القنـــــاص
02-05-2008, 08:16 PM
يقول بول فالري في موضوع الصحة «الصحة هي هدوء الأعضاء»، وتعرفها المنظمة العالمية للصحة كالآتي: «الصحة ليست فقط انعدام الأمراض، لكنها حالة تامة من الإحساس البدني والعقلاني والاجتماعي الهادئ». أما الجمال ـ الذي رتبه أفلاطون مباشرة بعد الصحة وقبل الثروة ـ فلم يعرّف بهذه الصفة الدقيقة.
اختصاصي جراحة التجميل هو ذاك الذي من واجبه أن يبدع الجمال أو يحافظ عليه. وما يلاحظ، هو أن التقنيات الجراحية المخترعة حالياً يتزايد عددها باستمرار لنجدها مدوّنة في كل الكتب المخصصة لجراحة التجميل والمنتشرة في شمال جنوب ووسط أوروبا وأميركا.
والجمال، سواء أكان من الناحية الفنيّة أو الإنسانية، لم تكرّس له في نظري دراسة كافية لتعريفه. يحتار أحياناً أخصائي جراحة التجميل في كيفية وصف الجمال الإنساني وكذا كل الذين نبادرهم متسائلين: ما هو الجمال؟ فالرّد غالباً ما يختلف من إنسان لآخر وقلّ من نجد أجوبتهم مقنعة.
لذا فكرت أنه من الضروري معالجة الموضوع من الناحية البسيكلوجية ومحاولة فهم ما يجول وما لا يجول بخاطر جرّاح التجميل عندما يحس بتأثير الجمال عليه خلال قيامه بعمله. فمن المهم فهم الشعور الذي ينتابنا في تلك اللحظة لأنه بمثابة دليل يرشدنا خلال قيامنا بعمليات جراحة للتجميل.
الجمال
* ما هو الجمال؟ وكيف تعرّفه الكتب والمجلّدات وما هو رأي الفلاسفة؟
- عرف الجمال في بداية الأمر على أنه مزيج من التناسق والتوازن والتطابق، وقد ذكر هذا الوصف الموضوعي للجمال في مختلف النماذج: المصرية، اليونانية والرومانية، في الواقع، لم يعتبر هذا التعريف الموضوعي، الحاكم الوحيد في الجمال رغم دقته، لذا، بدأت فكرة الذاتية تدخل شيئاً فشيئاً في حيز الاعتبار.
فالجمال إذن هو التساوي بين الحجم والتشكل أو بتعبير آخر هو التوازن بين المحتوى والمحتوي. الجمال أيضاً عبارة عن مجموعة من الأشكال والنسب التي تمنحنا نوعاً من المتعة والإعجاب، لكن التصوّر الذهني للجمال يختلف باختلاف الثقافات.
والجمال هو ما يبعث فينا إحساساً جمالياً ممتعاً للعين وشعوراً بالإعجاب، لذا قال البعض إنه عبارة عن غدّة بصرية (تنجذب العين عن طريقها بكل ما هو جميل). ويعدّ أيضاً كتراكيب من الميزات تتمثل في الشكل والنسب واللون نتحسسها في وجه إنسان أو في أشياء أخرى تسرّ الأنظار .
العبارات الأربع الأخيرة مهمة وأهميتها تكمن في كون الجمال ليس له وجود إلا في أذهان الذين يرونه، فإذا كان شيئاً يبهج نظر إنسان ما مثلاً: فسيعتبره جميلاً، وإن كان هذا الشيء نفسه لا يسر نظر إنسان آخر فلن يعتبره جميلاً. نستنتج إذن ليس الشيء الجميل ما يعجبنا، بل الشيء الذي يعجبنا هو ما نسميه جميلاً.
الفيلسوف الاسكتلندي «دافيد هيوم» 1711)- 1776) وصف الجمال منذ أكثر من مئتي (200) عام كالتالي: «الجمال في أساسه تجربة شخصية وخاصة، فلا وجود له إلا في أعين وذهن الرائي». ويواصل بقوله: «الجمال لا يكمن في جودة الأشياء وحسنها، بل يكمن في ذهن الإنسان المتأمل. فيختلف الجمال باختلاف الأذهان». «إيريك نيوتن» بدوره يقول: «الجمال هو شيء يبعث فينا اللذة والمتعة وما يسرّ ويبهج إنساناً لا يبهج بالضرورة إنساناً آخر».
الجمال هو التوازن بين الحجم والشكل
ما يستنتجه بعض الفلاسفة هو: ان كل ما هو جميل طيب يبعث اللذة وكل ما يبعث اللذة جميل. هذا ما ذكرته الشاعرة صافو منذ زمن في قولها: «الشيء الجميل لذيذ وما هو لذيذ سرعان ما يكون جميلاً».
غالباً ما تكون أحاسيس ماضينا سبباً مؤثراً على حاضرنا: كحب الآباء ومحبة الأصدقاء وحب النساء والغرام الخ.. تذكرنا كلها بتجربة ماضية ذات تأثير جميل، و،الجمال هنا ليس محسوساً بتعبير مفصل بل هو تعبير أعم لتجربة كاملة مشاعرنا الحالية كذلك سيكون لها بدورها تأثيراً على ما سنجتازه من مراحل مليئة بالأحاسيس في المستقبل، فكل تجربة سعيدة كانت أم حزينة من حياتنا الماضية، تركت آثاراً لا تمحى قد تكون سبباً في اختياراتنا الحالية. فالوجوه التي أحببناها والتي كانت مليئة بالدفء والطمأنينينة في مرحلة شبابنا، لا تزال حية في أذهاننا.
ليس الجمال وسامة الوجه فقط ولا هو جمال الصوت أو الشكل أو الرقة البدنية، فالناس جميلون بطباعهم وشخصياتهم وقدراتهم على إسعاد الآخرين وأيضاً جدراتهم في الحب. ففي كل هذا نرى انبثاق فكرة الجاذبية والفتانة. لذا، عندما نحب إنساناً لوسامة وجهه فلأننا نحبه أيضاً لخفة الروح التي بداخله، فلا يكفي أن يبدو الإنسان جذاباً بشكله الخارجي فقط لأن الجاذبية تكمن في أشياء أخرى.
لا نفرق أحياناً بين الجمال والجاذبية (الفتانة). فكليوباترا، صاند، لويز دو لا فالببير وتيودورا كن مشهورات لجمالهن. والحقيقة أن جمالهن لم يكن بارعاً أو فائقاً لكن سحرهن كان فتاناً. لذا فتعبير الجمال هنا أقرب إلى الخيال من الحقيقة فالجمال لا يعني شيئاً للعين بل للخيال.
إن جمال الشخصية يضيء جمال الوجه. وكثيراً ما تختلف طرق تعريف الجمال وغالباً ما نربط بين الجمال والفتانة. فالفتانة على خلاف الجمال تبدو دائمة، أما الجمال فزائل. يقول الانجليز في هذا الشأن: «يدوم الفتن ويذهب الجمال». هكذا إذن، ليس للعين وحدها أن تحكم بجمال الأشياء والأشخاص، بل للخاطر أيضاً (أو ما نسميه بالقلب أو الجمال الباطني خاصة) دور في ذلك.
بالنسبة للسوسيولوجي الأميركي «فرومكين» فإن المرأة جميلة بالنظر إلى «قدراتها الجنسية» وجمالها لا يكمن فقط في توزانها وتناسقها ومحاسن جسدها، بل أيضاً في الخصائص الجنسية التي توحي بها هذه المحاسن والتي عن طريقها يتحول هذا الشعور الحسي الجسدي إلى تأثير جمالي.
الاعتبارات الكلاسيكية السابقة تسمح لنا باستنتاج فكرة الجمال على أنها تختلف باختلاف الثقافات والأشخاص، فليست إذن مجرد مسألة أشكال أو توازن أو تناسب. فالشخصية الحقيقية للإنسان جاذبيته وجماله الداخلي يساهمون بقوة في بعث شعور جميل ومبهج في قلب الشخص المتأمل. العين وحدها لا تكفي للحكم على الجمال بل يساهم معها في حكمها العقل وبشكل أخص القلب.
بالنسبة للعقل، فإنه متأثر بذكريات الماضي التي تستمر في مراودتنا والتأثير على أحكامنا، كما ستؤثر أحاسيسنا الحالية على مستقبلنا، وعلى غرار هذا نتذكر مقولة البودا: «اليوم ابن الأمس وأب الغد».
نظرية كونراد لورينز:
«كونراد لورينز»: أحرز على جائزة نوبل للطب والفيزيولوجية عام 1973 وقد ساهم بشكل حاسم في تطورات بيولوجية السلوك، هو الذي سيشرح لنا أخيراً بطريقة أفضل معنى الجمال الإنساني.
في مؤلفه «تجارب عن السلوك الحيواني والإنساني» يقترح علينا رسماً يشرح فيه كيف تنبثق العاطفة عند كبار الحيوان والإنسان تجاه صغارهم، وكيف تولد لديهم الرغبة في حمايتهم. ففي العمود الأيسر مثلاً، نشاهد رأس صبي ورؤوس صغار الحيوان (كاليربوع والكلب البكيني والطير أبو الحن)، ويقابلهم بالتوازي في العمود الأيمن رأس إنسان بالغ ورؤوس كبار الحيوان.
بالفعل، إذا اقترحنا هذا الرسم على أي إنسان وطلبنا منه أن يختار بين الشكلين، فحتما سيفضل العمود الأيسر الذي فيه أشكال الصغار. ويعلق «كونراد لورينس» على هذا قائلاً: الجمال إحساس وهذا الإحساس مرتبط بالرغبة في الحماية ورسوم العمود الأيسر وحدها توحي إلى هذا الشعور، وهذا الشعور مرتبط بالرغبة في الحماية عند الإنسان والحيوان معاً.
إنه انبعاث غريزي يضيف كونراد، فالرأس المتفاوات حجمه مع جمجمة غير متناسبة وعينان كبيرتان واتفاخ مقدمة الوجنتين وسماكة أعضاء الجسم وقصرها بالإضافة إلى قوام ثابت ومرن وحركات مائلة، كل هذه الميزات الأساسية ينفرد بها الصغير فتطلق عليه صفة «اللطيف» و«الوسيم». وهذه الصفات يسمى بها الطفل (أو ما يشابهه من لعب صغيرة كحيوانات من وبر أو دمى)، طبقاً لأحكام تحريض الانفعالات.
ميزة «اللطف» التي تبدو على الرسوم في الأيسر والمتفاوتة النسب في أشكالها (الطفل، اليربوع،، الكلب البيكيني والطير أبو الحن)، لا تبدو أبداً على رسوم العمود الأيمن بما أنه يحتوي على أشكال كبار الحيوانات والإنسان البالغ. فالكبار هنا لا يبعثون فينينا شعور الرغبة في حمايتهم (كالرجل البالغ، الأرنب البري، ... الصيد والشحرور) كما هو الحال تجاه الصغار.
الاستنتاج واضح: يجب أن تنبعث في ملامح الشخص البالغ مراسيم الوجه الطفولي. فكلما أعجب إنسان بوجه ما فلأن هذا الوجه يحمل ملامح طفولة أو شكل طفلي.
ـ كل منا ينجذب غريزيا بوجه طفل، فرؤية هذا الوجه يبعث فينا مباشرة الإحساس، وهذا الإحساس يولد طبيعياً الرغبة في الحماية. هذه الرغبة موجودة عند الإنسان والحيوان معاً. ويفسر «كونراد لورينز» قائلاً ان كبار الحيوانات عندما تندفع لحماية صغارها فلأنها تنجذب بـ «شيء» خفي أو ظاهر يكون عبارة عن إشارة تنفرد الصغار وحدها بخصيتها، أو عبارة عن علامة ظاهرية أو صوت أو رائحة فالشيء نفسه يحدث عند الإنسان.
توجد إشارات تولد إحساس الحماية والتعاطف والرقة يستفسر كونراد عن نوع هذه الإشارات ويقول:
ـ عند المولود الصغير نحد هذه العلامات فيما تحتويه رأسه: كالشكل الدائري للرأس، كماله وامتلاءه، الجبهة البارزة، انتفاخ الوجنتين والأنف الصغير الخانس. كل هذه الصفات في الطفل تملأنا بشعور ممزوج بالرغبة في حمايته لأن وجهه يوحي بالصفاء والبراءة والصدق والنزاهة والجروح ـ
الرسم الخطي للطفل الصغير:
لصناعة أشياء أو أشكال توحي بصفة «اللطف»، علينا فقط بالمبالغة في بعض الخصبات المتعلقة بشكل الصغير كمثلاً تضخيم حجم الرأس بالمقارنة إلى بقية حجم الجسم.
ـ شكل الإنسان الراشد الذي نراه في العمود الأيمن لا يفجر فينا هذا الإحساس لأن الرأس منبطحة والجبهة منحدرة والأنف طويل والوجنتين فارغتين جوفاء. لقد أضاع كل صفات الطفولة فلم يعد يبعث فينا أي شعور بالعاطفة والرغبة في الحماية.
ـ نفس التغير الشكلي يحدث عند الحيوانات، والاختلاف مدهش في كلا العمودين الأيمن والأيسر، فالزوايا عند الرجل أحلت مكان الانحناءات (الزاوية المنخرية ـ الشفوية، زاوية الفك، الزاوية الخارجية لمحجر العين وزاوية الذقن).
هذه النظرية مطبقة ؛كثيراً عند الرسامين والمصورين لمدى حسن معرفتهم لها وإبرازها على رسومهم المقدمة للطلبة. ومبدعي الرسوم المتحركة ـ بغرض. لمس إحساس قرائهم ومطالعوا ابداعاتهم ـ يعرفون تماماً حين يرسمون وجه طفل أو إنسان راشد، متى يبالغون في شكل الرأس مثلاً (أضخم من العادة) أو الجبهة (بروزها) أو الوجنتين (انتفاخهما) أو أعضاء الجسم (قصرها).
نلاحظ مثلاً في هذه الأشكال أن رأس المرأة يحتفظ بانحناءات طفولتها بخلاف الرجل الذي يفتقدها. نفهم إذن أنه على أخصائي جراحة التجميل الماهر أن يعكس في عملياته تلك الملامح التي إن وجدت في الطفل أو الرضيع تمكنت من تفجير كل أحاسيس الانجذاب والرغبة والرعاية والحنان.
نستنتج: امتلاء شكل الوجه وانحناءاته ورقته = الحنان. ومجدداً للإيحاء إلى الجمال، وهذا رئيسي، يجب التعرف أو استخلاص ملامح طفولة من أي وجه إنسان بالغ. ـ لكن الملامح هذه لا تكفي لجلب إحساس العطف والحماية، فالتعابير أيضاً لها دورها الفعال، وميزتها هو كونها لصالح الجميع بما أن كل إنسان يمكنه التعبير
رسم كونراد لورينز يتعلق بانبثاق شعور الحماية اتجاه صغار الحيوانات والصغار عند الإنسان:
على اليسار: نشاهد رؤوس صغار حسب نسب أشكالها «لطيفة» (البريوع الصغير، الكلب البكيني، الطائر أبو الحن والطفل).
على اليمين: رأس الإنسان البالغ وكبار الحيوانات لا تبعث فيها شعور رغبة الحماية مثل الصغار، فأشكالها لا توحي بذلك (الرجل البالغ) الأرنب البري، ... الصيد والشحرور).
ـ بعض الأشخاص يعلمون كم هي مهمة هذه التعابير لجذب الإعجاب وإثارة العواطف. فنأخذ «بريجيت باردو» مثلا التي ازداد تأثيرها بفضل برطمتها الشهيرة لطفل مغاظ والتي تنبعث من ملامح طفولتها.
وكذلك تعابير «مارلين مونرو» الطفولة المعروفة، و«اودري هيبورن» قيل ان كلتيهما كانتا تستعملانها (هذه التعابير) حتى المبالغة.
بالفعل، كانت «مارلين مونرو» تتعمد التجمل بشكل غير منظم لكي توحي إلى صورة الطفلة الصغيرة التي لا تعرف التزين. وأحيانا، تمضي أوقاتاً طويلة عند مصفف شعرها الذي يرتبه بشكل فني، لكن فور انتهائه، تقوم بتخريبه كي تعطي صورة الطفلة التي ملت من اللعب.
والأمر مثله عند كل امرأة، فإن كانت هذه الأخيرة لا تتمتع أحياناً باستعمال السلوك الطفولي، ويمتلكها شعور حب السيطرة، فلن يحس زوجها ابداً بالتأثير أو الإحساس بالرغبة في حمايتها، لأن سلوكها هذا سيذكره أكثر بأمه منه بزوجته.
المرأة التي تنفرد، أكثر من الرجل، بخصية الجمال، يمكنها التعبير بهذا الشكل الطفولي سواء متعمدة أم عفوية. فتبدو (دائما بمحض ارادتها أم لا) تارة خجولة، ضعيفة، سقيمة، بريئة، طبيعية، وتارة نزوية، أو مستاءة، أو تارة اخرى معجبة أو فضولية الخ.. البعض منهن يبالغن في تظاهرهن بالضعف لتوليد ذاك الشعور المميز المتعلق بالرغبة في الحماية.
ألم نقل ان ما يصنع قوة المرأة، هو تظاهرها بضعفها هذا؟ والغرض منه هو الوصول مباشرة إلى قلب الرجل. كان «نابليون الأول» يقول: «سلاحي المرأة اثنين: الزينة (وسنرى تفسيره بعد حين) والبكاء مثل الطفلة الصغيرة التي بدون دفاع».
نفهم إذن كم هي مؤثرة ملامح طفل في وجه إنسان بالغ. نجد منها مثلاً عند المرأة: النمشات على الوجه والهزمات على الوجنتين، لون بشرة مضيء، اهداب طويلة، عقصات من شعر مذهبة، وجنتين ممتلئتين وشفاه مرسومة جميلة الحجم.
اما عند الرجل: مفرق الشعر جانباً كما كان غالباً الحال عند كبار الممثلين المفتنين (كلارك قيبل وقاري كوبر)، خصلات الشعر على الجبهة (كليوناردو دي كابريو)، والحلاقة اليومية لجعل البشرة تبدو ناعمة فلا نفسر كل هذا، إلا برغبة التشبه بالطفل.
ـ في الواقع، لا يستدعي الأمر لكل هذه الإشارات، واحدة منهن فقط تكفي لإثارة الإعجاب.
ـ كل إنسان اذن يمكنه أن يبدو دائما كالطفل في تعبيره، اما الملامح، ان كنا نفتقدها، فيمكننا كسبها عن طريق الطب أو الجراحة التجميلية.
ـ ليس الجمال كله من صنع الطبيعة، لكن اصطناعه بدأ منذ زمن وازداد خاصة في وقتنا الحالي، وقد اعتبرت هذه الخدعات المصطنعة كتعبير ثقافي قبل كل شيء.
فالإنسان يبحث دائما عن الأفضل، والمرأة التي تهتم بالجمال أكثر من الرجل (الذي يولي اهتمامه للقوة والسلطة)، تضاعف دائما من جمالها وجاذبيتها بالتزين وبكل ما نسميه بمعدات (أكسسوارات) التجميل مثل النظارات، الحدوب المصطنعة، الأقراط، تصفيف الشعر، صباغ الشعر، وشم لرسم وتحديد الشفاة والجفون والحاجبين (الوشم هنا عبارة غير، مستعملة عند النساء، يقلن فقط: زرع شبه دائم لصباغ طبيعية)، القبعات والعقد والقلادات، ولا ننسى استعمالها لذالك اللازم الخفي: العطر.
يدرس أختصاصيو التجميل بعض المعدات الأكثر حداثة بغرض التخفيف عن عيب أو نقص، أو إذا أمكن، إخفاءه كلية، الفروع العريضة للنظارات الحديثة مثلاً، صنعت بغرض تغطية تجاعيد (ملتقى طرق) العين، والفرع المركزي الذي يضم عدستي النظارات: اذا وضع في الأعلى فلكي يزيد من طول أنف قصير جداً، وان وضع اسفل فلينقص من أنف طويل جدا.
كل هذه الدهاءات شرحت بدقة (لكن بتحفظ) في مجلة المرأة، ومثل قديم يقول: «الطبيعة صنعت الجمال بنسبة ثلاثة أعشار (3,10) والحلى والزينة صنعت الباقي (7/10) وما يضرنا عند تخلينا عن هذه الزينة والحلى هو ان لا نبدو دائما بهذا الصغر وهذا الجمال». رغبة التزين ليس فخا ينصب للرجال، لكن حب الترغيب وإثارة الإعجاب هو ما يدفع المرأة عن طريق استعمالها للزينة، إلى الإحساس بكيانها وتقبلها أكثر ضمن مجتمعها وأسرتها.
ـ من المعروف أن الحياة أصعب للنساء من الرجال، بالرغم من التحسن الذي طرأ عليهن في الأعوام الاخيرة، فالتجميل يولد إحساس الثقة بالنفس. فهي مثل طلاء الحروب التي كان يتزين بها هنود أميركا، والمثل يقول: « غيروا الظاهر ومعه يتغير الباطن» أو «إذا تزينا فللذهاب في نزهة» ومضمون هذا المعنى مهم جداً.
لقد قرأنا في مجلة المرأة رأي الممثلة «شارون ستون» التي قالت: « لم أعتبر نفسي يوما كامرأة فائقة الجمال لكن كامرأة ذي سحر فتان»، و«تيرا بانك» المرأة السوداء الأصل المعروفة بجمالها البارع تقول: «لست قبيحة لكن جمالي إبداع كامل».
ـ الخضاب والزينة وجدت منذ القدم، فلكي تضفي قيمة لجمال وجه المرأة يجب ان تبدو طبيعية لتذكرنا أكثر فأكثر بصفات الوجه الطفولي. فأحمر الشفاه يجب ان يكون بمثابة اللون الأحمر الشديد الذي يكسبه الطفل عندما يشتد نشاطه الحيوي، خضاب الخدين يجب أن تذكرنا بوجنتي الطفل الملونة طبيعياً وطلاء اللون عليه أن يوحي لنا ببشرة الطفل الفتية البيضاء الناعمة الملمس.
هذا ما يمسيه «ديسموند موريس» بالتنشيط المفرط فالأهداب الطويلة المستعارة ليست إلا صورة للأهداب الطويلة للطفل.
ـ إذا كانت الزينة تجمل الوجه، فإن استعمالها بشكل غير لائق أو مبالغ فيه يمكنه ان يسييء إلى جمال الوجه. فهي إذن بمثابة الصديق أو العدو. ألم نقرأ في بعض كتب علم الأخلاق أنه في قديم الزمان، كان الساحر هو الذي يهتم بتزيين وجوه المرضى لكي لا يؤثروا بملامحهم سلباً علي الذين يحيطون بهم ويعيشون حولهم؟
إذن، فالملامح والتعابير الطفولية جد مهمة لتأثير واستمالة الشعور وإيقاظ رغبة الحماية. لكن للصوت أيضا دور مهم، إذ يجب أن يكون عذبا حلوا كصوت الطفل، لأن الصوت الخشن الأجش كصوت الكثير من المدخنين و المدخنات لا يوحي أبدا إلى الطفل ولا يذكرنا به.
ـ كذلك الألوان تذكرنا بالطفولة، فالفاتحة منها غالبا ما تكون من ذوق النساء المتقدمات في السن فالأفضل لهن بالفعل تجنب الأسود.
في الواقع، كل حواس الإنسان تستجيب للإحساس كالبصر والسمع وحاسة الشم «الطفل ليس له رائحة» مما يفسر استعمال الكبار لمزيل الروائح ونعومة الجلد ومتانته مهما جدا أيضاً لأن متانة الأنسجة ومرونتها هي الميزات الأولى للطفولة وهي جزء من الجمال.
ـ قد يكلف الإنسان الكثير كي يصبح جميلا فأمتعة الجمال يتحصل عليها بسهولة صاحب الثروة «فهي تكفيه لهذا الغرض» وقد يكون الأمر أصعب لصاحب المستوى البسيط.
ربما هذا ما يفسر كون الطب أو الجراحة التجميلية مشهورة ومنتشرة عند البسطاء، فبما أنهم لا يملكون إلا الميزات التي منحتهم إياها الطبيعة «المصطنعة يتحصل عليها الأثرياء» فليس بإمكانهم فرض الإعجاب إن كانت هذه الميزات منعدمة أو إن كان شكلهم الخارجي يحمل بعض العاهات أو العيوب، لذا يتسارعون بسهولة لإجراء العمليات التجميلية لأنها سبيلهم الوحيد لتحسين شكلهم وعن طريقه، بإمكانهم مداومة إثارة الإعجاب عند الآخرين.
ـ هذه الفكرة التي تكمن في استعمال صورة الطفل معروفة لدى الكثير. فعن طريقها، نبحث أحيانا عن استمالة أو استعطاف قلب الناس لأغراض أقل نبلاً وأكثر دناءة وانتهازية، فالمعروف أنه كلما شاهدنا صورة طفل أمام أي نوع من المبيعات، فإن الفرصة تتيح لنا بيعها بكثرة فيتضاعف المدخول غالبا ما يستعمل مظهر الطفل كشعار في حملات تحسيسية تقوم بها المنظمات الإنسانية من أجل جني المال لبلد في أزمة أو لمكافحة الفقر والحرمان.
ومن البديهي، أن يكون الطفل المتسول أكثر إثارة من الرجل في مثل حالته، فعلى سبيل المثال: أفلام «والت ديسني» التي يحبها العديد من المشاهدين، لا نشاهد فيها إلا حيوانات جروحة، كالفأر الصغير، الكلب الصغير والأيل الصغير ولا نرى أبدا كبارهم. نفس الشيء للألعاب، فغالباً ما يكون رأس الدمية على شكل رأس حيوان أو طفل صغير، ويقول «سانت إكسوبيري»: «القلب هو الحاكم الأخير وليست العين».
ـ يجب أن نعلم، أن عاهة في شكل إنسان يمكنها أن تبعث فينا الرغبة في العطف والحماية، فبعض المشاهير من النساء في السياسة تحتفظن بمحض إرادتهن بحول خفي من السهل جدا التخلص منه عن طريق الجراحة، لكن غرضهن في تفجير هذا الشعور الذي تمثل في رغبة الحماية، يدفعهن إلى استعمال هذه الخدمة ليتمكن من تنمية قدرتهن على الإغواء والجاذبية ليس لهن إذن أية نية في إجراء عملية تجميلية.
ـ والمعروف أيضا، أنه إذا وجدت سمة غير تامة من السمات التي ترسم على الوجه، فإنه ينصح بتزيين السمات الأخرى وتجميلها لتبهر عين الرائين وتجذبه فتعطل بذالك مفعول السمة السلبية. فمثلاً إذا كانت العينان جميلتان والأنف عادي، فتجميل العين وتزيينها يبعد النظر عن هذا الأنف العادي «هذا ما تنصح به متخصصات التجميل اللواتي حتى وأن لم يطلعن على نظرية «كونراد لورينز» فإنهن على دراية في كيفية تزيين الوجه».
ـ يمكن أيضا لندبة إذا وجدت على وجه رجل أن تؤثر سلباً على جماله وتسبب له الحرج في علاقاته الاجتماعية، فلتفادي هذا الضرر يقول «باسو»: «امنحوه وسام جوقة الشرف وسيتحول إلى بطل».
ـ أخصائية التجميل لم تطلع أيضاً على النظرية الوهميّة «لمولير لاير» (التي يقدّم فيها خطين مستقيمين بنفس الطول لكن بسهمين في طرفيهما معاكسي الاتجاه)، لكنها تعرف تماماً كيف توهم العقل بقرابة العينين (إن كانتا متباعدتين) وذلك بتجميل العين من الزاوية الداخلية، أو العكس (تكبير المسافة التي بين العينين حين تقاربيهما، وذلك بتجميل الزوايا الخارجية لهما). «الرسم رقم 5».
ـ نفس الشيء لتزيين الوجنتين بالطلاء (سيكون متقارباً أو متباعداً على حسب عرض الوجه أو ضيقه).
الخلاصة:
* شعور الرجل بجماله أو المرأة بجمالها، لماذا؟
وجدنا هذا الشعور كبرياء وغرور، ورغبة في إثارة الإعجاب وهو أيضاً اعتبار الجميل نفسه في موضع أو منصب أسمى وأرفع من الآخرين.
ـ في حقيقة الأمر، حبّ الجمال وعبادته ثقافة في حد ذاتها. الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي لا يتقبل مصيره ويبحث دائماً عن كيفية تحسينه: تثقيف الجمال يتمثل في تحسين نوعيّة المعيشة والرغبة في جعلها أجمل.
ـ ارتقاء الحضارة وتقدّمها في شتى الميادين تطيل شيئاً فشيئاً من عمر الإنسان لأنها تزيد أعواماً لحياته؛ هذا لا يبدو كافياً، الحياة يجب أن تبصر بعين الجمال وهذا ما جعل البعض يقول: «إذا كان الطبّ يضيف أعواماً لحياة الإنسان، فإنّ الجراحة التجميلية هي التي تعطي الحياة لأعوام الإنسان».
ـ قيل أن الجمال والذوق الدّارج (الموضة) هما إشارتان خارجيتان لحاجتنا الداخلية في التعبير عن أنفسنا ومحاولة تجديد إبداع ما بذاتنا، وقد فسرت الموضة على أنها محاولة إبداع فني على الخلق.
ـ الجمال كما يعرفه الجميع ليس أبدياً، وأيضاً لا يقدّر عمره؛ فيمكن للإنسان أن يكون جميلاً في العشرين (20 عاماً)، ومن الممكن أن نكون ذا جمال لا يقاوم في أي عمر كان (هذا رأي كوكوشانيل والسيّدة دو بومبادور).
ـ تذكير التوهم أو الخداع البصري لموليير ناير: الخط المستقيم العلوي يبدو أصغر أو أقصر من الخط السفلي نظراً للجهة المعاكسة لطرفي السهمين.
ـ من واجب المرأة أولاً أن تكون حلوة ومحببة في النظر، وهذا يصعد شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن؛ يذكرني ما نلاحظه بامرأة متقدمة جداً في السن جاءت لتطلب مني القيام بتقليص تجاعيد وجهها؛ لكن أمام قلة حماسي للقيام بهذه العملية، نظراً لسنها المتقدم جداً، قالت لي بهدوء: عندما لم نعد نثير الإعجاب فعلينا على الأقل محاولة تجنب إثارة الاشمئزاز.
ـ وأخيراً، الرغبة في الشعور بالجمال أكثر من الرغبة في الشعور بإثارة الإعجاب، ويفسره البعض على أنه الرغبة في الإحساس بحب الآخر.
ـ هذه الرغبة في أن يشعر الرجل نفسه محبوباً أو المرأة محبوبة أكثر فأكثر، هي الرسالة التي يوّد أنصار ومحبّي عالم الجمال تبليغها كونراد لورنس يؤكد ذلك: «كلنا نحب الأطفال ونرغب في حمايتهم، هذا غريزي: فهل نوبخ إنساناً بمجرد رغبته في التشبه بها ليكون بدوره محبباً أكثر فأكثر»؟.
نظريته كاملة لا نعارضها، وما يمكننا أخذه بعين الاعتبار هو أنّ جراح التجميل يبذل كل جهده في عملياته لإعادة إظهار كلّ ملامح الطفولة في وجه مريضه! (كل هذا ممكن بالطبع ومرغوب فيه) لكي يخلق من خلالها كل التأثر والإعجاب.
شاهدنا إذن العلاقة الوطيدة الموجودة بين الجمال والإعجاب ورنينها التجميلي الذي له صدى على العقل والقلب معاً؛ ونلخصها في مقولة (تييوفيل قوتيي) «الإعجاب هو الحب بالعقل، والحب هو الإعجاب بالقلب»
د. بيير ف. فورنيي (باريس)
م ن ق و ل
اختصاصي جراحة التجميل هو ذاك الذي من واجبه أن يبدع الجمال أو يحافظ عليه. وما يلاحظ، هو أن التقنيات الجراحية المخترعة حالياً يتزايد عددها باستمرار لنجدها مدوّنة في كل الكتب المخصصة لجراحة التجميل والمنتشرة في شمال جنوب ووسط أوروبا وأميركا.
والجمال، سواء أكان من الناحية الفنيّة أو الإنسانية، لم تكرّس له في نظري دراسة كافية لتعريفه. يحتار أحياناً أخصائي جراحة التجميل في كيفية وصف الجمال الإنساني وكذا كل الذين نبادرهم متسائلين: ما هو الجمال؟ فالرّد غالباً ما يختلف من إنسان لآخر وقلّ من نجد أجوبتهم مقنعة.
لذا فكرت أنه من الضروري معالجة الموضوع من الناحية البسيكلوجية ومحاولة فهم ما يجول وما لا يجول بخاطر جرّاح التجميل عندما يحس بتأثير الجمال عليه خلال قيامه بعمله. فمن المهم فهم الشعور الذي ينتابنا في تلك اللحظة لأنه بمثابة دليل يرشدنا خلال قيامنا بعمليات جراحة للتجميل.
الجمال
* ما هو الجمال؟ وكيف تعرّفه الكتب والمجلّدات وما هو رأي الفلاسفة؟
- عرف الجمال في بداية الأمر على أنه مزيج من التناسق والتوازن والتطابق، وقد ذكر هذا الوصف الموضوعي للجمال في مختلف النماذج: المصرية، اليونانية والرومانية، في الواقع، لم يعتبر هذا التعريف الموضوعي، الحاكم الوحيد في الجمال رغم دقته، لذا، بدأت فكرة الذاتية تدخل شيئاً فشيئاً في حيز الاعتبار.
فالجمال إذن هو التساوي بين الحجم والتشكل أو بتعبير آخر هو التوازن بين المحتوى والمحتوي. الجمال أيضاً عبارة عن مجموعة من الأشكال والنسب التي تمنحنا نوعاً من المتعة والإعجاب، لكن التصوّر الذهني للجمال يختلف باختلاف الثقافات.
والجمال هو ما يبعث فينا إحساساً جمالياً ممتعاً للعين وشعوراً بالإعجاب، لذا قال البعض إنه عبارة عن غدّة بصرية (تنجذب العين عن طريقها بكل ما هو جميل). ويعدّ أيضاً كتراكيب من الميزات تتمثل في الشكل والنسب واللون نتحسسها في وجه إنسان أو في أشياء أخرى تسرّ الأنظار .
العبارات الأربع الأخيرة مهمة وأهميتها تكمن في كون الجمال ليس له وجود إلا في أذهان الذين يرونه، فإذا كان شيئاً يبهج نظر إنسان ما مثلاً: فسيعتبره جميلاً، وإن كان هذا الشيء نفسه لا يسر نظر إنسان آخر فلن يعتبره جميلاً. نستنتج إذن ليس الشيء الجميل ما يعجبنا، بل الشيء الذي يعجبنا هو ما نسميه جميلاً.
الفيلسوف الاسكتلندي «دافيد هيوم» 1711)- 1776) وصف الجمال منذ أكثر من مئتي (200) عام كالتالي: «الجمال في أساسه تجربة شخصية وخاصة، فلا وجود له إلا في أعين وذهن الرائي». ويواصل بقوله: «الجمال لا يكمن في جودة الأشياء وحسنها، بل يكمن في ذهن الإنسان المتأمل. فيختلف الجمال باختلاف الأذهان». «إيريك نيوتن» بدوره يقول: «الجمال هو شيء يبعث فينا اللذة والمتعة وما يسرّ ويبهج إنساناً لا يبهج بالضرورة إنساناً آخر».
الجمال هو التوازن بين الحجم والشكل
ما يستنتجه بعض الفلاسفة هو: ان كل ما هو جميل طيب يبعث اللذة وكل ما يبعث اللذة جميل. هذا ما ذكرته الشاعرة صافو منذ زمن في قولها: «الشيء الجميل لذيذ وما هو لذيذ سرعان ما يكون جميلاً».
غالباً ما تكون أحاسيس ماضينا سبباً مؤثراً على حاضرنا: كحب الآباء ومحبة الأصدقاء وحب النساء والغرام الخ.. تذكرنا كلها بتجربة ماضية ذات تأثير جميل، و،الجمال هنا ليس محسوساً بتعبير مفصل بل هو تعبير أعم لتجربة كاملة مشاعرنا الحالية كذلك سيكون لها بدورها تأثيراً على ما سنجتازه من مراحل مليئة بالأحاسيس في المستقبل، فكل تجربة سعيدة كانت أم حزينة من حياتنا الماضية، تركت آثاراً لا تمحى قد تكون سبباً في اختياراتنا الحالية. فالوجوه التي أحببناها والتي كانت مليئة بالدفء والطمأنينينة في مرحلة شبابنا، لا تزال حية في أذهاننا.
ليس الجمال وسامة الوجه فقط ولا هو جمال الصوت أو الشكل أو الرقة البدنية، فالناس جميلون بطباعهم وشخصياتهم وقدراتهم على إسعاد الآخرين وأيضاً جدراتهم في الحب. ففي كل هذا نرى انبثاق فكرة الجاذبية والفتانة. لذا، عندما نحب إنساناً لوسامة وجهه فلأننا نحبه أيضاً لخفة الروح التي بداخله، فلا يكفي أن يبدو الإنسان جذاباً بشكله الخارجي فقط لأن الجاذبية تكمن في أشياء أخرى.
لا نفرق أحياناً بين الجمال والجاذبية (الفتانة). فكليوباترا، صاند، لويز دو لا فالببير وتيودورا كن مشهورات لجمالهن. والحقيقة أن جمالهن لم يكن بارعاً أو فائقاً لكن سحرهن كان فتاناً. لذا فتعبير الجمال هنا أقرب إلى الخيال من الحقيقة فالجمال لا يعني شيئاً للعين بل للخيال.
إن جمال الشخصية يضيء جمال الوجه. وكثيراً ما تختلف طرق تعريف الجمال وغالباً ما نربط بين الجمال والفتانة. فالفتانة على خلاف الجمال تبدو دائمة، أما الجمال فزائل. يقول الانجليز في هذا الشأن: «يدوم الفتن ويذهب الجمال». هكذا إذن، ليس للعين وحدها أن تحكم بجمال الأشياء والأشخاص، بل للخاطر أيضاً (أو ما نسميه بالقلب أو الجمال الباطني خاصة) دور في ذلك.
بالنسبة للسوسيولوجي الأميركي «فرومكين» فإن المرأة جميلة بالنظر إلى «قدراتها الجنسية» وجمالها لا يكمن فقط في توزانها وتناسقها ومحاسن جسدها، بل أيضاً في الخصائص الجنسية التي توحي بها هذه المحاسن والتي عن طريقها يتحول هذا الشعور الحسي الجسدي إلى تأثير جمالي.
الاعتبارات الكلاسيكية السابقة تسمح لنا باستنتاج فكرة الجمال على أنها تختلف باختلاف الثقافات والأشخاص، فليست إذن مجرد مسألة أشكال أو توازن أو تناسب. فالشخصية الحقيقية للإنسان جاذبيته وجماله الداخلي يساهمون بقوة في بعث شعور جميل ومبهج في قلب الشخص المتأمل. العين وحدها لا تكفي للحكم على الجمال بل يساهم معها في حكمها العقل وبشكل أخص القلب.
بالنسبة للعقل، فإنه متأثر بذكريات الماضي التي تستمر في مراودتنا والتأثير على أحكامنا، كما ستؤثر أحاسيسنا الحالية على مستقبلنا، وعلى غرار هذا نتذكر مقولة البودا: «اليوم ابن الأمس وأب الغد».
نظرية كونراد لورينز:
«كونراد لورينز»: أحرز على جائزة نوبل للطب والفيزيولوجية عام 1973 وقد ساهم بشكل حاسم في تطورات بيولوجية السلوك، هو الذي سيشرح لنا أخيراً بطريقة أفضل معنى الجمال الإنساني.
في مؤلفه «تجارب عن السلوك الحيواني والإنساني» يقترح علينا رسماً يشرح فيه كيف تنبثق العاطفة عند كبار الحيوان والإنسان تجاه صغارهم، وكيف تولد لديهم الرغبة في حمايتهم. ففي العمود الأيسر مثلاً، نشاهد رأس صبي ورؤوس صغار الحيوان (كاليربوع والكلب البكيني والطير أبو الحن)، ويقابلهم بالتوازي في العمود الأيمن رأس إنسان بالغ ورؤوس كبار الحيوان.
بالفعل، إذا اقترحنا هذا الرسم على أي إنسان وطلبنا منه أن يختار بين الشكلين، فحتما سيفضل العمود الأيسر الذي فيه أشكال الصغار. ويعلق «كونراد لورينس» على هذا قائلاً: الجمال إحساس وهذا الإحساس مرتبط بالرغبة في الحماية ورسوم العمود الأيسر وحدها توحي إلى هذا الشعور، وهذا الشعور مرتبط بالرغبة في الحماية عند الإنسان والحيوان معاً.
إنه انبعاث غريزي يضيف كونراد، فالرأس المتفاوات حجمه مع جمجمة غير متناسبة وعينان كبيرتان واتفاخ مقدمة الوجنتين وسماكة أعضاء الجسم وقصرها بالإضافة إلى قوام ثابت ومرن وحركات مائلة، كل هذه الميزات الأساسية ينفرد بها الصغير فتطلق عليه صفة «اللطيف» و«الوسيم». وهذه الصفات يسمى بها الطفل (أو ما يشابهه من لعب صغيرة كحيوانات من وبر أو دمى)، طبقاً لأحكام تحريض الانفعالات.
ميزة «اللطف» التي تبدو على الرسوم في الأيسر والمتفاوتة النسب في أشكالها (الطفل، اليربوع،، الكلب البيكيني والطير أبو الحن)، لا تبدو أبداً على رسوم العمود الأيمن بما أنه يحتوي على أشكال كبار الحيوانات والإنسان البالغ. فالكبار هنا لا يبعثون فينينا شعور الرغبة في حمايتهم (كالرجل البالغ، الأرنب البري، ... الصيد والشحرور) كما هو الحال تجاه الصغار.
الاستنتاج واضح: يجب أن تنبعث في ملامح الشخص البالغ مراسيم الوجه الطفولي. فكلما أعجب إنسان بوجه ما فلأن هذا الوجه يحمل ملامح طفولة أو شكل طفلي.
ـ كل منا ينجذب غريزيا بوجه طفل، فرؤية هذا الوجه يبعث فينا مباشرة الإحساس، وهذا الإحساس يولد طبيعياً الرغبة في الحماية. هذه الرغبة موجودة عند الإنسان والحيوان معاً. ويفسر «كونراد لورينز» قائلاً ان كبار الحيوانات عندما تندفع لحماية صغارها فلأنها تنجذب بـ «شيء» خفي أو ظاهر يكون عبارة عن إشارة تنفرد الصغار وحدها بخصيتها، أو عبارة عن علامة ظاهرية أو صوت أو رائحة فالشيء نفسه يحدث عند الإنسان.
توجد إشارات تولد إحساس الحماية والتعاطف والرقة يستفسر كونراد عن نوع هذه الإشارات ويقول:
ـ عند المولود الصغير نحد هذه العلامات فيما تحتويه رأسه: كالشكل الدائري للرأس، كماله وامتلاءه، الجبهة البارزة، انتفاخ الوجنتين والأنف الصغير الخانس. كل هذه الصفات في الطفل تملأنا بشعور ممزوج بالرغبة في حمايته لأن وجهه يوحي بالصفاء والبراءة والصدق والنزاهة والجروح ـ
الرسم الخطي للطفل الصغير:
لصناعة أشياء أو أشكال توحي بصفة «اللطف»، علينا فقط بالمبالغة في بعض الخصبات المتعلقة بشكل الصغير كمثلاً تضخيم حجم الرأس بالمقارنة إلى بقية حجم الجسم.
ـ شكل الإنسان الراشد الذي نراه في العمود الأيمن لا يفجر فينا هذا الإحساس لأن الرأس منبطحة والجبهة منحدرة والأنف طويل والوجنتين فارغتين جوفاء. لقد أضاع كل صفات الطفولة فلم يعد يبعث فينا أي شعور بالعاطفة والرغبة في الحماية.
ـ نفس التغير الشكلي يحدث عند الحيوانات، والاختلاف مدهش في كلا العمودين الأيمن والأيسر، فالزوايا عند الرجل أحلت مكان الانحناءات (الزاوية المنخرية ـ الشفوية، زاوية الفك، الزاوية الخارجية لمحجر العين وزاوية الذقن).
هذه النظرية مطبقة ؛كثيراً عند الرسامين والمصورين لمدى حسن معرفتهم لها وإبرازها على رسومهم المقدمة للطلبة. ومبدعي الرسوم المتحركة ـ بغرض. لمس إحساس قرائهم ومطالعوا ابداعاتهم ـ يعرفون تماماً حين يرسمون وجه طفل أو إنسان راشد، متى يبالغون في شكل الرأس مثلاً (أضخم من العادة) أو الجبهة (بروزها) أو الوجنتين (انتفاخهما) أو أعضاء الجسم (قصرها).
نلاحظ مثلاً في هذه الأشكال أن رأس المرأة يحتفظ بانحناءات طفولتها بخلاف الرجل الذي يفتقدها. نفهم إذن أنه على أخصائي جراحة التجميل الماهر أن يعكس في عملياته تلك الملامح التي إن وجدت في الطفل أو الرضيع تمكنت من تفجير كل أحاسيس الانجذاب والرغبة والرعاية والحنان.
نستنتج: امتلاء شكل الوجه وانحناءاته ورقته = الحنان. ومجدداً للإيحاء إلى الجمال، وهذا رئيسي، يجب التعرف أو استخلاص ملامح طفولة من أي وجه إنسان بالغ. ـ لكن الملامح هذه لا تكفي لجلب إحساس العطف والحماية، فالتعابير أيضاً لها دورها الفعال، وميزتها هو كونها لصالح الجميع بما أن كل إنسان يمكنه التعبير
رسم كونراد لورينز يتعلق بانبثاق شعور الحماية اتجاه صغار الحيوانات والصغار عند الإنسان:
على اليسار: نشاهد رؤوس صغار حسب نسب أشكالها «لطيفة» (البريوع الصغير، الكلب البكيني، الطائر أبو الحن والطفل).
على اليمين: رأس الإنسان البالغ وكبار الحيوانات لا تبعث فيها شعور رغبة الحماية مثل الصغار، فأشكالها لا توحي بذلك (الرجل البالغ) الأرنب البري، ... الصيد والشحرور).
ـ بعض الأشخاص يعلمون كم هي مهمة هذه التعابير لجذب الإعجاب وإثارة العواطف. فنأخذ «بريجيت باردو» مثلا التي ازداد تأثيرها بفضل برطمتها الشهيرة لطفل مغاظ والتي تنبعث من ملامح طفولتها.
وكذلك تعابير «مارلين مونرو» الطفولة المعروفة، و«اودري هيبورن» قيل ان كلتيهما كانتا تستعملانها (هذه التعابير) حتى المبالغة.
بالفعل، كانت «مارلين مونرو» تتعمد التجمل بشكل غير منظم لكي توحي إلى صورة الطفلة الصغيرة التي لا تعرف التزين. وأحيانا، تمضي أوقاتاً طويلة عند مصفف شعرها الذي يرتبه بشكل فني، لكن فور انتهائه، تقوم بتخريبه كي تعطي صورة الطفلة التي ملت من اللعب.
والأمر مثله عند كل امرأة، فإن كانت هذه الأخيرة لا تتمتع أحياناً باستعمال السلوك الطفولي، ويمتلكها شعور حب السيطرة، فلن يحس زوجها ابداً بالتأثير أو الإحساس بالرغبة في حمايتها، لأن سلوكها هذا سيذكره أكثر بأمه منه بزوجته.
المرأة التي تنفرد، أكثر من الرجل، بخصية الجمال، يمكنها التعبير بهذا الشكل الطفولي سواء متعمدة أم عفوية. فتبدو (دائما بمحض ارادتها أم لا) تارة خجولة، ضعيفة، سقيمة، بريئة، طبيعية، وتارة نزوية، أو مستاءة، أو تارة اخرى معجبة أو فضولية الخ.. البعض منهن يبالغن في تظاهرهن بالضعف لتوليد ذاك الشعور المميز المتعلق بالرغبة في الحماية.
ألم نقل ان ما يصنع قوة المرأة، هو تظاهرها بضعفها هذا؟ والغرض منه هو الوصول مباشرة إلى قلب الرجل. كان «نابليون الأول» يقول: «سلاحي المرأة اثنين: الزينة (وسنرى تفسيره بعد حين) والبكاء مثل الطفلة الصغيرة التي بدون دفاع».
نفهم إذن كم هي مؤثرة ملامح طفل في وجه إنسان بالغ. نجد منها مثلاً عند المرأة: النمشات على الوجه والهزمات على الوجنتين، لون بشرة مضيء، اهداب طويلة، عقصات من شعر مذهبة، وجنتين ممتلئتين وشفاه مرسومة جميلة الحجم.
اما عند الرجل: مفرق الشعر جانباً كما كان غالباً الحال عند كبار الممثلين المفتنين (كلارك قيبل وقاري كوبر)، خصلات الشعر على الجبهة (كليوناردو دي كابريو)، والحلاقة اليومية لجعل البشرة تبدو ناعمة فلا نفسر كل هذا، إلا برغبة التشبه بالطفل.
ـ في الواقع، لا يستدعي الأمر لكل هذه الإشارات، واحدة منهن فقط تكفي لإثارة الإعجاب.
ـ كل إنسان اذن يمكنه أن يبدو دائما كالطفل في تعبيره، اما الملامح، ان كنا نفتقدها، فيمكننا كسبها عن طريق الطب أو الجراحة التجميلية.
ـ ليس الجمال كله من صنع الطبيعة، لكن اصطناعه بدأ منذ زمن وازداد خاصة في وقتنا الحالي، وقد اعتبرت هذه الخدعات المصطنعة كتعبير ثقافي قبل كل شيء.
فالإنسان يبحث دائما عن الأفضل، والمرأة التي تهتم بالجمال أكثر من الرجل (الذي يولي اهتمامه للقوة والسلطة)، تضاعف دائما من جمالها وجاذبيتها بالتزين وبكل ما نسميه بمعدات (أكسسوارات) التجميل مثل النظارات، الحدوب المصطنعة، الأقراط، تصفيف الشعر، صباغ الشعر، وشم لرسم وتحديد الشفاة والجفون والحاجبين (الوشم هنا عبارة غير، مستعملة عند النساء، يقلن فقط: زرع شبه دائم لصباغ طبيعية)، القبعات والعقد والقلادات، ولا ننسى استعمالها لذالك اللازم الخفي: العطر.
يدرس أختصاصيو التجميل بعض المعدات الأكثر حداثة بغرض التخفيف عن عيب أو نقص، أو إذا أمكن، إخفاءه كلية، الفروع العريضة للنظارات الحديثة مثلاً، صنعت بغرض تغطية تجاعيد (ملتقى طرق) العين، والفرع المركزي الذي يضم عدستي النظارات: اذا وضع في الأعلى فلكي يزيد من طول أنف قصير جداً، وان وضع اسفل فلينقص من أنف طويل جدا.
كل هذه الدهاءات شرحت بدقة (لكن بتحفظ) في مجلة المرأة، ومثل قديم يقول: «الطبيعة صنعت الجمال بنسبة ثلاثة أعشار (3,10) والحلى والزينة صنعت الباقي (7/10) وما يضرنا عند تخلينا عن هذه الزينة والحلى هو ان لا نبدو دائما بهذا الصغر وهذا الجمال». رغبة التزين ليس فخا ينصب للرجال، لكن حب الترغيب وإثارة الإعجاب هو ما يدفع المرأة عن طريق استعمالها للزينة، إلى الإحساس بكيانها وتقبلها أكثر ضمن مجتمعها وأسرتها.
ـ من المعروف أن الحياة أصعب للنساء من الرجال، بالرغم من التحسن الذي طرأ عليهن في الأعوام الاخيرة، فالتجميل يولد إحساس الثقة بالنفس. فهي مثل طلاء الحروب التي كان يتزين بها هنود أميركا، والمثل يقول: « غيروا الظاهر ومعه يتغير الباطن» أو «إذا تزينا فللذهاب في نزهة» ومضمون هذا المعنى مهم جداً.
لقد قرأنا في مجلة المرأة رأي الممثلة «شارون ستون» التي قالت: « لم أعتبر نفسي يوما كامرأة فائقة الجمال لكن كامرأة ذي سحر فتان»، و«تيرا بانك» المرأة السوداء الأصل المعروفة بجمالها البارع تقول: «لست قبيحة لكن جمالي إبداع كامل».
ـ الخضاب والزينة وجدت منذ القدم، فلكي تضفي قيمة لجمال وجه المرأة يجب ان تبدو طبيعية لتذكرنا أكثر فأكثر بصفات الوجه الطفولي. فأحمر الشفاه يجب ان يكون بمثابة اللون الأحمر الشديد الذي يكسبه الطفل عندما يشتد نشاطه الحيوي، خضاب الخدين يجب أن تذكرنا بوجنتي الطفل الملونة طبيعياً وطلاء اللون عليه أن يوحي لنا ببشرة الطفل الفتية البيضاء الناعمة الملمس.
هذا ما يمسيه «ديسموند موريس» بالتنشيط المفرط فالأهداب الطويلة المستعارة ليست إلا صورة للأهداب الطويلة للطفل.
ـ إذا كانت الزينة تجمل الوجه، فإن استعمالها بشكل غير لائق أو مبالغ فيه يمكنه ان يسييء إلى جمال الوجه. فهي إذن بمثابة الصديق أو العدو. ألم نقرأ في بعض كتب علم الأخلاق أنه في قديم الزمان، كان الساحر هو الذي يهتم بتزيين وجوه المرضى لكي لا يؤثروا بملامحهم سلباً علي الذين يحيطون بهم ويعيشون حولهم؟
إذن، فالملامح والتعابير الطفولية جد مهمة لتأثير واستمالة الشعور وإيقاظ رغبة الحماية. لكن للصوت أيضا دور مهم، إذ يجب أن يكون عذبا حلوا كصوت الطفل، لأن الصوت الخشن الأجش كصوت الكثير من المدخنين و المدخنات لا يوحي أبدا إلى الطفل ولا يذكرنا به.
ـ كذلك الألوان تذكرنا بالطفولة، فالفاتحة منها غالبا ما تكون من ذوق النساء المتقدمات في السن فالأفضل لهن بالفعل تجنب الأسود.
في الواقع، كل حواس الإنسان تستجيب للإحساس كالبصر والسمع وحاسة الشم «الطفل ليس له رائحة» مما يفسر استعمال الكبار لمزيل الروائح ونعومة الجلد ومتانته مهما جدا أيضاً لأن متانة الأنسجة ومرونتها هي الميزات الأولى للطفولة وهي جزء من الجمال.
ـ قد يكلف الإنسان الكثير كي يصبح جميلا فأمتعة الجمال يتحصل عليها بسهولة صاحب الثروة «فهي تكفيه لهذا الغرض» وقد يكون الأمر أصعب لصاحب المستوى البسيط.
ربما هذا ما يفسر كون الطب أو الجراحة التجميلية مشهورة ومنتشرة عند البسطاء، فبما أنهم لا يملكون إلا الميزات التي منحتهم إياها الطبيعة «المصطنعة يتحصل عليها الأثرياء» فليس بإمكانهم فرض الإعجاب إن كانت هذه الميزات منعدمة أو إن كان شكلهم الخارجي يحمل بعض العاهات أو العيوب، لذا يتسارعون بسهولة لإجراء العمليات التجميلية لأنها سبيلهم الوحيد لتحسين شكلهم وعن طريقه، بإمكانهم مداومة إثارة الإعجاب عند الآخرين.
ـ هذه الفكرة التي تكمن في استعمال صورة الطفل معروفة لدى الكثير. فعن طريقها، نبحث أحيانا عن استمالة أو استعطاف قلب الناس لأغراض أقل نبلاً وأكثر دناءة وانتهازية، فالمعروف أنه كلما شاهدنا صورة طفل أمام أي نوع من المبيعات، فإن الفرصة تتيح لنا بيعها بكثرة فيتضاعف المدخول غالبا ما يستعمل مظهر الطفل كشعار في حملات تحسيسية تقوم بها المنظمات الإنسانية من أجل جني المال لبلد في أزمة أو لمكافحة الفقر والحرمان.
ومن البديهي، أن يكون الطفل المتسول أكثر إثارة من الرجل في مثل حالته، فعلى سبيل المثال: أفلام «والت ديسني» التي يحبها العديد من المشاهدين، لا نشاهد فيها إلا حيوانات جروحة، كالفأر الصغير، الكلب الصغير والأيل الصغير ولا نرى أبدا كبارهم. نفس الشيء للألعاب، فغالباً ما يكون رأس الدمية على شكل رأس حيوان أو طفل صغير، ويقول «سانت إكسوبيري»: «القلب هو الحاكم الأخير وليست العين».
ـ يجب أن نعلم، أن عاهة في شكل إنسان يمكنها أن تبعث فينا الرغبة في العطف والحماية، فبعض المشاهير من النساء في السياسة تحتفظن بمحض إرادتهن بحول خفي من السهل جدا التخلص منه عن طريق الجراحة، لكن غرضهن في تفجير هذا الشعور الذي تمثل في رغبة الحماية، يدفعهن إلى استعمال هذه الخدمة ليتمكن من تنمية قدرتهن على الإغواء والجاذبية ليس لهن إذن أية نية في إجراء عملية تجميلية.
ـ والمعروف أيضا، أنه إذا وجدت سمة غير تامة من السمات التي ترسم على الوجه، فإنه ينصح بتزيين السمات الأخرى وتجميلها لتبهر عين الرائين وتجذبه فتعطل بذالك مفعول السمة السلبية. فمثلاً إذا كانت العينان جميلتان والأنف عادي، فتجميل العين وتزيينها يبعد النظر عن هذا الأنف العادي «هذا ما تنصح به متخصصات التجميل اللواتي حتى وأن لم يطلعن على نظرية «كونراد لورينز» فإنهن على دراية في كيفية تزيين الوجه».
ـ يمكن أيضا لندبة إذا وجدت على وجه رجل أن تؤثر سلباً على جماله وتسبب له الحرج في علاقاته الاجتماعية، فلتفادي هذا الضرر يقول «باسو»: «امنحوه وسام جوقة الشرف وسيتحول إلى بطل».
ـ أخصائية التجميل لم تطلع أيضاً على النظرية الوهميّة «لمولير لاير» (التي يقدّم فيها خطين مستقيمين بنفس الطول لكن بسهمين في طرفيهما معاكسي الاتجاه)، لكنها تعرف تماماً كيف توهم العقل بقرابة العينين (إن كانتا متباعدتين) وذلك بتجميل العين من الزاوية الداخلية، أو العكس (تكبير المسافة التي بين العينين حين تقاربيهما، وذلك بتجميل الزوايا الخارجية لهما). «الرسم رقم 5».
ـ نفس الشيء لتزيين الوجنتين بالطلاء (سيكون متقارباً أو متباعداً على حسب عرض الوجه أو ضيقه).
الخلاصة:
* شعور الرجل بجماله أو المرأة بجمالها، لماذا؟
وجدنا هذا الشعور كبرياء وغرور، ورغبة في إثارة الإعجاب وهو أيضاً اعتبار الجميل نفسه في موضع أو منصب أسمى وأرفع من الآخرين.
ـ في حقيقة الأمر، حبّ الجمال وعبادته ثقافة في حد ذاتها. الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي لا يتقبل مصيره ويبحث دائماً عن كيفية تحسينه: تثقيف الجمال يتمثل في تحسين نوعيّة المعيشة والرغبة في جعلها أجمل.
ـ ارتقاء الحضارة وتقدّمها في شتى الميادين تطيل شيئاً فشيئاً من عمر الإنسان لأنها تزيد أعواماً لحياته؛ هذا لا يبدو كافياً، الحياة يجب أن تبصر بعين الجمال وهذا ما جعل البعض يقول: «إذا كان الطبّ يضيف أعواماً لحياة الإنسان، فإنّ الجراحة التجميلية هي التي تعطي الحياة لأعوام الإنسان».
ـ قيل أن الجمال والذوق الدّارج (الموضة) هما إشارتان خارجيتان لحاجتنا الداخلية في التعبير عن أنفسنا ومحاولة تجديد إبداع ما بذاتنا، وقد فسرت الموضة على أنها محاولة إبداع فني على الخلق.
ـ الجمال كما يعرفه الجميع ليس أبدياً، وأيضاً لا يقدّر عمره؛ فيمكن للإنسان أن يكون جميلاً في العشرين (20 عاماً)، ومن الممكن أن نكون ذا جمال لا يقاوم في أي عمر كان (هذا رأي كوكوشانيل والسيّدة دو بومبادور).
ـ تذكير التوهم أو الخداع البصري لموليير ناير: الخط المستقيم العلوي يبدو أصغر أو أقصر من الخط السفلي نظراً للجهة المعاكسة لطرفي السهمين.
ـ من واجب المرأة أولاً أن تكون حلوة ومحببة في النظر، وهذا يصعد شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن؛ يذكرني ما نلاحظه بامرأة متقدمة جداً في السن جاءت لتطلب مني القيام بتقليص تجاعيد وجهها؛ لكن أمام قلة حماسي للقيام بهذه العملية، نظراً لسنها المتقدم جداً، قالت لي بهدوء: عندما لم نعد نثير الإعجاب فعلينا على الأقل محاولة تجنب إثارة الاشمئزاز.
ـ وأخيراً، الرغبة في الشعور بالجمال أكثر من الرغبة في الشعور بإثارة الإعجاب، ويفسره البعض على أنه الرغبة في الإحساس بحب الآخر.
ـ هذه الرغبة في أن يشعر الرجل نفسه محبوباً أو المرأة محبوبة أكثر فأكثر، هي الرسالة التي يوّد أنصار ومحبّي عالم الجمال تبليغها كونراد لورنس يؤكد ذلك: «كلنا نحب الأطفال ونرغب في حمايتهم، هذا غريزي: فهل نوبخ إنساناً بمجرد رغبته في التشبه بها ليكون بدوره محبباً أكثر فأكثر»؟.
نظريته كاملة لا نعارضها، وما يمكننا أخذه بعين الاعتبار هو أنّ جراح التجميل يبذل كل جهده في عملياته لإعادة إظهار كلّ ملامح الطفولة في وجه مريضه! (كل هذا ممكن بالطبع ومرغوب فيه) لكي يخلق من خلالها كل التأثر والإعجاب.
شاهدنا إذن العلاقة الوطيدة الموجودة بين الجمال والإعجاب ورنينها التجميلي الذي له صدى على العقل والقلب معاً؛ ونلخصها في مقولة (تييوفيل قوتيي) «الإعجاب هو الحب بالعقل، والحب هو الإعجاب بالقلب»
د. بيير ف. فورنيي (باريس)
م ن ق و ل