جريح الامس
22-02-2009, 07:08 PM
متكئاً كنتُ في غرفتي ..
تنهدتُ معلناً ارتياحي النفسي ..
وتبسمتُ ..
وفجأةً ..
اندلعَ ظلامٌ حالِكٌ ..
وسادَ صمتٌ رهيبٌ ..
بقيتُ متجمداً .. هادئاً ..
وإذا بمنظرٍ رائعٍ يشرحُ الصدر وقد شق الظلامَ شقاً وظهرَ ..
إنهُ صديقي البحرُ .. نعم نعم .. فهذا موعدُ زيارتهِ ..
لا بد أنه اشتاقَ لي ولأحاديثي ..
أهلا بكَ يا بحرُ .. قد شرفتَ غرفتي ..
أخبرني عن أحوالكَ ..
فابتسمَ البحرُ وقال :
كنتُ يائساً بائساً .. ولكن ليس لأني يأستُ وبأستُ من الحياةِ ..
إنما بسببِ حزني على مآسيكَ ..
فمن يحتملُ ما احتملتهُ أنت ؟
فقدتَ صديقاً في عيدِ شهرِ الرحمةِ .. عيدُ الصائمينَ ..
ثُم فقدتَ اثنينِ أخريينِ في حادثِ سيرِ ..
وقبلَ قرابةِ الشهرينِ فقدتَ جدكَ ..
لا بد أنكَ جبلٌ لا يُهدُ في احتمالكَ ..
لكن الآن .. أنا بخيرٍ والحمدلله ..
لأنكَ أنتَ بخيرٍ ..
صمتنا نحنُ الإثنين ..
تنهدتُ ونطقتُ ..
أأنا جبلٌ لا يُهدُ ؟
لا بُد أنكَ ظننتَ ذلكّ لأنكَ كُنتَ بعيداً عني حينها ..
يا صاحبي ..
أنا مررتُ بأيامِ انهياراتٍ قاتلة ..
أنا أوشكتُ على الموتِ ..
وطلبتُ اللهَ في كلِ صلاةٍ أن يأخُذَ روحي ..
أحسستُ بالوحدةِ ..
كجثةٍ هامدةٍ أثقلها الحزن .. وعانقها الألم ..
وتمزقت .. من عمقِ الجرحِ على الجرح ..
وتكسّرت أضلاعها من شدةِ ما عانته ..
فأصبحت هشيماً تذروها الرياح.. وتعلوها الطيور.. تُقطّع لحمها ..
هذه الحياةُ كالغابة .. تنهش وحوشُها في جثةِ الإنسان ..
وتُحيلها من روحٍ إلى رماد عاثر الخطى يتطاير كالجدائل مع أول عصفٍ لريح ..
ريحُ الغيبةِ والحقدِ وعدم تصافي القلوب ..
ريحٌ تعصف.. وتقتلعُ الأشجارَ من جذورها..
تنحتُ في الصخر .. كما تنحتُ في الجثةِ وقلبها ..
حتى وإن لم تحركها من مكانها..
فإنها تتركُ توقيعها عليها ليشهدَ الزمانُ بأن الريحَ كانت سيدةَ الآلام..
تُلقي بمراسيها على وجهِ الزمان ..
وتشيبُ الوجوهَ التي كانت مثلَ الأطفالِ آيةً من الجمال..
وتُحولُ تلك الوجوه المبتسمة .. إلى وجوه مكفهرة .. يقتلها الحزن..
فالحزنُ أشد إعصاراً من الموت..
طوفانٌ يقتلعُ المدائنَ ويجعلها كأجداثِ نخلٍ خاوية..
ثارت ثائرةُ البحرِ .. فمدّ أمواجهُ كاليدين ..
ليعانقَ تلكَ الجثة الهامدة ..
ليحاولَ إنقاذها من عصفِ تلكَ الريحِ الطاغية ..
ويحفظَ ما تبقّى منها ..
وما أن تلقفها بيديه..
حتى أغرقها إلى قعره..
لتكون دفينة ً هناكَ في مقبرته ..
ويحتفظ بها آمنةً من الريح ..
فالبحرُ كـ الملاك ..
يمدُ يدهُ بسلامٍ ليعانقَ الجثث..
بحبلٍ من الوصالِ .. قد يفتقدهُ أبناء جلدي الآدميون..
حقا ..
شكراً لكَ أيها البحرُ ..
لن أنسى مساعدتكَ في تلكَ الأيامِ ..
سادَ الصمتُ مرةً أخرى ..
غداً لي زيارةٌ لكَ
كن في انتظاري أيها البحرُ ..
تحياااتي
بقلم
(جريح الامس)
تنهدتُ معلناً ارتياحي النفسي ..
وتبسمتُ ..
وفجأةً ..
اندلعَ ظلامٌ حالِكٌ ..
وسادَ صمتٌ رهيبٌ ..
بقيتُ متجمداً .. هادئاً ..
وإذا بمنظرٍ رائعٍ يشرحُ الصدر وقد شق الظلامَ شقاً وظهرَ ..
إنهُ صديقي البحرُ .. نعم نعم .. فهذا موعدُ زيارتهِ ..
لا بد أنه اشتاقَ لي ولأحاديثي ..
أهلا بكَ يا بحرُ .. قد شرفتَ غرفتي ..
أخبرني عن أحوالكَ ..
فابتسمَ البحرُ وقال :
كنتُ يائساً بائساً .. ولكن ليس لأني يأستُ وبأستُ من الحياةِ ..
إنما بسببِ حزني على مآسيكَ ..
فمن يحتملُ ما احتملتهُ أنت ؟
فقدتَ صديقاً في عيدِ شهرِ الرحمةِ .. عيدُ الصائمينَ ..
ثُم فقدتَ اثنينِ أخريينِ في حادثِ سيرِ ..
وقبلَ قرابةِ الشهرينِ فقدتَ جدكَ ..
لا بد أنكَ جبلٌ لا يُهدُ في احتمالكَ ..
لكن الآن .. أنا بخيرٍ والحمدلله ..
لأنكَ أنتَ بخيرٍ ..
صمتنا نحنُ الإثنين ..
تنهدتُ ونطقتُ ..
أأنا جبلٌ لا يُهدُ ؟
لا بُد أنكَ ظننتَ ذلكّ لأنكَ كُنتَ بعيداً عني حينها ..
يا صاحبي ..
أنا مررتُ بأيامِ انهياراتٍ قاتلة ..
أنا أوشكتُ على الموتِ ..
وطلبتُ اللهَ في كلِ صلاةٍ أن يأخُذَ روحي ..
أحسستُ بالوحدةِ ..
كجثةٍ هامدةٍ أثقلها الحزن .. وعانقها الألم ..
وتمزقت .. من عمقِ الجرحِ على الجرح ..
وتكسّرت أضلاعها من شدةِ ما عانته ..
فأصبحت هشيماً تذروها الرياح.. وتعلوها الطيور.. تُقطّع لحمها ..
هذه الحياةُ كالغابة .. تنهش وحوشُها في جثةِ الإنسان ..
وتُحيلها من روحٍ إلى رماد عاثر الخطى يتطاير كالجدائل مع أول عصفٍ لريح ..
ريحُ الغيبةِ والحقدِ وعدم تصافي القلوب ..
ريحٌ تعصف.. وتقتلعُ الأشجارَ من جذورها..
تنحتُ في الصخر .. كما تنحتُ في الجثةِ وقلبها ..
حتى وإن لم تحركها من مكانها..
فإنها تتركُ توقيعها عليها ليشهدَ الزمانُ بأن الريحَ كانت سيدةَ الآلام..
تُلقي بمراسيها على وجهِ الزمان ..
وتشيبُ الوجوهَ التي كانت مثلَ الأطفالِ آيةً من الجمال..
وتُحولُ تلك الوجوه المبتسمة .. إلى وجوه مكفهرة .. يقتلها الحزن..
فالحزنُ أشد إعصاراً من الموت..
طوفانٌ يقتلعُ المدائنَ ويجعلها كأجداثِ نخلٍ خاوية..
ثارت ثائرةُ البحرِ .. فمدّ أمواجهُ كاليدين ..
ليعانقَ تلكَ الجثة الهامدة ..
ليحاولَ إنقاذها من عصفِ تلكَ الريحِ الطاغية ..
ويحفظَ ما تبقّى منها ..
وما أن تلقفها بيديه..
حتى أغرقها إلى قعره..
لتكون دفينة ً هناكَ في مقبرته ..
ويحتفظ بها آمنةً من الريح ..
فالبحرُ كـ الملاك ..
يمدُ يدهُ بسلامٍ ليعانقَ الجثث..
بحبلٍ من الوصالِ .. قد يفتقدهُ أبناء جلدي الآدميون..
حقا ..
شكراً لكَ أيها البحرُ ..
لن أنسى مساعدتكَ في تلكَ الأيامِ ..
سادَ الصمتُ مرةً أخرى ..
غداً لي زيارةٌ لكَ
كن في انتظاري أيها البحرُ ..
تحياااتي
بقلم
(جريح الامس)