"يا رجل هذا يكاد يخلع عقلي" قلت بعد أن استويت: عفوا..؟ تابع: "الناس هنا يعرفون كل شيء عن أي شيء".. سكت، كان ينتظر ردة فعل ما، لكني كنت متصنماً، فقرر أن يواصل: أصبحت محاطاً بمجموعة ضخمة من العارفين، كنت أعتقد أن الأمر لا يتخطى حدود عائلتي التي توارثته أباً عن جد، لكني اكتشفت أن الحكاية شاسعة.. يخبرني الحلاق قبل قليل أن الجو سيكون حاراً ليوم غد وعلي أن أتخلى عن الملابس الثقيلة التي أرتديها، وهو نفسه الحلاق الذي لا أعرف لم عليّ أن أضاعف له المبلغ بكل مرة، لأنه من جنسية مختلفة عن الآخرين.. في المناسبة التي تهندمت لأجلها يتصدر أبو حمود المجلس ليفند توازنات القوى في هذا العالم المضطرب ومصالحها التي تنكمش بالالتقاء وتتمدد بالتضاد، يهتز من بجانبه متمتماً: "يا أخي هذا العالم مشاكل"، الذي يصب القهوة يعرف بدوره شيئاً آخر إذ يقول: "هناك نيزك يوشك أن يفلق الكرة الأرضية نصفين فترتاح المجرة منا ومن مشاكلنا، ومن هذه الدلة الساخنة التي أضطر لمسكها كل مرة "، يصمت الجميع ثم يقفز أحدهم بالحديث عن شاب يعرفونه اشترى سيارة فرنسية، تبدأ الفتاوى بالظهور فيعلق من بجانبي الأيمن: "السيارات الفرنسية لا تصلح، فالفرنسيون بارعون بالعطور فقط، وعليهم ألا يجربوا صناعة السيارات، فلم تكن المسألة يوماً لهم".. أثناء ذلك يتصل بي صديقي ليخبرني أن وجهة السفر التي سنذهب لها غالية، وأنه يعرف عن الأمر أكثر مني، مع أنه لم يتخط حدود الرياض.. من بجانبي الأيسر ينبهني أن الجلوس بهذا الشكل يؤثر على خلايا المخ، عرف بذلك من زوجته التي تتسمر أمام شريط تلك القناة التي تتحدث بها النساء عن أي شيء.. لم أتحمل الأمر فهربت، وأنا هنا الآن.. هل عرفت حجم ما أعانيه؟ قلت: "اشرب قهوتك ثم اذهب لبيتك، هذه الحلطمة لن تنفعك أنا أعرف منك بها".