في أي صندوق وطني تعيش؟
يطلب مني ـ صاحبي ـ مساء البارحة أن أعطيه ترجمة إنجليزية تظهر الفوارق ما بين ما اصطلح عليه هيئة أو مصلحة أو صندوق. هو يشاهدها بلوحاتها المختلفة على شوارع المدينة. وكي أتمكن من الترجمة الصحيحة لا بد لي من فهم طبيعة الوظيفة.
أنا لا أنكر أن لدي فهما مضطربا لطبيعة المصطلحات. خذ، مثلا، ومجرد "مثلاً" حتى لا يساء الفهم، أنني دائما ما أظن، وبعض الظن إثم، أن كلمة مجلس كثيرا ما تطلق على نخبة من القوم أردنا إكرامهم فوصفناهم في مجلس يتبادلون فيه الرأي وفي العادة لا يكون هذا الرأي ملزماً لأحد. خذ على شاكلة هذا مجلس الحي على بعد أمتار من منزلي ثم اصعد قليلا لوسط المدينة، حيث المجلس البلدي يجتمع دوريا وبمكافأة رسمية. توقف عند هذا المجلس ولا تصعد لما هو أعلى حتى لا تختلط عليك الفكرة بين المجالس التشريعية والمجالس التي أقصدها هنا. خذ لمجرد المثال أنني لا أفهم الفوارق في مصطلح ـ هيئة ـ ما بين هيئة الأمر بالمعروف وهيئة حقوق الإنسان. إحساسي أن الهيئة الأخيرة مشغولة بمتابعة بعض حالات الأولى وبينهما هيئة التحقيق والادعاء العام: تحيل إليها هيئة الأمر بالمعروف المجرم فتنتصر هيئة حقوق الإنسان لحقوقه وفي منتصف الطريق يعرف كل مجرم أن هيئة التحقيق مجرد تحويلة ـ براح ـ يخرج منها بالكفالة ونادرا جدا ما يستدعون الكفيل. خذ مثلا أن هيئة الاستثمار تقول إننا في المرتبة الحادية عشرة على الكون في قائمة الجذب الاستثماري وخذ في المقابل أن المعلومة تشير إلى أن حجم الودائع السائلة للسعوديين في بنوك العالم يناهز التريليون. آخر حلاق وضعت له رأسي السعودي صاغرا يقول إنه ضمن سلسلة من صوالين الحلاقة التي تعود لمستثمر أجنبي. خذ على الطريق بقية الهيئات. الغذاء والإسكان والإغاثة وانتهاء بهيئة إصلاح البين. كل زوجين في البلد صار لهما هيئة مستقلة. وقبل أن نختم سنعرج على الصناديق. صندوق التنمية الصناعية بقروض للأثرياء تبلغ أضعاف مخصصات الضمان الاجتماعي قبل أن نكتشف أن سواد هذه المخصصات قادم من مصلحة الزكاة والدخل. الصندوق العقاري كأفضل وسيلة لتعويد هذا الشعب على الطابور الطويل. نحن هو الذي يشك أن السعودي لا ينتظم في الطابور نفسه لعقدين من الزمن. أكمل بقية الصناديق مثل المئوية والموارد البشرية والصندوق الخيري لمكافحة الفقر والصندوق السعودي للتنمية، حيث هو مثل الجيب بفتحة لدينا وخرم في مدن الجوار في الدم والمصير المشترك. انظر لكثرة هذه الصناديق من حولك وكأنك في مزرعة تعاونية لتعليب البطاطا ثم فكر: في أي من هذه الصناديق الوطنية تعيش؟!!
علي سعد الموسى
الوطن