وحكى الأصمعي قال: مررت في يوم شديد المطر ببعض الطرقات فرأيت رجلا عليه فرو مقلوب والمطر قد غمره فقلت لأصحابي: الا اضحككم على هذا الأعرابي؟ قالوا: نعم، فقلت له: تدري كيف انت يا اعرابي؟ قال: لا، فقلت شعراً:
كأنك كعكة في وسط رش***اصاب الرش رشاً بعد رش
فقال: تدري كيف انت؟ قلت: لا* فقال:
كأنك بعرة في ثقب كبش ***مذلات وذاك الكبش يمشي
فضحكت وقلت له: لعلك تعرف شيئاً من شعر العرب؟ قال: بل العرب تحفظ من شعري، فقلت له: انشدني شيئاً من شعرك، فقال: على اي قافية شئت؟ فلم اجد قافية اصعب من قافية الواو فقال شعرا:
قوم بخاقان عهدناهم***سقاهم الله من النو
قلت: نو ماذا؟ فقال:
نو السماكين و رياهما***برق ترى ايماضه ضو
قلت: ضو ماذا؟ فقال:
ضو تلألأ في دجى ليلة***حالكة مظلمة لو
قلت: لو ماذا؟ فقال:
لو مر فيها سائر مدلج***على هظيم الكشح منطو
قلت: منطو ماذا؟ فقال:
منطوي الكشح هظيم الجشا***كالباز ينقض من الجو
فقلت: جو ماذا؟ فقال:
جو السما والريح تهوي به ***مثل الرجال الحي يدعو
قلت: يدعو ماذا؟ فقال:
يدعو جميعاً والقنا شرعا***كفيت ما لاقوا ويلقوا
فقلت: يلقوا ماذا؟ فقال:
يلقوا بأسياف يمانية ***فعن قليل سوف يلقوا
ان كنت لا تفهم ما قلته***فأنت عندي رجل بو
قلت: بو ماذا؟ فقال: وقد قبض مقبض سيفه:
البو لا يحجب عن امه ***يألف قرنان تقم او
فقلت: او ماذا؟ قال:
او اضرب الرأس بصوانة *** تقول في ضربتها قو
قال الأصمعي: فخفت ان اقول قو ماذا؟ فيجعل عوض القافية ضربة على رأسي