ولقد سارع الملك ريتشارد من أجل هذا الهدف فكان في مقدمة الملوك المشاركين في الحملة الصليبية وكان معه في هذا فيليب أوغسطس ملك فرنسا، وفريدريك بربروسا إمبراطور ألمانيا.
بدأ ريتشارد الأول في تجهيز الحملة وإمدادها بكافة العداد اللازم لها الأمر الذي كلفه أموالاً طائلة ولكن رغبة ريتشارد في تحقيق النجاح والرجوع إلي إنجلترا متوجاً بالنصر وهتافات الشعب تحوطه من كل جانب كان كفيل بالتغطية على أي تكاليف صرفت من أجل هذه الحملة.
بدأ ريتشارد وغيره من الملوك الصليبين في التحرك من أجل هدفهم فوصل الأسطول الإنجليزي بقيادة ريتشارد إلي عكا في عام 1191م، حيث أنضم إليه ملوك الحملة الصليبية الآخرين بجيوشهم وقاموا بمحاصرة أسوار عكا واستمروا بقذفها ولكنهم في النهاية نجحوا في دخلوها على الرغم من الصمود والشجاعة التي أبداها أهل المدينة إلا أنهم اضطروا لتسليمها في نهاية الأمر بناء على وعد من الحكام الصليبين بتحرير المسلمين الأسرى ولكن على الرغم من الوعود التي قطعوها إلا أن ريتشارد قام بنقد جميع الوعود وأقتحم المدينة وقامت الجيوش بقتل الأسرى المسلمين مما خلف ورائهم مذبحة بشعة.
بعد أن حقق ريتشارد النجاح في معركته الأولي في عكا بدأ في الزحف نحو بيت المقدس وفي الطريق إلي هذا تم خوض العديد من المعارك مع الجيوش الإسلامية وخاض ريتشارد العديد من المفاوضات مع صلاح الدين قائد جيش المسلمين ولكن جميع المفاوضات كانت نتيجتها الفشل.
الطريق لبيت المقدس
خاض ريتشارد العديد من المعارك مع الجيوش الإسلامية ونجح في الاستيلاء على مدن عديدة منها يافا ويازور والرملة وغيرهم، وأصبحت المعارك بينه وبين المسلمين دائرة بين هزيمة ونصر حتى أقترب من بيت المقدس هو وباقي الجيوش ولكنه لم يتمكن من الاستيلاء عليه نظراً لصمود الجيوش الإسلامية وبراعة قائدها، هذا بالإضافة للنزاع الذي دب في صفوف الصليبين مما زاد من ضعفهم.
ما بعد الحملة الصليبية
بعد أن باءت حملة الصليبين بالفشل بقيادة ريتشارد عمل على عقد صلح مع المسلمين والذي عرف بصلح الرملة وذلك في الثاني من سبتمبر 1192م والذي وضع القواعد المحددة للمناطق الخاضعة تحت حكم الصليبين والمناطق الخاضعة للمسلمين مع إعطاء المسيحيين الحرية في الحج إلي بيت المقدس وقتما شاءوا.
بعد أن استقرت الأوضاع في بيت المقدس وبعد صلح الرملة الذي عقده ريتشارد مع المسلمين توجه عائداً إلي بلاده مرة أخرى وأثناء هذا علم ريتشارد باستيلاء أخيه يوحنا على الحكم الأمر الذي جعله يسرع في العودة فقام برحلة التوجه لبلاده في أكتوبر 1192م ، ولكن أعترضته العديد من المصاعب كان أولها عندما واجهت سفينته رياح شديدة أدت لنزوله في ميناء البندقية وإكمال باقي رحلته إلي إنجلترا في الطريق البري، ولكن لم تكن هذه نهاية الرحلة بالنسبة لريتشارد حيث قام ليوبولد دوق النمسا باعتقاله وسلمه إلي هنري السادس إمبراطور الدولة الرومانية فسجنه ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد أن قدم ريتشارد فدية كبيرة وذلك في عام 1194م.
نهاية الملك
عاد ريتشارد إلي بلاده مرة أخري بعد أن فك أسره من هنري السادس فتمكن من استعادة ملكه، وقتل المتآمرين وأصدر العفو عن أخيه، وتوج ملكاً مرة أخرى في عام 1194م، استقر بعد ذلك في نورماندي ثم خاض عدد من المعارك مرة أخرى من أجل إنقاذ ممتلكات إنجلترا في فرنسا .
وجاءت نهاية الرحلة الطويلة لحياة ريتشارد عندما أصابه سهم أودي بحياته في إحدى المعارك وكانت وفاته في إبريل عام 1199م.
الإسكندر..عاشق عروس المتوسط
هو الإسكندر الأكبر أو الإسكندر المقدوني قائد عسكري فذ، وملك مقدونيا ويعد من أكبر القادة العسكريين في العالم، قام بقيادة جيوشه لفتح معظم دول العالم وفرض النفوذ اليوناني عليها، وتعد من العلامات المميزة التي تركها للمصريين مدينة "الإسكندرية" عروس البحر الأبيض المتوسط التي قام بتأسيسها وتجميلها وجعل منها عاصمة لحكمه في مصر.
ولد الإسكندر في بيللا العاصمة المقدونية القديمة في عام 356 ق.م، وهو ابن الملك " فيليب " ملك بلاد مقدونيا والتي تقع في شمال بلاد اليونان بقارة أوروبا، ووالدته هي الملكة "أوليمباس"، تتلمذ الإسكندر على يد الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو، وكان يعرف عن الإسكندر ذكاؤه الحاد وشجاعته ومهارته في العديد من الألعاب الرياضية، وإعجابه الكبير بالبطولات الإغريقية والفتوحات التي كان يقوم بها الإغريق في البلاد المختلفة.
الإسكندر حاكماً
تولى الإسكندر الحكم في عام 336 ق.م، وذلك بعد وفاة والده وكان حينها لم يتجاوز العشرين من عمره مما أثار العديد من حكام الولايات الإغريقية ضده، ولكنه تمكن من إخماد ثوراتهم هذه بقوة ومهارة، وتمكن من حكم البلاد بقوة، وعمل علي إخضاع الشعوب البربرية في شمال مقدونيا وبسط نفوذه علي بلاد اليونان.
وفي عام 335 ق.م قام الإسكندر بحملة واسعة لغزو بلاد الفرس، وتمكن من تحقيق العديد من الانتصارات، فاخضع العديد من الممالك تحت سيطرته وفرض عليها سلطته، كما قام بالاستيلاء على صور في عام 332 ق.م بعد أن قام بحصارها لعدد من الشهور، وبعد أن أحتل أجزاء كبيرة من آسيا الصغرى وسوريا أتجه نحو مصر.
في مصر
كان فتح الإسكندر الأكبر لمصر في عام 332 ق.م، هو الأمر الذي استقبله المصريين بالترحاب والتأييد أملاً منهم أنه سوف يخلصهم من الحكم الفارسي الظالم الذي تعرضوا له، وبالفعل قضى الإسكندر على الفرس وقام بحكم مصر، وكان مما فعله عندما قدم إليها أن اتجه لزيارة معبد آمون في واحة سيوة كنوع من الإرضاء للمصريين، وقام كهنة المعبد بمنحه لقب " ابن آمون"، مما جعله يحتل مكانة متميزة عند المصريين.
وأثناء توجه الإسكندر إلى معبد أمون في واحة سيوة مر بقرية صغيرة للصيادين والتي كان يطلق عليها، اسم راقودة ، فنال هذا المكان إعجابه وقرر أن ينشئ فيه مدينة عظيمة تحمل اسمه وبالفعل عهد إلى المهندس " دينوقراطيس" بهذه المهمة فقام بإنشائها على طراز المدن اليونانية والتى تتعامد فيها الشوارع الأفقية على الشوارع الرئيسية فأصبحت مدينة الإسكندرية، هذه المدينة التي قام الإسكندر باتخاذها عاصمة لحكمه في مصر.
كما عمل الإسكندر على إنشاء حضارة جديدة تجمع بين كل من الحضارات الشرقية والحضارة الإغريقية اليونانية، فنشأ مزيج بين كل من الحضارتين تمثلت في حضارة جديدة سميت "بـالحضارة الهلينستية" وكانت مدينة الإسكندرية هي المركز لنشر هذه الحضارة.
الوفاة
بعد أن عمل الإسكندر على تحقيق الاستقرار في مصر سعى بعد ذلك للتوغل في الإمبراطورية الفارسية، ففتح العديد من البلاد حتى وصل إلى الهند، ولكن تمكن منه المرض فعاد إلى بابل وتوفى بها في عام 323 ق.م، وهو ما يزال في الثالثة والثلاثين من عمره، وتم نقل جثمانه بعد ذلك إلى مصر حيث دفن بالإسكندرية.
بونابرت إمبراطور فرنسا
نابليون بونابرت أو نابليون الأول قائد فرنسي ذكرته كتب التاريخ كثيراً كقائد عسكري لا يشق له غبار وإمبراطور لفرنسا حيث حقق العديد من الانتصارات لها، وقامت جيوشه باحتلال معظم القارة الأوربية في فترة من الزمن، كما قاد الحملة الفرنسية الشهيرة على مصر.
عرف نابليون بعبقريته وذكاؤه الأمر الذي ساعده على تحقيق النصر في العديد من المعارك التي قام بخوضها، حيث حقق أثناء حكمه لفرنسا عدد من الإصلاحات منها إدخاله للعديد من الإصلاحات الخاصة بالنظام المالي والقضائي، وقام بإنشاء بنك فرنسا، بالإضافة لقيامه بالإشراف على وضع القانون الفرنسي الذي أعطى العديد من الحريات للشعب الفرنسي.
النشأة
ولد نابليون بونابرت في 15 أغسطس عام 1769م في أجاكسيو بجزيرة كورسيكا الفرنسية، وتلقى تعليمه وتدريبه العسكري في فرنسا، حيث التحق بمدرسة فرنسية عسكرية، ثم التحق بعد ذلك بأكاديمية باريس العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثاني في الجيش الفرنسي وذلك في عام 1785م.
المجال العسكري
تقلد بونابرت رتبة ملازم ثاني في سلاح المدفعية بالجيش الفرنسي، ثم قام بالخدمة في مدرسة تدريب ضباط المدفعية، وفي عام 1791م تم ترقيته إلى رتبة ملازم أول ومنها إلى رتبة نقيب في عام 1792م، ونظراً لذكاء نابليون ومهارته العسكرية والحربية تدرج سريعاً في عمله، فتم تعيينه قائداً للجيش الفرنسي في عام 1794م وذلك بعد تمكنه من حماية مدينة طولون أثناء الثورة الفرنسية.
تمكن نابليون من تحقيق النصر لفرنسا والجيش الفرنسي في العديد من المعارك التي قام بخوضها وكانت البداية انتصاره في الحرب التي وقعت بينه وبين النمسا، ثم توالت انتصاراته في عدد من الحروب الكبرى الأخرى، إلى أن وقعت فرنسا معاهدة كامبو فورميو والتي نتج عنها توسع فرنسا في أراضيها.
حملته على مصر
عاد نابليون بعد كل هذه الانتصارات إلى وطنه كبطل وطني عظيم حقق الكثير من أجل بلاده، وبعد كل هذا النجاح توجهت أطماع فرنسا ونابليون بونابرت إلى مصر فقام بشن حملة عسكرية إليها لكي يتخذ منها قاعدة عسكرية لمحاربة بريطانيا والوصول إلى الأملاك الإنجليزية في الهند، وتنفيذ مخططاته في طرد الإنجليز من ممتلكاتهم في الشرق، وإيجاد طريق تجاري آخر بعد أن قام الإنجليز بالاستيلاء على طريق رأس الرجاء الصالح، والعمل على شق قناة السويس، وأيضاً للاستيلاء على الثروات الموجودة في مصر، والعمل على تأديب المماليك الذين أساءوا معاملة الفرنسيين والاستيلاء على أملاك الإمبراطورية العثمانية، وبالفعل أبحر الأسطول الحربي الفرنسي من ميناء طولون في 19 مايو 1798م، وفي طريق الحملة إلى مصر قامت بالاستيلاء على جزيرة مالطة، ووصلت جيوش الحملة الفرنسية إلى مصر حيث دخلت إلى الإسكندرية وقامت باحتلالها في 2 يوليو عام 1798م، ثم أخذ الفرنسيون بقيادة نابليون بونابرت في الزحف إلى القاهرة مروراً بالمدن والقرى المصرية وهو الأمر الذي لم يكن سهلاً حيث لاقى الجنود الفرنسيين شتى أنواع المقاومة الشعبية من المصريين، بالإضافة للمواجهات التي وقعت بين الجيش الفرنسي وجيش المماليك بقيادة مراد بك وانتهت بهزيمة المماليك ودخول الفرنسيين إلى القاهرة.
تودد نابليون للمصريين
حاول نابليون بكل السبل التودد للمصريين والظهور لهم كبطل جاء ليحررهم من تسلط المماليك، كما عمل على محاباة المصريين من خلال تأكيد احترامه للعقائد والعادات والتقاليد الخاصة بهم، وحاول بكل السبل إقناعهم أنه مسلم وأن الجنود الفرنسيين مسلمين وأنه قام هو وجنوده بتخريب كرسي البابا في روما والذي كان يحث النصارى على محاربة المسلمين، كما فعلوا ذلك في مالطة بطردهم فرسان القديس يوحنا، وكان يحاول ألا يظهر في صورة المعتدي المحتل ولكنه لم يتمكن من سياسة الخداع هذه حيث ثار المصريين على الاستعمار وضربوا أروع الأمثال في قصص البطولة والكفاح ضد الاحتلال.
ولم يستمر الاحتلال الفرنسي لمصر سوى ثلاث سنوات نتيجة للمقاومة الشرسة والثورات التي شنها المصريين على الاستعمار الفرنسي وانتشار وباء الطاعون حيث بدأ الجيش الفرنسي مرحلة من الضعف، بالإضافة إلى أن إنجلترا وتركيا قد عقدوا العزم على طرد الفرنسيين من مصر، وبالفعل تم عقد خطة بين كل من الجيش العثماني والأسطول الإنجليزي بقيادة القائد الإنجليزي نيلسون ووقعت الهزيمة للجيش الفرنسي في المعركة التي سميت بمعركة النيل، وتم جلاء الجيش الفرنسي عن مصر في عام 1801م.
إمبراطورا لفرنسا
بعد فشل حملة نابليون على مصر عاد إلى فرنسا حيث أحدث انقلاباً بها تولى بعده السلطة وأصبح إمبراطوراً عليها في مايو 1804م، استطاع نابليون أن يكون إمبراطورية أوربية هائلة، ففي عام 1805م دخل الحرب ضد بريطانيا والنمسا وروسيا ونجح في التغلب عليهم ولكن عندما دخل الجيش الفرنسي إلى موسكو لم يستطع المقاومة ولم يتمكن نابليون من تزويد جيشه بالإمدادات اللازمة فأصابه الإنهاك والتعب نتيجة لبرودة الطقس وانتشار الأمراض في صفوفه فهلك في هذه الحملة قرابة 500 ألف جندي فرنسي فكانت الهزيمة من نصيب نابليون وجيشه.
وبعد عودة نابليون من روسيا تحالفت عليه عدد من الدول الأوربية منهم النمسا وإنجلترا، وبروسيا وروسيا في "معركة الأمم" وسقطت باريس في أيديهم في 11 إبريل 1814م، وقام نابليون بالتنازل عن العرش ونفي في جزيرة "ألبا" في الساحل الشمالي الغربي لإيطاليا، ولكنه عاد من جديد وكون جيش مرة أخرى ولكن تصدى له الحلفاء بقيادة إنجلترا ووقعت الهزيمة له مرة أخرى في عام 1815م بموقعة وترلو الشهيرة بالقرب من بروكسيل، وهو الأمر الذي لم يستطع أن يكون معه نابليون جيشاً آخر فقرر التنازل عن الحكم حيث تم نفيه إلى جزيرة سانت هيلانة بجنوب المحيط الأطلنطي.
إنجازاته
تمكن نابليون في خلال فترة حكمه لفرنسا بضم معظم الدول الأوربية إلى نفوذه، كما ساهم في وضع القانون الفرنسي أو القانون المدني والذي أعطى للشعب الفرنسي العديد من الحريات ولا يزال هذا القانون الذي وضعه نابليون يشكل الأساس للقانون المدني الفرنسي إلى الآن بالإضافة للعديد من الإصلاحات التي أجراها على فرنسا.
وعلى الرغم من الاحتلال والقهر الذي تعرض له الشعب المصري على يد جنود الاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون إلا أنه كان هناك عدد من الإيجابيات ومنها حضور العديد من العلماء المرافقين لنابليون والحملة الفرنسية، حيث كان هناك العديد من العلماء في شتى المجالات العلمية والفنية وغيرهم من أطباء ورسامين وفلكيين والذين ساهموا جميعاً في وضع كتاب "وصف مصر" وهو الكتاب الذي يقوم برصد وتسجيل كل أمور الحياة في مصر من حياة حضارية قديمة وتوثيق لجميع الثروات التاريخية والفنية والدينية المصرية، فخرج الكتاب في عشرين جزء متميز بلوحات ورسومات يدوية شديدة الدقة، ويعد هذا الكتاب الآن أكبر مخطوطة يدوية بها حصر شامل للأراضي والآثار المصرية يتمتع بالدراسة المتعمقة والرسوم التوضيحية .
كان أحد أحلام نابليون هو حفر قناة تربط ما بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ولكن لم يتحقق هذا الحلم في عهد نابليون، ولكن تحقق بعدها بنصف قرن عندما قام ديليسبس بحفر قناة السويس.
الحياة الشخصية لبونابرت
عرف عن نابليون عشقه للنساء، ولقد تزوج من جوزيفين دي بوارنييه ذات الأصول الفرنسية هذه المرأة التي أحبها نابليون حباً جماً وتم الزواج في عام 1796م وكان نابليون هو الزوج الثاني في حياة جوزيفين حيث كانت متزوجة قبله من الفيكونت دي بوارينييه ولديها منه طفلان، وظلت زوجة له حتى وقع الطلاق بينهم في عام 1809م، ولم يسفر هذا الزواج عن أي أطفال لهم، تزوج نابليون بعد طلاقه من جوزيفين من ماري لويز ابنة إمبراطور النمسا.
الوفاة
توفى نابليون بونابرت في 5 مايو عام 1821م، في منفاه في جزيرة سانت هيلانة عن عمر يناهز 52 عاماً، بعد معاناة من مرض أصابه في معدته يقال أنه قرحة بالمعدة أو سرطان بالمعدة ولكن أوضحت عدد من البحوث أن سبب الوفاة يرجع إلى جرعات من السم التي دست له، حيث إنه بعد تحليل عينات من شعر نابليون وجدوا بها عينات من مادة الزرنيخ والتي يرجح أنه تعرض لجرعات متكررة منه، دفن في سانت هيلانة إلا أن جثمانه أعيد إلى باريس ودفن في كنيسة القبة.
من أقوال نابليون
· في مصر لو حكمت لن أضيع قطرة واحدة من النيل في البحر ، وسأقيم أكبر مزارع ومصانع أطلق بها إمبراطورية هائلة، ولقمت بتوحيد الإسلام والمسلمين تحت راية الإمبراطورية ويسود العالم السلام الفرنسي.
· في مصر قضيت أجمل السنوات، ففي أوروبا الغيوم لا تجعلك تفكر في المشاريع التي تغير التاريخ، أما في مصر فإن الذي يحكم بإمكانه أن يغير التاريخ.
·لو لم أكن حاكما على مصر لما أصبحت إمبراطورا على فرنسا.
عمر المختار الفارس والمجاهد العربي
عمر المختار مجاهد ليبي عظيم لقب "بشيخ المجاهدين"، نظراً لبطولته واستبساله في الدفاع عن وطنه وشعبه ضد الاستعمار الإيطالي فأصبح يضرب به المثل كبطل ومجاهد وسياسي عظيم، وقبل أن يكون عمر المختار مجاهدا ناجحاً كان رائداً دينياً عظيماً وهو الأمر الذي أعطاه بعد سياسي وديني.
مرت حياة عمر المختار بالعديد من الأحداث الحافلة، وكان القسم الأخير منها زاخراً بالنضال وحركات المقاومة التي قام بقيادتها عمر المختار من أجل الدفاع عن وطنه وتحريره من أيدي قوات الاستعمار فعلى مدى العشرين عاماً الأخيرة من حياته استمر في النضال رافضاً جميع المغريات التي عرضتها عليه الحكومة الإيطالية للتخلي عن الدفاع عن قضية بلاده، وظل حاملاً لراية الكفاح الوطني كفارس شجاع حتى آخر يوم في عمره وهو يوم استشهاده تاركاً للتاريخ ذكرى بطل عظيم ومثل يحتذى به.
نشأته
اسمه بالكامل عمر بن المختار بن فرحات من عائلة غيث، وفرحات قبيلة من بريدان أحد بطون قبيلة المنفة وهي إحدى القبائل العربية المشهورة بالبأس والشجاعة في المنطقة، ولد عمر المختار في عام 1277هـ - 1859م في منطقة وادي البطنان ببرقة .
التحق وهو مايزال صغيراً بزاوية ( جنزور) حيث تعلم بها مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم قام بالالتحاق بزاوية جغبوب وهي إحدى الزوايا التي أنشئها محمد بن علي السنوسي "السنوسي الكبير"حيث قام بتلقي تعليمه الديني بها فدرس المبادئ الدينية والعلوم الشرعية والتاريخ الإسلامي والأدب العربي .
عرف عمر المختار بشخصيته القيادية القوية واتزانه بالإضافة لتواضعه، مما جعله يكسب حب واحترام جميع من تعامل معه.
وقد حاز عمر المختار أيضاً على إعجاب شيخ السنوسية في هذا الوقت السيد المهدي السنوسي، فقام بإرساله في العديد من المهام ومن ضمن هذه المهام مهمة فض المنازعات بين القبائل وكانت مهامه دائماً ناجحة مما أكسبه احترام القبائل وتعمقت درايته بأحوالهم .
صدر قرار من السنوسيين بتعيينه شيخا على زاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، ولعل هذا كان تحدياً لقدرات عمر المختار حيث إن هذه المنطقة التي تم تعيينه بها شيخاً على الزاوية كانت تسكنها قبيلة متمردة لا تعترف بالقوانين أو تلتزم بها، ولكن عمر المختار استطاع بأسلوبه الحكيم والحازم في نفس الوقت أن يقوم بمهمة ترويضهم والقضاء على نزعة التمرد بهم ومحاولة إفشاء الآداب الإسلامية فيما بينهم.
الاستعمار وعمر المختار
كا
نت النقطة التي استطاع الاستعمار الإيطالي التسلل منها إلى قلب ليبيا هي إنه قام بإنشاء بنك لمساعدة وإقراض أبناء الشعب الليبي بضمان أراضيهم، وبالتالي إذا عجز المقترض برد القرض يتم الاستيلاء على أرضه، وتوالت هذه الطريقة المرة تلو الأخرى حتى تمكن هذا البنك الإيطالي من الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الليبية، كما قامت إيطاليا بإرسال بعثة إلي طرابلس قالت حينها أنها بعثة علمية إلي الأراضي الليبية بحجة الكشف عن معدن الفوسفات، ولكن تم كشف الخدعة حيث اتضح أنها بعثة عسكرية جاءت لوضع الخرائط الحربية، وبدأت الرؤية الاستعمارية والأطماع التي ثارت حول الأراضي الليبية تتضح مما استفز الشعب الليبي وأثاره وكان على رأسهم بالطبع عمر المختار الذي قرر الاستعانة بالمبادئ الإسلامية التي تحث على الجهاد من أجل استعادة الأرض المغتصبة، فعمل على الفور من أجل تهيئة البلاد لمواجهة هذا الاستعمار الإيطالي حيث إن البلاد لم تكن على القدر الكافي من الاستعداد أو التهيئة العسكرية والسياسية من أجل مواجهة هذا الاستعمار، فعمل المختار على عقد المؤتمرات وتحفيز أبناء الشعب وتوعيتهم للخطر الاستعماري الإيطالي وتشجيعهم من أجل الدفاع عن بلدهم والزود عنها، فتحولت ليبيا إلى معسكر ضخم متأهب للجهاد في أي لحظة وصد العدوان عن البلاد.
كانت إيطاليا قد بيتت النية بالفعل من أجل استعمار البلاد فقامت بإرسال إنذار وتهديد إلى الحكومة العثمانية في سبتمبر 1911م كان يتضمن تهديد باحتلال طرابلس وبني غازي حيث إن إيطاليا تخشى على رعاياها الإيطاليين في ليبيا، وهو الأمر الذي قابلته الحكومة العثمانية بشكل من الضعف والتهاون طالبة الجلوس من أجل إجراء المفاوضات، وهو الشيء الذي لم يحدث حيث كان الأسطول الإيطالي في طريقه بالفعل إلى السواحل الليبية.
علم عمر المختار أثناء جولاته بين المدن الليبية لحث الناس على الجهاد بأمر حصار وضرب الأسطول الإيطالي للمدن الليبية وأن الأهالي قاموا بالاشتباك مع قوات الاستعمار من أجل الدفاع عن مدنهم، فعاد مسرعاً حيث قام بالتمركز هو وآلاف المجاهدين في مكان بالقرب من بنغازي واستطاع من موقعه هذا هو والمجموعة التي معه أن يبث الرعب في قلوب القوات الإيطالية وكبدوهم العديد من الخسائر الفادحة.
بدأت الحكومة الإيطالية التعرف على شخصية عمر المختار حيث بدأ اسمه يتردد في أوساط القيادة الإيطالية كقائد عسكري مسلم محنك يقوم بتكبيد الاستعمار العديد من الخسائر، ولم تنجح جميع المغريات التي قدمتها إليه الحكومة الإيطالية في إثناءه عن عزيمته في الجهاد، ونظراً لعدم قدرة الحكومة الإيطالية عن مقاومة هذا القائد العظيم فقد لجأت إلى الأستانة لتعقد صلحاً مع الحكومة العثمانية، حيث تم توقيع معاهدة بين الدولتين في 21 أكتوبر عام 1912م، وقامت الحكومة العثمانية بسحب قواتها في اعتقاد منها بأن هذه الاتفاقية وضعت نهاية للحرب، ولكن المجاهدين في ليبيا ظلوا متمسكين بأسلحتهم وعلى أهبة الاستعداد لأي هجوم من القوات الإيطالية وعلى الرغم من قيام القوات الإيطالية بسحب قواتها من المدن الليبية إلا أنهم قاموا بالعديد من العمليات الاستفزازية منها زج العديد من المجاهدين في السجون والاعتداء على الملكيات المختلفة لهم، الأمر الذي قابله المجاهدين الليبيين بخطف وقتل الجنود الإيطاليين ومحاولة تكبيدهم أكبر قدر ممكن من الخسائر ونظراً لاستياء القوات الإيطالية من كثرة خسائرها فقد أعلنت عام 1919م بإصدار قانون ينص على أنها ستحكم البلاد دون قهر، ولكن ظلت حالة البلاد بين الحروب والمعارك التي يقوم عمر المختار بقيادتها لمدة عشرون عاماً متصلة بين هزيمة ونصر ولم يعرف الضعف أو الاستسلام طريقاً لقلبه على الإطلاق.
استشهاد البطل
المختار أسيرا
ظل عمر المختار على مدار عشرين عاماً متصلة يشن الهجمات والمعارك على القوات الإيطالية دون أن
يهدأ للحظة أو ينعم براحة بال وبلاده مازال الاستعمار متوغل في قلبها، وعلى الرغم من كثرة الجروح التي شكلت في جسده معالم لا يمحوها الزمن مهما طال إلا أن الموت على الرغم من قربه منه في معظم الوقت إلا أنه لم يستطع النيل منه في خلال كل هذه الفترة، ولكن لكل بطل نهاية فقد جاء اليوم الذي خرج فيه مع قواته من المجاهدين من أجل استطلاع قوات العدو وكانت قوات الاستعمار تتربص به فتمت محاصرته هو وجنوده وكفارس عظيم باسل يدافع عن قضية عادلة أبدى عمر المختار من الشجاعة والصمود وظل يتبادل إطلاق النار مع العدو حتى أصابت إحدى الرصاصات حصانه وسقط من عليه فتمكنت منه القوات الإيطالية وقامت بأسره، وتم نقله إلى ميناء سوسة، ومن هناك تم نقله إلى بنغازي حيث مكث بسجنها أربعة أيام حتى ميعاد المحاكمة في سبتمبر 1931م، وعندما تلي عليه القائد الإيطالي بنود التهم الموجهة إليه لم ينكرها بل إنه أكد أن تعاليم الإسلام أوجبت عليهم الجهاد ضد المعتدين المحتلين وأنه لم يفعل أي شيء سوى تنفيذ تعاليم الإسلام في دفع الاستعمار عن بلده وإنقاذها من المحتل وإنقاذ الشعب من الذل والخضوع لمحتل غاشم وفد على البلاد من أجل استعمارها ونهب خيراتها.
وقد صدر الحكم على عمر المختار بالإعدام شنقاً وهو الحكم الذي أعدته الحكومة الإيطالية مسبقاً حتى من قبل أن تبدأ المحاكمة، وفي اليوم التالي للمحاكمة في 16 سبتمبر 1931م ، كانت المشنقة معدة ومجهزة بالفعل، حيث سيق الفارس البطل إلي ساحة الإعدام وهو يردد الشهادتين ليستشهد وهو في السبعين من عمره على مرأى من عائلته وجنوده وشعبه، ليترك في التاريخ ذكرى بطل عربي أبى أن تخضع بلاده للذل والهوان من قبل المستعمر وظل لأخر نفس يتردد بصدره يهتف بحبها ويسعى لتخليص شعبه من نيران الاستعمار.
تم تناول قصة حياة البطل الليبي عمر المختار وكفاحه ضد الاحتلال الإيطالي من خلال فيلم سينمائي ضخم قام ببطولته الفنان المكسيكي العالمي أنتوني كوين وقام بإخراجه المخرج السوري العالمي مصطفي العقاد .
كما قام القائد الإيطالي ردولفو غراتسياني ( وهو القائد المسئول عن إعدام عمر المختار ) من خلال كتابه " برقة المهدأة" بالتعرض لشخصية عمر المختار في كتابه وعرضها من خلال وجهة نظره هو ومما قاله في كتابه يصف لقائه مع الشهيد الليبي عمر المختار قبل إجراء المحاكمة معه
"وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه (بالجرد) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر, وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح."
غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
ويستطرد غرسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء. ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد, فأنهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء, وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد."
محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة
محمد علي باشا
هو أحد الشخصيات البارزة في التاريخ المصري في العصر الحديث، ويرجع إليه الفضل في بناء مصر الحديثة، حيث شهدت مصر في عصره نهضة في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو العسكرية.
ولد محمد علي عام 1769م الموافق عام 1183هـ من سلالة ألبانية ببلدة (قولة) أحد المواني الصغيرة الواقعة على الحدود بين ترافية ومقدونيا، توفى والده إبراهيم أغا و هو مازال في مرحلة الطفولة فأعتني به عمه طوسون إلا أنه توفي هو الأخر، فتبناه احد أصدقاء والده و عمل على رعايته و تربيته حتى بلغ الثامنة عشر فتعلم الفروسية و اللعب بالسيف، ألتحق بالخدمة العسكرية في الجيش ، و قام بخدمة حاكم قولة و أكتسب رضاه بذكائه و مهارته، و أكتسب الكثير من العادات و الآداب الفرنسية ، و عندما بلغ محمد على سن الثلاثين انضم للجيش مرة أخرى عندما بدأ الباب العالي في حشد جيوشه لمهاجمة الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت.
والي مصر
انتقل بعد ذلك محمد علي إلى مصر عام 1801م كمعاون لرئيس كتيبة قولة مع جيش (القبطان حسين باشا) الذي جاء لأجلاء الفرنسيين، و بقي في مصر بعد خروج الفرنسيين منها ونظراً لتميزه فقد رقي إلى عدة مناصب فأصبح نائب للسلطان العثماني ، ثم أصبح والياً على مصر في عام 1805م، حيث بدأ مهامه كوالي بالقضاء على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة، كما قام بالقضاء على الإنجليز في معركة رشيد، وبالتالي حول مصر إلي حالة من الاستقرار السياسي تمهيداً للبدء في بنائها وتقوية مركزها بين الدول المختلفة، فالتفت إلي الإصلاح الداخلي وكانت البداية من خلال تأسيس أول جيش نظامي قوي ساعد في تدريبه الفرنسيين الذين تبقوا من الحملة الفرنسية.
قام محمد علي بعدد من الفتوحات الخارجية منها حربه ضد الوهابيين بالحجاز ونجد وضمهما لحكمه عام 1818، ثم اتجه لمحاربة السودانيين عام 1820م، كما قام بالاستيلاء علي الشام وانتصر علي العثمانيين عام 1833م، وكاد يستولي علي الآستانة العاصمة إلا أن روسيا وبريطانيا وفرنسا قاموا بحماية السلطان العثماني، ولم يبقى مع محمد علي سوي سوريا وجزيرة كريت وفي عام 1839م حارب السلطان لكنه هزم و أجبر علي التراجع في مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم أسطوله في نفارين. ففرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والاقتصار علي حكم مصر لتكون حكما ذاتيا يتولاه من بعده أكبر أولاده سنا .
إنجازاته
شهد عصر محمد علي العديد من الإنجازات والإصلاحات في مختلف المجالات حيث أنشأ العديد من المدارس و أرسل الكثير من البعثات لتلقي العلم في أوروبا، وأنشأ جريدة الوقائع المصرية، وأقام المصانع والمعامل لكي يستغني عن الدول الأجنبية في سد احتياجات الجيش والأسطول، كما قام بتقسيم الأراضي بحيث خصص كل منها لزراعة محصول معين ووزعها علي الفلاحين لزراعتها ورعايتها والاستفادة بغلتها نظير دفع الأموال الأميرية، و أدخل التعديلات في طرق الزراعة، و استعان بالآلات الحديثة، كما قام بإدخال عدد من الزراعات الجديدة مثل القطن وقصب السكر، وعمل علي إصلاح نظام الري، وأنشأ كثيراً من الترع والجسور والقناطر، وفي مجال التجارة أستغل موقع مصر المتميز وعني بالمواني وأنشأ الطرق لتسهيل انتقال التجارة.
و في المجال العسكري قام بأعداد قوي للجيش فجند المصريين فيه، وأنشأ المدرسة الحربية، ووضع النواة الأولي للبحرية، وأنشأ الأسطول المصري، هذا الأسطول الذي خاض عدد من الحروب الهامة و أنتصر فيها من أهمها حرب المورة، كما أنشأ دار الصناعة البحرية في الإسكندرية و التي يطلق عليها حالياً (الترسانة البحرية)، وذلك لتلبية احتياجات الأسطول المصري من السفن، كما أجري عدة إصلاحات إدارية بمصر ، فأنشأ مجلس الدواوين ، والديوان العالي وكان مقره القلعة ويرأسه الوالي، وله فروع في الحكومة، مثل ديوان المدارس، وديوان الحربية.
الوفاة
توفي محمد علي باشا في 13 رمضان 1265 - 2 أغسطس 1848، بعد أن تمكن من نقل مصر نقله حضارية هامة مازال التاريخ يتذكرها حتى الآن.
(ارجوا ان ينال اعجابكم)
منقول للفائده