عدد الضغطات : 3,478
عدد الضغطات : 1,678
إظهار / إخفاء الإعلاناتالتميز
حقوق الملكية الفكرية : أنظمة المملكة العربية السعودية تمنع نسب أي منتج فكري لغير صاحبه المؤلف او المكتشف او الصانع لذا نهيب بالجميع الإلتزام بذلك وسوف يحذف أي منتج فكري مخالف مساحة إعلانيه

   
العودة   القوافل العربية > ۞۞۞۞۞القوافل الإســـلامية۞۞۞۞۞ > قوافل الإسلام العام
 
قوافل الإسلام العام كل ما يخص الإسلام وليس له قسم خاص

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
   
قديم 11-12-2011, 09:35 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
عضو جديد

إحصائية العضو






يحيى بحر is on a distinguished road

 

يحيى بحر غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : يحيى بحر المنتدى : قوافل الإسلام العام
افتراضي رد: الهجرة أسرار وأنوار

يوم عاشوراء

{اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}[1]ومن هذه الأيام العظيمة أيام النفحات يوم عاشوراء فهو يوم التوبة ويوم النجاة ويوم إجابة الدعاء لأنبياء الله ورسل الله وأحباب الله فسيدنا نوح عندما عصاه قومه وكذبوه ومكث تسعمائة وخمسون عاماً يدعوهم إلى عبادة الله فلم يستجيبوا له وكانت علامة الطوفان التي أعطاها الله له بأن أمره أولاً أن يحمل في السفينة زوجين من أصناف الوحوش والطيور وغيرها ذكر وأنثى وكان معه الذين آمنوا به، وكانوا تقريباً ثلاث عشرة نفراً هم كل الذي آمن به من البداية للنهاية لمدة تسعمائة وخمسون عاماً متى يدخلون ويركبون في السفينة؟عندما ترى النار وهي تخرج من الفرن ثم تنطفئ ويخرج مكانها ماء تعرف بأن هذا هو الوقت المحدد للطوفان من أجل أن تتحرك السفينة وكان قد صنع السفينة ولا يوجد بحر ولا ماء وكانوا يسخرون منه في ذلك ويقولون لماذا تصنع السفينة ولا يوجد عندنا بحراً أو ماء؟وبعد انتهاءه من السفينة وركوب الحيوانات، وكانت السفينة ثلاثة أدوار الدور الأرضي للحيوانات المتوحشة، والدور الثاني للحيوانات المستأنسة، والدور الثالث كان فيه الإنس الذين آمنوا به والطيور وكانت امرأة تجلس أمام الفرن لإعداد الطعام فوجدت أن النار انطفأت وخرج الماء من الفرن فتعجبت وقالت ما هذا؟ فعلم سيدنا نوح أن أمر الطوفان قد قرب فركب هو ومن معه وانفجرت الأرض عيوناً من أسفل ومياه من السماء وبدأ الطوفان وجلس في السفينة هو ومن معه لمدة ستة أشهر حتى جف الماء من الأرض وتوقف نزوله من السماء ووقفت السفينة واليوم الذي وقفت فيه السفينة ونجى الله فيه سيدنا نوح ومن معه هو يوم عاشوراء وأيضاً سيدنا موسى عندما أرسل إلى قوم فرعون في مصر ودعاه إلى العدالة بأن يعدل بين بني إسرائيل والمصريين ورفض وفي النهاية أمره الله أن يخرج من مصر فخرج وخلفه بني إسرائيل في ستمائة ألف وكان جيش فرعون في هذا الوقت حوالي مليون جندى لأنه كان من الجيوش الكبيرة في هذا العصر وساروا خلفهم إلى أن وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر مقابل خليج السويس وهناك لحق بهم فرعون بجيشه فأمر الله موسى أن يضرب البحر فانشق اثنى عشر طريقاً وكان الستمائة ألف اثنى عشرة قبيلة من أولاد سيدنا يعقوب الاثنى عشر ومشت كل قبيلة في طريق إلى أن نجوا وكان هذا اليوم يوم عاشوراء الذي نجا الله فيه سيدنا موسى ومن معه إذاً فهذا يوم التوبة ويوم النجاة ويوم استجابة الدعاء ولذلك فإن سيدنا رسول الله عندما هاجر من مكة إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فسألهم: لماذا تصومون هذا اليوم؟ فقالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه فقال { نحن أولى بموسى منكم }[2] وصامه وأمر أصحابه بصيامه ولذلك فصيام هذا اليوم سنة مؤكدة لأن الذي فعلها هو رسول الله ولما كان في آخر حياته وجد أن اليهود يصومون هذا اليوم والمسلمون يصومونه فقال: لابد أن نخالفهم فقال لأصحابه{صُومُوا التَّاسِعَ والعَاشِرَ وخَالِفُوا اليَهُودَ}[3] وقال{لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر}[4] وتوفي فلم يصم إلا يوم العاشر فقط فمن السنة أن نصوم يوم عاشوراء لأن هذه سنة مؤكدة عن رسول الله واليوم نفسه هو يوم العاشر من محرم ولمخالفة اليهود يكون الصيام يوم التاسع ويوم العاشر وعلى المسلم أن يكون له صيام ثلاثة أيام من كل شهر لقول رسول الله: { صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ }[5]أيضاً هذا اليوم كان له واقعة في الإسلام كلنا نعرفها وهي مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه وقد روت كتب السنة:{ كَانَ النَّبِيُّ نَائِمًا فِي بَيْتِي. فَجَاءَ حُسَيْنٌ يَدْرُجُ. قَالَتْ: فَقَعَدْتً عَلَى الْبَاب فَامْسَكْتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ فَيُوقِظَهُ. قَالَتْ: ثُمَّ غَفَلْتُ فِي شَيْءٍ فَدَبًّ فَدَخَلَ فَقَعَدَعَلَى بَطْنِهِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ نَحِيبَ رَسُولِ اللهِ فَجِئْتُ. فَقُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ وَاللَّهِ مَاعَلِمْتُ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ عَلَى بَطْنِي قَاعِدٌ. فَقَالَ لِي: اتُحِبَّهَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: إِنَّ اُمَتَكَ سَتَقْتُلُهُ. الا اُرِيَكَ التُّرْبَةَ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قال: فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَاتَانِي بِهَذِهِ التُّرْبَةِ. قَالَتْ: فَإِذَا فِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَالَيْتَ شِعْرِي مَنْ يَقْتُلُكَ بَعْديِ". وفى رواية فكنا نقول أنها من كربلاء } [6]وبعدما قتل سيدنا علي بايع أهل العراق سيدنا الحسن فمكث ستة أشهر، ولكنه كان يميل للسلام ومن أجل أن تتحقق فيه دعوة سيدنا رسول الله { إنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَـــــيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ }[7]فبعد ستة أشهر من خلافته أرسل لمعاوية وقال له: نريد الصلح وانصلح مع معاوية وتنازل له عن الحكم بشرط أن يتسلم الحكم من معاوية بعد وفاته ولكن معاوية لم يفِ بهذا الشرط فأرسل لزوجة سيدنا الحسن وأغراها بأنه سوف يزوجها ليزيد ابنه إذا وضعت السم للحسن فوضعت له السم وعندما ذهبت إليه لتنال الجائزة. قال لها: إذا كنت لم تؤتمني على ابن رسول الله فكيف تؤتمني على يزيد؟
وبعدما مات الحسن بايع لابنه يزيد فلم يوافق سيدنا الحسين على ذلك، وأرسل له أهل العراق وقالوا له: هنا ستون ألف سيف ينتظرونك من أجل أن تحضر وتتولى الخلافة فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل من أجل أن يتأكد من هذه الأخبار وعندما وصل قابله عشرون ألف وذهب بهم لصلاة المغرب، فعلم جنود يزيد بذلك فذهبوا إلى هناك وبعد انتهائه من صلاته وسلم لم يجد خلفه رجل واحد خوفاً من جنود يزيد لأن كل الذي يراهم يجري مسرعاً فأمسكوا بمسلم بن عقيل وقتلوه ولم يرسل لابن عمه بما رآه في هذه الواقعة مع أنه قد أرسل له في بداية مقابلة العشرون ألفاً وقال له هذا الكلام صحيح وتعالَ إلينا ولم يخبره بما حدث بعد ذلك لأنهم قتلوه ومن أجل أن ينفذ قضاء الله وقدر الله وقد حاول سيدنا عبد الله بن عباس أن ينصح سيدنا الحسين بأن لا يذهب فرفض وأصر على الذهاب وقابله الشاعر الفرزدق في طريقه وكان يحب آل البيت، فقال له: تركت أهل العراق قلوبهم معك وسيوفهم عليك، وسوف يحاربونك فمشى سيدنا الحسين حتى وصل إلى كربلاء وقابله هناك عبد الله بن زياد والي يزيد على العراق، وكان مع سيدنا الحسين في هذا الوقت أولاده وأولاد أخيه الحسن ونساؤهم، أولاده أربعة عشر ولد، وأولاد ابن أخيه ،والنساء كل هذا العدد كان حوالي تسعون رجلاً وامرأة وطفل فعرض على عبد الله بن زياد أن يتركوه على واحدة من ثلاث: إما يتركوه لمقابلة يزيد بنفسه وإما أن يرجع مرة اخرى إلى المدينة، وإما أن يذهب إلى حدود بلاد الإسلام ويجاهد مع الجيش الإسلامي هناك ومع ذلك تعنت ابن زياد ولم يقبل أي شرط من هذه الشروط وقال له: لا، لابد أن نقتلك ونأخذ رأسك لنرسلها إلى يزيد مع أن يزيد عندما علم بعد ذلك قال: لو عرض علي أحد هذه الشروط لقبلتها لأنه يقول: إما أن تتركني أعود مرة أخرى إلى المدينة التي خرجت منها، وإما أن توصلني إلى يزيد نفسه وهو ابن عمي ونتفاهم مع بعضنا، وإما أن توصلني للحدود وأحارب مع جيش الإسلام في بلاد الروم إلى أن يأتي قدري فلم يقبل أي شرط من الشروط وكانت المعركة بالطبع غير متكافئة بالمرة فجيش عبد الله بن زياد مكون من اثنى عشر ألفاً يحارب تسعون فرداً منهم النساء والأطفال يعني لم يكن سوى ثلاثون رجلاً فماذا يفعلون مع هذا الجيش، وبدأت المعركة واستمرت يومين مع هذا الفارق والأمر العجيب أنه كان عندما يأتي وقت الصلاة يتوقفون عن القتال ويتوضؤن ويصلي سيدنا الحسين ويأتي خلفه جيش العراق للصلاة خلفه وبعد الصلاة يحاربونه بسيوفهم كيف يكون ذلك؟لكنهم كما وصفهم سيدنا علي(يا أهل العراق يا أهل النفاق)وفي اليوم الثالث وكان يوم عاشوراء وأصبح الحسين صائماً ورأى في منامه سيدنا رسول الله في هذا اليوم وقال له{ ستفطرعندنا اليوم } فعرف أنه سوف يموت في هذا اليوم ، فتقدم أمامه أولاده وحاربوا أمامه إلى أن قتلوا جميعاً أمامه فيما عدا الطفل علي زين العابدين وكان مريضاً فاحتملته السيدة زينب أخت سيدنا الحسين والموجودة الآن في القاهرة وفي النهاية عطش سيدنا الحسين فتوجه لشرب الماء فضربه الرجل الذي كتب عليه الشقاء بسهم في فمه فنزل الدم ولم يشرب وتكاثروا عليه جميعاً وقتلوه وكان هذا في يوم عاشوراء وروى الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ[8]، وذلك يوم مقتل الحسين بكاءاً على سيدنا الحسين وقيل وسمعوا إلى شعر ولم يروا من الذي يتكلم:

أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب

والتفت هؤلاء بعد ذلك لقتل علي زين العابدين لأنهم كانوا يريدون القضاء على آل البيت فاحتضنته السيدة زينب وقالت لهم: اقتلوني قبل أن تقتلوه وحمته من القتل وقد راجت الخرافات من الذين قتلوه بأنه يجب في هذا اليوم على كل واحد منهم أن ينزل دماً من جسمه أو من رأسه من أجل أن يكفر عن الذنب الذي فعل مع الحسين وإلى الآن يفعل ذلك أهل العراق ولذلك ذهب اثنان من أهل العراق إلى سيدنا عبد الله بن عباس يسألونه عن دم البرغوث إذا قتل في الحرم لأنه لا يصح أن يقتل أي شئ في الحرم، فقال لهما: من أي البلاد أنتما؟ فقالا من العراق، فقال: تسألون عن دم البرغوث وأين دم الحسين؟فكل هذه خرافات ليست من الإسلام وكذلك يعملون له يوم حزن هناك أى يوم عاشوراء وهو ليس بيوم حزن، وإنما هو يوم فرح لأنه يوم تاب الله فيه على سيدنا آدم، ويوم نجى فيه سيدنا نوح، ويوم نجى الله فيه سيدنا موسى وكثير من الأنبياء نجاهم الله في هذا اليوم فلا يصح أن نعمله يوم حزن، ولذلك نصوم في هذا اليوم شكراً لله على أن نجى الأنبياء وتاب على الأنبياء، ونرجو من الله أن يتوب علينا كما تاب عليهم فعلينا بإذن الله بصيام يوم التاسع ويوم العاشر لقوله{ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ }[9] كما علينا التوجه إلى الله بالإلحاح في الدعاء.


[1] ابن أبي الدنيا عن أنس


[2] أخرجه البخاري في كتاب الصوم عن ابن عباس.


[3] رواه أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عباس.


[4] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد عن ابن عباس.


[5] (حم هق) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ


[6] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي هِنْدٍ عن أم سَلَمَةَ ، المسند الجامع ورواه أحمد في مسنده إلى أنس وورد بغيرها من كتب الحديث، وقد وردت زيادة فى فى مرآة الجنان وعبرة اليقظان وغيرها من مصادر من كتب التاريخ أن السيدة أم سلمة وضعتها التربة في قارورة فلما قرب وقت قتل الحسين نظرت في القارورة فإذا الطين قد استحال دماً‏، وورد فى تاريخ دمشق أن رسول الله e شم التربة وقال: ”ريح كرب وبلاء”. قالت: وقال لى ”يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل” قال: فجعلتها في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم .


[7] رواه البخارى وأحمد عن أبى بكرة


[8] سير أعلام النبلاء ، ودلائل النبوة للبيهقى وتهذيب الكمال وغيرها.


[9] رواه البيهقي في السنن عن أبي قتادة.







رد مع اقتباس
 
   
قديم 11-12-2011, 12:13 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
عضو جديد

إحصائية العضو






يحيى بحر is on a distinguished road

 

يحيى بحر غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : يحيى بحر المنتدى : قوافل الإسلام العام
افتراضي رد: الهجرة أسرار وأنوار

نصرة الله تعالى لرسوله

ونحن في أيام هجرة رسول الله يقف العبد المؤمن لينظر فضل الله وإنعام الله وإكرام الله لسيدنا رسول الله على من عاداه وتلك سنة لا تتخلف فيمن بعده من المؤمنين والمؤمنات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فنحن نأخذ من الهجرة عظة وعبرة وهي أن من توكل على الله كفاه، ومن استعان بالله أعانه وقواه، ومن انتصر بالله نصره على من عاداه ولو كانوا جميعاً وهو بمفرده ولو كان معهم كل أنواع المعدات والأسلحة وليس معه إلا الثقة بربه والاتكال على صنعه وهو ولي المؤمنين فاسمعوا إلى قول الله معبراً عن هذه الحقيقة يقول سبحانه{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}أي إذا كنتم تركتموه وخذلتموه وتخليتم عنه لكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً فمن اعتز بالله لو تجمع له أو حوله كل أركان الوجود علواً وسفلاً فلن يستطيعوا أن يضروه بشئ لأن الله يحفظه وينصره ويعينه ويكفيه والنصر كما قال الله {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} فالنصر ليس بالقوة ولا بالسلاح ولا بالرجال وإنما بالله لأنه خير الناصرين كان رسول الله قبل الهجرة بزمن قصير ذهب إلى بيت المقدس في بلاد الشام، وصعد بعدما اجتمع بالأنبياء والمرسلين إلى السموات سماء تلو سماء، وبين السماء والأرض كما قال مسيرة خمسمائة عام، وعرض كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام قطع كل هذه المسافات واخترق السموات السبع والعرش والكرسي ودخل الجنة وشاهد ما أعده الله فيها للمؤمنين ورأى النار وما جهز الله فيها للكافرين والعصاة والمذنبين ثم أذن الله له فشاهد جماله السرمدي وسمع كلامه القدسي وجاء حوار طويل بينه وبين رب العالمين يقول فيه الله في كلامه الكريم{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } وبعد ذلك رجع وفراشه الذي كان ينام عليه لم يبرد بعد ما زال ساخناً ودافئاً كل هذه المسافات قطعها في أقل من لمح البصر فكان الوضع الطبيعي لنا جميعاً والذي يستدعي العجب منا أجمعين لماذا لم ينتقل من مكة إلى المدينة في طرفة عين كما فعل في هذه الرحلة؟لماذا لم يضع رجله من بيته في مكة إلى مستقره في المدينة ليرتاح من عناء السفر ومن مطاردة الكافرين ومن السير في وعثاء الحر بين الصخور والرمال والجبال؟من أجل يكون لنا فيه الأسوة والقدوة{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }لأنه لو قطعها في خطوة واحدة لكان كل واحد فينا عندما تحصل له شدة أو مأزق أو أزمة يقول لست كرسول الله في طرفة عين كان هناك أصبح هنا ولكن جعله الله أسوة لنا أجمعين في الأخذ بالأسباب من أجل أن نعرف ونتأكد ونتيقن أن الذي يكون اعتماده على الله لابد أن يثق كل الثقة في تأييد الله وفي نصر الله مهما كان عدد أعدائه وعدتهم لأنه منتصر بالله هذه هي الحكمة يا إخواني في سيره فقد تجمع الكفار وقالوا لم يعد لنا مع هذا الرجل إلاأمراً واحداً نقتله ونستريح منه وكيف نقتله وعائلته كبيرة؟فقالوا:نأخذ من كل قبيلة شاباً فتياً قوياً وأن يذهبوا ويتجمعوا حول منزله فإذا خرج نزلوا عليه بسيوفهم جميعاً فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع أهله أن يطالبون بثأره وإذا أفلت من هذه الجماعة فإن لمكة إثنى عشر طريقاً للخارج منها أو للداخل إليها فجعلوا على كل طريق فريق مستعد جاهز بالعتاد والسلاح حتى إذا خرج من بينهم ولم تلحقه سيوف المحاصرين تأخذه سيوف المتربصين على أي طريق سيخرج منه لأنه لابد أن يخرج من هذه الطرق فليس لمكة غير الإثنى عشر طريقاً هذه. ماذا صنع له الله؟ وهو عبداً لله ومتوكل على مولاه خرج من بينهم وهم يتكلمون ويقولون لبعضهم: إن محمداً زعم أن الله سينصره وأنه سيكون له جبال وحدائق وجناين مثل التي توجد في بلاد الشام وفي بلاد العراق فخرج عليهم وقال: نعم أنا أقول هذا أخذ الله أسماعهم فلم يسمعوه يسمعون بعضهم ولكنهم لا يسمعونه عناية من الله لحبيبه ومصطفاه يسمعون كلامهم مع بعضهم لكن لا يسمعون كلام النبي الذي قاله لهم يرون بعضهم ولكنهم لا يروا حبيب الله ومصطفاه وزاد على ذلك فأخذ حفنة من التراب بيده ومر عليهم جميعاً ووضع على رأس كل رجل منهم حفنة من التراب ما السلاح الذي كان معه؟ السلاح الذي كان معه سلاح لا يوجد في أمريكا ولا في روسيا ولا في ألمانيا ولا في اليابان وإنما يوجد في مصانع القرآن ما المصنع الذي أنتج هذا السلاح؟ {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} جلس يقرأ هذا السلاح حتى وصل إلى قول الله {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} أي سلاح بالدنيا في هذا الوقت؟ وفي أي دولة من دول العالم يستطيع أن يجعل الواحد يقف في وسط أعدائه ولا يرونه؟ لا يوجد إلا سلاح {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} وأين يوجد؟ يوجد في كتاب الله وفي كلام الله ومع المؤمنين والمؤمنات أجمعين إلى يوم الدين كل واحد يستطيع أن يستخدمه في وقت الشدة وفي وقت الأزمة وفي وقت النكبة ويصلح الله به شأنه وينصره به على أعدائه فخرج من طرق مكة وأيضاً لم يره المتربصون إلى أن وصل إلى الغار وحماه الله في الغار كما قال في قرآنه{بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} جنود لا يصدق أحداً أبداً أنها أصبحت في ميدان القتال حمامة وعنكبوت وشجرة قصيرة ضعيفة من شجيرات الصحراء هي التي حمت سيد الأنبياء من مكر وكيد الأعداء من أجل ماذا يا إخواني من أجل أن نعلم علم اليقين أن الله إذا أراد نصر عبد اعتمد عليه نصره ولو بأضعف مخلوقاته ولو بأقل كائناته ليس فرضاً أن ينصره بالملائكة وما أكثرهم عند الله أو ينصره بالرياح وما أشدها وأعتاها إذا أرسلها الله ولا أن ينصره بالماء يتفجر من الأرض أو ينزل من السماء جنود يقول فيها الرب المعبود{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}فالذي يعتمد على الله لا يحدد السلاح الذي ينصره الله به لأن الله ينصر من يشاء بلا جند أو عتاد وهو إذا أراد نصره بأضعف الأشياء وتلك سنة الله مع الأنبياء والمرسلين والصالحين والمؤمنين في كل وقت وحين. فالعنكبوت حيوان ضعيف وربنا نفسه قال في شأنه{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }لكن هذا الحيوان الضعيف والحشرة الصغيرة التي ليس لها أجنحة نصرت نبي الله داود ونصرت نبي الله محمد فسيدنا داود لما انتصر على جالوت وأخذ يجري وراءه ليقتله دخل واختبأ في الغار فأرسل الله عليه عنكبوتاً نسج على باب الغار فلما جاء جالوت ومن معه وقال بعضهم لقد اختبأ في هذا الغار قال جالوت كيف دخله ولم يقطع نسج العنكبوت ونسج العنكبوت يغطي الباب كله؟ ولا يعلم أن الله كما يقول في شأن الماكرين والمنافقين والمشركين{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}ويمكرون يعني(يدبرون)هم يفكرون ويدبرون وربنا يدبر ومن تدبيره أكبر؟ تدبير الله أكبر هو نفس العنكبوت الذي نسج على باب الغار بعد أن دخله النبي المختار ولذلك يقول{العنكبوت جند من جنود الله }من أجل أن يعلم المؤمن علم اليقين أن الله ينصر عبده المؤمن بأضعف شئ وبأقل شئ ما دام قد اتجه إلى حماه واعتمد على نصر الله وطلب التدخل السريع من فرق الإنقاذ الإلهية التي جعلها الله نصرة لعباده المؤمنين والمؤمنات أشياء كثيرة لا أريد أن أطيل عليكم بذكرها قال النبى{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}[1]وقال{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ والمؤمن من آمن جاره بوائقه والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[2]وفي هذا الشهر الكريم وفي يوم العاشر منه وهو يوم عاشوراء كان أيضاً فيه نصر السماء ملازماً للأنبياء بأضعف الأشياء فهذا فرعون يخرج بجنده وكان عددهم كما تخبر بعض الروايات قد يزيد عن المليون جندي مع عتادهم ومع أسلحتهم وموسى ليس معه إلا قومه وهم مستضعفون ليس معهم أسلحة كافية ولا عدة كافية لكن نصره الله في هذا الموقف كيف نصره الله؟ عندما وصل إلى اليم - إلى البحر الأحمر - وسار ومن معه وقد رأوا فرعون مقبلاً بجنده قالوا{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}الأعداء خلفنا قال لهم: لا تخافوا{قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}الذي معه الله لا يخاف ولو تجمعت حوله كل الأعداء وكل المعدات وكل المقذوفات الجهنميات إلا أن عناية الله ووقاية الله تغني عن كل هذه الأشياء. ما السلاح الذي نصره به الله؟قال له الله: اضرب بعصاك البحر فضرب البحر بعصاه فظهر فيها اثنا عشر طريقاً لأنهم كانوا اثنا عشر قبيلة كل قبيلة تمشي في طريق والبحر قاعه من أسفل به ماء وطين كيف يمشون على الطين؟ لكن الله بقدرته وعظمته جعل الطين جافاً ويابساً {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} يبساً يعني (ناشفاً) يمشون عليه وهم مطمئنون وبين كل طريق وطريق جمد الله الماء وجعله جداراً من الماء حاجزاً بينهم فقالوا: يا موسى نريد أن نراهم ونكلمهم فأوحى الله إليه أن يضرب الماء فضرب الماء فصارت في جدران الماء نوافذ يرون منها بعضهم ويكلمون منها إخوانهم وهم سائرون في البحر حتى عبروا إلى الجهة الأخرى وكان آخر رجل من قوم موسى يخرج مع آخر رجل من قوم فرعون ينزل إلى الماء فضرب البحر بعصاه مرة أخرى فعاد البحر كما كان، وبذا أخرجهم الله أجمعين عناية من الله ولما هاجر سيدنا رسول الله من مكة إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم العاشر من شهر الله المحرم فسألهم وهو أعلم لماذا تصومون هذا اليوم؟ فقالوا: هذا اليوم الذي نجا الله فيه موسى ونصره على فرعون وقومه فقال{ نَحْنُ أوْلَى بِمُوسَى مِنْكُم}[3]وصامه وأمر بصيامه وقال في شأنه{صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ}[4]ولما قال اليهود:ما وجد محمد شيئاً مما نعمله إلا عمله خالف هو وأصحابه عملهم وقال{لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر}[5]فصوموا هذه الأيام يغفر الله لكم ذنوب سنة بعمل يسير يسره الله علينا ندعو الله في هذا اليوم فإن الدعاء فيه مستجاب. فقد استجاب الله فيه لموسى ونصره على فرعون وقومه واستجاب الله فيه لآدم فتلقى فيه من ربه كلمات تاب بها إلى الله فتاب الله عليه



[1] متفق عليه.


[2] متفق عليه.


[3] عن ابن عباس، سنن أبى داوود وكثير غيرها


[4] رواه البيهقي في سننه عن أبي قتادة.


[5] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد في سننه عن ابن عباس.







رد مع اقتباس
 
   
قديم 11-12-2011, 12:18 PM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
عضو جديد

إحصائية العضو






يحيى بحر is on a distinguished road

 

يحيى بحر غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : يحيى بحر المنتدى : قوافل الإسلام العام
افتراضي رد: الهجرة أسرار وأنوار

صور من هجرة الصادقين

إن الله وهو القادر ولا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء كان قادراً على أن يعز نبيه في بلدته مكة ويهلك الكافرين ويمنع المؤمنين ويجعلهم وهم بين ظهرانيهم أعزة لا سلطان عليهم إلا لربِّ العالمين وقد خير في ذلك رسول الله فعندما وجدهم لا يؤمنون به إلا القليل وذهب إلى الطائف ليدعو أهلها من ثقيف إلى الإسلام فأعرضوا عنه ولم يؤمنوا به فرجع من عندهم إلى مكة ونزل عليه الأمين جبريل وهو في الطريق بعد أن رفع شكواه إلى الله وأنزل حاله بمولاه ومعه ملك وقال: يا محمد هذا ملك الجبال وقد جعله الله طوع أمرك. فقال له ملك الجبال: {يا محمد إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ} (والأخشبين الجبلين المحيطان بمكة) يعني لا يبقى فيها أحد ولكنه قال: {بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً}[1]واشتد إيذاء أهل مكة لأصحابه وذهب نفر منهم يشكو من شدة ما يجد من الايذاء لكنه أمرهم بالصبر الجميل، وقال لهم: {اصبروا حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً} ومضى حين من الزمن فأمرهم أن يخرجوا وقال: { إنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ وهُمَا الحَرَّتَانِ فَهاجَرَ مَنْ هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ ورَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هاجَرَ بأرْضِ الحبَشَةِ إلى المَدِينَةِ}[2]فمنهم من هاجر متخفياً ومنهم من أعلن بهجرته كعمر بن الخطاب وقد طاف بالقوم وهم حول الكعبة وقال منذراً ومتوعداً {من أراد أن تثكله أمه أو تتيم أولاده أو تترمل زوجته فليتبعني خلف هذا الوادي } وخرج نهاراً جهاراً ولم يتعرض له أحد ومنهم من ترك كل ما يملك كصهيب وخرج بنفسه وعندما لحق به أهل مكة أخذ كنانته وأخرج سهامه وقال:يا معشر قريش تعلمون أنى من أحكمكم رمياً ووالله لو اقتربتم مني لأصوبن إليكم سهامي حتى إذا انتهت كنانتي (يعني محفظة السهام) أمسكت بسيفي فجالدتكم ولكن أدلكم على خير من ذلك أدلكم على مالي فتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى الله فرضوا بذلك فنزل في الحال تلغراف من ملك الملوك إلى الحبيب يقول فيه الله{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } فقال وهو في مكانه: {رَبِحَ البَيْعُ أَبا يَحْيى} لصهيب {رَبِحَ البَيْعُ أَبا يَحْيى }[3]لماذا أمرهم الله بالخروج مرتين إلى الحبشة ومرة إلى المدينة وقد قال في قرآنه{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } تلك هي الضريبة واسمها شبيه بها عندما يقابلون الأعداء لماذا لا يغلب الله الأعداء - وهو القادر - بدون حرب؟ وقد قال لحبيبه وأتباع حبيبه منبهاً{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}لأن هذه هي حكمة الإيمان فقد أعلنوا الإيمان ونحن جميعاً والحمد لله أعلنا الإيمان وكل من يعلن الإيمان لابد له من امتحان واختبار يجريه عليه الديان ليعلم صدق إيمانه فيكتبه من الصادقين إذا وفى بما عاهد الله عليه أو يرى رقة إيمانه إذا لم يتحمل ما اختبرته به خبرة رب العالمين فيعطيه ثوابه على قدر إيمانه وفي ذلك يقول الله في الأمر الجامع لجميع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وعامة المسلمين والمؤمنين من السابقين واللاحقين يقول الله{الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}[لماذا؟ ]{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}إذاً لابد لأهل الإيمان من الاختبار والامتحان على حسب زمانهم وعلى حسب قدراتهم واستعداداتهم وعلى حسب ما في قلوبهم من نوايا وطوايا وصدق ويقين في عقيدتهم لله وكلما زاد الإيمان كلما زاد الامتحان ليزيد الرقي عند حضرة الرحمن ولذلك قال الحبيب{ يُبْتلى المرء على قدر إيمانه} وبين درجات الابتلاء فقال{ عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه، قالَ : يا رسولَ اللَّهِ، مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: الأنبياءُ، ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ، يُبْتَلَى العبدُ على حَسَبِ دينِهِ، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعبدِ حتى يَدَعَهُ يَمْشي على الْأَرْضِ وما عليهِ خَطيئة}[4]فلو كان البلاء يقصد به العقاب أو الجزاء حاشا لله لحفظ منه كمَّل عباده وهم الأنبياء والصالحون والصديقون وما شابههم وما ماثلهم لكن الله وهو الحق والكل عنده سواء ولا يكرم الخلق بقدر عطائهم من الدنيا لأنه هو الذي أعطاها لهم وهو الذي أعطى هذا وحرم هذا وهو الذي رفع هذا وخفض هذا، وهو الذي أعز هذا وأذل هذا وهو الذي يعطي ويمنع وهو الذي يخفض ويرفع ولأن هذه الأشياء تساوى فيها بل زاد فيها الكافرون على المؤمنين فلم يجعلها هي معدن الابتلاء وإنما الابتلاء على قدر الإيمان وجعل ابتلاء أصحاب النبي في امتحان صلابة الإيمان في نفوسهم فتعرضوا للكافرين تارة بالاستهزاء وتارة بالتعذيب وتارة بالطرد وتارة بالضرب وتارة بأخذ أموالهم وتارة بأخذ أرواحهم وإزهاق نفوسهم ينظر الله إلى قلوبهم عند تعرضهم لهذا البلاء فمنهم من هو أشد صلابة في دين الله من كل جبال الدنيا وصخورها ولا تأخذه في الله هوادة كأبي عبيدة بن الجراح الذي التقى في غزوة بدر مع أبيه وجهاً لوجه وكلما ابتعد من أمام وجه أبيه براً به وهو كافر أسرع أبوه ليلحق به فخاف أن يقتله مسلم فيكون في صدره شئ نحو هذا المسلم فأراد أن يثبت لله أنه لا يخشى إلا الله ولا تأخذه رأفة في دين الله فقتل أباه بسيفه ومنهم مصعب بن عمير وكانت أمه من أثرياء مكة وعندما آمن بالإسلام حرمته من كل مالها ومقتنياتها وتركته يتكفف إخوانه المؤمنين لقلة ذات يده، وأرسلت رسلها يطلبون منه أن يرجع إلى دينها وترد له الأموال التي عندها لكنه قال لهم قولوا لها: هيهات هيهات لقد عرف القلب حب الله واستنشق عبير كتاب الله فلم يعد يجد لذة إلا في مناجاة مولاه ويجيب على أخيه أبى اليسر في موقعة بدر وهو أسير في يد رجل من المسلمين فيستنجد به أخوه، فليتفت إليه ثم يقول لأخيه المسلم: أشدد يدا أسيرك فإن أمه غنية وستفديه بمال كثير، فقال: أهذه وصايتك بأخيك!؟ قال: لست أخي وإنما هذا هو أخي والإسلام فرق بيننا{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } فنجحوا في الامتحان جميعاً وقال لهم الله مع حبيبه في قرآنه{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} فهم معه في الدنيا ومعه في الاخرة ومعه عند لقاء الله وبشرهم بالجنة ووعدهم بمقعد صدق وهنأهم بما لهم عند الله من مقام كريم وأجر عظيم لأنهم نجحوا في هذا الابتلاء فنصرهم الله وأعزهم الله وفتح لهم البلدان وصاروا أمراء وقادة جيوش وفاتحين وجاءتهم خزائن الدنيا كلها تحت أرجلهم فكان الإمتحان الأعظم فلم يلتفتوا عن الله طرفة عين ولم تشغلهم الدنيا عن الله ولاعن طاعته وعبادته ولم يتخلوا بسبب طغيان المادة عن الأخلاق الإسلامية من الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها من أخلاق الإيمان وقد ورد أنه لما فتحت خزائن كسرى أمر قائد الجيش جنده أن يحضروا ما وجدوه فأحضروا كل ما التقطوه من ألوان النعيم ومن أصناف الأموال حتى من كان يجد ولو إبرة يأتي بها إلى القائد، وجاء رجل منهم ومعه صندوق كبير ملئ بالمجوهرات التي كان يتحلى بها نساء كسرى وهي مجوهرات لم يروا جميعاً مثلها في حياتهم فليس في بيتهم ولو قليل من مثلها فقال له القائد ما اسمك؟ قال: ولم؟ قال: لنرسل لعمر بن الخطاب نخبره عن شأنك قال: عجباً لك لو كنت أتيت بهذا من أجلك أو من أجل ابن الخطاب ما أتيت به وكنت أخرته عندي وأخذته لي ولكن جئت به من أجل خشية الله وحملت هذه الكنوز جمال كان أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس وكانت أكواماً كثيرة في مسجد الحبيب وتجمع المسلمون في المدينة المنورة ومن حولها ليشاهدوا غنائم المؤمنين من كنوز كسرى وعجبوا وقال عمر رضي الله عنه قَالَ: { إِنَّ أَقْوَامَاً أَدُّوا هٰذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّت الرَّعِيَّةُ}[5]هذا رجل منهم وهو سلمان الفارسي يأتيه صك بتعيينه أميناً على المدائن وبينما هو يمر ويتفقد أحوال رعيته إذا برجل مسافر لا يلحظ عليه إلا مرة وأنه أمير المدينة ومعه أثقال يريد من يحملها فأشار إليه وقال تعال احمل متاعي فحمله على كتفه وبينما هو يمشي خلفه إذا رجل يقول له: السلام عليك أيها الأمير فتعجب الرجل وقال: أنت أمير المدائن؟ قال: نعم. قال: وتحمل لي أثقالي قال: وماذا في ذلك؟ ذهبت وأنا سلمان ورجعت وأنا سلمان.
فلم تفتنهم الدنيا وزينتها وزخرفها عن الرحمن طرفة عين ولا أقل فكانوا بذلك وعلى ذلك من الذين يعنيهم الله بقوله {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }ونحن كذلك أعلنا الإيمان فابتلانا الله ليختبرنا بصدق الإيمان ابتلانا الله بفتن الدنيا وزينتها وزخرفها وطغيان الأموال وابتلى بعضنا ببعض الأمراض وابتلى بعضنا ببعض المناصب وابتلى بعضنا ببعض زواره وابتلى بعضنا بأمور في بيته أو في عمله أو في نفسه أو في إخوانه لأن الله قال وهو أصدق القائلين{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}نمتحنكم جميعاً في أي أمر من هؤلاء{بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }قال النبى يقول الله تعالى{ إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد، أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب}[6]فمن فضل الله علينا أنه جعل التوبة أقرب إلينا من أنفاسنا التي تتردد في أجسامنا فمهما فعل المرء وارتكب من الخطايا إذا رجع في أي نفس وقال يا ربَّ تبت إليك يقول في الحال وأنا قبلت لأنه كما قال في قرآنه: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}بل قالَ الله تَبَارَكَ وتعَالى{يا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يا ابنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً}[7]وقد جعل الله من فضله أياماً خصّصها للمغفرة ومن هذه الأيام يوم عاشوراء يوم العاشر من شهر الله المحرم فقد قال فيه النبى{صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ}[8]
إذا اهتم فيه الإنسان بالطاعات وصامه لله وقضى يومه في التوبة والإنابة لحضرة الله ولذلك فالحبيب الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يصوم هذا اليوم ويقول{صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ}عمل سهل يسير وأجر كبير ولما وجد اليهود يصومون هذا اليوم لأنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم واليوم الذي نجا الله فيه موسى ومن معه من فرعون وملأه فنادى وقال لأصحابه: خالفوا اليهود وقال كما أخبر حبر الأمة عبد الله بن عباس{لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر }[9] فعليكم بصيام التاسع والعاشر واضرعوا فيه إلى الله وسلوا الله فيه مطلوبكم بصدق وقولوا جميعاً: تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً وبرئنا من شرور أنفسنا وسيئات أقوالنا وقبائح أعمالنا وكل شئ يخالف دين الإسلام والله على ما نقول وكيل والله على ما نقول شهيد ....


[1] رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري ومسلم في صحيحيهما والسيوطي في الكبير والنسائي في سننه عن عائشة.


[2] رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في سننه وأحمد في مسنده عن عائشة.


[3] رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد.


[4] صحيح ابن حبان


[5] عن مخلد بن قيس الْعَجلي عن أَبيهِ، جامع المسانيد والمراسيل


[6] رواه البيهقي والحاكم عن معاذ والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداءبإختلافات ونقصان أوزيادة ، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لإبن القيم الجوزية


[7] سنن الترمذي عن أنس بن مالك


[8] رواه البيهقي في سننه عن أبي قتادة ورواه مسلم في صحيحه عن يحيي بن يحيي.


[9] رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد في سننه عن ابن عباس.






رد مع اقتباس
 
   
قديم 11-12-2011, 12:25 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
عضو جديد

إحصائية العضو






يحيى بحر is on a distinguished road

 

يحيى بحر غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : يحيى بحر المنتدى : قوافل الإسلام العام
افتراضي رد: الهجرة أسرار وأنوار

المهاجر من هجر ما نهى الله عنه

يتساءل كثير من الناس سؤالاً قد يكون معاداً ولكننا نلمح فيه معنى فريداً وجديداً أما السؤال فهو لماذا هاجر رسول الله من مكة إلى المدينة؟والمعتاد في دنيا الناس كما نرى الآن أن يهاجر الإنسان بحثاً عن المال إذا كان لا يحصله في موطنه إلا بمشقة بالغة، أو يهاجر بحثاً عن منصب كريم إذا كانت نفسه تتوق إلى أن يكون رجلاً عظيماً ولا يجد دواء لتلك العظمة في بلدته وموطنه أو يهاجر للعلاج إذا كان به داء أعيا الأطباء في بلدته فيهاجر بحثاً عن طبيب ماهر في بلد آخر ليعالجه من الداء الذي يشكو منه، وهذه الأشياء كلها قد عرضها الكافرون على رسول الله فقد اجتمعوا فيما بينهم بعد أن أعياهم أمره، ولم يستطيعوا أن يوقفوا زحفه المقدس على القلوب ليسوقها إلى حضرة علام الغيوب فأجمعوا رأيهم أن يرسلوا رجلاً منهم يعرض عليه كل ما تتوق إليه النفس البشرية من أهواء أو شهوات أو ملذات، فقد ذهب إليه { عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَكَانَ سَيداً حَلِيماً، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ ـ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ ـ: يَـٰا مَعْشَر قُرَيْشٍ أَلاَ أَقُومُ إِلىٰ هَـٰذَا فَأُكَلمَهُ، فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُوراً لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَها، فَنُعْطِيَهُ أَيُّهَا شَاءَ، وَيَكُفَّ عَنَّا ؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رسولِ اللّهِ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلىٰ، فَقُمْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ فَكَلمْهُ، فَقَامَ عُتْبَةُ حَتّىٰ جَلَسَ إِلىٰ رسولِ اللّهِ فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السَّعَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ: فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلاَمَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفَّرْتَ مَنْ مَضىٰ مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِني أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُوراً تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا بَعْضَهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّهِ: قُلْ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعُ، فَقَالَ: يَـٰا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ مِنْ هَـٰذَا الْقَوْلِ مَالاً جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ شَرَفاً شَرَّفْنَاكَ عَلَيْنَا حَتّىٰ لاَ نَقْطَعَ أَمْراً دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكاً مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَـٰذَا الَّذِي يَأْتِيَكَ رَئِيٌّ، تَرَاهُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرُدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطَّبِيبَ وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلىٰ الرَّجُلِ حَتّىٰ يُدَاوىٰ مِنْهُ، أَوْ لَعَلَّ هَـٰذَا الَّذِي تَأْتِي بِهِ شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ، حَتّىٰ إِذَا فَرَغَ عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ يَسْتَمَعُ مِنْهُ، قَالَ رسولُ اللَّهِ: أَفَرَغْتَ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ : فَاسْمَعْ مِني، قَالَ: أَفْعَلُ فَقَالَ رسولُ اللَّهِ: بسم الله الرحمن الرحيم{حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فَمَضىٰ رسولُ اللَّهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهُ، وَأَلْقىٰ بِيَدِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِداً عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتّىٰ انْتَهىٰ رسولُ اللَّهِ لِلسَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ يَـٰا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتُ، فَأَنْتَ وَذَاكَ}[1]إذاً لماذا هاجر الرسول الكريم؟إن هذا السر ندركه إذا عرفنا سر بعثته، لماذا بُعثت ياحبيب الله؟ أجاب عن ذلك فقال{ إِنَّـمَا بُعِثْتُ لأُتَـمِّـمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }[2] فهو صاحب مبادئ ومثل وقيم وفضائل يريد أن يدعو الناس إليها وأن يمشي الناس على هديها وفي الحقيقة لا صلاح لأحوالنا ولا صلاح لأحوال مجتمعنا، ولا صلاح لأحوال البشرية كلها إلا إذا انتشرت هذه القيم الإيمانية التي من أجلها بُعث المصطفى وإلا فبالله عليكم هذا رجل يحاربه أعداءه بشتى الوسائل يعذبون أصحابه ويطردونهم ويستولون على دورهم وعلى أموالهم، ويخرجونهم فقراء، ثم بعد ذلك كل من عندهم منهم وديعة ثمينة يخشى عليها من السرقة فليس لديهم بيوت يحفظونها فيها، وليس فيهم رجل مأمون يأتمنونه عليها إلا المأمون الذي أمنته السماء على وحي السماء فيجعلون عنده أعز ما يملكون وأثمن ما يملكون ودائع عنده ثم تأتي الهجرة، ويستطيع أن يهاجر ويأخذ هذه الأشياء كلها معه، وهي حقوق إخوانه من الفقراء والمساكين الذين أخذهم الكفار عنوة واستولوا على أموالهم بقوة العتاد والسلاح ولكنه علمنا المثل الأعلى أن الإيمان يعني المثل والمبادئ فقد قال في هذه المبادئ { لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه }[3]فالذي ليس عنده أمانة في نقل الكلمة أو في حفظ الودائع أو في المحافظة على الأسرار هذا يكون إيمانه فيه نقص عند الواحد القهار فيترك ابن عمه علي بن أبي طالب ينام في فراشه، وربما يعدو عليه القوم فيضربونه بسيوفهم، ولكنه مع ذلك تركه حتى يرد الودائع إلى أهلها بعد هجرة النبي ويرد الأمانات إلى أهلها كلها لأنهم كانوا يلقبونه بالصادق الأمين فهكذا كان نبيكم يعرض عن زينة الدنيا في سبيل مبدئه ويزهد في المناصب والأموال في سبيل القيم التي يدعو إليها ويؤثر أن يهاجر ويرد الأموال إلى أهلها، ليلقن البشرية كلها أن هذا دينٌ أنزله رب العالمين وارتضى من أصحابه وطلب منهم أن يراعوا حق الله وأن ينفذوا أخلاق الله ولو مع الكافرين والجاحدين من أعداء الله فليس معنى أنهم كافرون أن يبيح لنا أموالهم أو أن يطلق الإسلام أيدينا في أعناقهم أو يترك لنا التعرض لأعراضهم، لأن المؤمن دائماً وأبداً هو حارس المُثل الإلهية والخليفة عن الله في إعلاء القيم الإيمانية والمبادئ الإسلامية التي دعا إليها الله في قرآنه والنبي في سنته وقد وعى أصحابه هذا الدرس فعندما ضاقت عليهم هذه البلدة، وفيها حرم الله لكنهم لا يستطيعون أن يعبدون الله فيها بحرية، هاجروا وتركوا أموالهم ودورهم وأولادهم حتى لا يفتنون عن دين الله فهم كما قال الله في شأنهم{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}فهذا صهيب يخرج وقد كان من أغنى أغنياء مكة في التجارة ويلحقه الكافرون فينثر كنانته بما فيها من سهام ويقول لهم: (يا أهل مكة تعلمون إني من أرماكم ووالله الذي نفسي بيده لن يصل إلى واحد منكم إلا ورميته بسهم من سهامي فإذا فنيت سهامي سأمسك بسيفي ولن تصلوا إلا على أشلائي أو لا أدلكم على خير من هذا قالوا: وماذا؟ قال: أدلكم على مالي فتذهبوا إليه وتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى رسول الله فدلهم على ماله وذهب بدينه ومبادئه ومثله، وإذا بالحق يرسل برقية عاجلة إلى سيد الخلق يقول له فيها{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}وعندما وصل قال له النبي{أبشر يَا أَبا يَحْيى رَبِحَ البَيْعُ رَبِحَ البَيْعُ }[4] أي بيع؟ {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}هكذا صاروا على هذا الحال فهذا رجل منهم يأتي بعد غزوة أحد قائداً لتجارة كبيرة لقريش آتية من بلاد الشام ويشرح الله صدره للإيمان فلا يصبر حتى يؤدي التجارة إلى أهلها ثم رجع إلى المدينة ليعلن إيمانه لكنه ذهب مباشرة إلى المدينة وأعلن إيمانه بين يدي رسول الله فقد فرح به فرحاً كبيراً لأنه كان زوج ابنته ولكن الإسلام قد فرق بينهما فوسوس إليه أحد المنافقين المنشغلين بالدنيا عن الدين والذين يريدون أن يسخروا الدين في سبيل الحصول على عرض الدنيا ولو كان في ذلك مخالفة لأوامر رب العالمين فقال له: يا هذا ما دمت قد آمنت فإن الكفار كما تعلم قد أخذوا أموال إخوانك المؤمنين فلا ترجع إليهم واغنم هذا المال فإنه مال الكافرين فما كان من الرجل الذي شرح الله صدره للإسلام إلا أن صاح في وجهه قائلاً: (أهذه نصيحتك لأخيك فوالله ما كنت لأبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة) فإن الإسلام دين الأمانة ثم ذهب إلى مكة ورد الأمانات إلى أهلها وقال يا معشر قريش ماذا تعلمون عني؟ قالوا: خيراً قال: هل بقى لكم شئ عندي قالوا: لا وجزاك الله خيراً، قال: فإني أشهدكم أني رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً[5]ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هذه الهجرة أي هجرة؟ هي التي يقول فيها{ المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[6] ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هجرة الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإلى أن نهجر الغش ولو كان فيه المكسب الكبير وأن نترك الرشوة ولو كان في ذلك علو شأننا وارتفاع منصبنا لأن هذه مكاسب حرمها الله ويعاقب عليها العقاب الشديد لن ينصلح حالنا أيها الأخوة المؤمنون إلا إذا هجرنا المثل والمبادئ التي نشرها بيننا أهل الغرب من الخبث والدهاء والخداع والمكر والغش والكذب تحت أسماء ومسميات يعتقدون ويقولون أنها حضارة ويشيرون إلى من يتمسك بالأمانة أنه رجل جامد لايصلح لهذا الزمان والرجل الذي يتمسك بالأمانة في التجارة ولايغش يعاتبونه بل يعيرونه بأنه إنسان لا يريد أن يعيش بل يريد أن يكون فقيراً بين الناس نريد أن نقول كما قال القائل:

ليت الذى بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب

إذا صح منك الود فالكل هيّن وكل الذي فوق التراب تراب

قال النبى{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمؤمن من آمن جاره بوائقه، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[7] كثرت الفتن في هذا الزمان يتعرض لها المؤمن في طريقه، ويتعرض لها في عمله ويتعرض لها في بيته، ويتعرض لها في وظيفته وفي مجتمعه، والمؤمن الذي سيفوز ويجوز يوم لقاء الله، هو الذي يقول فيه الله{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}المؤمن الذي يصدق مع عباد الله، فقد عاهدنا الله على جملة الأوامر التي أتى بها رسول الله وعلى مكارم الأخلاق التي تحلى بها رسول الله فالمؤمن مهما عرضت عليه أموال الدنيا أو مناصب الدنيا أو أهواء وشهوات الدنيا لا يتغير مبدأه وتجعله يتخلى عن قيمه ومثله بقى شئ أن شياطين المنافقين يوسوسون له ويقولون له إذا تمسكت فستكون هذه المصلحة بالرشوة من غيرك فإذا لم تقبل الرشوة أنت فسيقبلها غيرك على نفسه قال النبى منبها ومحذرا لمثل هذا الحال{كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك }[8] وورد فى الأثر : فإن تهاون إخوانك فاشدد أنت لئلا يؤتى الإسلام من قبلك يقولون له : إن هذا سيعرضك إلى كذا وكذا ويقولون : لن تستطيع أن تعيش إلا إذا غششت أو خدعت أو نصبت أو كذا أو كذا مما نسمعه بين كثير من بلهاء الناس لكن رب الناس يقول{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[هذا في الدنيا{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}لابد لأفراد مجتمعنا من الوحدة وهذه الوحدة يدفعها الإيمان الصادق لله فإن كل منا يقول لماذا أنا فقط الذي أقف أمام التيار؟ ولماذا أنا فقط الذي أمتنع عن رشوة المسئولين هنا وهناك؟ ولم أكون أنا مفردي المتمسك بالأمانة هنا وهناك؟وهذا الذي ضيَّع مجتمعنا يا إخواني المؤمنين، وطوبى لعبد في هذا الزمان، يتمسك بقيم الإيمان ويمشي على مكارم الأخلاق التي جاء بها النبي العدنان، وقال النبى { اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ }[9] فمن اعتز بالله أيها الناس فلن يستطيع أحد من العبيد أن يذله لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ومن تمسك بهدى الله فلن يستطيع النصابون أو المحتالون أن يضايقوه لأن الله قال في قرآنه{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}نريد أن يهجر المؤمنون في كلامهم الكذب والسب والغيبة والنميمة ... ونريد أن نسمع منهم الصدق والمروءة والأمانة، وهذه الأخلاق التي جاء بها رسول الكريم الخلاق إذا قمنا بهذه الهجرة كنا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:{ نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره }[10]


[1] جامع المسانيد والمراسيل عن محمد بن كعب القرظى


[2] رواه صاحب مسند الشهاب عن أبي هريرة والإمام مالك في الموطأ والطبراني من حديث جابر.


[3] ابن خزيمة وابن أبي شيبة عن أنس


[4] رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد.


[5] وهناك رواية ثانية أورها صاحب المستدرك على الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها وغيرها من كتب السنة ( باختصار): { أن رسول الله بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، وقال لهم: إِنَّ هذا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مالاً فَإِنْ تُحْسِنوا تَرُدّوا عَلَيْهِ الّذي لَهُ فَإِنّا نُحِبُّ ذلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ ذلِكَ فَهُوَ فَيْءُ الله الّذي أَفاءَهُ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، قالوا: بل نرده عليه قال: فردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئاً، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيا كريماً قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفاً أن تظنوا أني إنما أردت أخذ أموالكم، فلما أداها الله عزّ وجل إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله }


[6] رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو.


[7] متفق عليه.


[8] السنة لمحمد بن ناصر المروزي عن يزيد بن مرثد


[9] رواه أحمد والترمذي وأبو يعلى في مسنده عن ابن عباس.


[10] مصنف ابن أبي شيبة، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام أتته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء فقالوا له: يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذا الحال، قال عمر { الحديث }.






رد مع اقتباس
 
   
قديم 12-12-2011, 10:40 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو

كاتب خواطر مميز


الصورة الرمزية جريح الامس

إحصائية العضو







جريح الامس is on a distinguished road

 

جريح الامس غير متواجد حالياً

 



الاوسمة

كاتب الموضوع : يحيى بحر المنتدى : قوافل الإسلام العام
افتراضي رد: الهجرة أسرار وأنوار

جزاااااااااك الله خير اخوي

على هذا المجهود الراااااااائع

وجعلةالله في موااااااااازين حسناتك


دمت بحفظ الرحمن







التوقيع

رد مع اقتباس
 
   
قديم 22-12-2011, 05:08 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
عضو جديد

إحصائية العضو






يحيى بحر is on a distinguished road

 

يحيى بحر غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : يحيى بحر المنتدى : قوافل الإسلام العام
افتراضي رد: الهجرة أسرار وأنوار

الهجرة وعلاجها لمشاكل المجتمع

إخواني جماعة المؤمنين.. يا من أغناكم الله بهذا الدين ووضع لكم وبين أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين فما من شئ يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم أو في بيوتكم أو في أزواجكم أو في أولادكم أو في أرزاقكم أو شئ من أحوالكم إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً إما في كتاب الله وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله وإني لأعجب كيف يتيه عبد عن علاج نفسه؟ أو كيف يتعب في علاج زوجه؟ أو كيف ييأس من إصلاح ولده؟ أو كيف يبحث عن سبيل لإصلاح مجتمعه؟ وبين يديه كتاب الله يقلبه وبين يديه سنة سيدنا ومولانا رسول الله يستوضحها وهو القائل{أَيُّها النَّاسُ إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله وسنتي}[1]إذن من ضل ومن ذل ومن هوى ومن بعد ومن تعب فإنما هو لأنه لم يتمسك بما أمره به ونحن في العام الهجري الجديد هل من جديد يصلح حالنا؟ أو هل من جديد يغير شأننا؟ هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا ؟تعالوا جميعاً نفتح كنز الهجرة ونأخذ منه العبرة فإن هجرة سيدنا ومولانا رسول الله فيها العبرة لمن اعتبر وفيها الحل لكل مشكلات البشر فمثلاً وهو مثالٌ واحدٌ نسوقه كي لا نشق عليكم ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية ونفسية واجتمعاية استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً فلم ينجو منها أحد لأننا نحتاج إلى بعضنا في أمور الحياة فمنا من يشكو من ماله ومنا من يشكو من رفيق في العمل ومنا من يشكو من التجار ومنا من يشكو من الزراع ومنا من يشكو من المرءوسين ومنا من يشكو من الحكام والمديرين ومنا من يشكو من أحوال المجتمع بالمرة نشكو من ماذا؟ أصبحنا وكل واحد منا مشغولٌ بنفسه لا يفعل إلا عن نفسه ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن نفسه ونسى جاره ونسى أخاه بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه حتى يضطرهما أن يرفعا ضده شكاوي في المحاكم لأنه لا يهتم بأمرهما ولا يحس بمشاعرهما ولا يشاركهما في مشاكلهما فالتاجر لايهتم إلا بالكسب السريع سواء احتكر على المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين أو غشهم في بيعه أو في وزنه أو سلعته وصنفها ونوعها أو في الجودة لا يهتم بذلك لأن همه كله هو المكسب السريع ولا شأن له بذلك والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه تارة بالكيد لهم وأخرى بالتجسس على أحوالهم وثانية بالقيل والقال لرؤسائه ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا بنفسه وهكذا هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟ لا والله فلو سنت الدولة ألف قانون وقانون فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟ وكيف يجدون المخرج فيها؟ لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية التي أمتلأت بها النفوس وأصبحت تعيش وكأنها في يوم القيامة والكل يقول نفسي نفسي لا أريد غيرها ما العلاج؟لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى كنز الهجرة ونظرنا إلى ما فيه من علاج هؤلاء القوم تركوا دورهم وأموالهم وأهليهم وزراعاتهم وتجاراتهم وهاجروا ولا يجدون حتى الكفاف بل لا يجد الواحد منهم ما يستر عورته أو ما يلبسه في قدمه وذهبوا إلى الأنصار بالمدينة فأفاء الله عليهم الخير ووجدوا عندهم الحدائق الغناء وعندهم التجارة وعندهم الزراعة ماذا فعلوا؟ وماذا صنعوا؟ إن هذا ما يخبرنا عنه الله وهو العلاج الأوحد لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}هذا هو العلاج أننا نصلح القلوب فنطهرها من الذنوب ومن الأثرة ومن الأنانية ومن حب الذات ومن الغل والحقد ومن الحرص على الدنيا الفانية ونملأها إيماناً بالله ونملأها ثقة في وعد الله حتى تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها ونملأها يقيناً أن ما قدر لها يكون وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص ولا يناله طالب إلا بما كتب له الواحد ولن ينال بسعيه وحرصه وكده وطلبه ما يناله غيره إلا ما قدره وكتبه له ربه نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى فيؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا ويقبلوا على أعمال الآخرة وأحوال الآخرة وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه ويسر إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه ويحزن لحزن إخوانه ويتألم لآلام جيرانه قال النبى{لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهو لا يشعر به}[2] أي لا يؤمن إيماناً صحيحاً عند الله ينال به الدرجة العالية من الله إلا إذا كان يحس بإخوانه ويشعر بآلام جيرانه ويشارك أقاربه وخلانه هذا هو الذي صنعه لكم ومعكم الله على يد سيدنا ومولانا رسول الله فأصبح الرجل منهم يسارع فيما يرضي الله حتى كان الرجل المهاجر عندما ينزل المدينة المنورة يحضر أهلها ويتنافسون ويتصارعون وكل يريد أن يأخذه إلى بيته ليحظى بالفضل والرضوان من الله ومن شدة تهافتهم وصراعهم كان لا يذهب الرجل المهاجر إلى أحدهم إلا إذا أجروا القرعة والمساهمة فيما بينهم فمن وقعت عليه القرعة فهو الذي يفوز بهذا الغنم الأكبر وهذا الفوز الأعظم وهذا الأخ الذي يأخذه ويواسيه ويطعمه ويجالسه ويقيمه في بيته لأنه يعلم أن هذا هو الفضل الأعظم عند الله وهذا عكس ما نراه الآن - فيرى بعضنا أنه إذا أخذ شخصاً ضيفاً إلى بيته يراه غرماً يراه سيغرمه كوب شاي وسيغرمه بضع أرغفة وسيغرمه مبلغاً من النقود يراها غرامة وهم كانوا يرونها غنيمة لأنهم يرجون الفضل من الله حتى أنه بلغ الأمر من أحدهم - لأنهم يتعاملون مع ربهم - أن أخذ أخاه وكان هذا الرجل المهاجر هو عبد الرحمن بن عوف والرجل الأنصاري هو سعد بن الربيع فأحضر ماله وقسمه نصفين وقال له: اختر أيهما شئت وقسم بيته قسمين، وقال له: اختر أيهما شئت ثم قال له: هل تزوجت؟ قال: لا قال: إن لي زوجتين فانظر إليهما فأيهما أعجبتك أطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها حلالاً هم تربوا على مائدة القرآن وكانوا كما وصفهم الحنان المنان {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}هذا بالإيثار وهذا بالعفة فزهدوا في الدنيا فسخرت لهم الدنيا وكانت لهم الدنيا فقال له عبد الرحمن:بارك الله لك في زوجك، وبارك الله لك في بيتك وبارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق بماذا كافأه الله على هذه العفّة؟ كان كما قال: لو تاجرت في تراب لحوله الله إلى ذهب وعندما مات وقد هاجر لا يملك قليلاً ولا كثيراً ووزعوا الذهب الذي خلفه على زوجاته من كثرة هذا الذهب أخذوا يضربونه بالفئوس ليوزعوه على زوجاته وبنيه لماذا؟ لأنه فتح بالعفة كنز فضل الله وكنز أخلاق الله وكنز خير الله له ولزوجه وولده فهؤلاء تعاملوا بالإيثار وهؤلاء تعاملوا بالعفة والكل تربى على مائدة القرآن وتأسى بالنبي العدنان فلم يكن لهم في مجتمعهم مشكلة ولم يكن لهم في مجتمعهم معضلة ولم ينتابهم في جميع أمورهم أي شئ يعكر صفوهم أو يشغلهم عن ربهم أو عن عبادة الله أو عن طاعة سيدنا ومولانا رسول الله لأنهم شغلوا أنفسهم بكتاب الله وبهدى سيدنا ومولانا رسول الله فعلاج أمراضنا في هؤلاء الثلاث: أولاً الحب{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}إذا أحببنا بعضنا ويكفينا في هذا حديث واحد لوطبقناه على أنفسنا وفي مجتمعنا ما وجدت مشكلة بيننا وهو قوله{لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[3] فكما لا أحب أن يوشي أخي عليّ وشاية فلا أوشي على أخي وكما لا أحب أن يستأثر أخي عليّ فلا استأثر على أخي وكما لا أحب أن يسبّني أخي فلا أسبّ أخي، وكما لا أحب أن تتطاول علي زوجة جاري فلا أسمح لزوجتي أن تتطاول على جاري وكما لا أحب أن يؤذيني ابن أخي أو جاري أو قريبي فلا أسمح لابني أن يؤذي أخي أو جاري أو قريبي، وكل شئ لا أرضاه لنفسي لا أرضاه لغيري إذا فعلنا ذلك لم يكن هناك مشكلة ولا يصير بيننا مشكلة{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}
العلاج الثاني: إذا وثقت أن المعطي هو الله ويعطي بحكمة لا يعلمها إلا الله فلماذا تحزن إذا لم يعطي لك ولداً كفلان ولماذا أغتم إذا حلى زوجة هذا ولم يحل زوجتي؟ ولماذا أحمل الهم فوق رأسي إذا جاء لزميلي في العمل ترقية ولم أنالها، وقيل شعراً لأحدهم[4]:

أَلا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا

أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأَدَبْ

أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ

لأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ

فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي

وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ

الحسود يعترض على المعطي لأنه هو الذي قسم الأرزاق وهو الذي قسم الأخلاق وهو الذي قسم العطاء وهو الذي أيضاً قسم البلايا والعناء ولو نظرت على التحقيق لوجدت أن الكل سواء فكما أن هذا عنده عطاء فلابد أنه عنده جانب من البلاء وإن كنت لا أراه ولا أشعر به ولكن اعلم يقيناً أن الله{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}فإذا رأيت على أخي نعمة أو رأيته في منة فيجب عليّ أن أفرح وأن أشكر الله وأن أحمد الله وأن أدعو الله أن يزيده نعماً على نعمه وخيراً وبراً على خيره وبره وفضلاً على فضله ولا تطلب من الله أن يمحق هذا الفضل أو أن يذهب هذا البر لأن هذا ليس من خصال المؤمنين وإنما من خصال الجاحدين والمنافقين والعياذ بالله فالمؤمن لا يحمل في قلبه ضغينة لأحد ولا حقداً على احد ولا حسداً لأحد بل يتمنى الخير والبر لجميع عباد الله حتى أنه يتمنى الهداية للكافرين ويتمنى العناية للجاحدين ويتمنى أن يوفق الله المشركين ليهتدوا لهذا الدين ويحب الخير حتى للكافرين يحب لهم أن يؤمنوا بالله وأن يهتدوا بهدى الله فما بالك بإخوانه المؤمنين إنه يحب لهم الخير في الدنيا والسعادة في يوم الدين{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}يفضل إخوانه على نفسه لأنه يعلم أن الدنيا فانية وأن النعم الحقيقية هي النعم الباقية في جوار الله{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}النعم الفانية تحتمل البلاء وتحتمل العطاء فهي فتنة{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} حتى المال والولد فتنة{لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} فإذا وفق لشكر الله على نعمة الولد فقد فاز وجاز وإذا وفق لشكر الله على نعمة الزوجة فقد فاز وجاز ولكنه إذا نسى الله ولم يشكره على نعمه وعطاياه فقد جحد ورسب في الاختبار الذي أجراه له الله{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}لماذا {لِيَبْلُوَكُمْ}[أي يختبركم] {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}لكن النعم الخالصة التي ليس فيها احتمال وإنما هي محض عطاء أن يوفقك للعبادات، وأن يفتح لك باب القبول على الطاعات والقربات وأن يلهم لسانك ذكره وشكره وحُسن عبادته وأن يحبب إليك تلاوة القرآن وأن يحبب إليك متابعة النبي العدنان، وأن يحبب إليك فعل الخير في كل وقت وآن، وأن يذكرك بالدار الآخرة لتستعد لها، وأن يذكرك بالموت لتتأهب له هذه هي النعم الحقيقية التي يفرح بها المؤمنون وليس فيها ابتلاء وليس فيها فتن وليس فيها اختبار وإنما هي كما ورد فى الأثر{إذا أكرم الله عبدا ألهمه ذكره وألزمه بابه وآنسه به يصرف إليه بالبر والفوائد، ويمده من عند نفسه بالزوائد ويصرف عنه أشغال الدنيا والبلايا فيصير من خالص عباد الله وأحبابه فطوبى له حيا وميتا لو علم المغترون بالدنيا ما فاتهم من حظ المقربين وتلذذ الذاكرين، وسرور المحبين لماتوا كمدا}[5]إذا أحب الله عبداً يلهمه بذكره وشكره وحسن عبادته فإذا استطعنا أن نحيي في نفوسنا هذه المعاني الحب لعباد الله وأن نحمي نفوسنا من البغضاء والشحناء والحقد والحسد لجميع عباد الله وأن نملأ قلوبنا بالرغبة في العمل الدائم الذي ينفعنا بعد هذه الحياة من الإيثار ومن المعونة ومن المساعدة ومن المواصلة ومن البر ومن كظم الغيظ ومن العفو عن الناس ومن الإحسان إلى المظلومين ومن مساعدة المنكوبين ومن التفريج عن المكروبين إذا أحببنا هذه الأعمال وقمنا بها فلن يكون في مجتمعنا مشكلة أبداً يا إخواني جماعة المؤمنين ورد عن أصحاب نبيكم الكريم أن رجلاً ذبح شاة وتصدق برأسها على رجل من الفقراء فجلس مع زوجته فنظر في أمر نفسه وأمر إخوانه ثم قال: يا أم فلان إن أخي فلان أحوج إليها مني وذهب وأعطاها له فجلس الثاني مع زوجته ونظر في أمر إخوانه المؤمنين وقال يا أم فلان إن أخي فلان أحوج إلى هذه الرأس مني وذهب وأعطاها إليه فطافت الرأس على سبعة دور ثم رجعت إلى الأول مرة ثانية لتثبت سلامة صدورهم ورقة شعورهم وإحساسهم واستحقاقهم للوسام الذي نسبهم به ربهم{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}قال النبى{ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}[6]وقال{ المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[7]اعلموا علم اليقين أن آخر هذه الأمة لن يسعد إلا بما سعد به أولها وأولها لم ينالوا السعادة بالعمارات الشاهقة والأرصدة الزائدة والمصانع الشامخة وإنما نالوا السعادة بما في نفوسهم من حب وشوق وزهد وورع ونقى وغنى بالله وعفاف عما حرمه الله ولن ينصلح حال مجتمعنا إلا إذا عدنا لهذه الأخلاق النورانية ولهذه الخصال الإلهية التي أوصانا بها الله في كتابه وبينها لنا الرسول الكريم في هديه وفي سنته فإن المجتمع الذي أسسوه أسس على هذه الأخلاق فكان الرجل منهم لو عرضت عليه كنوز الدنيا لأتلفته عن خلق تخلق به لله وهداه إلى التمسك به سيدنا ومولانا رسول الله انظروا إلى هؤلاء القوم وقد خرجوا من المدينة حفاة عراة لا يملكون قليلاً ولا كثيراً وفتح الله لهم كنوز كسرى وكنوز قيصر وكانت شيئاً يدهش العيون لم تفكر فيه عقولهم ولم يرواد خيالهم مما فيه من مجوهرات ومما فيه من ذهب وفضة وما فيه من عسجد واستبرق وما فيه من أصناف المباهج والرياش التي لم تخطر ببال واحد منهم قط في حياته كلها، ولكنهم عندما فتحت لهم الكنوز لم تشغل بالهم وما سلبت عقولهم ولم تغير طباعهم وأخلاقهم وهذا هو المهم فقد قال لهم القائد من وجد شيئاً فليؤده لنا فكانوا يحضرون كل شئ حتى أن الرجل الذي وجد إبرة وليست بذات شأن كان يأتي ويسلمها إليه لا يدس شيئاً في ثيابه ولا يخفي شيئاً في متاعه لأنه يراقب الله ويحرص على هذا الخلق الكريم الذي خلقه به الله والذي وصاه به سيدنا ومولانا رسول الله وهو الأمانة في كل شئ فحملت الكنوز على جمال كان أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس كما يقول الرواة فى الأثر وعندما وضعت أمام عمر بن الخطاب لم تطرف عينه ولم تشغل باله ولم يجد صراعاً لاكتسابها أو للحصول عليها وإنما جلسوا متعجبين ولسان حالهم يقول كما قال القائد عندما رآها {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ}علموا أن هؤلاء ضاعت منهم النعم لأنهم لم يشكروا واهب النعم فرجعوا إلى الله شاكرين حتى لا يشغلهم بالنعم عنه لأنهم يريدون أن يكونوا مع المنعم في جميع أحوالهم وفي جميع أوقاتهم فقال عمر بن الخطاب عندما رأى هذه الكنوز الفارهة(إن قوماً أدوا هذا لأمناء)فقال علي بن أبي طالب(عففت فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين)هذا الذي نحتاجه نحتاج إلى بناء الأمانة في أولادنا وفي أنفسنا وفي أزواجنا نحتاج إلى بناء الإخلاص في قلوبنا وفي قلوب عمالنا ليكون خالصاً لله لأنهم لا يرجون سواه ولا يراقبون إلا إياه نحتاج لبناء الصدق في قلوب أهل مجتمعنا حتى نطمئن في بيعنا وفي شرائنا لأننا صرنا لا نثق في بعضنا حتى ضاعت الثقة في الأمين لأن الثقة أصبحت مفقودة بانتشار الكذب بين جماعة المسلمين. حتى أنه لو جاء رجل منهم وقد قرأ عن دين الله ويريد أن يرى العباد الذين يتبعون هذا الدين فيرى أحوال المسلمين هل يعتقد أن هؤلاء اتباع سيد الأولين والآخرين؟هل يعرفهم بأوصافهم؟إنه ينظر إلى وصفهم في القرآن أنهم لا يكذبون ويرى أمام عينيه كل تعاملاتهم مبنية على الكذب يقرأ أنهم لا يخونون ويرى أن كل همهم الخيانة وليست للأمانة عندهم صيانة يقرأ عن أمانتهم ويقرأ عن شهامتهم ويقرأ عن كرم ضيافتهم وينظر إلى الموجودين فيرى مسلمين بغير إسلام يرى مسلمين بالاسم وبشهادة الميلاد وبالبطاقات لكن أخلاقهم أخلاق الكافرين أو أخلاقهم أخلاق المنافقين أو أخلاقهم أخلاق غير المسلمين فأخوك فى الدين هو كما قال سيد الأولين والاخرين{من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته}[8] وكما ورد فى الأثر الشهير : الدين المعاملة ... الدين المعاملة ... الدين المعاملة


[1] رواه ألإمام مالك في الموطأ عن أنس، ورواه الترمذي والطبراني في الفتح الكبير عن زيد بن أرقم.


[2] رواه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك.


[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان وأبو يعلى في مسنده وأحمد في مسنده والدارمي في سننه عن أنس.


[4] : غذاء الألباب شرح منظومة الأداب لمحمد بن أحمد السفارينى


[5] الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذى النون


[6] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر.


[7] رواه ابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم عن فضالة ابن عبيد رضي الله عنه.


[8] مسند الشهاب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
.................................................. .................................................. ..............
هذه المشاركات من كتاب الخطب الإلهامية فى الهجرة ويوم عاشوراء


http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C1&id=48&cat=3



.................................................. .................................................. ............



دروس الهجرة


إن أحداث الهجرة في ذاتها والحمد لله معظمنا بل أغلبنا يعلمها ويحفظها جيداً لكن الله أمرنا أن نستلهم العبر ونأخذ المثل والقدوة من سير الأنبياء والمرسلين وذلك حين يقول عز شأنه{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}وسنأخذ ثلة صغيرة من الدروس التي ينبغي على شبابنا وفتياتنا أن يتعلموها ويتعلمنها من هجرة النبي أولاً وقبل كل شيء قبل الهجرة بوقت قصير أخذ الله رسوله بصحبة الأمين جبريل من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ثم صعد به سماءاً تلو سماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى ولنعلم مدى عظمة هذه الرحلة فقد قال{كِثَفُ الأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ الأَرْضِ الْعُلْيَا وَالسَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ وَالسَّمَاءِ الدُّنْيَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَكِثَفُ السَّمَاءِ سِتُّمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ كُلُّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ بَيْنَ كُل سَمَاءٍ مِثْلُ ذٰلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُم مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلى الْعَرْشِ مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ ذٰلِكَ كُلهِ}[1]فكم من الأعوام يقطعها المسافر في هذه السماوات والأقطار وبعد سدرة المنتهى زار الجنة ونزل إلى النار ثم بعد ذلك ذهب إلى قاب قوسين أو أدنى ورجع وفراشه الذي ينام عليه لم يبرد بعد يعني في أقل من لمح البصر الذي فعل معه ذلك ألم يكن في استطاعته جل شأنه أن يأخذه من مكة إلى المدينة في طرفة عين؟ كان ذلك سهلاً ويسيراً والله على كل شئ قدير لكن الله لو فعل ذلك معه كانت هذه ستكون حجة نتعلق بها جميعاً فنقول: هذا نبي الله ورسول الله ولا طاقة لنا بما فعل ولا نستطيع أن نصنع كما صنع فضرب الله المثل والقدوة لنا أجمعين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً بأنبياء الله ورسله فمثلاً نبي الله موسى كيف دفع مهره ليتزوج امرأة مؤمنة كان صداقه أن يشتغل برعي الأغنام في الصحراء لمدة عشر سنوات حتى لا يظن شبابنا أن الطريق مفروش بالورود ولكن يسعوا ويجدوا ويجتهدوا{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فجعل الله هجرة المصطفى عن طريق الأسباب التي هيأها الله للعالمين لأن الأسباب مهيئة للكل والكل يستطيع أن يستخدمها أو ينتفع بها لأنها صنع الله الذي سخره لجميع الخلق لم يكن رسول الله يخاف فهو الذي لا يخاف إلا من الله، لكنه خطط التخطيط السليم ليعلم كل مؤمن أن أي عمل ينوي فعله لابد له من خطة سواءاً كان ذلك في استذكار دروس أو كان ينوي زواجاً أو كان ينوي بناء بيت أو كان ينوي تحقيق اختراع أو كان ينوي إحداث اكتشاف أي أمر لابد أن يبنيه المرء على خطة والخطة لابد أن تكون محكمة ومدبرة تدبيراً جيداً ولا بأس أن يجعل في خطته نصيباً لأهل الخبرة حتى ولو كانوا غير مسلمين مادام هذا هو التخطيط المكين إن الرسول لما وضع الخطة الدقيقة بأن يتوارى عن القوم هو وصاحبه في الغار لمدة ثلاثة أيام كيف يعرف أخبار القوم؟ تستطيع أن تقول أنت عن طريق الوحي لأن الله ينزله عليه لكنه يريد أن يجند الشباب ويعلمهم المنهج السديدالذي يرضي الله فجند فتى وفتاة وهيأهما وعلمهما الفتى يجلس طوال النهار بجوار نادي القوم قرب الكعبة يتسمع الأخبار والفتاة تصنع الطعام وثالثاً يمشي خلفهما إذا مشيا في الذهاب أو في الرجوع ومعه غنمه ليعفي على آثار القدمين فلا يكتشف أقدامهما الكفار وقد كانوا يجيدون ذلك فكان في كل ليلة يأتيه الفتى بالأخبار التي يتسمعها من قريش وتأتيه الفتاة بالطعام، وبعد الثلاثة أيام كان قد جهز الراحلتين ولما لم يكن في وسط المسلمين خبيراً بالطريق استدعى خبيراً كافراً هو عبد الله بن أريقط حتى أن أئمة السيرة الأعلام قالوا: لم يصل إلينا خبر هل أسلم بعد ذلك أم لا؟ لكنه تخيره أميناً حتى لا يكشف سره لأعدائه فجاء الخبير الذي يستطيع أن يجتاز بهم طريقاً غير معروف بعد الثلاثة أيام والحمد لله هو هذا الطريق المعروف الآن الذي يسافر عليه الحجيج والمعتمرون من مكة إلى المدينة وهو طريق الهجرة ولم ينس وهو في هذا العمل كله يرجو تحصين الله وحفظ الله وعناية الله أن يتمسك بأهداب الفضيلة التي جاء بها لنا من عند الله فالكافرون من أهل مكة أخرجوا المسلمين من بينهم بدون شئ من أموالهم أو متعلقاتهم فقد استولوا على بيوتهم واستولوا على أموالهم وأستولوا على كل أشياء يتملكونها والعجب أن هؤلاء القوم مع كفرهم إلا إنهم كانوا يقرون للداعي إلى الله بالصدق والأمانة فلو نطق بكلمة قيل لهم قال محمد كذا. قالوا: إن كان قال فقد صدق لأنهم ما جربوا عليه كذباً فكانوا يحفظون عنده أماناتهم التي يخشون عليها لعدم وجود البنوك في هذا الزمن، ولما جاءه الأمر من الله بالهجرة لقن فتيان المسلمين درس عملياً عظيماً في الأمانة فجاء بابن عمه علياً بن أبي طالب وكان سنه لا يزيد عن ثلاثة عشرة عاماً وأمره أن يبيت في مكانه مع أن أربعين رجلاً مُدججين بالسيوف يحيطون بالمنزل وينتهزون فرصة للدخول عليه في أي ساعة من الليل ويقضون عليه عرضه للموت في سبيل أن يتمسك بالأمانة وأن يكون مثلاً فذاً في خُلق الأمانة، وأمره أن يمكث ثلاثة أيام بعده حتى يؤدي لكل رجل أو امرأة أمانته أو أمانتها استوعب هؤلاء القوم هذا الدرس فتربوا على فضيلة الأمانة فكانت هي الصفة الأولى في نشر الإسلام في كافة ربوع العالم وأسوق لكم مثلا آخر يروى أن رجلاً كان في عداد الكافرين اسمه العاص بن الربيع وكان تزوج ابنة النبي زينب وبعد الهجرة بعامين كان آتياً على رأس تجارة لقريش من بلاد الشام وشرح الله صدره للإسلام على مقربة من المدينة ولكن سرية فذهب إليه بعض المنافقين. وقالوا: ما دمت قد أسلمت أنت تعلم أن هؤلاء القوم قد أخذوا أموال إخواننا ودورهم فلا عليك أن لا تذهب إلأى مكة مرة ثانية ووزع هذه الأموال على من أخذ ماله عنوة من المسلمين لكن الرجل قال له بصرامة وشدة: ما كنت لأبدأ عهدي في الإسلام بالخيانة وواصل مسيرته حتى وصل إلى مكة ودعا أشراف أهلها وقال: يا أهل مكة هل بقى لأحدكم شئ عندي؟ قالوا: لا وجزاك الله خيراً قال: أشهدكم إني آمنت بدين محمد فالدرس الأول الذي نستوعبه من الهجرة النبوية وما أحوج شبابنا جميعاً إليه الآن بل إننا للأسف نستمع هنا وهناك أن هذا هو الخلق القويم لدى الأمم المتمدينة وهو أولاً وقبل كل شئ خلق نبي الإسلام وخلق الإسلام في كل زمان ومكان هو التخطيط السليم بالأسباب التي في استطاعتنا وما دام الإنسان يخطط على حسب استطاعته فإن الله يعينه بقدرته كما أعان حبيبه ومصطفاه في رحلة الهجرة على أن أخطط على حسب وسعي وطاقتي وإمكاني وجهدي واستخدم كل ما هو متاح لي من طريق حلال وبعد ذلك يقول لي رب العزة{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لكن أكف عن التخطيط وامتنع عن المذاكرة وأقول ما قدره الله يكون، وما اختاره لي سيتحقق هذا ليس توكلاً على الله لكنه تواكلاً وسلبية حاربها الله، ونهى عنها رسول الله
الدرس الثاني: أن المؤمن لابد ألا يفرق بين العادات والأخلاق والمعاملات في ظلال الإسلام فإن كل ما أصاب مجتمعنا من تدهور في الأخلاق ومن سوء المعاملات في الأسواق ولدى التجار ومن انتشار النفاق وصفاته وأمراضه سبب ذلك كله هو ضعف اليقين وعدم الاستمساك بكلية هذا الدين يظن الإنسان أنه أدى ما عليه لله إذا حافظ على الفرائض في وقتها وصام شهر مضان وتلا القرآن أو تمسك بالأشياء والسنن الظاهرة ربى لحيته وجعل له عدبة طويلة واستخدام السواك كل هذا خير لكن لابد مع ذلك كله من مكارم الأخلاق ومن حسن المعاملات الإسلامية وإلا خبروني لو أن تاجراً يغش في وزنه أو في كيله أو في سعره أو في بضاعته ويؤدي العمرة في شهر رمضان كل عام ويحج بيت الله الحرام كل عام هل ينفع حجه وعمرته؟كلا لقول النبى{لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَه}[2]وفى الأثر المشهور{الدين المعاملة} فلا يقبل الله من يصلي في الليل ولو ألف ركعة ثم في الصباح لا يتورع عن الكذب ولو في مباح لأن ديننا لا يعرف كذبة بيضاء وأخرى حمراء أو سوداء فقد قال النبى{إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[3] حتى المزاح لا يكون إلا في الحق وبالحق
عن عبدِ الله بنِ عامرٍ قالَ{جاءَ رسولُ الله بَـيْتَنَا وأَنَا صَبِـيٌّ صغيرٌ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فقالتْ لِـي أُمِّي: يا عبدَ الله تعالَ أُعْطِيكَ، فقالَ رسولُ الله: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قالتْ: أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تـمراً قالَ: أَمَا إِنَّكِ لو لَـمْ تَفْعِلـي لَكُتِبَتْ علـيكِ كِذْبةً}[4] إن من يستاك بالسواك يفعل فعلاً طيباً لكن الأطيب منه من يطهر فمه عن الغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف واللعن وهذه الأقوال الخبيثة التي تخرج من فيه، لكن الذي يستاك ثم يسب أو يشتم أو يلعن أو يغضب فإنه لم يدرِ الحكمة النبوية من استخدام السواك عند رسول الله ديننا لا يفرق بين ثلاثة أمور: العبادات، والأخلاق والمعاملات. فمن قال أنا على خلق طيب؟ والمهم طهارة القلب وتكاسل عن الصلاة نقول له هذا لا ينفع إذا كان خلقك طيباً وقلبك طاهراً فلماذا تتباطئ عن نداء الله؟ولماذا لا تؤدي الصلاة لتفوز بحق الله ولا تندم على ذلك يوم القيامة؟ومن حافظ على الصلاة وارتكب ما لا يحله الله في أخلاقه ومعاملاته مع عباد الله نقول له قال النبى{مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً }[5]فالذي يستبيح الرشوة بحجة أنه يحتاج وأن دخله لا يكفيه نقول له: هذه حجة واهية والذي يستبيح استغلال الناس بحجة أنه ينفق هذه الأموال على الدعوة الإسلامية أو طباعة الكتب الدينية أو نشر الشرائط الإسلامية نقول له قال الحبيب{إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً}[6] والرسول كان هو المثل الأعلى في الأمانة في بعثته وفي هجرته قد يقول له البعض:كيف تصل إلى منصب مرموق بدون التزلف والتقرب لكبار المسئولين كان هذا هو الدرس الرابع فإن الرسول لما تمسك بهذه الفضائل حماه الله بأشياء قد لا نعيرها بالاً حماه في الغار بشجرة نبتت فوراً على باب الغار فسدته وأمر العنكبوت الضعيف{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}أن تنسج على هذه الشجرة بيتاً لها وكلف حمامتين أو يمامتين وحشيتين غير مستأنستين أن تصنعا عشاً في الحال وتبيضا فيه فستره عن الكفار بأشياء لا تخطر على البال وعندما لحق به فارس منهم والتفت سيدنا أبو بكر وقال: يا رسول الله أدركنا الطلب فقال{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} سخر الله له الأرض ونزل الأمين جبريل وقال: يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك الأرض طوع أمرك فمرها بما شئت فالتفت إلى الفارس وفرسه وقال: يا أرض خذيه فانشقت الأرض وأمسكت بالفرس وبقدميه أكثر من مرة والأرض تتلقى الأمر منه لأن الله أعزه وأمر الكل أن يكون طوع أمره لأنه تمسك بدين الله وبأخلاق الله ولم يتنازل قدر أنملة ولم يتزحزح عن مبدأه طرفة عين ولا أقل ثم زاد الله في إكرامه وزاد الله في إعزازه لأن من يتمسك بهدى الله يعزه الله{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}فدخل المدينة مُعززاً مُكرماً{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}لنعلم علم اليقين أن الذي يتمسك بهدى الله مهما واجهته الفتن ومهما تعرض للمحن ومهما أحاطت به الظروف لابد أن يؤيده الله ويعزه الله وينصره الله فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً قال النبى{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}لماذا خرج رسول الله في الليل؟ ولماذا اختبأ ولم يتوجه مباشرة إلى المدينة ويأخذها في لحظة؟ أو في لمح البصر؟لماذا ؟من أجل أن يعطي الفرصة للضعفاء وهذه هي السنة التي علمها الله للهداة المهديين والعلماء العاملين في كل زمان ومكان وهي:
{ أقدر القوم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة }[7]وليس في التقدير عند المشى فقط أو الحركة فقط بل يتجاوز ذلك بل الذي يصلي قال له{ إِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ بالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ}[8]هذه هي السنة أن نأخذ الناس باليسر فكان يأخذ نفسه بالعزيمة والقوة ويأمر غيره باليسر اسمعوا له إذ يخاطب سيدنا أبا هريرة قائلاً{يا أبا هريرة إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم} وفي لفظ { فاقتد بأضعفهم }[9]وعلَّم أصحابه على هذه الطريقة الإلهية وعلى هذه الهداية الربانية حتى يكونوا صورة من رحمة رسول الله للخلق أجمعين وخذوا مثالً آخرا فى أمر أذق كيف يتعامل أححدنا مع زوجته ؟ قد كان عندما يريد أن يخلد للنوم عند السيدة عائشة ينام على سريرها ويتغطيا بغطاء واحد ثم يقول لها{ " يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي }[10]وفى رواية :{ أئذنى لى ياعائشة أن أتعبد لربى الليلة؟}يستأذنها لا ينهرها ولا يقول لها سوف أقوم الليل فلماذا تنامي؟ سوف تذهبن إلى جهنم تعالِ معي أويضربها وإنما يأخذ نفسه بالأشد ويتركها على راحتها لأنها أدت فرض الله أما السنن فالأمر فيها على السعة فمن قدم فيها فإنما يقدم لنفسه ومن أخر فربما لعذر لا أعلمه أنا وتلك هى السنة وليس كل إنسان يستطيع أن يتحدث بعذره فإن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة كان يخرج ليصلي الجُمع والجماعات وكان يشيع الجنازات ويعزي المصابين وبعد فترة ترك الجماعة وكان يصلي في منزله ولا يخرج إلا للجمعة وترك تشييع الجنازات وطبعاً أشبع من المريدين القيل والقال ولما اقترب خروج روحه وبجواره أعز تلامذيه قال لهم: لو لا أن هذه الساعة هي التي أقابل فيها الله ما حدثتكم عن عذري وكان تلاميذه عندما يسألونه قبل ذلك يقول لهم: (ليس كل عذر يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه) والمؤمن كما ورد فى الأثر: { المؤمن عذري}يعني يلتمس العذر لإخوانه المسلمين قالوا له: ما الذي منعك؟ قال: أنا مصاب بسلس البول منذ كذا وكذا سنة وإذا حضرت إلى المسجد فإن الناس لا يتركوني أتخلف عن الإمامة، والإمامة لا تجب في حقي ماذا يفعل؟إذا قال عندي سلس البول لا يصدقونه سيقولون إنه تواضع أو إنه متكبر لكنه أباح بهذا العذر عند خروج روحه لإخوانه حتى تنشرح صدورهم ويعلمون أن الأئمة الهداة لا يتحركون ولا يعملون عملاً صغيراً أو كبيراً إلا على نور من الله



[1] رواه البزار عن أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.


[2] رواه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه عن أنس ورواه الطبراني في الكبير وصاحب مسند الشامين عن أبي أمامة.


[3] رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر والخطيب عن أنس.


[4] سنن البيهقى الكبرى .


[5] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عباس.


[6] رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه والترمذي والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة.


[7] رواه الشافعي في مسنده وكذا الترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم


[8] أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة.


[9] المقاصد الحسنة للسخاوي، عن أبي هريرة


[10] صحيح بن حبان عن عطاء
.................................................. ............................................
هذه المشاركات من كتاب الخطب الإلهامية فى الهجرة ويوم عاشوراء


http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C1&id=48&cat=3



.................................................. ..............................

الهجرة معاني وأسرار

انشغل بالي بأمر هذه الهجرة العظيمة والنعمة الكريمة التي أكرم بها الله حبيبه ومصطفاه وأكرم الله بها المهاجرين والأنصار المعاصرين لسيدنا ومولانا رسول الله ونحن لم نحضرها رغماً عنا لأننا لم نكن ولدنا ولا خلقنا في ذلك الزمان وفي هذا العصر والمكان ولكن ما ذنبنا؟نحن نريد أن نهاجر ونريد أن نحصل ونحصل على ثواب المهاجرة وعلى ثواب المناصرة ماذا نفعل؟ ترى باب الهجرة قفل أم لا زال مفتوحاً؟فوجدت بفضل الله أن باب الهجرة مفتوح لكل عبد من عباد الله يؤمن بالله ويتبع سيدنا ومولانا رسول الله سواء كان العبد متعلماً أو جاهلاً، موظفاً أو فلاحاً رجلاً أو امرأة فالكل مطالب ليس بهجرة واحدة وإنما بهجرات كثيرة لكن ليست كما حصرها البعض أن تكون من مكان لمكان لا النبي قال هجرة المكان انتهت{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}[1]يعني هجرة معنوية وهجرة روحانية وهجرة بالمعاني الإيمانية وليس بالحركات والجوارح الجسمانية مثل ما بعض الناس فسروها وأولوها وخالفوا بذلك كلام رسول الله وهذه الهجرة من أين؟ وإلى أين؟كل واحد فينا مطالب أن يهاجر من النواهي التي نهى عنها الله إلى الأوامر التي أمر بها الله. هذه هجرة لابد منها وبصيغة أخرى نحن مطالبون أن نهاجر من المعاصي وأماكن المعاصي وكل ما يقرب من المعاصي إلى الطاعات وأماكن الطاعات وكل ما يقرب إلى الله من أعمال صالحات كل مؤمن مطالب بهذه الهجرة سواء كان جاهلاً أو عالماً رجلاً أو أمرأة أو شاباً فالكل مطالب أن يهاجر من المعاصي إلى الطاعات. ومن الأماكن التي بها المعاصي إلى الأماكن التي بها الطاعات وهذا ما وضحه الرسول وبين طريقه وسبيله وقال فيه{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[2] هذا هو المهاجر وكلنا نريد أن نحصل على هذا اللقب ونسمى عند الله مهاجرين فالمهاجر عند الله في زماننا هذا من هجر(أي ترك)ما نهى الله عنه قلنا أن الهجرة للمؤمنين والمؤمنات قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها لكنها هجرة معنوية بعد أن كانت في عصر سيدنا رسول الله هجرة مكانية من مكة إلى المدينة وأنواعها كثيرة لكن أصولها ثلاث: هجرة بأمر الله من المعاصي والمخالفات إلى الطاعات.
وهجرة بفضل الله من الدنيا إلى الآخرة وهجرة بتوفيق الله من الدنيا والآخرة إلى وجه الله فالهجرة الأولى هي ترك المعاصي خوفاً من عذاب الجحيم والهجرة الثانية فعل الطاعات طمعاً في ثواب الله في جنات النعيم والهجرة الثالثة هي التقرب إلى الله بالتخلق بأخلاق الله رغبة في مزيد فضل الله وجميل عطاياه لعباده المؤمنين الموحدين فالذي لا يزال جالساً في المعاصي وهو في المعاصي لا يكون في الدنيا في حالة تلبسه بالمعاصي بل يكون في الجحيم لأن العمل الذي هو فيه باب مفتوح إلى الجحيم قال تعالى{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}كيف تراها؟ أنت عندما تعلم علم اليقين أن هذه المعاصي هي الطريق والباب للجحيم تكون نفس المعصية هي النار والجحيم ولأجل ذلك قال النبى{ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ }[3] وهو في هذا العمل يكون عاصياً ويكون من أهل الجحيم والعياذ بالله فهو إذا في هذا العمل يكون متلبِّساً ومجرماً وعليه فصريح أمر الله له أنه عندما يخرج من هنا وينهي مدته وهو داخل من جمرك الدنيا إلى الدار الآخرة أول ما يصل إلى الدار الآخرة يقبضون عليه ويقولون له: تعال فيقول إلى أين؟إلى دار المجرمين هذا مثل الذي فعل شيئاً وظن أنه هرب لكن أين يهرب من الله؟إذا الهجرة من المعاصي هي الهجرة الأولى التي يقول رسول الله في صاحبها{المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[4] فقد هاجر إلى الآخرة لأنه ترك الدنيا وترك المعاصي والهجرة الثانية من الدنيا إلى الآخرة فالدنيا هي الأعمال الدنيئة التي لا تليق بالمؤمن سميت الدنيا من الدنو والدناءة فكل عمل دنئ لا يليق بالمؤمن عمله يهاجر منه إلى الطاعات فيصير إلى الآخرة ومن أهل الآخرة؟ هم الملائكة. وما أعمال الملائكة؟{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }فالذي يراهم يجد منهم الذي يسبح الله والذي يقف يذكر الله والذي يقف يقدس الله والذي يتلو كتاب الله والذي يستغفر الله ليس لأنفسهم لكن لنا{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا} يا سبحان الله ربنا وظفهم يستغفرون لنا فكأنهم موظفون عندنا ومن هم؟ حملة العرش وليس الملائكة العاديين وحملة العرش الرسول يقول في الواحد منهم { أُذِنَ لِي أَنْ أحَدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ الله تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمَائَةِ عَامٍ }[5]ومع ذلك فالله سخرهم لكي يستغفروا لي ولك لكي تظهر مكانتك أنت عند الله وتعلم أنها ليست مكانة هينة أو عادية وإنما هي مكانة عظيمة جداً جداً فلأجل أني مهاجر إلى الآخرة مثله فأترك الأعمال الدنيئة التي ذكرناها كاللعب واللهو وأكون ليس لي بها شأن فأما غيري الذي يلعب إذا كان يلعب على نقود يكون من أهل الجحيم لأن هذا هو القمار وإذا كان يلعب على غير نقود فهو من أهل الغفلة ومن أهل الذنوب ومن أهل الدنيا لأن هذا يقول فيه رسول الله{اللاَّعِبُ بالنِّرْدِ كَوَاضِعِ يَدِهِ في لحْمِ الخِنْزِيرِ وَالنَّاظِرُ إِلَيْها[الكوتشينة الطاولة الدومينو] كَواضِعِ يَده في دَم الخِنْزير }[6]ودم الخنزير طاهر أم نجس؟إنه أنجس النجاسة فالذي يلعب ويقول: الكلب راح الكلب جاء أو شيش بيش كل هذا كغامس يده في دم خنزير لأن هذا في اللعب والمؤمن ليس لديه وقت لهذا الكلام ليس لديه وقت للعب ولا للزينة ولا للتفاخر والتكاثر إذا أين يكون المؤمن؟نجده مع كتاب الله أو نجده يذكر الله أو نجده ينصح عبداً من عباد الله أو يزور مريضاً طلباً لمرضاة الله أو يشيع جنازة ابتغاء وجه الله هذا هو عمل المؤمن يتقلب في الطاعات{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}أي يتقلب مع الساجدين دائماً وبهذا يكون في عمل الآخرة ومثل هذا من أهل الآخرة.
الهجرة الثالثة : وهي لرجل ثانٍ قال ماذا أفعل بالآخرة؟سوف أذهب إلى هناك والذي حرمت منه هنا أجده هناك لكن أنا يعجبني شئ ثانٍ فليست تعجبني الجنة والذي فيها أنا يعجبني الأخلاق العظيمة الكريمة التي يعاملنا بها الله انظر كيف نعصي ونغفل ونجهل وهو حليم علينا وتاركنا؟ وما يفتأ يرزقنا وينعم علينا ويستر علينا فيقول أنا أريد أن أكون حليماً مثل الحليم الواحد يبعد عنه سنين ويلطخ نفسه بالمعاصي والطين ويرجع يقول له: أنا تبت فيقول وأنا قبلت ما هذا العفو العظيم؟أنا أريد أن أكون عفواً مثل عفوه لا أركب رأسي ويقولون لي فلان جاء يعتذر إليك وأقول له يدفع خمسة عشر أو عشرين ألف يا أخي إن رسول الله قال{ مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصلاً [معتذراً] فَلْيَقْبَلْ ذٰلِكَ مِنْهُ مُحِقّاً أَوْ مُبْطِلاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ }[7]، يقول أنا ليس لي شأن بهذا الكلام يا أخي ما دام جاء إليك ويقول لك أنا أعتذر لك، ألا ترى أن الذي خلقه ورباه وكلأه بنعماه ويعصاه وهو يراه لكن أنت لم تره أو تسمعه وإنما أحد أبلغك أنه قال في حقك كذا. لكن هو سامعه ويراه وعندما يقول له تبت، يقول له وأنا قبلت ولما ينشط العبد ويصطلح مع مولاه يفرح به الله وهو الغنى عنه فرحا يقول فيه الحبيب يقول الله للملائكة اعملوا له فرح عندكم{لله أَفَرْحُ بِتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ قَدَ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ فِي أَرْضٍ مُهْلِكَةٍ، يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْجُوعْ }[8]وهل ربنا يحتاج من العبد شيئاً؟هل ينفعه العبد أو يقدم له شيئاً ؟ لكن هو يعلمنا نحن أن نقول{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}حتى لو لم أكن أنا فى ظاهر الأمر أو فى تقديرى الشخصى الدنيوى ورؤيتى القاصرة والمحدودة محتاجٌ إلى من جاء ليصالحنى .. أو لو كنت غنياُ عنه فيجب علىَّ أن أفرح بالصلح عندما يأتي أحد يصالحني علىَّ أن أفرح له تعالَ ياأخى قال لنا النبى{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ[طفل يشد لجام الجمل فيمشي وراءه مع أن الجمل لو هاج لا يقف أمامه سبعة رجال لكنه سبحانه وتعالى حليم] وإن استنيخ على صخرة أناخ }[9]لا يطلب شيئاً ليناً ينيخ عليه والمؤمن نفس النظام إذا قيل له اصطلح فإنه يقول على بركة الله لايطلب شروطاً أو غيرها ويريد أن يقيم الدنيا أو يقعدها ليقبل أن يصطلح مع أخيه فالشروط ليست مع المؤمنين وهو يريد أن يتخلق بخلق العفو و خلق الجود يبحث عن الأشياء التي فيه فيجد أن الله جبله عليها كيف ذلك{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}في أصل خلقته كان ظالماً وجاهلاً ماذا يفعل؟يغير الظلم ويغير الجهل كان ظلوماً جهولاً إذا لم يحافظ على الأمانة كما طلب الله وكما أراد الله وحملها الإنسان أي حملها باختياره ولم يقل حملناها وإنما هو الذي حملها وهو الذي طلب وما دام طلب حملها فإذا لم يقدر أن يقوم بها يصير جاهلاً ما الأمانة؟أعظم أمانة أنت وأنا حملناها هى(لا إله إلا الله محمد رسول الله) أخذناها رغماً عنَّا أم باختيارنا؟ باختيارنا أنا قلتها إذاً لابد أن أقوم بحقها قال رسول الله{مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله مُخْلِصَاً دَخَلَ الجنَّة، قِيلَ: وَمَا إِخْلاَصُها؟قال: أَنْ تَحْجزَهُ عَنْ مَحَارِمِ الله}[10]ما معنى هذا ؟أي أن يحرم ما حرمه الله ويعمل بما أمره الله به فأنت عندما اخترت لا إله إلا الله، واخترت الإسلام، لم يعد لك عذر في أن تترك خردلة من تعاليم الإسلام ولم يعد لك عذر في أن تقع في أي بند من بنود المحرمات التي حرمها الإسلام بعد نطق هذه الكلمة لست حراً ولذا هذه قائمة بالمحرمات وهذه قائمة ثانية بالمستحبات وهذه قائمة ثالثة بالفرائض التي إن لم تفعلها نسجنك، أنت اخترت لا إله إلا الله محمد رسول الله انتهى الأمر فالإنسان من أي صفات يا ربَّ خلقته يقول{وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } أي يحب أن يجادل دائماً وماذا يفعل يا رب؟ مع المؤمنين لا جدال ومع الآخرين يكون بالحسنى{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}لا بالشدة ولا بالسيف وإنما بالتي هي أحسن الحجة بالحجة افرض مع الشدة قال لا إله إلا الله هل يريد الله هذا الإيمان؟ لا إنه قال {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}إن لم يدخل عن اقتناع فالله لا يريده والاقتناع يكون الحجة بالحجة أما المؤمنون فقد قال رسول الله{أَنَا الزَّعِيمُ بِبَيْتٍ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلاَهَا، وَبِبَيْتٍ فِي أَسْفَلِهَا لِمَنْ تَرَكَ الْجِدَالَ وَهُوَ مُحِقٌّ وَتَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ لاَعِبٌ وَحَسُنَ خُلُقُهُ لِلنَّاسِ }[11] إذاً لماذا نهى الله عن الجدال؟قال النبى{ مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ }[12] فالجدل دليل على غضب الله ولذا فالمؤمنون لا يتجادلون أبداً وإنما يتناقشون ويتناظرون والمناظرة التي يقول فيها سيدنا الإمام الشافعي{ما ناظرت أحداً وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من اللّه رعاية وحفظ وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه }[13]تريد أن تصل للحق لكن المجادل يريد أن يكون هو الذي غلب بالباطل أو الحق وهذا الأمر لا ينفع لأننا سوف نخرج أعداء لذلك نهى الله عن الجدال وطلب أن يتخلص المؤمن من الجدال{وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً}قتوراً يعني بخيلاً وربنا اسمه الكريم. إذاً يهاجر فوراً من البخيل إلى الكريم إذاً الهجرة الثالثة كيف يهاجر العبد فيها؟ يترك أخلاقه ويتخلق بأخلاق الله قال النبى{ إن الله يحب من خَلقِهِ من كان على خُلُقِه }[14] فهذا يحبه وهو غير الذي يكافئه على الطاعات والصالحات فيعطي لهم مكافئة وهي قصور وحور في الجنة، لكن الذي يحبه له وضع آخر إذا من الذي يحبه؟ الذي يتخلق بأخلاقه وما المراد بأخلاقه؟قال النبى{إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنَّةَ }[15]فأنت إذا هاجرت الهجرة العالية الكبيرة فالله تعالى يبدل صفاتك بصفات من عنده وأخلاقك بأخلاق من لدنه والذي يصير على هذه الشاكلة.. ماذا له من مكافأة عند الله؟لهم مكافأة يقول فيها الله: { أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشْرٍ }[16] للجماعة المؤمنين الذين يأخذون المكافأة على عملهم الصالح لكن الجماعة المقربون لهم عند ربهم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فهؤلاء لا يجالسون إلا ملك الملوك وهناك فرق كبير بين الذي يجلس مع جارية أو خدم أو حشم أو فى النعيم الذى أنت تريده وبين الذي هو جالس مع الملك نفسه فرق كبير بين الذي ينزل ضيفاً على رئيس الجمهورية فيقول أنزلوه قصر الطاهرة وانظروا ماذا يريد من طعام وشراب لكن أنا ليس عندي وقت لكي أقابله فهل يتلذذ هذا بأكل أو شرب؟لكن الثاني يقول أنا أقابله الساعة كذا أو الثالث يقول أنا لا أستغنى عنه اجعلوه معي ليلاً ونهاراً فالذي يدخل الجنة ويتمتع بالحور والقصور والولدان لكنه لا يحظى ولا يتمكن من رؤية الحنَّان المنَّان يبقى في عذاب كأنه عذاب أهل النار عذاب اسمه عذاب الحجاب وعذاب الصدود وعذاب الإعراض {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}فهو نوع من أنواع العذاب المعنوي إذا فالذي لا ينظر الله إليه في نوع من أنواع العذاب لذلك الجماعة المؤمنون مثلما يقول النبي يأتون لهم بالحور والمتع فيقولون لا نريد هذا ماذا تريدون؟ والذي يكلمهم الله من علياءه مع تنزهه عن المكان والزمان والحيطة والإمكان فيقولون تركناها أحوج ما نكون إليها في الدنيا أي كنا نريد الطعام والشراب في الدنيا ولماذا كنا نصوم ولماذا كنا نزهد؟ فيقول لهم وماذا تريدون؟يقولون وعزتك وجلالك لا نريد إلا وجهك أنت متعتنا !وأنت مسرتنا وأنت هناؤنا وأنت حبورنا لأن هؤلاء الجماعة الذي هاجروا من أخلاقهم إلى أخلاق الله فكانوا متصفين بصفات الله على قدرهم وليس بصفات الله على قدر كمالات الله وعلى قدر جمال الله ولكن على قدرهم وعلى قدر اتساع ما عونهم وعلى قدر معرفتهم بأخلاق الله فلذلك عندما ننظر المقام العالي الذي مدح الله به النبي نجده قال له مخاطبا{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}أي أنت على خلق الله لأن العظيم هو الله وأنت على خلقه إن المؤمنين في هجرتهم إلى الله على ثلاثة منازل: إما واحد يجاهد نفسه لكي لا يقع في الذنوب والعيوب وهذا يجاهد ليهاجر من المعاصي إلى الطاعات وهذا يوم القيامة من أهل{أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}أي ليس لهم شأن بجهنم ولا طريقها ولا عملها والمؤمن الثاني نفسه لا تحدثه بالمعاصي لكن تحدثه بالغفلة أو باللهو أو باللعب أو بالراحة فيقول لها أنا لا أضيع وقت لأن الدنيا عمرها قصير وكل نفس يحاسبني عليه العلي الكبير أنا أريد أن تكون أوقاتي كلها في الطاعات والقربات{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }هذا يوم القيامة مثل ما يقول الله{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ}لهم ما يشاءون عند ربهم في الآخرة الجماعة المقربين يريدون أن يكونوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر فتقول لهم نفوسهم نريد أن نأخذ لنا مقعداً من مقاعد الصدق أو نجلس على كرسي من الذهب أو نجلس على منبر من نور أو نجلس على كرسي المجد المهم نكون في المكان الذي يقول فيه النبي العدنان{أهل الكثيب في جنة عدن يتراءون ربهم كما تتراءون القمر في ليلة التمام}[17]فالجماعة الذين يجلسون على الكثيب يرونه والذين يجلسون على الأرض أيضاً يرون والذي على كرسي ينظر لكن كل واحد على حسب منزلته وهؤلاء هم المعنيون بقوله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}فالذين أمر الله نبيه أن يصبر نفسه معهم يقول فيهم: هؤلاء الذين معك هناك هم أصحابك هنا عندنا{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } لهم الذي يريدونه وزيادة وما الزيادة؟قال: الزيادة اجعلوها عندي لأنكم لا تعرفونها{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ولمن الزيادة؟ للذي على مثل أخلاقه حتى نحن في البشر أنت تجالس من؟ الذي مثلك مع الفارق الكبير بين تشبه العبد بصفات العلي الكبير وبين ظهور هذه الصفات في العلي العظيم عز شأنه لكن كونك أنك تتشبه بصفاته فهذه تستوجب محبة الله ورضاه عنك لأنك تحاول أن تكون على نهج صفات الله وأخلاقه ها هو موقف المؤمنين الصادقين والمقتصدين والمقصرين وكلهم كما قال الله ورثة لكتاب الله{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [وهم أنتم جماعة المؤمنين]{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}


[1] متفق عليه والحديث برواية مسلم عن عائشة رضي الله عنها وقد رواه احمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس

[2] متفق عليه من حيدث ابن عمر


[3] أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.


[4] متفق عليه من حديث ابن عمر


[5] رواه الطبراني عن أنس وأبو داود والضياء عن جابر.


[6] رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه,


[7] أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه.


[8] سنن النسائى الكبرى عن أبى هريرة، وررد فى روايات عديدة باختلاف ألفاظ.


[9] أخرجه البيهقي والقضاعي والعسكري عن ابن عمر


[10] رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم.


[11] للطبراني في الكبير عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما


[12] أخرجه الترمذي وابن ماجة عن حديث أبي أمامة


[13] فيض القدير للمناوى


[14] رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه.


[15] رواه البخاري مسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.


[16] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الله فيما حكاه عن ربه


[17] رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.


.................................................. .................................................. ........................

هذه المشاركات من كتاب الخطب الإلهامية فى الهجرة ويوم عاشوراء


http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C1&id=48&cat=3








رد مع اقتباس
 
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
الحقوق للقوافـل العـربية: جوال الرسائل 966553850455+

a.d - i.s.s.w

RSS 2.0 RSS XML MAP HTML Sitemap ROR