سعوديون بالبركة
نحن السعوديون نتزوج بالبركة ، وننجب بالبركة ، ونربي أولادنا بالبركة ، والأجهزة الحكومية لدينا تعمل بالبركة ، والطالب لدينا ينجح بالبركة ويختار تخصصه بالبركة ،وندخل المشاريع التجارية بالبركة ، ونربح بالبركة ونخسر بالبركة ، وتغذيتنا تسير بالبركة.
والانفجار العددي الذي حصل في عدد الطلاب والطالبات ، حصل بالبركة ، لأن وزارة التربية والتعليم وضعت خططها بناء على تنبؤات وزارة التخطيط ، والتي لم تعلم أننا نعيش بعقلية البركة ، ولو عرفت لكانت وضعت في خططها هامشا للبركة ، يعتمد على تحليل تذبذباتها وانخفاضها وارتفاعها ، وهذا أيضا لا يعفيها من المسؤولية ، لأن أغلب خططها هي أيضا كانت بالبركة .
لقد نقلنا معنى البركة من معناه الأصلي، إلى معنى آخر واهن ، نبرر به تخبطنا وعجزنا وعشوائية حياتنا.إن البركة هي النماء والزيادة ، وليست الفوضى والعشوائية .
من قال أن البركة هي نقيض التخطيط أوهي عدو التنظيم.؟ من قال أن البركة هي أن نجعل زمام حياتنا – الأسرية والاجتماعية والاقتصادية – يسير دون تصور واضح لما نريد أو نرغب أن نكون عليه ؟
إن الحديث عن الغد أو المستقبل أمر مزعج ومقلق عند كثير من الناس ، والتخطيط لديهم رديف للتعقيد ، لذا يهرب منه البعض باستخدام ذهنية البركة ، والتشبث بأقوال هي أقرب للمخدرات الفكرية مثل : ” كل وقت له حلال” أو ” ولما يجي ذاك الوقت يسير خير” .
وجرب أن تقول لأحدهم هل خططت – أو ما تصورك – لحياتك في الثلاث سنوات القادمة ؟ واسمع رده ، فقد يتهمك بالهوس ، وفي أحسن الأحوال سيضحك من نكتتك السمجة وهو يقول: ” يا شيخ من يعيش ومن يموت “ وقد يغير الموضوع تأدبا..
أو جرب أن تقول له : هل أعددت ميزانية منزلية ؟ سوف سيعتبر ذلك تشكيكا في كرمه ، ورجاحة عقله وحسن تدبيره للأمور ، وفي أفضل الأحوال سيرد عليك بأن الرزق من عند الله ، أو أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب !.
وإذا ابتلاك الله وكنت من الأشخاص المخططين لحياتهم والمجدولين لأعمالهم ،
فثق أن غالبية من حولك سينظرون إليك على أنك مسكين ، لا تفهم الحياة ، وأنك عاجز عن إدارة حياتك بطريقة طبيعية ، وفي المقابل فهم الأذكياء الفهلويون، الذين لا يتكبدون عناء وضع الخطط ، وكد أذهانهم ومع ذلك حياتهم سائرة..سائرة بالبركة طبعا..
وستكون محظوظا أكثر إن لم يرجموك بقلة الإيمان ، لأنك لا تثق في الغيب الذي قدره الله لك ، وأنك بقلة إيمانك المتمثلة في الحديث عن أشياء لم تقع ، وفي التفكير في سنوات قادمة من عمرك - لا تدري هل ستبلغها أم لا – غير متوكل على الله والأفضل لك أن تعيش على البركة .
وفي هذا الصدد كنت أتحدث مع إحدى الصديقات عن مفهوم البركة في حياتنا وأن كل شيء يسير في حياتنا بعشوائية بلا خطط أو إعداد وهذا ما نسميه وهماً بالبركة ، فإذا بها تقول لي: إن زوجها ذهب لمكتب الاستقدام اليوم وطلب من صاحب المكتب أن يبعث للخادمة التي ستأتيه ، بمواصفات بيته وعدد أطفاله وأعمارهم ، حتى يكون لديها فكرة تامة قبل أن تأتي ، فما كان صاحب المكتب إلا رد عليه باستخفاف بالغ : يا شيخ مو لازم .. الدنيا كلها ماشية بالبركة !!
إذن حتى أصحاب الأعمال والذين من المفترض أن يكونوا أحرص الناس على مصالحهم يعيشون بعقلية البركة..فماذا تنتظر من بقية الناس؟؟
لاريب أننا نحتاج إلى أن نغير بعض مفاهيمنا الجوهرية الخاطئة ، والتي التحمت في نسيج عقولنا ، وفي المقابل نحتاج أن نردف حياتنا ، بمعاني إيجابية سليمة ، نوجه بها دفة حياتنا إلى الاتجاه الصحيح.
خير الكلام :
قال من لا ينطق عن الهوى – صلى الله عليه وسلم – للرجل صاحب الناقة : ( اعقلها وتوكل ).
رحمة العتيبي