الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أقسام :
أولاً : أن يتوسل بالإيمان به ، فهذا التوسل صحيح مثل أن يقول (اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي) . وهذا لا بأس به . وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في قوله : {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار}.
ولأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً .
ثانياً : أن يتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم أي بأن يدعو للمشفوع له وهذا أيضا جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا .فالتوسل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه هذا جائز ولا بأس به.
ثالثاً : أن يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في حياته أو بعد مماته فهذا توسل بدعي لا يجوز ، وذلك لأن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول : اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني .لأن الوسيلة لابد أن تكون وسيلة ، والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجٍد ولا نافع .
وعلى هذا فنقول التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يتوسل بالإيمان به واتباعه ، وهذا جائز في حياته وبعد مماته .
القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ، فهذا جائز في حياته لا بعد مماته لأنه بعد مماته متعذر .
القسم الثالث : أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله ، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته ، لأنه ليس وسيلة إذ أنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده لأنه ليس من عمله .
فإذا قال قائل : جئتُ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أو لا ؟
قلنا لا يجوز ، فإذا قال أليس الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} قلنا له بلى إن الله يقول ذلك ولكن يقول : { ولو أنهم إذ ظلموا } ( وإذ ) هذه ظرف لما مضى وليست ظرفاً للمستقبل لم يقل الله { ولو أنهم إذا ظلموا } بل قال ( إذ ظلموا ) فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد ، بل ولا يستغفر لنفسه أيضا لأن العمل انقطع .