binhlailبن هليــل
11-01-2008, 02:33 PM
ملك.. العدالة والقضاء ? http://www.almadinapress.com/images/thumbnails/1041409.jpg كتب - محرر الشؤون المحلية? عندما كان أكثر المتفائلين يتطلعون إلى تغيير جزئي في النظام القضائي لسد بعض الثغرات هنا وهناك كان خادم الحرمين الشريفين يفكر في نظام شامل لتعزيز مسيرة الإصلاحات واستقلالية القضاء لنشر العدالة في المجتمع انطلاقا من رؤيته وقناعته التي يؤكدها دائماً بقوله (أعاهدكم أن أعدل بينكم).?واذا كانت خطط التطوير والتحديث لانهاية لها طالما بقيت العقلية الابتكارية الاصلاحية قائمة فانه يمكن القول بمزيد من الارتياح ان صدور نظام القضاء الجديد يعتبر من ابرز القرارات التحديثية في عهد خادم الحرمين الشريفين الذي دخل سباقا مع الزمن من اجل محو الصورة الذهنية عن منهجية القضاء السعودي.?جوانب القصور ?كان المشهد يعتوره الكثير من القصور في ظل نقص واضح في اعداد القضاة ومساعديهم وغياب التخصص في القضايا والحكم على درجتين فقط. ولكل هذه المعطيات كان الترحيب فوق العادة بصدور هذا النظام في اواخر شهر رمضان الماضى في انجاز يحسب لخادم الحرمين الذي اكمل (الصورة) بتخصيص 7 مليارات ريال من اجل البدء في تحديث النظام. والواقع ان تطوير النظام القضائى ليس وليد فترة زمنية قصيرة بل جاء تتويجاً لنقلة شاملة في الانظمة التي تتعلق بالبنية التحتية ومشاريع التنمية المتكاملة منذ قرابة 10 سنوات كاملة. لقد سئل احد المستثمرين الاجانب ذات مرة عن سر عزوفه عن القدوم للاستثمار في المملكة فقال: ان الفرص الواعدة في بلادكم مغرية وجاذبة وتحقق ارباحا مجزية خصوصا الاستثمارات في مجال الطاقة لكننا نفضل الاستثمار في دول اخرى اقل جذبا لان البيئة العدلية تشكل احد اكبر العوائق التي تعيق الاستثمار في المملكة. ولعل هذا ما يفسر بقاء الاستثمارات الاجنبية تراوح مكانها لسنوات طويلة في المملكة حيث كانت في حدود 6 مليارات ريال في بداية القرن الحالى قبل ان تقفز حاليا الى قرابة 55 مليار ريال في 2006. ?عزوف عن الاستثمار العقاري?واذا كان هذا الرأي يعكس رؤية الاجانب في فترة ما فلعل الصورة تكون اكثر وضوحا في مجال الاستثمار العقارى حيث عزف الكثير من العقاريين عن الانخراط في مجال بناء المساكن وتأجيرها نتيجة لاصرار كثير من المستأجرين عن التملص من دفع الايجارات رغم الاجراءات التي تتخذها امارات المناطق وصدور احكام القضاة. وقد يصل الامر في النهاية بالمالك الى استعطاف الساكن على الخروج مع ترك كامل قيمة الايجار له. ?واذا كان الجميع يتفق على اهمية الالتزام باحكام القضاء فان الاشكالية الكبرى في المملكة طوال الفترة السابقة ظلت في التنفيذ لاسيما في الشق المدنى من الاحكام. فالمدعى مطالب بان يراقب خصمه وان يذهب الى الشرطة والحقوق المدنية للابلاغ عن انه موجود بالبيت لايصال الحكم له او الزامه بالحضور وعندما يهم العسكرى للخروج من موقعه لضبط واحضار المشكو في حقه يكون قد علم بكل شىء وخرج من منزله او اخبر بناته او زوجته بالقول انه ليس موجودا وساعتها لن يجد العسكرى امامه سوى الانصراف في حين يكتفي المدعي بندب حظه والعودة الى منزله بخفي حنين. ?تحديات النظام الجديد ?ان المؤمل في النظام الجديد ان يقضي على سلبيات الوضع القائم سريعا لاسيما فيما يتعلق بالعناصر البشرية وعزوف الكثيرين عن العمل في مهنة قاضٍ. لقد كشفت الارقام المتداولة عن ان القضاء في المملكة كان يواجه بالفعل صعوبات كبيرة طيلة السنوات الماضية فأعداد القضاة كانت محدودة ولا تزيد عن 1000 قاضٍ فقط وتشير الارقام الى ان النسبة في المملكة وفقا لعدد السكان لا تزيد على 4.2 قاضٍ لكل 100 الف نسمة في حين ان النسبة المتعارف عليها هي في الدول المتقدمة 25 قاضياً لكل 100 الف مواطن ?* غياب التخصص عن عمل القضاة وذلك على الرغم من تعدد القضايا وتنوعها في العصر الراهن لاسيما في قضايا الاقتصاد والمعاملات المالية المتشعبة وكلها تحتاج الى التخصص. ?* يؤدى النقص في اعداد مساعدي القضاة الى عدم تفرغ القضاة بالكامل لاعمالهم وهو ما يفاقم الاعباء على القضاة. ?* توجد قرابة 33 لجنة تتمتع باختصاصات قضائية موزعة على مختلف الوزارات تبت في القضايا ولديها صلاحيات كاملة وتنفذ احكامها عن طريق السلطة التنفيذية بعيدا عن سلطات القضاء المباشرة. ?* الحكم في القضايا يتم على درجتين الاولى محكمة عامة والثانية تمييز في حين ان دولا كثيرة جعلت هناك 3 درجات للتقاضى لضمان احكام اكثر دقة وتمحيصا.?* على الرغم من انشاء ديوان المظالم كقضاء ادارى ينظر في التظلمات من اجهزة الدولة الا ان الواقع يشهد بتحوله الى النظر في قضايا منازعات افراد واخرى جنائية. ?* على الرغم من العمل بنظام التحكيم التجارى الا انه لم يسهم بشكل ملموس في تخفيض اعداد القضايا في المحاكم. ?* لم يتم الاهتمام بالقدر الكافى بتطوير مناهج كليات الشريعة لتخريج قضاة ومحامين على درجة عالية من التأهيل. ?* لمس الجميع وجود تباين ملحوظ في الاحكام في نفس القضايا وهو ما يثير الجدل لغياب التقنين في الاحكام والتوسع في البدائل اسوة بماهو معمول به في الدول الاخرى. ?* عدم نشر الاحكام القضائية كسوابق يمكن الاسترشاد بها وهو ما يسهم في اجلاء النظر حول الكثير من القضايا كنظام معمول به في مختلف دول العالم. ?تكدس القضايا ?وربما لكل هذه الاسباب كان من الضرورى اعادة النظر في نظام القضاء في ظل تكدس القضايا واستمراء البعض في عدم الوفاء بالتزاماتهم وباتت مقولة (روح للمحكمة) نوعاً من التصريف مما يجعل البعض يصرف النظر عن قضاياهم في ظل عدالة بطيئة (قضية المساهمات نموذج واضح).?ويأمل الكثير من الخبراء في ان يسهم النظام الجديد الذي قنن بعض الجوانب التنظيمية والفنية في احداث نقلة نوعية في مرفق القضاء بأكمله من خلال عدة محاور لعل من ابرزها: ?**تنوع درجات التقاضى على ثلاث درجات لاعطاء المتقاضين الفرصة الكاملة في محاكمة عادلة الاولى محاكم الدرجة الاولى (محاكم جزائية واحوال شخصية وتجارية وعمالية) ومحاكم الاستئناف والمحكمة العليا على ان تتولى كل محكمة تأليف عدد من الدوائر لمختلف القضايا مما يسهم في تسريع اصدار الاحكام.?** ضمن النظام الجديد انشاء المحاكم المتخصصة لمواكبة التوسع في الانشطة وتعدد القضايا وتعقدها. ?** أدى استحداث مجلس القضاء الاعلى الى الفصل بين العمل اليومى الفنى وشؤون القضاة وبهذا اقتصر نشاطه على الشؤون الادارية المتعلقة بعمل القضاة والتفتيش القضائى وانشاء المحاكم وبعض الاختصاصات الاخرى. ?** سمح النظام الجديد لحملة الشهادات الاخرى المعادلة لمعهد القضاء العالى بالانضمام الى سلك القضاة بعد اداء الاختبارات اللازمة وذلك بهدف سد العجز الشديد في اعداد القضاة. ?** يؤدى انشاء المحاكم المتخصصة في ظل الوضع الراهن الى تسريع حسم القضايا. ?** النظام الجديد يؤسس لانشاء محكمة استئناف في حين تتولى المحكمة العليا مراقبة تطبيقات انظمة الشريعة لتكون بمثابة محاكم للنقض في الدول الاخرى. ?دراسة القانون والشريعة ?ولعل من المميزات التي يحققها النظام الجديد وكانت غائبة نوعا ما هي جمع القاضى بين دراسة المواد الشرعية والقوانين والنظم المختلفة. يوضح ذلك المادة 35 في فصل درجات السلك القضائى حيث تقول (يشترط فيمن يشغل درجة قاضى ب ان يكون قد قضى سنة على الاقل في درجة قاضى ج او اشتغل باعمال قضائية لمدة 4 سنوات على الاقل او يكون حاصلا على شهادة الماجستير من المعهد العالى او من احدى كليات الشريعة في المملكة في تخصص الفقه او اصوله او يكون حاصلا على دبلوم دراسات الانظمة من معهد الادارة العامة ).?آليات التنفيذ وتغيير الصورة النمطية ?ولا جدال على ان النظام الجديد الذي يشدد على استقلالية القضاء والقضاة سيكون له ابلغ الاثر على طمأنة الجهات التي نتعامل معها خارجيا على سلامة الاجراءات القضائية وشفافيتها واستقلالها لكنه في المقابل سيظل في حاجة الى اليات قوية للتنفيذ وفق برنامج واضح وكذلك تبويب الاحكام القضائية ونشرها ونشر الثقافة الحقوقية في المجتمع وتطوير كليات القانون والشريعة. واذا كان القضاء يعد عبادة جليلة ومن القربات الى الله فان الدولة السعودية حرصت على ان يقوم القضاء على تحكيم الكتاب والسنة في كل المجالات حيث يقول الملك عبد العزيز يرحمه الله (نحن دولة تقوم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتناهض كل ما يتعارض مع ذلك أو يخرج بنا عنه) كما قال عندما دعا علماء الحجاز واهل الرأي عند دخوله مكة (ان افضل البقاع هي التي يقام فيها شرع الله وافضل الناس من اتبع امر الله). وعلى الرغم من التحولات التي شهدها العالم في السنوات الخمسين السابقة الا ان المملكة ظلت متمسكة بمنهجها الثابت في الاصلاح. والحقيقة ان النظام الجديد عندما فتح المجال للمحاكم المتخصصة التجارية والعمالية على سبيل المثال كان يستجيب للواقع المعاش حاليا حيث استجدت قضايا عديدة في صناعات الدواء والطب وجرائم التأمين والحوادث الصناعية. ان اختلاف المراجع القضائية لدى القضاة ادى الى احكام مختلفة وربما متباينة في القضايا المتشابهة مما يدفع بالمتخاصمين الى الاستئناف لدى قاض آخر وإطالة فترة التقاضى وربما يؤدى ذلك الى انصراف البعض عن مباشرة قضاياهم لكثرة الخسائر المادية والمعنوية التي سيتكبدونها. ولعلنا نوجز هنا بعض التحديات التي يواجهها النظام الجديد وابرزها : ?** الحاجة الى الف قاض في المرحلة الاولى على اقل تقدير من اجل تشغيل محاكم درجتى الاستئناف والنقض. ?** تطوير التعليم الحقوقى حاليا حيث يعانى من صعوبات لتسرب الخريجين منه فضلا عن عدم مجاراته للتحولات الحديثة في المجتمعات. ?إصلاح القضاء ليس عصا سحرية ?لكن في كل الاحوال لا يمكن اليوم التعويل على القضاء في كل شىء لان جميع الاجهزة الحكومية لابد ان تقوم بدورها كاملا في تعزيز الجانب الرقابي الوقائى بداية من البلديات عبر الحد من المخالفات اليومية والتعديات على الاراضى البيضاء وحقوق الاخرين. كما ان اجهزة الدولة الرقابية مطالبة ايضا بتفعيل دورها للحد من المخالفات المالية والادارية بما يضمن حقوق الافراد والحد من أي تجاوزات ضدهم فالمعروف ان المحاكم مليئة حاليا بمئات القضايا من هذا النوع. ?واذا كانت الدراسات قد اشارت مؤخرا الى ان قرابة 30% من القضايا في المحاكم تتعلق بالاحوال الشخصية ومنها الخلع والطلاق والنفقة فيمكن على الاقل تخفيض هذه النسبة بحد اقصى 50% لو عملنا على عدة محاور بسيطة من أبرزها:?** توعية الازواج والزوجات بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات قبل الزواج للحد من الخلاف المؤدى الى الطلاق وما يستتبعه ذلك من السير الى المحاكم. ?** اعلاء شأن مجالس الصلح الاسرى عبر آلية (حكم من أهله وحكم من أهلها) التي نسيناها بشكل كبير في السنوات الاخيرة وبات الخلاف هو السائد. ?** اشعار الابناء بان الزواج مسؤولية كبرى وشركة يجب ان تقوم على التضامن لانه لافائز فيها ولا خاسر.?من جهة اخرى ينبغى العمل بشكل متواصل على تعزيز الثقافة الحقوقية في المجتمع من خلال التوسع في البرامج المختلفة وتبنى النظرة الاسلامية للمجرم وشروط الجريمة. يقول الباحث د. عبد الحليم عويس (تنظر الشريعة الاسلامية الى المجرم نظرة اجتماعية انسانية في آن واحد ففى حين تخشى الشريعة على المجتمع حينما تشيع فيه اجواء الجريمة ويستخف بأمنه وسلطته المجرمون فهى في الوقت نفسه تدرأ الحدود بالشبهات فتعفو عن السارق اذا وجدت ملابسات معينة كالجوع والاشراف على الهلاك واذا نفذت العقوبة على الجانى راعت مختلف الضوابط الانسانية التي تمنحه فرصة العودة الى المجتمع عضوا صالحا نافعا مقبولا بدون ادنى تحفظ اذا ثبتت توبته وصلاحيته).?واذا كان المحك الرئيسى للاصلاحات القضائية سيكون بشكل مبدئى في حجم التطور الذي سيلمسه المتقاضون في سرعة التقاضى وفترات الانتظار فان الامر سيكون محكوما بشكل تلقائى بحجم الدوائر القضائية في كل محكمة ووعى المجتمع بانه ليس من الضروري اللجوء الى المحكمة لفض اى نزاع حتى لو كان بسيطا فهناك على سبيل المثال التحكيم التجارى والمجالس العرفية. لكن وكما قال احد المحامين فان (من الاسباب الرئيسية التي ادت الى زيادة طوفان القضايا في المحاكم البعد عن الله واستمراء الاستيلاء على حقوق الانسان باعتبار ذلك شطارة).? ولعله من الوهلة الاولى يبدو واضحا للمتابع زيادة واضحة في ضعف الالتزام بسداد الحقوق والاقساط والشيكات الامر الذي يهدد النشاط الاقتصادى في مجالات عديدة. واذا كنا على قناعة بان خادم الحرمين قد وضع بهذا النظام الآلية المناسبة التي تيسر على الناس شؤون حياتهم فانه بالاجمال يمكن القول ان 50% من القضايا في المحاكم كان يمكن حلها وديا لو حرص الجميع على الالتزام بأساسيات الشريعة الاسلامية.? المدينة