مقولة تنقل عن الفيلسوف الإغريقي هرقليطس، قالها قبل 2500 سنة تقريبا هي"الكثير من التعليم لا يُعلم الفهم" تذكرتها وأنا أشاهد الكثير من الطلاب والطالبات بمدارسنا يحملون حقائب أكبر من أجسادهم، فكثير من الكتب ولا تعلم سوى القراءة والكتابة فيما يبدو، وأكثر أبنائنا تنتهي علاقتهم بمعلوماتها بانتهاء اختباراتهم أو تقويمهم المستمر الذي ينجح فيه المجد والكسول، والفاهم وغير الفاهم على حد السواء دون تمايز أو تمييز! خلال دراسة مناهج مطورة ما يزال بعض محتواها يعزز ازدواجية فكرية وسلوكية مع الواقع، بجانب كونها مناهج تحتاج إلى وسائل تعليمية حديثة تختلف عن سبورة الطباشير، وفصول يحشر فيها ما يقارب 35 إلى 40 طالبا كعلب سردين مع معلمين يجهل أكثرهم طريقة تدريسها، وليس هذا فحسب، بل ويتم إثقالهم بعدد غير قليل من الحصص 24 حصة! بجانب أعمال مدرسية، ثم يطلب منهم ببساطة تقويم هذا العدد الكبير من الطلاب والطالبات لديهم تقويما مستمرا يوميا، والعجيب أن تستمر الوزارة في طباعة العديد من الكتب الملونة والمزخرفة بمناهجها المتعددة في زمن التعليم والشرائح الإلكترونية والآي باد والشبكة العنكبوتية، التي لا تصل للمدارس سوى مكاتب الإدارة بها! وأستغرب فعلا مناهج مطورة تتطلب بحثا على شبكة الانترنت أثناء الدراسة ولا توفرها الوزارة في المدارس!.
وهنا يأتي سؤال يجب أن يُوضع على طاولات اجتماعات مسؤولي ومسؤولات إدارات ومكاتب وزارة التربية والتعليم، هل الهدف الرئيس من وزارتهم تنمية الفرد سلوكيا وصحيا وفكريا وثقافيا وأخلاقيا لتنتج مواطنا مدربا مسهما في بناء التنمية الوطنية، أم الهدف إخراج متعلمين لا يستفاد منهم في سوق العمل وينقصهم الوعي الاقتصادي والصحي والأخلاقي والفكري؟ هل الهدف هو التعليم بقصد محو أميّة الوعي، كي يدرك الفرد مسؤولياته تجاه نفسه ووطنه، فيكون مستنيرا قادرا على التعاطي مع مشاكله الخاصة قبل العامة، أم الهدف من مدارسها إحلالها محل الكتاتيب لمحو أمية القراءة والكتابة والحساب، لتحتفل الوزارة بمحو الأمية خلال 40 عاما لأنها خفضت نسبتها من 60% إلى 4% كما نشرت قبل أمس جريدة الوطن! فيما يبقى الوعي ممتلئا بتراكمات تُبقي على تعصبه الطائفي والقبلي وانتمائه لقوانينها أكثر من قوانين الأنظمة الوطنية حتى في أبسطها كنظام المرور في الشوارع مثلا؟ هل الهدف الرئيس هو تحقيق التعلّم فهما ووعيا وإدراكا من التعليم، أم التعلّم حفظا وتقليدا من التجهيل الممارس في عشوائية العملية التعليمية وتناقضاتها؟
للإجابة، على مسؤولي الوزارة النزول لأرض الواقع بشفافية، فالإصلاح يبدأ بمكاشفة الأخطاء لا ترقيعها، لأن قلة منّا يُصرون على البقاء في كهف الوهم ويخشون صدمة "الضوء" لأعينهم!
أخيرا، أضع على طاولات مسؤولي ومسؤولات التعليم مقولة للفيلسوف الألماني هيجل:"التعليم هو فن جعل البشر أخلاقيين" طبعا الأخلاق لأنه بها تُبنى الأوطان.