محمد الصفار
قد يمر الزمن طويلا على الواحد منا، وعلى الجيل من أجيالنا، ونحن نركض «أفرادا وجماعات» بدوافع متعددة، نحو أهداف وغايات قد تكون محددة وواضحة، وقد تكون مبعثرة لا عد لها ولا حصر.
ربما نقول : إن الأهداف في مجملها لا غبار عليها، والأكيد أننا نتفق على أن الحركة لابد منها، لكن لنسلم كذلك بأن خدمة أية قضية رهن الأساليب التي يتوسل بها من أجلها.
ثمة قضايا كان بإمكاننا ألا نضرها، لكن الضرر أصابها دون قصد، ربما كانت الغيرة على الدين تقف وراء ذلك، وربما الاندفاع غير المدروس، وربما الانفجار الناجم عن فظاعة الإساءة ومساسها بمقدس ديني، كما حصل في إهانات بعض صحف الدنمارك لنبينا الأكرم. لقد كانت ردة الفعل ضرورية ومهمة، لكنها في بعض تفاصيلها وأماكنها واستهدافاتها بعيدة عن خدمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كحرق بعض الكنائس والإساءة لبعض المسيحيين، وبعض الخطب النارية التي ملأت الفضائيات دون عقل وحكمة،
وكما في القضايا العقدية الكبرى، فإننا نرتكب الخطأ حتى في قضايانا الاجتماعية الأقل حجما. لقد تعرضت إحدى الزوجات للضرب المبرح من قبل زوجها، فاندفعت شاكية لأهلها، فخرج أخوها منفعلا من الدار وتوجه إلى منزل الزوج، ونشب عراك شديد بينهما لم ينته إلا بعد أن تسبب في عاهة جسدية مزمنة للزوج.
لا شك في أن الأخ تصرف بدافع الحب لأخته، ومحاولة نصرتها، ورد الاعتبار لها، لكن تحركه كما ترى! أساء ولم ينفع.
وفي الجانبين الاجتماعي والتربوي كم من الآباء اندفع لتأديب أولادهم، فأخذتهم الغلظة والشدة لتبقى الحسرة والمرارة في صدورهم كلما نظروا لفلذات أكبادهم، أو تذكروا تصرفاتهم المتوترة.
بعض أصحاب الأقلام يضرون قضاياهم بكتاباتهم المتشنجة، وهم أحيانا يعرفون أنهم في موقع الضرر وإن بدت الشجاعة والجرأة ظاهرة في تعليقاتهم ومداخلاتهم، لأن الكثير من البطولات (والابضيات) أمام شاشات الحاسوب لا تأتي بنفع يذكر، بل هي (فشة خلق) مضارها أكثر من منافعها.
لقد أعجبتني لفتة نقلتها جريدة الحياة عن قينان الغامدي (وهو الكاتب الذي عرف سابقا بجرأة مقالاته التي كان يتلقفها الناس) خلال أمسية أقامها النادي الأدبي في المنطقة الشرقية، حيث قال :«العجلة والحدة تقودان إلى عدم الموضوعية، والتي أسعى إلى تكريسها الآن»، مبدياً أسفه «لأني أذيت في السابق أصحاب قضايا، من خلال استفزاز الجهات التي ترتبط بقضاياهم. ولو كنت اتبعت أسلوباً آخر في استعراض تلك القضايا، فلربما لاقت تجاوباً».11 /6/2009.
أشير أخيرا إلى أن من هم في موقع التقدير والاحترام قد يرهقون أهلهم بتصريحاتهم ومواقفهم التي تجانب أحيانا خدمة قضاياهم، ومع كل التفهم للحظات الانفعال والتشنج والهياج والغيرة التي لا يخلو منها مخلوق، فإن القضايا الكبرى للمجتمع تستحق الهدوء والتخطيط والتفكير بعقل واع، إن لم يكن جمعيا، ثم المراجعة والتقليب، وتستحق التراجع أحيانا. فالخطأ سمة لن تنفك عن هذا الكائن البشري الذي قال عنه القرآن الكريم {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }.
بين الشجاعة وخدمة القضية مسافة ملحوظة لكل عاقل، وبين تصفيق الناس والعود عليهم بمنفعة تضيع الكثير من الجهود إلى أن يتبصر الناس أن التصفيق أضرهم وأضر مصالحهم.