هنالك ثلاث مفاهيم يساء فهمها , وسوء الفهم هذا يسبب الكثير من المشاكل في مجتمعاتنا وحتى في منازلنا ومدارسنا . ونحتاج إلى ترسيخ معناها الحقيقي , وليس المعنى الخاطئ والزائف . وهي : -
مفهوم الحرية :-
يتصور البعض أن الحرية تعني الانطلاق بلا حدود , وبلا ضوابط , كالسيل الجارف يدمر ما أمامه , وهذا خطأ كبير , فهذه الحالة تسمى " الفوضى " . الحرية هي حرية الخيارات وتحمل نتائج الخيارات , وليس من ضمن هذه الخيارات إلحاق الأذى بالآخرين , ماديا ومعنويا .
ولكن لا نقيد الحرية مادامت لا تلحق الأذى المباشر بالآخرين , ولا تنتهك خصوصيتهم وحرمة أموالهم وأنفسهم , القيود على الحرية أشبهها كضفتي النهر , تجعل ماءه يسير إلى الأمام فيروي البشر والزرع .ويمنعه من التحول إلى طوفان مدمر وفوضي , فالإرهاب ليس حرية , وقطع إشارة المرور ليس حرية , وتخريب الممتلكات العامة ليس حرية , وحمل السلاح ليس حرية , وشتم الآخرين وقذفهم ليس حرية , فهذه جرائم , يجب عقاب فاعلها.
لو جعلنا الحرية مطلقة ولا تحدها إلا قدرة الإنسان على الفعل من عدمه , لأصبح من حق بشار الأسد أن يقتل فهو قادر , ومن حق المرتشي أن يأخذ الرشوة وهو قادر , ومن حق المغتصب أن يغتصب النساء فهو قادر , فالحرية هي خيار , وأن تختار عدم الفعل المؤذي ,
مفهوم الكرامة :-
الكرامة يخطئ الكثير ويتصورها التكبر والكبر , بينما الكرامة هي في المحافظة على حريتك وحرية الآخرين , وفي البعد عن ما يزعج ويؤذي الآخرين , وان نتبع قاعدة , حب لأخيك ما تحب لنفسك , فليس لأحد أهانتك وليس لك إهانة أحدا . الكرامة لا تؤخذ بالسلاح ولا بالتهديد , ولا بإلحاق الأذى بالآخرين , وتذكر أن لا كرامة لفاسد ولسارق ولقاتل , فهل لحسني مبارك وأعوانه كرامه وهم سجناء , وهل للقذافي وأعوانه كرامة وهم قتلى وهاربون ,
أتذكر عندما كان الكثير من إخواني الليبيين لاجئين في شتى بقاع الأرض, يهربون لأجل حريتهم وكرامتهم وطغيان القذافي , وكانت الحملات تقوم عليهم بوسائل الإعلام الليبية وتسميهم الكلاب الضالة . وتعيّرهم بأنهم لجئوا إلى الغرب الصليبي , وهم هاربون من الطغيان , ولكن لننظر عندما دالت دولة القذافي , فأصبح أعوانه يطلبون اللجوء إلى العالم الصليبي , هربا من جرائمهم في حق ليبيا وخوفا من عدل الشعب , وهؤلاء لم يكن لهم كرامة , بل كانت لهم سطوة , وشتان بين الكرامة والسطوة ,
الكرامة هي في أن تحترم نفسك عبر احترام الآخرين وحقوقهم , والكرامة هي تقدير نفسك عبر تقدير الآخرين وحقوقهم , ولا كرامة لمن لا يكرم الآخرين , فكرامتك تبدأ من إكرامك للناس , والتاريخ شاهد على هذا .
مفهوم الحوار :-
هذا المفهوم أرى انه اكثر مفهوم يساء فهمه , بل وقد نقدمه في أحيان كثيرة , وكثيرا ما نرى متحاورين بدأ بالسلام وانتهيا بالقتال , أو بالسب والشتم .
نكره الاستماع لمخالفينا في الرأي , وأننا نملك الحق المطلق , لا نحاول نقل وجهة نظرنا وأفكارنا للآخرين بأسلوب مهذب مقبول , وكل من يخالفنا أو يناقشنا فهو جاهل أو خائن أو مغرر به ... . بل وسمعت عن مظاهرات تخرج لإسكات وجهات نظر , أو لمنع أصحاب فكر , بينما لو جلسنا إليهم وسمعناهم وسمعونا , وأخذنا منهم واستقبلوا منا , فلربنا أقنعناهم بخطئهم , أو أقنعونا بصوابهم , ولتبين للجمهور من هو على الحق ومن هو على الباطل , وهذه كانت مشكلتي مع مؤيدي القذافي فخلال عام كامل ناقشت الكثير منهم , ولكن ما أن تضيع حجتهم حتى يبدءوا بالسب والشتم والتجريح , وهكذا الكثير من المتعصبين لفكر معين . لأن ثقافة الحوار والاستماع معدومة لديهم .
ثقافة الحوار حرمنا منها منذ الطفولة , فمن الحرام أن يناقش الطفل أباه أو أمه , وعيب أن يناقش الطالب أستاذه , فتحول تلقائيا إلى قامعين و مقموعين , نقمع من هم اصغر منا ويقمعنا من هم أكبر منا . وترسخ فينا أحادية التفكير , بل وقد نوصلها بعض الأحيان إلى التفويض الإلهي في الفكر.
ونخطئ كثيرا عندما نتصور أن من يحاورنا يقصد أهانتنا , بل والأدهى , البعض يتصور الحوار مع الآخر هو إهانة أو وسيلة للأهانة , فتجده يستعمل الحوار لأهانه من يخالفه ,
بينما الحوار هو للتفاهم , والتقارب , وفهم الآخر ,
هذه المفاهيم الثلاث يجب أن يعمل الأب والآم والأستاذ والدكتور على ترسيخها , بل حتى الأخ الأكبر والصديق له دور فيها . وهي الوسيلة الحقيقة للتطور الدائم , فقد نتطور بحكم طاغية ودكتاتور , ولكن هذا التطور لا يكتب له الدوام , لأن عكس هذه المفاهيم هو الظلم وتطبيقها هو العدل , ودولة الظلم ساعة ودوله العدل إلى قيام الساعة.
الكاتب : صالح السليمان