تفسير سورة الانفطار
اعداد الموضوع: محمد بن لمين
"إذا السماء انفطرت"، انشقت.
"وإذا الكواكب انتثرت"، تساقطت.
"وإذا البحار فجرت"، فجر بعضها في بعض، واختلط العذب بالملح، فصارت بحراً واحداً. وقال الربيع: "فجرت": فاضت.
"وإذا القبور بعثرت"، بحثت وقلب ترابها وبعث ما فيها من الموتى أحياءً.
"علمت نفس ما قدمت وأخرت"، قيل: "ما قدمت" من عمل صالح أو سيئ، و "أخرت" من سنة حسنة أو سيئة. وقيل: "ما قدمت" من الصدقات "وأخرت" من التركات.
"يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم"، ما خدعك وسول لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك. والمعنى: ماذا أمنك من عذابه؟ قال عطاء: نزلت في الوليد بن المغيرة. وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في الأسود بن شريق ضرب النبي فلم يعاقبه الله عز وجل، فأنزل الله هذه الآية يقول: ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلاً بكفرك؟ قال قتادة: غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان قال مقاتل: غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول مرة. وقال السدي: غره رفق الله به. وقال ابن مسعود: ما منكم من /أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة. فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟. وقيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله يوم القيامة فقال: ما غرك بربك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: أقول غرني ستورك المرخاة. وقال يحيى بن معاذ: لو أقامني بين يديه فقال ما غرك بي؟ فأقول: غرني بك بربك بي سالفاً وآنفاً. وقال أبو بكر الوراق: لو قال لي: ما غرك بربك الكريم؟ لقلت: غرني كرم الكريم. قال بعض أهل الإشارة: إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول: غرني كرم الكريم.
"الذي خلقك فسواك فعدلك" أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء حسناً وقبيحاً وطويلاً وقصيراً. و جعلك معتدل الخلق والأعضاء
"في أي صورة ما شاء ركبك"، قال مجاهد والكلبي ومقاتل: في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم. وجاء في الحديث: أن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ "في أي صورة ما شاء ركبك". وذكر الفراء قولاً آخر: "في أي صورة ما شاء ركبك" إن شاء في صورة إنسان وإن شاء في صورة دابة، أو حيوان آخر.
"كلا بل تكذبون بالدين"، بالجزاء والحساب.
"وإن عليكم لحافظين"، رقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم.
"كراماً" على الله، "كاتبين"، يكتبون أقوالكم وأعمالكم.
"يعلمون ما تفعلون"، من خير أو شر.
قوله عز وجل: "إن الأبرار لفي نعيم"، الأبرار الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله عز وجل واجتناب معاصيه.
"وإن الفجار لفي جحيم"، روي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المدني: ليت شعري مالنا عند الله؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله فإنك تعلم مالك عند الله. قال: فأين أجد في كتاب الله؟ قال عند قوله: " إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم ". قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: "قريب من المحسنين" (الأعراف- 56).
قوله عز وجل: "يصلونها يوم الدين"، يدخلونها يوم القيامة.
"وما هم عنها بغائبين".
ثم عظم ذلك اليوم، فقال: "وما أدراك ما يوم الدين".
ثم كرر تعجباً لشأنه فقال: "ثم ما أدراك ما يوم الدين".
"يوم لا تملك"، قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئاً من المنفعة، "والأمر يومئذ لله"، أي لم يملك الله في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملكهم في الدنيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: كتاب : معالم التنزيل للبغوي
المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى : 510هـ)