كاتب المقال / فهد عامر الأحمدي
في كل حي وبلدة صغيرة لا بد من وجود مشعوذ أو دجال يذهب إليه الناس للعثور على مفقوداتهم...
* في كل ثقافة ومجتمع لابد من وجود ساحر أو حكيم (حسب نظرة الناس له) يدعي علم الغيب ومعرفة السارق والجاني ومكان الضحية..
* وحتى في أكثر المجتمعات تقدماً تراهم يلبسون ثياب الحداثة ويطلقون على أنفسهم أسماء تلائم روح العصر مثل (تحري نفسي) و(وسيط روحاني) أو حتى (محضر أراوح)!!
.. فهو يدعى «تحري نفسي» في الغرب ويفترض به امتلاك موهبة خارقة تتيح له الكشف عن هوية الفاعل من خلال لمس متعلقاته الشخصية.. وهذه الموهبة تعد نسخة محدثة عما كانت العرب تسمية "القيافة" أو قص الأثر وأصبحت تدعى في علم النفس الحديث "السيكومتري" أو القيافة النفسية!
والسيكومتري موهبة يستطيع من يملكها سرد معلومات مهمة عن صاحب الأثر الموجود بين يديه.. ولكنها مثل كل المواهب الخارقة لا يمكن تأكيدها (أو تكرارها في المعمل) وفي نفس الوقت لايمكن إنكارها أو نفي حدوثها بالواقع ولهذا السبب لا تأخذ مايأتي من كلامي على سبيل التأكيد!!
وأصحاب هذا الادعاء يظهرون في كل المجتمعات والبلدان ويساعد بعضهم في حل الجرائم والكشف عن الأشخاص المفقودين. وقد اشتهر بعض الأعراب (مثل بني مدلج) بقدرتهم على إدراك المعلومات بمجرد رؤية الشخص أو لمس متعلقاته الشخصية كالعمامة والسيف ومنهم الصحابي الكريم مجزز المدلجي القائف الذي أثبت نسب أسامة بن زيد لأبيه الحارثة..
أما أشهر «تحرّي نفسي» في العصر الحديث فهو بدون شك الهولندي بيترهوركرس؛ فبعد أن ذاع صيته في أوروبا وساعد الشرطة في استعادة جوهرة التاج عام 1950 انتقل إلى أمريكا حيث تعرف على سفاح بوسطن الشهير وحدد موقع إحدى الطائرات المفقودة عام 1968 وكشف سر اختفاء الملياردير جم تمسون عام 1976 (وجاء ذكره في مقال خاص كتبته عن هذا الأخير)!!
ومحاولات تفسير هذه الموهبة كثيراً ما تتجاوز علم النفس إلى الفلسفة والروحانيات. فقد ادعى مثلاً جوزف بتشان (وهو أول عالم درس هذه الظاهرة) أن جميع "المواد" تملك ذاكرة للحدث يمكن لمن يملك الموهبة الشعور بها(...) !!؟
وفي الغالب تتهرب الشرطة من اللجوء لمثل هؤلاء الأشخاص حتى يبلغ بها اليأس أشده وحين تضطر لذلك تفعله بالسر. ففي قضية جاك السفاح مثلا (حيث دأب أحد المجرمين على قتل المومسات في شرق لندن) رفضت الشرطة تدخل «تحرّي نفسي» مشهور يدعى ربرتلز إلا بعد تدخل الملكة نفسها. ورغم بقاء الشرطة على موقفها إلا ان أعمال التحريين النفسانيين أصبحت تلقى اعترافاً أكبر بين الحربين العالميتين.. بل بلغت القناعة بقدرتهم حد أن أرثر دول (مؤلف روايات شرلوك هولمز) اقترح أن يقتصر القبول في كليات الشرطة على من يملك هذه الموهبة فقط!!
.. المشكلة هي ان ادعاء الكشف عن المجرمين بهذه الطريقة عرضة لكثير من علميات الاحتيال والتخمين. وبسبب حدودها المطاطة وعدم اعتمادها على أدلة ملموسة لا يأخذ بها القضاء ولا تعترف بها كليات القانون ولا تلجأ إليها الشرطة.. على الأقل.. حتى تصل لمرحلة اليأس..