binhlailبن هليــل
31-08-2008, 08:10 AM
الشعبنة في بلاد الحجاز
أحمد علي العمودي
"الشعبنة" مصطلح اجتماعي له دلالاته في بلاد الحجاز (غرب السعودية)، ولكن الغريب هو اختلاف مضمون "الشعبنة" بين القديم والحديث، فقد كانت الشعبنة تأخذ ألوانًا اجتماعية، قد يكون المقصود منها زيادة الارتباط الاجتماعي بين الأسرة والأقارب، وقد يكون المقصود منها إدخال الفرح والسرور، وهي في القديم كانت أقرب للصوفية، فتنشد الأناشيد مع بعض ألوان الذكر الصوفي.
ولكن هذه الشعبنة التي قد يقبلها البعض، ويراها آخرون نوعًا من البدعة لموقفه من هذا اللون الصوفي، غير أنها في الحديث تُعَدّ ضربًا من الخروج عن الشرع باسم الترفيه عن النفس قبل مجيء شهر رمضان، وبدلاً من الاستعداد لشهر رمضان بالعبادة حتى تتعودها النفس، كأن أواخر شعبان فرصة للإثم قبل كبح النفس بالعبادة، وكأن رمضان حبس يستعد له بالترويح؟!
وتتنوع "الشعبنة" بين الذكور والإناث، فهي عند الشباب تجمعات شبابية في مخيمات برية أو رحالات تجديف بحرية، وقد تكون صحراوية حيث الشواء، وقد تصل إلى أن تكون في فنادق خمسة نجوم، حيث مظاهر الترف على أنغام الموسيقى وقد تصل إلى ما هو أكثر من هذا.
أما الفتيات، فتمثل الشعبنة عندهم تطورًا، فقد كانت الفتيات يكتفين بالمشاهدة وهن على مقربة من الشباب والرجال، أما اليوم، فهو كما تقول فاطمة بنت عبد الله بن رافعة أن تجتمع عدد من الفتيات في أواخر شهر شعبان، فتدفع كل واحدة منهن "قطة"، تصل إلى ألف ريال، ويستأجرن مطربة أو "طقاقة" شهيرة، ويسهرن طوال الليل في غناء ورقص ولهو حتى الصباح، ليستقبلن الشهر الكريم بروحانية!.
وتُعَدّ أصل الشعبنة من عادات أهل مكة قديمًا، حيث يجتمع عدد من الناس تعرف بـ"البشكة" فيقيمون الولائم ابتهاجًا وفرحًا، ويقضون ليلهم ونهارهم في اللعب واللهو نسيانًا للأحزان.
كرنفال اجتماعي
الأديب السعودي محمود تراوري أوضح بأن مفهوم "الشعبنة" قديمًا هو إنذار الأجساد للمقبل الجميل، مشيرًا إلى هذه العادة وبحسب المصادر التاريخية أنها عبارة عن ممارسة مظاهر الفرح في مجتمع مكة في القرنين الميلاديين الأخيرين والذي اتفق جلها على تعدد مناهل البهجة وميل المجتمع لها.
وبيّن -في مقال منشور له بجريدة "المدينة" السعودية- بأن "تغير أنماط الحياة قد تقاصت المباهج الشعبية التي كانت على علاقة وثيقة بالروحي، حتى تلاشت".
وقال: "إن "الشعبنة" ليس إلا جزءًا من كرنفالات عديدة كان المجتمع يمارس من خلالها إيقاد جمرات الفرح"، موضحًا أن "الشعبنة" هي "مهرجان فرح تعقده في أواخر شعبان، ثلة من الناس، يقل عددهم ويكثر تبعًا لأمزجتهم في "الشعبنة" وهي كلمة يبدو واضحًا أنها مستلة من شهر شعبان والسالف للشهر المقبل الذي نودع قبله اللهو، ونتهيأ روحيًّا وذهنيًّا، للامتلاء بفيض روحانيات الشهر الكريم، خاصة عندما تنتصب القامات وهي في صحن البيت الحرام تلوذ بربها وتهفو إلى عليائه بعد أن أفرغت من روحها في الشعبنة كل ما عداه".
للبدعة أقرب
وحول بعض العادات التي يفعلها البعض في شعبان أو ما يسمى بـ"الشعبنة"، حيث تجتمع بعض العائلات في آخر ليلة من شعبان أو قبلها ويصنعون أطعمة، وبعض كبار السن يكون عندهم أهازيج لهذه المناسبة، وعن ذلك يرى فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد في حديثه مع "إسلام أون لاين.نت" أنها إلى البدعة أقرب، وإلى النهي أقرب من الحِلّ؛ لأنه يُتَّخذ عيدًا، ولو كان مصادفًا مرة واحدة فإنه لا بأس.
فيما أوضح الأستاذ الدكتور فايز حابس عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بأن "الشعبنة" عادة قديمة في المجتمع الحجازي طورت أخيرًا ضمن العادات القديمة التي بدأت تعود إلى الساحة من جديد.
وانتقد أ. د. فايز في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت" طريقة استقبال رمضان بهذه الطريقة، مستذكرًا حال الصحابة رضوان الله عليه والسلف الصالح الذين كانوا ينتظرون استقبال شهر رمضان المبارك ستة أشهر يدعون الله سبحانه وتعالى أن يبلغهم هذا الشهر المبارك، مطالبًا وسائل الإعلام بأن تلعب دورًا رياديًّا في توجيه المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص.
من جهته بين الشيخ سليمان بن أحمد القوزي عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجدة بأن هذه الظاهرة باتت ملحوظة في المجتمعات الشبابية اليوم.. مشيرًا إلى أنها عادة لا تصح لاستقبال هذا الشهر الكريم.
وقال في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت": "إن إقبال الشباب على ممارسة "الشعبنة" يُعَدّ أمرًا مؤسفًا يستعدي العلماء والدعاة لتوظيف خطرها وخطأ هذا التصرف غير السليم".. مبينًا بأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستقبلون رمضان بفعل الخير والدعاء على عكس ما يفعله أهل "الشعبنة" من ذنوب ومعاص.
وطالب وسائل الإعلام بأن تلعب دورها في هذا المجال، مشددًا على أن يكون الإعلام وسيلة بناء وليست معول هدم لأخلاق المسلمين، لا سيما في المناسبات الدينية العظيمة.
خطر شيوع الظاهرة
الشيخ الدكتور عادل بن أحمد باناعمة عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى وخطيب جامع محمد الفاتح بجدة يرى أن "الشعبنة" أضحت ظاهرة عجيبة تشيع في مجتمعاتنا اليوم..، مبينًا بأن مفهوم "الشعبنة" هي "انطلاق الشباب في شهر شعبان في لهوهم وغفلتهم من مباح ومحرم، بحجة أنهم ينفسون عن رغباتهم وشهواتهم في شعبان احترامًا لشهر رمضان".
وبين د. باناعمة بأن "الشعبنة" موجودة من قديم، حيث نقل في أحد خطبه ذم الإمام ابن رجب أصحابها في كتابه البارع [لطائف المعارف: 310]، حيث قال: "ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام!.. وذكروا أن أصل ذلك متلق من النصارى فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم، وهذا كله خطأ وجهل ممن ظنه، وربما لم يقتصر بعضهم على اغتنام الشهوات المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات، وهذا هو الخسران المبين".
أما الدكتورة "حياة سعيد باأخضر" عضوة هيئة التدريب بجامعة أم القرى أوضحت في مقال منشور لها على موقع "لها أون لاين.نت" بأنه وعلى الرغم من وجود صور ناصعة بيضاء لاستقبال شهر رمضان فإن هناك ما يقابلها من قتامة وبؤس، لا سيما عندما يقضي الشباب آخر شعبان في رحلة بدعية يسمونها "الشعبنة" تكون في أقل مراتبها حفلة ساهرة لتوديع عادة الأكل والشرب في النهار لتصل إلى حفلات مختلطة وغناء وموسيقى.
فهل تبقى "الشعبنة" في بلاد الحجاز والحرمين، أم يتهيأ أهلها للمقاومة استعدادًا لرمضان؟
منقول...
أحمد علي العمودي
"الشعبنة" مصطلح اجتماعي له دلالاته في بلاد الحجاز (غرب السعودية)، ولكن الغريب هو اختلاف مضمون "الشعبنة" بين القديم والحديث، فقد كانت الشعبنة تأخذ ألوانًا اجتماعية، قد يكون المقصود منها زيادة الارتباط الاجتماعي بين الأسرة والأقارب، وقد يكون المقصود منها إدخال الفرح والسرور، وهي في القديم كانت أقرب للصوفية، فتنشد الأناشيد مع بعض ألوان الذكر الصوفي.
ولكن هذه الشعبنة التي قد يقبلها البعض، ويراها آخرون نوعًا من البدعة لموقفه من هذا اللون الصوفي، غير أنها في الحديث تُعَدّ ضربًا من الخروج عن الشرع باسم الترفيه عن النفس قبل مجيء شهر رمضان، وبدلاً من الاستعداد لشهر رمضان بالعبادة حتى تتعودها النفس، كأن أواخر شعبان فرصة للإثم قبل كبح النفس بالعبادة، وكأن رمضان حبس يستعد له بالترويح؟!
وتتنوع "الشعبنة" بين الذكور والإناث، فهي عند الشباب تجمعات شبابية في مخيمات برية أو رحالات تجديف بحرية، وقد تكون صحراوية حيث الشواء، وقد تصل إلى أن تكون في فنادق خمسة نجوم، حيث مظاهر الترف على أنغام الموسيقى وقد تصل إلى ما هو أكثر من هذا.
أما الفتيات، فتمثل الشعبنة عندهم تطورًا، فقد كانت الفتيات يكتفين بالمشاهدة وهن على مقربة من الشباب والرجال، أما اليوم، فهو كما تقول فاطمة بنت عبد الله بن رافعة أن تجتمع عدد من الفتيات في أواخر شهر شعبان، فتدفع كل واحدة منهن "قطة"، تصل إلى ألف ريال، ويستأجرن مطربة أو "طقاقة" شهيرة، ويسهرن طوال الليل في غناء ورقص ولهو حتى الصباح، ليستقبلن الشهر الكريم بروحانية!.
وتُعَدّ أصل الشعبنة من عادات أهل مكة قديمًا، حيث يجتمع عدد من الناس تعرف بـ"البشكة" فيقيمون الولائم ابتهاجًا وفرحًا، ويقضون ليلهم ونهارهم في اللعب واللهو نسيانًا للأحزان.
كرنفال اجتماعي
الأديب السعودي محمود تراوري أوضح بأن مفهوم "الشعبنة" قديمًا هو إنذار الأجساد للمقبل الجميل، مشيرًا إلى هذه العادة وبحسب المصادر التاريخية أنها عبارة عن ممارسة مظاهر الفرح في مجتمع مكة في القرنين الميلاديين الأخيرين والذي اتفق جلها على تعدد مناهل البهجة وميل المجتمع لها.
وبيّن -في مقال منشور له بجريدة "المدينة" السعودية- بأن "تغير أنماط الحياة قد تقاصت المباهج الشعبية التي كانت على علاقة وثيقة بالروحي، حتى تلاشت".
وقال: "إن "الشعبنة" ليس إلا جزءًا من كرنفالات عديدة كان المجتمع يمارس من خلالها إيقاد جمرات الفرح"، موضحًا أن "الشعبنة" هي "مهرجان فرح تعقده في أواخر شعبان، ثلة من الناس، يقل عددهم ويكثر تبعًا لأمزجتهم في "الشعبنة" وهي كلمة يبدو واضحًا أنها مستلة من شهر شعبان والسالف للشهر المقبل الذي نودع قبله اللهو، ونتهيأ روحيًّا وذهنيًّا، للامتلاء بفيض روحانيات الشهر الكريم، خاصة عندما تنتصب القامات وهي في صحن البيت الحرام تلوذ بربها وتهفو إلى عليائه بعد أن أفرغت من روحها في الشعبنة كل ما عداه".
للبدعة أقرب
وحول بعض العادات التي يفعلها البعض في شعبان أو ما يسمى بـ"الشعبنة"، حيث تجتمع بعض العائلات في آخر ليلة من شعبان أو قبلها ويصنعون أطعمة، وبعض كبار السن يكون عندهم أهازيج لهذه المناسبة، وعن ذلك يرى فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد في حديثه مع "إسلام أون لاين.نت" أنها إلى البدعة أقرب، وإلى النهي أقرب من الحِلّ؛ لأنه يُتَّخذ عيدًا، ولو كان مصادفًا مرة واحدة فإنه لا بأس.
فيما أوضح الأستاذ الدكتور فايز حابس عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بأن "الشعبنة" عادة قديمة في المجتمع الحجازي طورت أخيرًا ضمن العادات القديمة التي بدأت تعود إلى الساحة من جديد.
وانتقد أ. د. فايز في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت" طريقة استقبال رمضان بهذه الطريقة، مستذكرًا حال الصحابة رضوان الله عليه والسلف الصالح الذين كانوا ينتظرون استقبال شهر رمضان المبارك ستة أشهر يدعون الله سبحانه وتعالى أن يبلغهم هذا الشهر المبارك، مطالبًا وسائل الإعلام بأن تلعب دورًا رياديًّا في توجيه المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص.
من جهته بين الشيخ سليمان بن أحمد القوزي عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجدة بأن هذه الظاهرة باتت ملحوظة في المجتمعات الشبابية اليوم.. مشيرًا إلى أنها عادة لا تصح لاستقبال هذا الشهر الكريم.
وقال في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت": "إن إقبال الشباب على ممارسة "الشعبنة" يُعَدّ أمرًا مؤسفًا يستعدي العلماء والدعاة لتوظيف خطرها وخطأ هذا التصرف غير السليم".. مبينًا بأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستقبلون رمضان بفعل الخير والدعاء على عكس ما يفعله أهل "الشعبنة" من ذنوب ومعاص.
وطالب وسائل الإعلام بأن تلعب دورها في هذا المجال، مشددًا على أن يكون الإعلام وسيلة بناء وليست معول هدم لأخلاق المسلمين، لا سيما في المناسبات الدينية العظيمة.
خطر شيوع الظاهرة
الشيخ الدكتور عادل بن أحمد باناعمة عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى وخطيب جامع محمد الفاتح بجدة يرى أن "الشعبنة" أضحت ظاهرة عجيبة تشيع في مجتمعاتنا اليوم..، مبينًا بأن مفهوم "الشعبنة" هي "انطلاق الشباب في شهر شعبان في لهوهم وغفلتهم من مباح ومحرم، بحجة أنهم ينفسون عن رغباتهم وشهواتهم في شعبان احترامًا لشهر رمضان".
وبين د. باناعمة بأن "الشعبنة" موجودة من قديم، حيث نقل في أحد خطبه ذم الإمام ابن رجب أصحابها في كتابه البارع [لطائف المعارف: 310]، حيث قال: "ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام!.. وذكروا أن أصل ذلك متلق من النصارى فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم، وهذا كله خطأ وجهل ممن ظنه، وربما لم يقتصر بعضهم على اغتنام الشهوات المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات، وهذا هو الخسران المبين".
أما الدكتورة "حياة سعيد باأخضر" عضوة هيئة التدريب بجامعة أم القرى أوضحت في مقال منشور لها على موقع "لها أون لاين.نت" بأنه وعلى الرغم من وجود صور ناصعة بيضاء لاستقبال شهر رمضان فإن هناك ما يقابلها من قتامة وبؤس، لا سيما عندما يقضي الشباب آخر شعبان في رحلة بدعية يسمونها "الشعبنة" تكون في أقل مراتبها حفلة ساهرة لتوديع عادة الأكل والشرب في النهار لتصل إلى حفلات مختلطة وغناء وموسيقى.
فهل تبقى "الشعبنة" في بلاد الحجاز والحرمين، أم يتهيأ أهلها للمقاومة استعدادًا لرمضان؟
منقول...