binhlailبن هليــل
18-09-2007, 10:01 PM
ديوان الشاعر.... يحيى السمـــاوي
http://www.7mbc.com/up/upf8/7mbc_1854257235.gif
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
يشقيك ياليلاي ما يشقيني
منفاي دونك.. والصّبابة دوني
بتنا وقد غرّبت مذبوح الخطى
مسكينة تصبو إلى مسكين
مترقبين بشارة النخل الذي
أضحى سقيم السّعف والعرجون
نخفي إذا اصطخب الضحى آهاتنا
فتنزّ جمراً في ظلام سكون
جف الضياء بمقلتي واستوحشت
أهدابها ـ في الغربتين ـ جفوني(1)
من أين أبتدىء الطريق إذا الضحى
داجٍ وقد سمل الهجير عيوني
ما للضفاف تزمّ دوني جفنها
والريح تأبى أن تريح سفيني
طوت الكهولة والتغرّب خيمتي
ومشت خيول الدهر فوق جبيني
مرّت عجافاً لا تزين صباحها
شمس تضاحك مقلتيّ سنيني
تخشى مؤانستي طيوف أحبّتي
وتغلّ آهاتي صداح لحوني
شيّعت صحني حين شيّع حقلكم
قحط فما عرف الوجاق طحيني
ورغبت عن شمسي لأن نهاركم
مدمىً فما عاد السّنا يغريني
ليلاي ما شرف القطاف إذا استحى
من طين جذر وانكسار غصون
لو كان لي أمر المطاع على المنى
أو كانت الأحلام طوع يقيني:
أبدلت بالأضلاع سعف نُخيلة
وبعشب أحداقي حثالة طين
وبرنة القيثار نوح يمامة
وحصير أحبابي بكأس لجين
ما كنت مجنون الشراع.. ولا الهوى
ـ لمّا عبرت السور ـ بالمجنون
أغوى الحداء ربابتي فاستنفرت
أوتارها.. حسب الحداء خديني
*********
أنا ذلك البدوّي.. تحت عباءتي
بستان أشواق ونهر حنين
أنا ذلك البدوّي.. عرضي أمّة
ومكارم الأخلاق وشمُ جبيني
غنيت والنيران تعصف في دمي
عصف اليقين بداجيات ظنون
لكنها الأيام ـ إلا فسحة
منها ـ بحقل كالجنان أمين(2)
ألِفتْ بها روحي الحبور وصاهرت
بيني وبين الدفء والنسرين
ليلاي لو تدرين حالي بعدها
يكفيك أني أشتهي تكفيني(3)
زعم الخيال أن المسرّة من يدي
كقلائد الياقوت من «قارون»
وَيْحي متى مدّ السرابُ ضروعه
لمباسم الرّيحان والزيتون
أنا نبت حقل «الضاد» ما لغة الهوى
إن كان عشق «الضاد» لا يغويني
*********
لم تبقِ لي «الخمسون» غير هنيهة
أتكون ياليلاي دون أنين
إن كان يكفي العاشقين هنيهة
فالدّهر ـ كل الدهر ـ لا يكفيني
----------------------------
(1) الغربتين: المقصود بهما غربة الوطن وغربة اللغة.
(2) حقل كالجنان أمين: المراد به المملكة العربية السعودية حيث أمضى الشاعر ستة أعوام هي الأبهى من بين كل سنوات العمر.
(3) تكفيني: من الكفن، وليس الكفاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهمومنا لا بالخمور سكــــــــــــارى
-------------- وليأسنــــا لا للعـــــداة أُســـــــــارى
نمتار سُهداً حين يقربنا الدجــــــــــى
-------------- ونفرّ من ضوء الشموس نهـــــــــارا
نلقي على الينبوع زلّة نارنـــــــــــــا
-------------- أن ليس يطفىء ـ لو غفونا ـ نــــــارا
ونقيم بين قلوبنا ويقيننــــــــــــــــــــا
-------------- للشك سدّاً مانعاً وجــــــــــــــــــداراً
نعدو وراء السافحين دماءنــــــــــــا
-------------- أن يمنحوا بستاننـا أمطـــــــــــــــارا
كم مبدلٍ بالمكرمات خطيئـــــــــــــة
-------------- واختار في وضح النهار عِثــــــــارا
يمضي نميراً للمبيح نجيعـــــــــــــــه
-------------- ويدكّ فوق الأقربين ديــــــــــــــــارا
زمن رأينا فيه كلّ رزيئـــــــــــــــة
-------------- ضِعنا به فوق الدروب نِثــــــــــــارا
فكأننا لسنا عشير المصطفـــــــــــى
-------------- هذا الذي رفع الجهاد شعــــــــــــارا
وكأنما «الصديق» لم يغرس لنــــــا
-------------- شجراً أفاء بظله الأمصــــــــــــــارا
وكأنما «الفاروق» ما صلّى بنـــــــا
-------------- في «القدس» لمّا فرّق الأشــــــرارا
وكأنما «عثمان» لم يسرح لنـــــــــا
-------------- من مقلتيه على دجى أنــــــــــــوارا
وكأن «خيبر» لم يقوّض بابهــــــــا
-------------- يوماً «عليٌّ» حين كرّ وثـــــــــــارا
وكأننا.. وكأننا.. وكأننــــــــــــــــا..
-------------- صرنا على دين اليهود غيــــــارى
مدّ القريب يداً لغاصب أرضـــــــــه
-------------- أمّا البعيد فقد حباه مـــــــــــــــزارا
************
زمن ينيب به الكبار صغــــــــــارا
-------------- كي يُرجعوا شرفاً لنا وذمــــــــــارا
أمّا الأسنة والسيوف وخيلنـــــــــــــا
-------------- فلقد أنابت في الوغى أحجـــــــــارا
زمن يصير الجبن فيه بطولـــــــــة
-------------- والعار مجداً والكرامة عـــــــــــارا
زمن تبيع به السياسة أمّــــــــــــــة
-------------- والقيد يصبح في الخنوع ســـــــوارا
تخشى من الموت الجميل شهــــــادة
-------------- ونكاد نحسب شوك ذلّ غــــــــــارا
نعدو لنرتشف السراب ونستقـــــــي
-------------- ضرع الهجير ونأنف الأنهـــــــارا
فعلام هاتيك الجموع استشهــــــدت
-------------- إن كان قائدها أقام حـــــــــــــوارا
سقط القناع عن القناع فلم تعــــــــدْ
-------------- تلك البيارق تلفتُ الأنظـــــــــــــارا
ربّاه قد شلّ اليسار يميننـــــــــــــــا
-------------- ويميننا ربّاه شلّ يســـــــــــــــــارا
عَطُلَتْ سواعدنا وأوهن عزمنــــــا
-------------- خدرٌ وأدمنت الخيول خــــــــــــــوارا
ولقد نمجّد في السياسة فاجـــــــــــــراً
-------------- باسم النضال ونشتم الأبــــــــــــرارا
حتّام نلقي اللوم في أعدائنــــــــــــــــا
-------------- إن كان صرح جهادنا منهــــــــــارا
ياقدس قد رخص النضال وأرخصت
-------------- شهب المناصب ـ باسمك ـ الأسعارا
ياقدس قد باعوك سرّاً فاسألـــــــــــي
-------------- «طابا» عساها تكشف الأســـــرارا
ياقدس ما خان الجهاد.. وإنمـــــــــــا
-------------- خان الذي باسم الجهاد تبـــــــــارى
أسرى به «الكرسيّ» نحو «كنيست»
-------------- سرّاً وبايع باسمنا الأحبـــــــــــــارا
لا تأملي باللائمين عدوّنـــــــــــــــــا
-------------- نصراً، ولا بعدونا إيثـــــــــــــــــارا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
وقال:
رجوتك لا تسلني ماهمومي
وعذري أنني رجل خجول
تعثرت اللهاة بصخر بوح
هممت به فدعني ياسؤول
ويذهلني أن الأيام مثلي
بها مما نكابده ذهول
ولأنه كذلك، فإنني أؤكد أن الحزن قد تملك من الرجل، قال:
وثقت بك الأحزان فافترشت
منك الفؤاد فليس تنعتق
قست الديــار على فتى دنـف
متشرد.. وترفق الورق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
الشاعر (السماوي) وجد من الأوراق ميداناً للتعبير عن حزنه ولذا نجد أن هذه المجموعة قد حوت الكثير المعبّر عن هذه الأحزان، قال:
يبست ينابيعي وأصحر روضها
وأتى على مقل الزهور رماد
وقال من القصيدة نفسها :
تعبت هوادج غربتي فاستوحشت
دربي وعز على اللسان الضاد
وقال:
مرّت فصول العمر وهي جديبة
فمتى يريح الغارسين حصاد
الصبر لي صبر الرمال على اللظى
ولقد صبرت وفاتني الميعاد
وقال:
صهل الأسى فينا وأحرق عشبنا
أيعود عشباً في الوجاق رماد
وقال:
أقوم وناقتي ضجر
وأجلس والأسى جمل
وقال:
تعب الطريق من الخطى
وتعبت من شوقي وظني
فتدثرت بالصمت حنجرة المغني
حتام أغرس في مفازات الضياع
حصى التنمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
وقال:
بعض مابي: أنني من ضجر
أتسلى بشواظ الضجر
عاثر الحظ، فما يسلكني
مركبي غير دروب العثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال:
لجأت إلى السكوت.. فما عساني
أقول، وأنت أكبر من بياني
وأفصح من بلاغة ذي يراع
إذا نثر الحروف فمن جمان
وقفت على نميرك في ذهول
كأني قد غدوت بلا لسان
ثم قال:
سكنت قلوبنا نبضاً ودفئاً
فأنت لنا الشغاف من الجنان
وأنهاها ـ أقصد المجموعة ـ بقصيدة موجهة لولي العهد، منها:
«أبا التعب» الجليل كفاك مجداً
بأنك للإله الفرد «عبد»
وأن أباك سلّ على ضلال
حسام هدى وقبل أبيك جد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
لا تسألي من كان قد وهبا
في الحب تبر طفولة وصبا
مازال رغم حريقه مطراً
يستنبت الرّيحان والعنبا
وُشِمت جوارحه بمن سكنت
قلباً أناب لنبضه الأدبا
أسرى به والعشق هودجه
ماضٍ يطلّ على غد حدبا
أولست ناعوراً لجدوله
ولسمطه الياقوت والذهبا
في أقحوانك من مدامعه
دفء ونفح غالب الحجبا
أفتسألين سواه أين هوى
ينسي العيون الجفن والهدبا
تنأى به الأحلام فهو على
وجد يؤمّل منك مقتربا
يقفو دجاك بشمس مقلته
لو أن قنديل المساء خبا
ويرش رملك من ندى دمه
ثمل وغير هواك ما شربا
صدقتْ ثمالته وقد كذبت
كاساته، ورحيقه كذبا
أيقظت في الطفل الألوف منى
هرمت ونبعاً كان قد نضبا
ياويحه ـ الطفل الألوف ـ أما
خبر الهوى وهماً ومنقلباً
نكثت به الأحلام فانتبذت
جفنيه لمّا أدمن الوصبا
ويحي عليك.. عليّ.. أيّ هوى
هذا الذي صرنا له حطبا
فضح الهوى سرّي ووطّنني
كهفاً مع البلوى ومغتربا
وأذلّ قيثاري فما عرفت
أوتاره في غربة طربا
ويحي عليّ.. نزفت أزمنتي
مستسهلاً في الحب ما صعبا
عجباً عليّ أكلّما وهنت
روحي أزيد صبابة عجباً
جحد الحبيب فقلت: ذا زعلٌ
وقسا فقلت: مسامح عتبا
ندمى فنسترضي يداً غرستْ
نصل الجفاء وأوهنت عصبا
ولقد نرى لنزيفنا سبباً
وجحود من خذل المنى سبباً
مولاي ياقلبي.. أمن حجر
ترجو لعشب ظامئ سُحُبا
خمسون ـ أو كادت ـ وما برحتْ
سفني تصارع مزبداً لجبا
خمسون ـ أو كادت ـ ولا مطر
عذب يضاحك متعباً تربا
خمسون ـ أو كادت ـ لفرط ضنى
أمسيت أحسب يومها حقبا
خمسون يوهن عزمها وجع
في الروح أنّ الحتم قد قربا
خمسون ـ أو كادت ـ ولا أمل
لي بالرجوع لمعشر وربى
لـ«سماوة» شغف الفؤاد بها
فاختارها لرفيفه نسبا
فأردّ عن أمي وقد عميت
ليلاً عصيّ الصبح مضطربا
ولنخلة «البرحيّ» تطعمنا
ظلاً بصحن «الحوش» والرّطبا
كنّا ـ لفرط الود ـ نحسبها
حرزاً وناطوراً ونبع صبا
حتى كأن عذوقها نفر
منا.. ونحسب خوصها طنبا
مازلت أذكر عش فاختة
فيها وفرخاً آمن اللعبا
ما حالها بعدي وهل عبثت
أيدٍ بعش يحضن الزغبا
للطين ـ وهو دمى طفولتنا
ليت «السماوة» تتقن الهربا
بيني وبين ضحى شواطئها
شبر ـ زماناً ـ ليته احتجبا
فيحاء لولا أنّ طاغية
ألقى على بستانها الجربا
فتوسّدت صخراً وما التحفت
إلاّ صديد القيح والسّغبا
رغَّبت نفسي عن «سماوتها
لكنما القلب العنيد أبى(1)
جفّ النداء على فمي ومشى
تعب بعكاز المنى فكبا
تلهو الرياح بجفن أشرعتي
وتغلّ دون الطالب الطّلبا
الذكريات تزيدني وجعاً
ولقد تؤجج زفرة لهبا
أشياء لا أغلى تذكّرني
بغد قتيل أو رماد صبا
نبشت سويعات مجنّحة
عمري فألفت صرحه خربا
ماذا سيبقى من حدائقه
إن كان زهر شبابه احتطبا
سكب النوى عمري فلا عبقا
أبقى بكأس القلب أو حببا
كتب الهوى أن يستباح غدي
باسم المنى.. يانِعم ما كتبا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ«أعجــزت نثــري»
«إلى معالي الأديب الكبير الشيخ عبدالعزيز التويجري.. صدىً لرسالة منه «أعجزت نثري».
دعيني من أماسيكِ العِذاب
فما أبقى التشردُ من شبابي
قَلبْتُ موائدي ورميتُ كأسي
وشيَّعْتُ الهوى ورَتجْتُ بابي
خبَرْتُ لذائذ الدنيا فكانت
أمرَّ عليَّ من سمٍّ وصاب
وجدْتُ حلاوة الإيمان أشهى
وأبقى من لُماكِ ومن إهابي
إذا يبُسَ الفؤادُ فليس يُجدي
ندى شفة مُطيَّبةِ الرضابِ
أنا جرحٌ يسير على دروبٍ
يتوه بها المصيبُ عن الصوابِ
سُلبْتُ مسرَّتي واسْتفردتني
بدار الغُرْبتينِ مدى ارتيابي
وحاصَرَتِ الكهولة بعد وهْنٍ
يَدُ النكباتِ جائعة الحِرابِ
وما أبقتْ لي الأيامُ إلاّ
حُثالتها بأبريقٍ خَرابِ
ترَشَّفْتُ اللظى حين اصطباحي
وأكملتُ اغتباقي بالضبابِ
أُطلُّ على غدي بعيونِ أمسي
فما شرَفي إذا خنْتُ انتسابي
تُحرِّضُني على جرحي طيوفٌ
فأنْبشُهُ بسكيني ونابي
وربَّ لذاذةٍ أوْدَتْ بنفسٍ
وحرمانٍ يقودُ إلى الطلاب
أظلُّ العاشقَ البدويَّ.. أهفو
إلى شمسٍ وللأرضِ الرَغابِ(1)
أنا البدويُّ لا يُغري نِياقي
رُخامُ رُبىً.. وناطحةُ السحابِ
أنا البدويُّ.. لا يُغوى صُداحي
سوى عزف السواني والرَّبابِ(2)
ودلَّةُ قهوةٍ ووجاقُ جمرٍ
تَحَلَّقَ حوله ليلاً صحابي
وبيْ شوقٌ إلى خبزٍ وتمر
كما شوق البصيرِ إلى شِهابِ
وَلِلَبَنِ الخضيضِ وماءِ كوزٍ
وظلِ حصيرةٍ في حَرِّ آبِ
فُطِرْنا قانعينَ بفقرِ حالٍ
قناعةَ ثغرِ زِقٍّ بالحَبابِ(3)
أبٌ صلَّى وصامَ وحَجَّ خمساً
وأمٌ لا تقومُ عن «الكتابِ»
ألا ياأمس أين اليوم مني
صباحاتٌ مُشَعْشعةُ القِبابِ
وفانوسٌ خجولُ الضوءِ تخبو
ذؤابتُهُ فَيُسْرِجُها عتابي
وأين شقاوتي طفلاً عنيداً
أبى إلاّ انتهالاً من سرابِ
أُشاكِسُ رفقتي زهْواً بريئاً
ومن خَيْشٍ و«جُنْفاصٍ» ثيابي(4)
ألوذُ بحضنِ أمي خوفَ ذئبٍ
عوى ليلاً وخوفاً من عُقابِ
كبرتُ ولايزال الخوفُ طفلاً
وقد صار «الرفاقُ» إلى ذئابِ
تطاردُ مقلتي منهم طيوفٌ
فعزَّ عليَّ ياأمي إيابي
وعزَ على يديك تَمَسُّ وجهي
لتمسحَ عنه وَحْلَ الاغترابِ
وعزَّ .. وعَزَّ.. حتى أنَّ عِزّي
غدا ذُلاً فيالي من مُصابِ
وعاقبني الزمان ـ وهل كنأيٍ
بعيدٍ عن بلادي من عِقابِ
تقاسَمَتِ المنافي بعض صحبي
وبعضٌ آثَرَتْهُ يدُ الغيابِ
ولولا خشيتي من سوءِ فهمٍ
وما سيقالُ عن فقدي صَوابي
لَقلتُ: أَحِنُّ يابغداد حتى
ولو لصدى طنينٍ من ذُبابِ
لِوَحْلٍ في العراقِ وضُنْكِ عيشٍ
جِوارَ أبي المُدَثَّرِ بالترابِ
جوارَ أُخيَّةٍ وأخٍ وأمٍ
وأحبابٍ يُعَذِّبُهم عذابي
أبا الحرف البليغ وهل جوابٌ(5)
كصمتي حين أعجزني جَوابي
بلى.. لم ألقَ مثل عرارِ نجدٍ
ولا كرحابِ مكةَ من رحابِ
ولا كعشيركم أهلاً وصحباً
ولا كحصونكم دِرْعاً لما بي
عشقتُ ديارَ ليلى قبل ليلى
فَمِنْ رَحمِ الصِّبا وُلِدَ التصابي
ولكن شاءتِ الأيامُ مني
وشاءَ جنونُ طيشي من لُبابي
ولستُ بِمُبْدلٍ كأساً بكوزٍ
ولا لهواً بِعِفَّةِ «ذي نِقابِ»
أنا البَدويَّ.. في قلبي عِقالٌ
و(َيَشْماغٌ)(6) ولستُ بِمَنْ يُحابي
إذا كان العراقُ رغيفَ روحي
فإنَّ عَرارَ واديكم شرابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرغاب: الأرض التي تشرب كثيراً من ماء المطر فلا تسيل (المقصود هنا البادية).
(2) السواني: آلات لرفع الماء من الآبار.
(3) الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء.
(4) الخيش: نسيج خشن من الكتان. والجنفاص نسيج أكثر خشونة شاع ارتداؤه في العراق قبل عقود خلت.
(5) المخاطب: هو معالي الأديب الشيخ عبدالعزيز التويجري.
(6) (اليشماغ) هو غطاء الرأس لأهل الجزيرة العربية ويعرف عندهم بـ(الشماغ) وهو واضح في صورة الشيخ التويجري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
عندما أعلن هجراً أبديّا
لا تلمني إن تعلّقتُ به
ياعذولي.. فلقد كان وفيّا
كان يدري أنني من دونه
لا أرى في العيش ما يغري فتيّا
شاء قتلي لا جحوداً إنما
ليؤاسى بي وكي يبكي عليّا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
قال: ما حظك قلت: التعب
أفيلقِى غيره المغترب
كلما استنبت حقلاً حصدت
غرسه قبل الأوان النوب
هو والترحال في مشتجر
ورفيقاه: الضنى والسغب
فإذا شدّ لأرض خيمة
شدّه نحو رحيل سبب(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملام من يلومك يادموعي
فما عرفوا مكابدة الفجيع
تركت الطيبين وأرض طيب
وقبلهما ـ على رغمي ـ ربوعي
وأهلاً لا يفارقهم خريف
وكانوا كل يوم في ربيع
وعشت الغربتين: فماً وعيناً
فكيف يسرُّ ذو قلب صديع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
إلى أخي الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة، احتفاءً بشفائه من عارض صحي عافاه الله منه، وإلى مدينة «جدة» الحبيبة:
تبقين ـ رغم البعد ـ في مُقلي
نهرين من ضوء ومن عسل
تمتار روحي من حقولهما
عشب المنى وزنابق الأمل(1)
نهرين لكن ينبضان شذى
مخضوضباً بالدفء والجذل
قد أنهلاني ألف قافية
عذراء من «هزج» ومن «رمل»
واستنبتا في صمت حنجرتي
لغة الهوى وربابة الغزل
فصدحت حتى قيل من دنف
وعشقت حتى قيل من خبل
عذري ـ وقد أسرفت في شغفي ـ
أن الهوى بوابة الثمل
كفرتْ بخمر التين مائدتي
وبِزِق حانوتٍ ومحتفل
واستعذبت من ثغر ساقية
ودلاء ناعور ومن وبل(2)
ياأخت «مكة» جيرة وهدى
بي منك مافي الليل من شعل
عافيت روحي بعد فاجعة
وفككت أسر اللائذ الوجل
ونفضت عن عيني وأزمنتي
وحل الهموم ومخرز العلل
كُرِّمتُ فيك ولست ذا كرمٍ
وزهوت فيك ولست ذا حُلل
قد جئت والأعوام من شجري
لم تبقِ إلا جذع مكتهل
وبقية من جمر عاطفة
تلتاع خلف ستارة الخجل
طويتْ صحيفة ضحكتي وأتى
قحط على بستانها الخضل
كانت مساءاتي محنطة
أما صباحاتي ففي ملل
ففتحت لي باب الأمان كما
أشرعتِ لي محراب مبتهل
كيف اهتديت إليك في زمن
دامي المرايا موحش السبل
مَن ذا أكون وما ثراك ومَن
جعل السنين تمرّ في عجل
ست ولا أحلى كأن بها
مرّت مرور الطيف في المقل
عوفيتِ «جُدّة» معشراً وثرى
وحفظتِ من غيض ومن زعل
لا ناقة فيها ولا جمل
لي.. إنما قلبي وليْ مثلي
وسمير قافية وجدت به
نبعين من طهر لمنتهل
قالوا اشتكى من علة فإذا
بي قبله أشكو من العلل
حتى إذا عافاه بارئه
فتحتْ شبابيك المسرّة لي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول
http://www.7mbc.com/up/upf8/7mbc_1854257235.gif
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
يشقيك ياليلاي ما يشقيني
منفاي دونك.. والصّبابة دوني
بتنا وقد غرّبت مذبوح الخطى
مسكينة تصبو إلى مسكين
مترقبين بشارة النخل الذي
أضحى سقيم السّعف والعرجون
نخفي إذا اصطخب الضحى آهاتنا
فتنزّ جمراً في ظلام سكون
جف الضياء بمقلتي واستوحشت
أهدابها ـ في الغربتين ـ جفوني(1)
من أين أبتدىء الطريق إذا الضحى
داجٍ وقد سمل الهجير عيوني
ما للضفاف تزمّ دوني جفنها
والريح تأبى أن تريح سفيني
طوت الكهولة والتغرّب خيمتي
ومشت خيول الدهر فوق جبيني
مرّت عجافاً لا تزين صباحها
شمس تضاحك مقلتيّ سنيني
تخشى مؤانستي طيوف أحبّتي
وتغلّ آهاتي صداح لحوني
شيّعت صحني حين شيّع حقلكم
قحط فما عرف الوجاق طحيني
ورغبت عن شمسي لأن نهاركم
مدمىً فما عاد السّنا يغريني
ليلاي ما شرف القطاف إذا استحى
من طين جذر وانكسار غصون
لو كان لي أمر المطاع على المنى
أو كانت الأحلام طوع يقيني:
أبدلت بالأضلاع سعف نُخيلة
وبعشب أحداقي حثالة طين
وبرنة القيثار نوح يمامة
وحصير أحبابي بكأس لجين
ما كنت مجنون الشراع.. ولا الهوى
ـ لمّا عبرت السور ـ بالمجنون
أغوى الحداء ربابتي فاستنفرت
أوتارها.. حسب الحداء خديني
*********
أنا ذلك البدوّي.. تحت عباءتي
بستان أشواق ونهر حنين
أنا ذلك البدوّي.. عرضي أمّة
ومكارم الأخلاق وشمُ جبيني
غنيت والنيران تعصف في دمي
عصف اليقين بداجيات ظنون
لكنها الأيام ـ إلا فسحة
منها ـ بحقل كالجنان أمين(2)
ألِفتْ بها روحي الحبور وصاهرت
بيني وبين الدفء والنسرين
ليلاي لو تدرين حالي بعدها
يكفيك أني أشتهي تكفيني(3)
زعم الخيال أن المسرّة من يدي
كقلائد الياقوت من «قارون»
وَيْحي متى مدّ السرابُ ضروعه
لمباسم الرّيحان والزيتون
أنا نبت حقل «الضاد» ما لغة الهوى
إن كان عشق «الضاد» لا يغويني
*********
لم تبقِ لي «الخمسون» غير هنيهة
أتكون ياليلاي دون أنين
إن كان يكفي العاشقين هنيهة
فالدّهر ـ كل الدهر ـ لا يكفيني
----------------------------
(1) الغربتين: المقصود بهما غربة الوطن وغربة اللغة.
(2) حقل كالجنان أمين: المراد به المملكة العربية السعودية حيث أمضى الشاعر ستة أعوام هي الأبهى من بين كل سنوات العمر.
(3) تكفيني: من الكفن، وليس الكفاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهمومنا لا بالخمور سكــــــــــــارى
-------------- وليأسنــــا لا للعـــــداة أُســـــــــارى
نمتار سُهداً حين يقربنا الدجــــــــــى
-------------- ونفرّ من ضوء الشموس نهـــــــــارا
نلقي على الينبوع زلّة نارنـــــــــــــا
-------------- أن ليس يطفىء ـ لو غفونا ـ نــــــارا
ونقيم بين قلوبنا ويقيننــــــــــــــــــــا
-------------- للشك سدّاً مانعاً وجــــــــــــــــــداراً
نعدو وراء السافحين دماءنــــــــــــا
-------------- أن يمنحوا بستاننـا أمطـــــــــــــــارا
كم مبدلٍ بالمكرمات خطيئـــــــــــــة
-------------- واختار في وضح النهار عِثــــــــارا
يمضي نميراً للمبيح نجيعـــــــــــــــه
-------------- ويدكّ فوق الأقربين ديــــــــــــــــارا
زمن رأينا فيه كلّ رزيئـــــــــــــــة
-------------- ضِعنا به فوق الدروب نِثــــــــــــارا
فكأننا لسنا عشير المصطفـــــــــــى
-------------- هذا الذي رفع الجهاد شعــــــــــــارا
وكأنما «الصديق» لم يغرس لنــــــا
-------------- شجراً أفاء بظله الأمصــــــــــــــارا
وكأنما «الفاروق» ما صلّى بنـــــــا
-------------- في «القدس» لمّا فرّق الأشــــــرارا
وكأنما «عثمان» لم يسرح لنـــــــــا
-------------- من مقلتيه على دجى أنــــــــــــوارا
وكأن «خيبر» لم يقوّض بابهــــــــا
-------------- يوماً «عليٌّ» حين كرّ وثـــــــــــارا
وكأننا.. وكأننا.. وكأننــــــــــــــــا..
-------------- صرنا على دين اليهود غيــــــارى
مدّ القريب يداً لغاصب أرضـــــــــه
-------------- أمّا البعيد فقد حباه مـــــــــــــــزارا
************
زمن ينيب به الكبار صغــــــــــارا
-------------- كي يُرجعوا شرفاً لنا وذمــــــــــارا
أمّا الأسنة والسيوف وخيلنـــــــــــــا
-------------- فلقد أنابت في الوغى أحجـــــــــارا
زمن يصير الجبن فيه بطولـــــــــة
-------------- والعار مجداً والكرامة عـــــــــــارا
زمن تبيع به السياسة أمّــــــــــــــة
-------------- والقيد يصبح في الخنوع ســـــــوارا
تخشى من الموت الجميل شهــــــادة
-------------- ونكاد نحسب شوك ذلّ غــــــــــارا
نعدو لنرتشف السراب ونستقـــــــي
-------------- ضرع الهجير ونأنف الأنهـــــــارا
فعلام هاتيك الجموع استشهــــــدت
-------------- إن كان قائدها أقام حـــــــــــــوارا
سقط القناع عن القناع فلم تعــــــــدْ
-------------- تلك البيارق تلفتُ الأنظـــــــــــــارا
ربّاه قد شلّ اليسار يميننـــــــــــــــا
-------------- ويميننا ربّاه شلّ يســـــــــــــــــارا
عَطُلَتْ سواعدنا وأوهن عزمنــــــا
-------------- خدرٌ وأدمنت الخيول خــــــــــــــوارا
ولقد نمجّد في السياسة فاجـــــــــــــراً
-------------- باسم النضال ونشتم الأبــــــــــــرارا
حتّام نلقي اللوم في أعدائنــــــــــــــــا
-------------- إن كان صرح جهادنا منهــــــــــارا
ياقدس قد رخص النضال وأرخصت
-------------- شهب المناصب ـ باسمك ـ الأسعارا
ياقدس قد باعوك سرّاً فاسألـــــــــــي
-------------- «طابا» عساها تكشف الأســـــرارا
ياقدس ما خان الجهاد.. وإنمـــــــــــا
-------------- خان الذي باسم الجهاد تبـــــــــارى
أسرى به «الكرسيّ» نحو «كنيست»
-------------- سرّاً وبايع باسمنا الأحبـــــــــــــارا
لا تأملي باللائمين عدوّنـــــــــــــــــا
-------------- نصراً، ولا بعدونا إيثـــــــــــــــــارا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
وقال:
رجوتك لا تسلني ماهمومي
وعذري أنني رجل خجول
تعثرت اللهاة بصخر بوح
هممت به فدعني ياسؤول
ويذهلني أن الأيام مثلي
بها مما نكابده ذهول
ولأنه كذلك، فإنني أؤكد أن الحزن قد تملك من الرجل، قال:
وثقت بك الأحزان فافترشت
منك الفؤاد فليس تنعتق
قست الديــار على فتى دنـف
متشرد.. وترفق الورق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
الشاعر (السماوي) وجد من الأوراق ميداناً للتعبير عن حزنه ولذا نجد أن هذه المجموعة قد حوت الكثير المعبّر عن هذه الأحزان، قال:
يبست ينابيعي وأصحر روضها
وأتى على مقل الزهور رماد
وقال من القصيدة نفسها :
تعبت هوادج غربتي فاستوحشت
دربي وعز على اللسان الضاد
وقال:
مرّت فصول العمر وهي جديبة
فمتى يريح الغارسين حصاد
الصبر لي صبر الرمال على اللظى
ولقد صبرت وفاتني الميعاد
وقال:
صهل الأسى فينا وأحرق عشبنا
أيعود عشباً في الوجاق رماد
وقال:
أقوم وناقتي ضجر
وأجلس والأسى جمل
وقال:
تعب الطريق من الخطى
وتعبت من شوقي وظني
فتدثرت بالصمت حنجرة المغني
حتام أغرس في مفازات الضياع
حصى التنمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
وقال:
بعض مابي: أنني من ضجر
أتسلى بشواظ الضجر
عاثر الحظ، فما يسلكني
مركبي غير دروب العثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال:
لجأت إلى السكوت.. فما عساني
أقول، وأنت أكبر من بياني
وأفصح من بلاغة ذي يراع
إذا نثر الحروف فمن جمان
وقفت على نميرك في ذهول
كأني قد غدوت بلا لسان
ثم قال:
سكنت قلوبنا نبضاً ودفئاً
فأنت لنا الشغاف من الجنان
وأنهاها ـ أقصد المجموعة ـ بقصيدة موجهة لولي العهد، منها:
«أبا التعب» الجليل كفاك مجداً
بأنك للإله الفرد «عبد»
وأن أباك سلّ على ضلال
حسام هدى وقبل أبيك جد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
لا تسألي من كان قد وهبا
في الحب تبر طفولة وصبا
مازال رغم حريقه مطراً
يستنبت الرّيحان والعنبا
وُشِمت جوارحه بمن سكنت
قلباً أناب لنبضه الأدبا
أسرى به والعشق هودجه
ماضٍ يطلّ على غد حدبا
أولست ناعوراً لجدوله
ولسمطه الياقوت والذهبا
في أقحوانك من مدامعه
دفء ونفح غالب الحجبا
أفتسألين سواه أين هوى
ينسي العيون الجفن والهدبا
تنأى به الأحلام فهو على
وجد يؤمّل منك مقتربا
يقفو دجاك بشمس مقلته
لو أن قنديل المساء خبا
ويرش رملك من ندى دمه
ثمل وغير هواك ما شربا
صدقتْ ثمالته وقد كذبت
كاساته، ورحيقه كذبا
أيقظت في الطفل الألوف منى
هرمت ونبعاً كان قد نضبا
ياويحه ـ الطفل الألوف ـ أما
خبر الهوى وهماً ومنقلباً
نكثت به الأحلام فانتبذت
جفنيه لمّا أدمن الوصبا
ويحي عليك.. عليّ.. أيّ هوى
هذا الذي صرنا له حطبا
فضح الهوى سرّي ووطّنني
كهفاً مع البلوى ومغتربا
وأذلّ قيثاري فما عرفت
أوتاره في غربة طربا
ويحي عليّ.. نزفت أزمنتي
مستسهلاً في الحب ما صعبا
عجباً عليّ أكلّما وهنت
روحي أزيد صبابة عجباً
جحد الحبيب فقلت: ذا زعلٌ
وقسا فقلت: مسامح عتبا
ندمى فنسترضي يداً غرستْ
نصل الجفاء وأوهنت عصبا
ولقد نرى لنزيفنا سبباً
وجحود من خذل المنى سبباً
مولاي ياقلبي.. أمن حجر
ترجو لعشب ظامئ سُحُبا
خمسون ـ أو كادت ـ وما برحتْ
سفني تصارع مزبداً لجبا
خمسون ـ أو كادت ـ ولا مطر
عذب يضاحك متعباً تربا
خمسون ـ أو كادت ـ لفرط ضنى
أمسيت أحسب يومها حقبا
خمسون يوهن عزمها وجع
في الروح أنّ الحتم قد قربا
خمسون ـ أو كادت ـ ولا أمل
لي بالرجوع لمعشر وربى
لـ«سماوة» شغف الفؤاد بها
فاختارها لرفيفه نسبا
فأردّ عن أمي وقد عميت
ليلاً عصيّ الصبح مضطربا
ولنخلة «البرحيّ» تطعمنا
ظلاً بصحن «الحوش» والرّطبا
كنّا ـ لفرط الود ـ نحسبها
حرزاً وناطوراً ونبع صبا
حتى كأن عذوقها نفر
منا.. ونحسب خوصها طنبا
مازلت أذكر عش فاختة
فيها وفرخاً آمن اللعبا
ما حالها بعدي وهل عبثت
أيدٍ بعش يحضن الزغبا
للطين ـ وهو دمى طفولتنا
ليت «السماوة» تتقن الهربا
بيني وبين ضحى شواطئها
شبر ـ زماناً ـ ليته احتجبا
فيحاء لولا أنّ طاغية
ألقى على بستانها الجربا
فتوسّدت صخراً وما التحفت
إلاّ صديد القيح والسّغبا
رغَّبت نفسي عن «سماوتها
لكنما القلب العنيد أبى(1)
جفّ النداء على فمي ومشى
تعب بعكاز المنى فكبا
تلهو الرياح بجفن أشرعتي
وتغلّ دون الطالب الطّلبا
الذكريات تزيدني وجعاً
ولقد تؤجج زفرة لهبا
أشياء لا أغلى تذكّرني
بغد قتيل أو رماد صبا
نبشت سويعات مجنّحة
عمري فألفت صرحه خربا
ماذا سيبقى من حدائقه
إن كان زهر شبابه احتطبا
سكب النوى عمري فلا عبقا
أبقى بكأس القلب أو حببا
كتب الهوى أن يستباح غدي
باسم المنى.. يانِعم ما كتبا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ«أعجــزت نثــري»
«إلى معالي الأديب الكبير الشيخ عبدالعزيز التويجري.. صدىً لرسالة منه «أعجزت نثري».
دعيني من أماسيكِ العِذاب
فما أبقى التشردُ من شبابي
قَلبْتُ موائدي ورميتُ كأسي
وشيَّعْتُ الهوى ورَتجْتُ بابي
خبَرْتُ لذائذ الدنيا فكانت
أمرَّ عليَّ من سمٍّ وصاب
وجدْتُ حلاوة الإيمان أشهى
وأبقى من لُماكِ ومن إهابي
إذا يبُسَ الفؤادُ فليس يُجدي
ندى شفة مُطيَّبةِ الرضابِ
أنا جرحٌ يسير على دروبٍ
يتوه بها المصيبُ عن الصوابِ
سُلبْتُ مسرَّتي واسْتفردتني
بدار الغُرْبتينِ مدى ارتيابي
وحاصَرَتِ الكهولة بعد وهْنٍ
يَدُ النكباتِ جائعة الحِرابِ
وما أبقتْ لي الأيامُ إلاّ
حُثالتها بأبريقٍ خَرابِ
ترَشَّفْتُ اللظى حين اصطباحي
وأكملتُ اغتباقي بالضبابِ
أُطلُّ على غدي بعيونِ أمسي
فما شرَفي إذا خنْتُ انتسابي
تُحرِّضُني على جرحي طيوفٌ
فأنْبشُهُ بسكيني ونابي
وربَّ لذاذةٍ أوْدَتْ بنفسٍ
وحرمانٍ يقودُ إلى الطلاب
أظلُّ العاشقَ البدويَّ.. أهفو
إلى شمسٍ وللأرضِ الرَغابِ(1)
أنا البدويُّ لا يُغري نِياقي
رُخامُ رُبىً.. وناطحةُ السحابِ
أنا البدويُّ.. لا يُغوى صُداحي
سوى عزف السواني والرَّبابِ(2)
ودلَّةُ قهوةٍ ووجاقُ جمرٍ
تَحَلَّقَ حوله ليلاً صحابي
وبيْ شوقٌ إلى خبزٍ وتمر
كما شوق البصيرِ إلى شِهابِ
وَلِلَبَنِ الخضيضِ وماءِ كوزٍ
وظلِ حصيرةٍ في حَرِّ آبِ
فُطِرْنا قانعينَ بفقرِ حالٍ
قناعةَ ثغرِ زِقٍّ بالحَبابِ(3)
أبٌ صلَّى وصامَ وحَجَّ خمساً
وأمٌ لا تقومُ عن «الكتابِ»
ألا ياأمس أين اليوم مني
صباحاتٌ مُشَعْشعةُ القِبابِ
وفانوسٌ خجولُ الضوءِ تخبو
ذؤابتُهُ فَيُسْرِجُها عتابي
وأين شقاوتي طفلاً عنيداً
أبى إلاّ انتهالاً من سرابِ
أُشاكِسُ رفقتي زهْواً بريئاً
ومن خَيْشٍ و«جُنْفاصٍ» ثيابي(4)
ألوذُ بحضنِ أمي خوفَ ذئبٍ
عوى ليلاً وخوفاً من عُقابِ
كبرتُ ولايزال الخوفُ طفلاً
وقد صار «الرفاقُ» إلى ذئابِ
تطاردُ مقلتي منهم طيوفٌ
فعزَّ عليَّ ياأمي إيابي
وعزَ على يديك تَمَسُّ وجهي
لتمسحَ عنه وَحْلَ الاغترابِ
وعزَّ .. وعَزَّ.. حتى أنَّ عِزّي
غدا ذُلاً فيالي من مُصابِ
وعاقبني الزمان ـ وهل كنأيٍ
بعيدٍ عن بلادي من عِقابِ
تقاسَمَتِ المنافي بعض صحبي
وبعضٌ آثَرَتْهُ يدُ الغيابِ
ولولا خشيتي من سوءِ فهمٍ
وما سيقالُ عن فقدي صَوابي
لَقلتُ: أَحِنُّ يابغداد حتى
ولو لصدى طنينٍ من ذُبابِ
لِوَحْلٍ في العراقِ وضُنْكِ عيشٍ
جِوارَ أبي المُدَثَّرِ بالترابِ
جوارَ أُخيَّةٍ وأخٍ وأمٍ
وأحبابٍ يُعَذِّبُهم عذابي
أبا الحرف البليغ وهل جوابٌ(5)
كصمتي حين أعجزني جَوابي
بلى.. لم ألقَ مثل عرارِ نجدٍ
ولا كرحابِ مكةَ من رحابِ
ولا كعشيركم أهلاً وصحباً
ولا كحصونكم دِرْعاً لما بي
عشقتُ ديارَ ليلى قبل ليلى
فَمِنْ رَحمِ الصِّبا وُلِدَ التصابي
ولكن شاءتِ الأيامُ مني
وشاءَ جنونُ طيشي من لُبابي
ولستُ بِمُبْدلٍ كأساً بكوزٍ
ولا لهواً بِعِفَّةِ «ذي نِقابِ»
أنا البَدويَّ.. في قلبي عِقالٌ
و(َيَشْماغٌ)(6) ولستُ بِمَنْ يُحابي
إذا كان العراقُ رغيفَ روحي
فإنَّ عَرارَ واديكم شرابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرغاب: الأرض التي تشرب كثيراً من ماء المطر فلا تسيل (المقصود هنا البادية).
(2) السواني: آلات لرفع الماء من الآبار.
(3) الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء.
(4) الخيش: نسيج خشن من الكتان. والجنفاص نسيج أكثر خشونة شاع ارتداؤه في العراق قبل عقود خلت.
(5) المخاطب: هو معالي الأديب الشيخ عبدالعزيز التويجري.
(6) (اليشماغ) هو غطاء الرأس لأهل الجزيرة العربية ويعرف عندهم بـ(الشماغ) وهو واضح في صورة الشيخ التويجري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
عندما أعلن هجراً أبديّا
لا تلمني إن تعلّقتُ به
ياعذولي.. فلقد كان وفيّا
كان يدري أنني من دونه
لا أرى في العيش ما يغري فتيّا
شاء قتلي لا جحوداً إنما
ليؤاسى بي وكي يبكي عليّا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
قال: ما حظك قلت: التعب
أفيلقِى غيره المغترب
كلما استنبت حقلاً حصدت
غرسه قبل الأوان النوب
هو والترحال في مشتجر
ورفيقاه: الضنى والسغب
فإذا شدّ لأرض خيمة
شدّه نحو رحيل سبب(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملام من يلومك يادموعي
فما عرفوا مكابدة الفجيع
تركت الطيبين وأرض طيب
وقبلهما ـ على رغمي ـ ربوعي
وأهلاً لا يفارقهم خريف
وكانوا كل يوم في ربيع
وعشت الغربتين: فماً وعيناً
فكيف يسرُّ ذو قلب صديع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
إلى أخي الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة، احتفاءً بشفائه من عارض صحي عافاه الله منه، وإلى مدينة «جدة» الحبيبة:
تبقين ـ رغم البعد ـ في مُقلي
نهرين من ضوء ومن عسل
تمتار روحي من حقولهما
عشب المنى وزنابق الأمل(1)
نهرين لكن ينبضان شذى
مخضوضباً بالدفء والجذل
قد أنهلاني ألف قافية
عذراء من «هزج» ومن «رمل»
واستنبتا في صمت حنجرتي
لغة الهوى وربابة الغزل
فصدحت حتى قيل من دنف
وعشقت حتى قيل من خبل
عذري ـ وقد أسرفت في شغفي ـ
أن الهوى بوابة الثمل
كفرتْ بخمر التين مائدتي
وبِزِق حانوتٍ ومحتفل
واستعذبت من ثغر ساقية
ودلاء ناعور ومن وبل(2)
ياأخت «مكة» جيرة وهدى
بي منك مافي الليل من شعل
عافيت روحي بعد فاجعة
وفككت أسر اللائذ الوجل
ونفضت عن عيني وأزمنتي
وحل الهموم ومخرز العلل
كُرِّمتُ فيك ولست ذا كرمٍ
وزهوت فيك ولست ذا حُلل
قد جئت والأعوام من شجري
لم تبقِ إلا جذع مكتهل
وبقية من جمر عاطفة
تلتاع خلف ستارة الخجل
طويتْ صحيفة ضحكتي وأتى
قحط على بستانها الخضل
كانت مساءاتي محنطة
أما صباحاتي ففي ملل
ففتحت لي باب الأمان كما
أشرعتِ لي محراب مبتهل
كيف اهتديت إليك في زمن
دامي المرايا موحش السبل
مَن ذا أكون وما ثراك ومَن
جعل السنين تمرّ في عجل
ست ولا أحلى كأن بها
مرّت مرور الطيف في المقل
عوفيتِ «جُدّة» معشراً وثرى
وحفظتِ من غيض ومن زعل
لا ناقة فيها ولا جمل
لي.. إنما قلبي وليْ مثلي
وسمير قافية وجدت به
نبعين من طهر لمنتهل
قالوا اشتكى من علة فإذا
بي قبله أشكو من العلل
حتى إذا عافاه بارئه
فتحتْ شبابيك المسرّة لي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول