في هذه الدنيا الفسيحة وفي حياتنا اليومية نجد ما يسعدنا وما يتعسنا
أحوالنا متقلبة وأمورنا غير مستقرة
تنقلب الموازين وتختل النظم الأرضية ويبقى شرع ربنا من أقوى وأسلم وأنفع النظم لا يعتريه عوج ولا زيغ ولا ظلم أو جور
فيه حقوقنا وحقوق غيرنا
ومن أحق الحقوق وأعظمها حق الخالق على المخلوق
ولا أضن أنه يغفل عن عاقل أن حقه سبحانه وتعالى إفراده بالعبودية وتجريدها مما علق بها من براثين الشرك والجهل والبدع والأهواء والخرافات.
وهناك حقوق متعارف عليها بين البشر من أوجبها بعد حق الله هي حق الوالدين
ولما كان الوالدان هما الأساس في بناء الأسرة وتنشئة الجيل، نجد القرآن الكريم يُصرِّح بِعِظَم مكانتهما، ووجوب الإحسان إليهما.
قرن تعالى وجوب التعبد له بوجوب البر بالوالدين في العديد من الآيات الكريمة ، منها
قوله تعالى:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الإسراء : 23 .
وقوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) البقرة : 83 .
وهكذا نجد أن الله تعالى يعتبر الإحسان إلى الوالدين قضية جوهرية، فهي من الأهمية بمكان ، بحيث يبرزها - تارة - بصيغة الأمر: ( وَقَضَى رَبُّكَ ) الإسراء : 23 .
ويجسدها - تارة أخرى- بالامتثال بصيغة الميثاق:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) البقرة : 83 .
منح القرآن الأم حقاً أكبر، وذلك لما تقدمه من تضحيات أكثر، فالأم هي التي يقع عليها وحدها عبء الحمل والوضع والإرضاع، وما يرافقهما من تضحيات وآلام، حيث يبقى الطفل في بطنها مدة تسعة أشهر على الأغلب في مرحلة الحمل، يتغذّى في بطنها من غذائها، ويقرّ مطمئناً على حساب راحتها وصحتها.
ثم تأتي مرحلة الوضع الذي لا يعرف مقدار الألم فيه إلا الأُم، حيث تكون حياتها - أحياناً - مهدَّدة بالخطر.
ويوصي بها على وجه الخصوص:( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) لقمان : 14
عرفنا هذا والبار من سعى لإرضائهما وتطبيق شرع الله معهما .
ومن ناحية أخرى على الآباء معرفة حقوق الأبناء
معرفة الآباء لحقوق الأبناء:
فالأولاد نعمة لمن رزق إياها وشقاء وتعاسة لمن حرم منها وقد لا يعرف عظمة هذه النعمة إلا من حرم منها فكم من أكف رفعت للسماء تدعو الله وتسأله هذه النعمة
وقال الله عن عباده الأخيار: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
الذرية نعمة تقر بهم العيون وتبتهج بهم النفوس وتطمئن إليهم القلوب إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملة على الوجه الذي يرضي الله- عز وجل –
وليست تلك الحقوق مأكل ومشرب وملبس فحسب وتوفير كل ما يطلبه الطفل من أمور مادية
فالأبناء ينتظرون من وآبائهم أكثر من ذلك بل قد يتنازلوا عن حقوقهم المادية وعن بعض الكماليات التي قد يتمتع بها أقرانهم لأنهم يرغبون في حقوق حسية جميلة من عطف وحنان وضم واحتواء بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني عاطفية جليلة
قد نجد طفل يبدو عليه الدلال والنعيم, سكناه قصر مشيد,
حوله خدم وحشم يسارعون في تلبية ما يريد,
عالمه عالم قد يبدو للرائي جميل كأنه في جنة وهو في حال سعيد,
لا يرى والديه إلا بين الهلال والهلال رؤياهما كأنه يوم عيد .....
يفتقد وجودهما في حياته كأنه سجين تلفه قضبان وحديد,
يطوق قلبه ويفقده عنفوان الصبا بل قد لايعرف للطفولة معنى جديد,
غير الذي قد سمع عنه من زمن بعيد.....
سآءل نفسه أأنا الحر أم صرت من بين العبيد؟؟؟
متى تشرق شمسي؟؟ أم ستبقى في غروبها العنيد؟؟
هذا وأكثر منه يدور في خلده ووحدته بل صار جوفه بئر عمقه شديد
حوى كل أوجاعه وآلامه التي ظلت ترافقه مع كل يوم جديد
أجل قد يولي الآباء تربية أبنائهم للخدم ولا يلتقون بأولادهم إلا ليلًا
أو قل لأيام حسب المشاغل وإن كان عندهم متسع من الوقت.
فينشأ الطفل مكبوت مهموم كئيب مشتت الفكر منهار النفسية محروم من حقوقه بل لا يعرف إلا الطعام والشراب تكاد كلمات أمي وأبي لا تسمع من خلال شفاهه التي باتت الهموم مرسومة عليه، به فراغ عاطفي كبير يبحث من يسده ويملؤه
تربيته لم تعد سوية وبهذا سيجني عليه وعلى المجتمع بهذه الشخصية المهزوزة التي تزيد الأمة وبال وعارًا وليس الذنب ذنبه لأنه حكم عليه بالإعدام دون إدانة أو إجرام ......
وهناك عوامل أخرى قد لا تشعر الطفل بوجود والديه في حياته منها القسوة في المعاملة والتفرقة بين الأولاد
قسوة الآباء على الأبناء
بعض الآباء هداهم الله يظهرون لأبنائهم أنهم يملكون الحق الأوحد، وأن الأبناء دائمًا على خطأ، فيشعرالأبناء أن آباءهم وأمهاتهم لا يملكون القدرة على خطابهم، وأنهم يسيئون إليهم دائمـًا؛ وهو مايحدث فجوة كبيرة بين الآباء والأمهات وهنا سيقطع حبل الحوار بينهم ليتدلى جسر التواصل في قعر سحيق وبهذا يلجأ الفتى أو الفتاة للبوح فيما تحمله نفسه من متاعب وهموم لأول شخص يصادفونه في طريقهم
فإن وجدوا يدا مشفقة وناصحـًا أمينا دلهم على الخير وإن وجدوا العكس فبهذا فليعلم الآباء أنهم وضعوا رؤوس أبنائهم تحت المقصلة والعياذ بالله فإن انحرفوا ووقعوا في الرذائل سارعوا في عقابهم أفتك العقاب أو تبرؤوا منهم كل التبرئة ليمسحوا عنهم العار
نسأله تعالى السلامة والعفو والعافية ......
لغة الحوار أسلم طريق
إن احترام آراء الأبناء وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة، أما أن يكون الآباء والأمهات ملائكة لا يخطئون، فهذا هو الخطأ بعينه، ولا يظن الآباء أنهم باعترافهم أنهم كانوا خاطئين في هذا الموقف أن صورتهم تهتز أمام أولادهم، إنها إن اهتزت لأول وهلة، ولكنها ما تعود لتثبت كالجبال الرواسي، كما أنه يُولِّد في الأبناء الاعتراف بالخطأ، وما يتبع هذا من فوائد في حياة الأبناء
ثم ...........
عدم العدل بين الأبناء
التفرقة في المعاملة بين الأبناء هي قاصمة الظهر، فبعض الآباء والأمهات يجد بعض الأبناء أقرب إلى قلوبهم، فيظهرون هذا في معاملتهم؛ وهو ما يولد حقدًا وكرهـًا من الولد للأم والأب والإخوة أيضـًا، ولا يمكن لنا أن نحجر على الحب الزائد، فقد كان يعقوب عليه السلام يحب ولده يوسف -عليه السلام- أكثر من إخوته؛ وهو ما حدا بهم إلى محاولة قتله والتخلص منه، فرموه في البئر، غير أن يعقوب كان يدرك هذا تمامـًا، ولم يكن يظهره.
ولما رأى يوسف عليه السلام الرؤيا {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَكَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ،
قال له أبوه يعقوب عليه السلام: {يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ،
ثم فسَّر له الرؤيا، فقد أدرك خطر معرفة إخوته للرؤيا، وأن كيدهم سيزيد له، فقدم الأهم على المهم، ونصحه بإخفاء الأمر على إخوته أولا، ثم فسَّر له الأمر ثانيـًا
الحب الشديد من طرف الآباء لابن من أبنائهم دون غيره من إخوته قلنا يولد العداوة والحقد والحسد على الشقيق المحظوظ والظافر بقلب والديه
لكن لو يعلم الآباء كم يخفي الأبناء في نفوسهم من حسرة وألم عندما يرون تلكم التفرقة التي تقطع أحشائهم وما ذاك إلا لحبهم الشديد لوالديهم وليحظوا بنفس المكانة التي حظي بها الابن المميز عندهم
نسأله العفو والعافية....
تكلمنا في الأول عن فضل الوالدين وحقوقهما وعدم عقوقهما لكن ما العمل عندما يعق الآباء أبنائهم ؟؟؟
عقوق الآباء للأبناء:
أجل عقوق الآباء للأبناء... ظاهرة متفشية في كثير من المجتمعات العربية وليست وليدة اليوم أو البارحة بل هي ممتدة من زمن بعيد
وخير دليل الشاب الذي جاء لعمر بن الخطاب يشكوا إليه جور أبيه
القصة حدثت في عصر عمر بن الخطاب، حيث جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشتكي عقوق ابنه، فدعا عمر الابن وأباه،
فقال الابن: يا أمير المؤمنين؛ أليس للولد حقوق على والده؟؟
قال بلى ، قال: ماهي؟؟
فقال عمر : أن يحسن اسمه، وينتقي أمه، ويعلمه تلاوة القرآ .
فقال الابن: إن أبي لم يفعل شيئاً من هذا؛ أما أمي فكانت من المجوس،
وأما اسمي فقد سماني جعلا (وهو اسم حشرة سيئة من الحشرات) ثم إنه لم يعلمني حرفاً واحداً من كتاب الله عز وجل
. فالتفت عمر إلى أبيه وقال: لقد جئت تشكو إليّ عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
فلنكن منصفين ..... ولا نلقي كل اللوم على الأبناء لأن في كثير من الأحيان يكون الوالدين سبب في عقوق أبنائهم لهم
وهنا سنسلط الدور عن جانب حساس جدًا قد نستغرب بعض الشيء لكن هي الحقيقة بعينها
هذا بيان فضل الجهاد، وإشارة إلى راحة النفس وعلاقتها بالأهل والمال
فكيف يصير المال أحب إلى نفس الرجل من الله ورسوله وأهله وعياله
الله المستعان .....وإليه نشكو سوء الحال
قسوة الأم على أبنائها....
ولكن أيعقل أن يقسو قلب الأم لتصير معول هدام لأسرتها ونفسية أبنائها
فتفرق بين الذكور والإناث أو قد تفضل الإناث واحدة عن أخرى
أو قد لا ترحم أبناءها ولا تشبعهم من عطفها وحنانها
منذ اشتد الطفل عوده وقوت أقدامه على حمله من على الأرض ومنذ ترك حجرها وثديها لم يعد يتذوق حنانها ولم يعد يسمع منها طيب الكلام ولم يعد يعرف معها معنى الأمومة بل صارت تلكم مجرد ذكريات ويا ليته يتذكرها .....
أيعقل أن يجفا صدرها وتتلاشى كل كلمات الود والحنان من قاموس الأم الذي يزخر بأجمل المعاني وأعذب الأوصاف
كم من فتيات يتألمن ويشتكين من قسوة الأمهات واللامبالاة بحال بناتهن وسعادتهن بل قد تكون الأم سببـًا في شقاء ابنتها وتعاستها والقصص من الواقع كثيرة تشهد بذلك..
نداء لأمهاتنا الفاضلات:
أيتها الأم الرؤوم استيقظي من غفلتك قبل ضياع فلذات كبدك لملمي شتاتهم
وأسبغي عليهم من فيض حنانك أي صدر يحويهم ويسعهم إن لم يحويهم صدرك ويسعهم
أي قلب يحن ويشفق عليهم إن لم يحن قلبك ويشفق؟
أي يد ترعاهم وتتعهدهم بالرعاية بعد عناية الله ورعايته إن لم تكوني لذلك أهل؟
أي عين تحرس وتسهر على راحتهم إن لم تكن عينك التي كانت تشتاق وترتقب وجه صغيرها الذي يتقلب في أحشائها لتراه وتمتع ناظريها به؟
أيتها الأم تذكري أجمل لحظة حين بشرت بالحمل كم كنت تتمنين مرور الشهور بأسرع ما يكون لتري وجه صغيرك كم كنت سعيدة عندما صرخ ابنك بأجمل صوت معلنـًا وصوله لهذا العالم الرحب وتاركـًا ورائه ظلمة الرحم فلا تظلمي عليه هذا العلم الرحب وتضيقيه.
أبعد كل هذا يجفا صدرك ويقسو قلبك..... كلا لا أظن ذلك بل هي متاعب الحياة وحجم العبء الملقى عليك قد طغى بعض الشيء على منبع حنانك
أماه هذي يدي بيدك لنعيد أجمل الذكريات ونجدد المسير لنسعد سويـًا
ولتعيدي اللحن من جديد لهذا
لهذا أعيدي اللحن يا أمي ...
ثم كلمة لنا معشر الأبناء:
رفقـًا بأمهاتنا ويجب أن نفهم شيئـًا بين وهو رغم كل ما قلنا يجب أن نعلم أن حق الولدين عظيم وخصوصـًا الأم، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) الأحقاف : 15
وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
فهذا حق ثابت للأم لا يسقطه أو ينقصه سوء خلقها، أو فسقها، بل ولاحتى شركها وكفرها، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان : 15
قسوة المعاملة من طرف الأم لا يؤثر على حقها وواجب أبنائها نحوها. فعلى الأبناء الصبرعلى هذه الأمور واحتساب الأجر من الله سبحانه، وتذكر أنها قد صبرت عليهم كثيرًا في حملها وتربيتها لهم والسهر عليهم، وإبعاد الأذى عنهم
فقط علينا بالصبر والحكمة في التصرف في هذه الحالة ولا نقطع حبل الدعاء فيما بيننا وبين خالقنا وببرنا وصبرنا الله قادر على تغيير الأحوال
لتصير تلكم الأم من أحن الأمهات وبهذا نكسب رضا الله سبحانه وتعالى ثم قلب أمهاتنا ...