المستشــار
11-12-2007, 01:57 PM
لظاهر بيبرس تركي وليس شركسي /رد على الجمعية الشركسية
نشرت صحيفة ألب روز الصادرة عن الجمعية الشركسية مقالة عن أصل الظاهر بيبرس تحاول نسبه إلى الشركس ونحن نقول لاخواننا الشركس بداية نحن نتخلى لكم عن الظاهر بيبرس مقابل أن تقولوا :" جميع الأدلة والمصادر العلمية تثبت أن الظاهر بيبرس تركي ولكن نحن الشركس نرى أنه شركسي "
تأكيداً على تركية الظاهر بيبرس[/color]
الأدلة الخمسة عشر..على بطلان ما جاء في "الأدلة العقلية الخمسة"
بداية أودّ أن يعلم القارئ الكريم أن طريقة الاستدلال العقلي قد تصحّ في مناحي العلم المختلفة ، وقد تثمر ثمراً نافعاً..إلا في علم التاريخ ، فهو استعراض لأخبار الأمم و تجاربها
و دراسة تحليلية لأسبابها و استقراء عملي لنتائجها، و إنما يعمل العقل فيه عمل الناقد للنصوص و المحلل للروايات لا عمل الصانع فيها يخترع من عقله أشياء يتوهّمها فتصبح في ظنه حقائق لا جدال فيها،
و في علم التاريخ تحديداً لا يجوز الجدال على رواية تاريخية ما في موضع النص الصريح القاطع المتواتر.
و أنا من بعد هذا المقال المستفيض في نقض أوهام صاحبنا "صاحب الأدلة الخمسة"لن أكتب فيه من بعد..و أعد إخوتنا من الشركس أن أترك بيبرس هدية خالصة لهم من دون المؤمنين
على أننا نشترط عليهم قبل أن يكتبوا عن شركسية بيبرس و عن ملاحمه الشركسية أن يكتبوا هذه العبارة :" نحن الشراكس نرى أن الظاهر بيبرس هو شركسي مع أن جميع المصادر التاريخية تجمع على أنه تركي من القبجاق "،أو كما قال صاحب الأدلة العقلية:
"الظاهر بيبرس لم يكن مغولياً بل هو في قناعتي شركسي "
يقول صاحب الأدلة العقلية:
1-"إن الظاهر بيبرس باعتباره مسلماً عقائدياً لم يكن يعني له كثيراً كونه شركسي أو تركي فالشعور الإسلامي
الأممي كان مسيطراً عليه إلى أبعد الحدود وشغله الشاغل كان قتال المغول والصليبيين والأرمن، ولذلك طلب من كاتب سيرته ابن عبد الظاهر الاكتفاء بمصطلح
"تركي بحكم الولادة." " انتهى. تأمل!!
و نحن من هذا الذي قاله نخرج بالاستنتاجات العقلية التالية:
1-نفهم من "صاحب الأدلة العقلية" أن الظاهر بيبرس هو الذي طلب إلى كاتب سيرته أن يكتفي بمصطلح "تركي بحكم الولادة"!!!
فالرأي العام وقتذاك لم يكن مناسباً و لا قادراً أن يفهم معنى كلمة "جركس" فضلاً عن كلمة "أديغة"!!
و ظروف الحرب الكثيفة لم تمنح الفرصة لبيبرس لكي يشرح للناس أنه في أصوله و"جيناته"شركسي أصيل من الأديغة و أن"مكان ولادته"فقط كان في أرض القبجاق
و من هنا فقد حدث لبس في أثناء اختطافه منها و بيعه فحسبه الناس تركياً !!
2-إذا كان الظاهر بيبرس "مسلماً عقائدياً ولم يكن يعني له كثيراً كونه شركسي أو تركي فالشعور الإسلامي الأممي كان مسيطراً عليه إلى أبعد الحدود " كما ذكر باحثنا صاحب المقالة!
فالأولى بـ"بيبرس"التقي الورع -أن لا يذكر شيئاً عن أصله و نشأته مادام "مسلماً عقائدياً"يعفّي "شعوره الإسلاميّ الأممي "على أي أصل أو انتماء آخر له!،
و كان أليق به و بورعه أن لا يرضى عن تدوين سيرته الذاتية على النحو الذي تقرؤه فيها،إذ كانت كلها تمجيداً له و تعظيماً لمنجزاته و رفعاً له فوق كل الشبهات!!
على أن المعروف عن الظاهر بيبرس حبه لأبّهة الملك و اهتمامه الخاص بتمجيد نفسه الأمر الذي دعاه لأن يتّخذ لنفسه رنكاً خاصاً به(شعارالأسد)و أن يقيم نصباً تذكارياً في موقع عين جالوت تخليداً
لانتصاراته فيها(وكان هذا أول نصب تذكاري أقيم في تاريخ الإسلام كله!)(انظر السلوك للمقريزي ج1ص 446)!!
مثل هذا الرجل لا يقف به تواضعه عند ما يملي على كاتب سيرته حديثاً مطوّلاً عن ولادته و نشأته ثم يرضى بانتماءه إلى غير قومه على سبيل الاختصار!!
2-يقول صاحب الأدلة العقلية :"طبقاً لرواية الأمير بدر الدين بي ساري الشمسي وهو من القبيلة نفسها(القبجاق)التي ينتمي إليها بيبرس وخُطفَ معه
فإنه وبيبرس ولدا في أرض القفجاق،" و بعد أن أورد صاحب المقالة رواية الأمير باي ساري و التي يذكر فيها صراحةََ أن "بيبرس ولد بأرض القبجاق"
جعل صاحبنا يتمحّل تمحّلاً غريباً في تأويل النص على أن يجعل موطن بيبرس "بلاد الأديغة"حيث يقول :
"والحقيقة الثانية أن موقع ولادة بيبرس لم يكن في كازاخستان بل في شمالي غرب القفقاس في منطقة كانت حتى القرن السابع عشر شركسية الطابع،"
3-لم يذكر واحد (واحد فقط يكفيني)ممن تحدّثوا أو كتبوا أو أرّخوا للظاهر بيبرس ابتداءً من صنوه وزميله و مواطنه(ابن حتّته كما يقول العامة في مصر)الأمير باي ساري مروراً بابن عبد الظاهر(و كان ممن جالسوه و كتبوا له و من أقرب المقرّبين إليه )
أن الظاهر بيبرس كان شركسياً أو أنهم قالوا أشباه ذلك أو حتى أبدوا أي تشكّك أو تردّد في أثناء تسجيل انتماء"الظاهر بيبرس"إلى قبيلة القبجاق التركية التي أعطت اسمها لتلك السهوب في جنوبي روسيا!
4-أجمعت جميع المصادر التاريخية المملوكية كلها على أن الظاهر بيبرس تركي من قبيلة القبجاق التركية ،و لم يذكر غير ذلك أحد من مؤرّخي المماليك (وبعضهم من أبناء المماليك أنفسهم كابن تغري بردي و ابن إياس الشركسي)
و إن كثيراً من مؤرخي تلك الحقبة(حتى العرب منهم)كانوا ذوي مناصب مهمة و مكانة رفيعة عند ملوكهم و كان يخالطونهم و يجالسونهم ؛ ونذكر من هؤلاء :القاضي ابن خلكان و ابن عبد الظاهر الذي كان نديماً للظاهر بيبرس و كان كاتبه الخاص !!
فهل كان أمثال هؤلاء يغيب عنهم أن ملكهم "الظاهر بيبرس"ليس تركياً و خاصّة أنه -كما زعم صاحبنا - كان بدعاً عن كل محيطه من السلاطين و الأمراء الأتراك(و كان أغلبهم من القبجاق)"لا يعرف اللغة التركية"!!
5-اسم بيبرس :هو اسم تركي صميم ، فنحن نقرأ للمؤرخ المملوكي الشهير ابن تغري بردي :لسلطان الملك القاهر ثم الظاهر ركن الدين أبو الفتوح بيبرس بن عبد الله البندقداري الصالحي النجمي الأيوبي التركي،
سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية وهو الرابع من ملوك الترك.
مولده في حدود العشرين وستمائة بصحراء القبجاق، والقبجاق قبيلة عظيمة في الترك.
وهو (أي اسم بيبرس)بكسر الباء وسكون الياء المثناة من تحتها ثم فتح الباء الموحّدة وسكون الراء والسين المهملتين ومعناه باللغة التركية: أمير فهد." انتهى.(النجوم الزاهرة:ج2ص276)
فإذا علمتَ أن ابن تغري بردي(الذي كان يعيش في عهد دولة المماليك البرجية الشراكسة)كتَبَ ما كتبَ عن معنى اسم بيبرس في اللغة التركية فلم نجد أحداً(من شراكسة جيله أو ممن جاء بعده)اعترض عليه
و ذكر أن الاسم شركسي محض (كما يفعل شراكسة اليوم)!!!
6- يحدّثنا "صاحب الأدلة العقلية"عن معنى بيبرس بالشركسية فيقول:"وقد وجدت أن أفضل ترجمة عربية للاسم هي الظاهر للعدو.وهو اللقب الذي تكنى به بيبرس عندما أصبح سلطاناً
.وعليه لا أعتقد أن اختياره للاسم كان اعتباطياً بل كان يعبر عن فهمه لاسمه بالشركسية." ولكن ماذا سيكون موقف صاحبنا إذا علم أن هذا اللقب لم يكن هو اختياره الشخصي ،
بل كان قد اختار لنفسه لقب "الملك القاهر"فما كان من الوزير يعقوب بن الزبير إلا أن دخل على السلطان بيبرس بالقلعة وأشار عليه بتغيير لقبه"القاهر"و قال له ناصحاً:
"ما لُقّبَ به أحد فأفلحَ، لقب به القاهر بن المعتضد فخُلِعَ من الخلافة و سُحِل؛ ولُقّب به القاهر ابن صاحب الموصل فسُمّ"! و لذلك تشاءم منه بيبرس من لقب "القاهر" و اتخذ لقباً جديداً هو "الظاهر"!!(النجوم الزاهرة ج7ص103و104)
7-القلقشندي (المتوفى سنة821هـ)و الذي عاصر السلطان برقوق(مؤسّس دولة المماليك البرجية الشركسية)كتب في معرض حديثه عن "دشت القبجاق"="إقليم القبجاق"في كتابه "صبح الأعشى":
"الإقليم الثاني الدشت(دشت القبجاق):بفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة وتاء مثناة فوق في الآخر - وهي صحارى في جهة الشمال،
وتضاف إلى (قوم)القبجاق وهم جنس من الترك يسكنون هذه الصحارى، أهل حل وترحالٍ، على عادة البدو." ثم يقول عن القبجاق في الصفحة التالية:
"..فهم من خيار الترك أجناساً لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر، مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم.
ثم قال: ومنهم معظم جيش الديار المصرية من ملوكها وأمرائها وجندها؛ إذ لما رغب الملك الصالح نجم الدين أيوب في مشترى المماليك منهم،
ثم صار من مماليكه من انتهى إلى الملك والسلطنة، فمالت الجنسية إلى الجنسية، ووقعت الرغبة في الاستكثار منهم حتى أصبحت مصر بهم آهلة المعالم، محمية الجوانب؛
منهم أقمار مواكبها، وصدور مجالسها، وزعماء جيوشها، وعظماء أرضها وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين، حتى إنهم جاهدوا في الله أهليهم.
قال:وكفى بالنصرة الأولى يوم عين جالوت في كسر الملك المظفر قطز صاحب مصر إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة عساكر هولاكو ملك التتر بعد أن عجز عنهم عساكر الأقطار
أما في زماننا هذا فإنه لما قام السلطان الملك الظاهر برقوق من جنس الجركس، رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند، وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم. " انتهى(من صبح الأعشى ج2ص206).
8-على عكس برقوق الذي كان شركسياً و الذي "رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند،
وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم"(صبح الأعشى ج2ص206)،فإن الظاهر بيبرس أكثر من شراءالمماليك
من بني جنسه القفجاق، إذ "مالت الجنسية إلى الجنسية" على قول القلقشندي، و وقعت الرغبة في الاستكثار من القبجاق على عهد بيبرس"(راجع ص 216 من كتاب قيام دولة المماليك الأولى ،للدكتور أحمد مختار العبادي).
"وكان برقوق جركسي الجنس،....وكان ملكاً حازماً، شهماً، صارماً، شجاعاً، مقدما، فطناً، ...وكان يحب الاستكثار من المماليك، ويقدم الجراكسة على الأتراك والروم،"(السلوك ج2 ص500).
9- جاء في كتاب النجوم الزاهرة لا بن تغري بردي -في ترجمته لبيبرس الثاني(الجاشنكير)البرجي (الذي تولى الحكم عام 708هـ أي بعد وفاة بيبرس الأول الذي هو موضوع نقاشنا بـ32سنة)ما يلي:
"السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصوري الجاشنكير، أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون البرجية،
وكان جركسي الجنس،ولم نعلم أحداً ملك مصر من الجراكسة قبله .."و من هذا النص الصريح لأحد أولاد المماليك و أحد أعظم مؤرّخي الفترة المملوكية نستنتج "عقلياً" ما يلي:
أولاً-أن المؤرخين المعاصرين للمماليك كانوا -و بعكس ما موّه علينا الأستاذ الشركسي كاتب الأدلة الخمسة-على دراية تامة و تمييز دقيق بين أجناس المماليك
فقد عرفوا الرومي و ميّزوه عن الكُرْجيّ(الجيورجي)و ميّزوا بوضوح الشركس عن الترك و الأرمن و الكرج و الروس و غيرهم..
ثانياً-النفي القاطع المستنير المستيقن للجنسية الشركسية عن أي سلطان من السلاطين المماليك من قبل "الجاشنكير"هذا!!!
10-يتّضح للقرّاء مدى ما كان من التمييز بين أجناس المماليك من خلال تلك العداوات والمشاجرات و المؤامرات و الاقتتال المستمرّ على السلطة و النفوذ بين فريقي المماليك
الأتراك و الشراكسة و التي تمتلئ بها كتابات المؤرخين لتلك الحقبة و التي كان الشراكسة فيها هم الذين نفخوا نارها وأشعلوا أوارها ، فقد كانوا يحملون عنصرية شديدة لبني جنسهم
و هم الذين أوجدوا العصبية القومية بين المماليك بدلاً من عصبية الزمالة في الطباق "الخشداشية" التي كانت فاعلة في العهد المملوكي التركي ، وكنت تجدها بين أصحاب الجنسيات المختلفة من المماليك
من الروم و الترك و الكرج ..(انظر الصفحات 351و 356و 369كتاب :تاريخ المماليك في مصر و الشام ،د.سهيل طقوش،دار النفائس-بيروت-ط1،1997م-
أيضاً: المماليك،د.السيد الباز العريني-دار النهضة العربية ،بيروت ص68)
11- و أما عن صفة الظاهر بيبرس و ملامحه فيقول المقريزي في كتابه "السلوك ":
"وكان قفجاقي الأصل، طويل القامة أسمر اللون، في عينيه زرقة وبإحدى عينيه نقطة صغيرة، صوته جهوريا،"(السلوك ج1ص211)...
وهذه صفات أتراك القبجاق(لا كما أتوهمها أنا بل كما أوردها المؤرخون و الجغرافيون)كما أوردها القلقشندي أعلاه
في كتابه صبح الأعشى:"فهم (أي القبجاق)من خيار الترك أجناساً لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر، مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم".
فهل سمعت عن شركسي صميم الجنس،أصيل في شركسيته، لا مغمز في جيناته ثم يكون أسمر؟!!
و لعلّك تتساءل عن عينيه و و جود زرقة فيهما؟! ألا فاعلم أن الغالبية العظمى من الشركس هم ذوو بشرة بيضاء صافية حقاً و لكن لون عيونهم هو في الغالب بنّي لا أزرق، ولك أن ترى ذلك في أعينهم!
و حتى لون الشعر عندهم فيكون أشقر عند الطفولة ثم يتحول مع الشباب إلى الكستنائي الفاتح.
و اعلم أن الزرقة في العينين هي موجودة بوفرة بين أقوام الترك
12-"ذكر زوجاته رحمه الله تعالى: بنت بركة خان التتري ؛ وبنت سيف الدين نوكاي التتري؛ وبنت الأمير سيف الدين كراي التتري؛ وبنت الأمير سيف الدين دماجي التتري؛
وشهرزورية(كردية)ولما ملك طلقها"(السلوك ج1 ص 216-أيضاً:الوافي بالوفيات ج3ص442).و لاحظ أن نساءه جميعاً كن تركيات تتريات و ليس بينهن شركسية واحدة!!
13- عندما وصل بيبرس إلى الحكم فإنه اعتمد على قوانين الياسا=اليسق(و هي الأعراف التركية المغولية-و التي نظمها و هذبها جنكيزخان فيما بعد)في تنظيم شؤون دولته إلى جانب الشريعة الإسلامية
و في ذلك يقول ابن تغري بردي :"كان الملك الظاهر -رحمه الله -يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق" (النجوم الزاهرة ج2ص308)
و يقول أيضاً في معرض حديثه عن الياسا المغولية"ولما أن تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنكرخان هذا وأموره، ففعل ما أمكنه،
ورتب في سلطنته أشياء كثيرة، لم تكن قبله بديار مصر: مثل ضرب البوقات، وتجديد الوظائف، على ما نذكره -إن شاء الله تعالى -في ترجمته.(النجوم الزاهرةج2ص205)
و هنا نسأل من باب الدعابة لم لم يلجأ بيبرس (و هو الشركسي الصميم في نظر صاحب الأدلة)في تنظيم شؤون دولته إلى "الأديغة خابزة"و هي عبارة عن مجموع الأعراف و التقاليد الشركسية
التي لا تزال فاعلة بينكم حتى يومنا هذا!!؟.فأي شركسي هذا الأسمر الذي ولد في أرض القبجاق أولاً ثم لما تسلطن أرسل في شراء المماليك من الأتراك القبجاق ليكونوا عدة جيشه و سنده ثانياً،
ثم لا يتزوّج إلا من التركيات ثالثاً ، وفوق ذلك كله هو معجب بأعراف الترك و المغول (الياسا)و متحمّس لتنفيذها في مملكته؟؟!!!!
14-و نأتي أخيراً على دليله العقلي الأخير و المثير للعجب :" لدينا الآن الدليل الرابع والذي ورد عند ابن عبد الظاهر وعند ابن واصل في كتابه المفرج، وهو أن
السلطان (بيبرس)كان يستخدم ترجماناً عربياً.."!! فكان هذا وحده عند الشركسي صاحب الأدلة دليل عقلي دامغ على أن بيبرس لم يكن يفهم اللغةالتركية!!
و هذا الدليل "الباهر"الذي اكتشفه صاحبنا الشركسي من هذا الخبر البسيط والذي غفل عنه كل الباحثين من قبل فلم ينتبه إليه أحد ( لا من المؤرخين القدماء و لا المعاصرين منهم)
لم يكن في حقيقته إلا سوء فهم (أو سوء نية في الفهم)لما ورد في الخبر، و إنما قام هذا الفهم الخاطئ من الظنّ المغلوط بأن الظاهر بيبرس كان لا يجتمع إلا بأمراء جيشه من المماليك
و كلهم إما أتراك أو يجيدون التركية لساناً و لو كانوا من الروم أو الكرج أو غيرهم(طبعاً لم يشذّ عن هذه القاعدة في نظر "صاحب الأدلة"سوى الظاهر بيبرس الذي يفترض صاحبنا افتراضاً أنه شركسي و أنه لذلك لا يعرف التركية جيداً)
و نسي "صاحب الأدلة" أنه كان من بين من يحضر مجالسه الرسمية أرباب الوزارات و القلم و الخزينة و القضاء من العرب و القبط(انظر كتاب:الظاهر بيبرس،دكتور سعيد عبد الفتاح عاشورص131و132-س أعلام العرب)
فكيف يسوغ مثل هذا المجلس إن لم يحضر بينهم ترجمان عربي؟!!
ثمّ و رغبة مني في التسلية أسأله: لماذا لم يستعن بيبرس بأحد المماليك الشراكسة ممن يعرفون التركية ترجماناً له خاصة يرافقه حيث يذهب، وبذلك يسهل على الظاهر بيبرس "الشركسي المسكين الذي كان يعيش
غربة"حتى بين مجتمعه الخاص مع بقيةالمماليك الترك الذين لا يمتون إليه و لا يعرف هو لغتهم و لا هم يعرفون لغته؟!!! ثم فوق ذلك يؤثر المسكين الزواج من تتريات تركيات بدلاً من الشقراوات الحسان من الشركسيات،
أم لعلّه(وهذا استنتاج عقلي !)كان يجلب معه "ترجمانه"حين يأوي إلى زوجاته التركيات كي يستطيع أن يفهم كلامهنّ !!.
15-ماذا "يستنتج القارئ عقلياً"من رسالة السلطان"برقوق الشركسي"إلى تيمورلنك:
1-أن الشراكسة كانوا منذ أوليتهم شديدي العنصرية لإثنيتهم.فهو يذكر له جنسه الجركسي بتفاخر كبير من دون أن يكون في رسالة خصمه ما يستوجب ذكره!!
2-أن الشراكسة -و كما تعودنا منهم- في قديمهم و حديثهم لا يرعوي أحدهم أن ينسب -و بكل جرأة-أبطال الأجناس الأخرى إليهم تزيّداً و تكاثراً بهم!!
3-من خلال ما تعلّمناه من طريقة صاحبنا في الاستدلال العقلي ،وجب أن نذكرأن مصطلح "الجركس أو الجراكسة أو الشركس و الشراكسة"هو مصطلح غامض
أيضاً في منشئه و دلالته،فهو اسم أطلقه الآخرون عليهم ، وهو فوق ذلك شديد الالتباس حتى يومنا هذا : ففي خبائه كان (و لايزال )يدخل أقوام مختلفة العرق و اللغة و الشكل و الدين
من الداغستان و اللان و الشيشان و الأنغوش و القرتشاي و القوميق و البلقار و كلها شعوب لا تمتّ بأي قرابة لغوية أو إثنية (للأديغة و الأباظة و القبرطاي)!
و إذن فما يمنع أن يكون "من خلال الاستدلال العقلي"أن يكون برقوق من القرتشاي أو الأنغوش أو الشيشان و خاصة أن المصادر التاريخية لم تذكر أبداً
أنه كان من الأديغة أو القبرطاي مثلاً!!! و لم تذكر أنه كان يعزف على "الأكرديون"أو يرقص "رقصة شركسية معروفة"!!!
منقول
نشرت صحيفة ألب روز الصادرة عن الجمعية الشركسية مقالة عن أصل الظاهر بيبرس تحاول نسبه إلى الشركس ونحن نقول لاخواننا الشركس بداية نحن نتخلى لكم عن الظاهر بيبرس مقابل أن تقولوا :" جميع الأدلة والمصادر العلمية تثبت أن الظاهر بيبرس تركي ولكن نحن الشركس نرى أنه شركسي "
تأكيداً على تركية الظاهر بيبرس[/color]
الأدلة الخمسة عشر..على بطلان ما جاء في "الأدلة العقلية الخمسة"
بداية أودّ أن يعلم القارئ الكريم أن طريقة الاستدلال العقلي قد تصحّ في مناحي العلم المختلفة ، وقد تثمر ثمراً نافعاً..إلا في علم التاريخ ، فهو استعراض لأخبار الأمم و تجاربها
و دراسة تحليلية لأسبابها و استقراء عملي لنتائجها، و إنما يعمل العقل فيه عمل الناقد للنصوص و المحلل للروايات لا عمل الصانع فيها يخترع من عقله أشياء يتوهّمها فتصبح في ظنه حقائق لا جدال فيها،
و في علم التاريخ تحديداً لا يجوز الجدال على رواية تاريخية ما في موضع النص الصريح القاطع المتواتر.
و أنا من بعد هذا المقال المستفيض في نقض أوهام صاحبنا "صاحب الأدلة الخمسة"لن أكتب فيه من بعد..و أعد إخوتنا من الشركس أن أترك بيبرس هدية خالصة لهم من دون المؤمنين
على أننا نشترط عليهم قبل أن يكتبوا عن شركسية بيبرس و عن ملاحمه الشركسية أن يكتبوا هذه العبارة :" نحن الشراكس نرى أن الظاهر بيبرس هو شركسي مع أن جميع المصادر التاريخية تجمع على أنه تركي من القبجاق "،أو كما قال صاحب الأدلة العقلية:
"الظاهر بيبرس لم يكن مغولياً بل هو في قناعتي شركسي "
يقول صاحب الأدلة العقلية:
1-"إن الظاهر بيبرس باعتباره مسلماً عقائدياً لم يكن يعني له كثيراً كونه شركسي أو تركي فالشعور الإسلامي
الأممي كان مسيطراً عليه إلى أبعد الحدود وشغله الشاغل كان قتال المغول والصليبيين والأرمن، ولذلك طلب من كاتب سيرته ابن عبد الظاهر الاكتفاء بمصطلح
"تركي بحكم الولادة." " انتهى. تأمل!!
و نحن من هذا الذي قاله نخرج بالاستنتاجات العقلية التالية:
1-نفهم من "صاحب الأدلة العقلية" أن الظاهر بيبرس هو الذي طلب إلى كاتب سيرته أن يكتفي بمصطلح "تركي بحكم الولادة"!!!
فالرأي العام وقتذاك لم يكن مناسباً و لا قادراً أن يفهم معنى كلمة "جركس" فضلاً عن كلمة "أديغة"!!
و ظروف الحرب الكثيفة لم تمنح الفرصة لبيبرس لكي يشرح للناس أنه في أصوله و"جيناته"شركسي أصيل من الأديغة و أن"مكان ولادته"فقط كان في أرض القبجاق
و من هنا فقد حدث لبس في أثناء اختطافه منها و بيعه فحسبه الناس تركياً !!
2-إذا كان الظاهر بيبرس "مسلماً عقائدياً ولم يكن يعني له كثيراً كونه شركسي أو تركي فالشعور الإسلامي الأممي كان مسيطراً عليه إلى أبعد الحدود " كما ذكر باحثنا صاحب المقالة!
فالأولى بـ"بيبرس"التقي الورع -أن لا يذكر شيئاً عن أصله و نشأته مادام "مسلماً عقائدياً"يعفّي "شعوره الإسلاميّ الأممي "على أي أصل أو انتماء آخر له!،
و كان أليق به و بورعه أن لا يرضى عن تدوين سيرته الذاتية على النحو الذي تقرؤه فيها،إذ كانت كلها تمجيداً له و تعظيماً لمنجزاته و رفعاً له فوق كل الشبهات!!
على أن المعروف عن الظاهر بيبرس حبه لأبّهة الملك و اهتمامه الخاص بتمجيد نفسه الأمر الذي دعاه لأن يتّخذ لنفسه رنكاً خاصاً به(شعارالأسد)و أن يقيم نصباً تذكارياً في موقع عين جالوت تخليداً
لانتصاراته فيها(وكان هذا أول نصب تذكاري أقيم في تاريخ الإسلام كله!)(انظر السلوك للمقريزي ج1ص 446)!!
مثل هذا الرجل لا يقف به تواضعه عند ما يملي على كاتب سيرته حديثاً مطوّلاً عن ولادته و نشأته ثم يرضى بانتماءه إلى غير قومه على سبيل الاختصار!!
2-يقول صاحب الأدلة العقلية :"طبقاً لرواية الأمير بدر الدين بي ساري الشمسي وهو من القبيلة نفسها(القبجاق)التي ينتمي إليها بيبرس وخُطفَ معه
فإنه وبيبرس ولدا في أرض القفجاق،" و بعد أن أورد صاحب المقالة رواية الأمير باي ساري و التي يذكر فيها صراحةََ أن "بيبرس ولد بأرض القبجاق"
جعل صاحبنا يتمحّل تمحّلاً غريباً في تأويل النص على أن يجعل موطن بيبرس "بلاد الأديغة"حيث يقول :
"والحقيقة الثانية أن موقع ولادة بيبرس لم يكن في كازاخستان بل في شمالي غرب القفقاس في منطقة كانت حتى القرن السابع عشر شركسية الطابع،"
3-لم يذكر واحد (واحد فقط يكفيني)ممن تحدّثوا أو كتبوا أو أرّخوا للظاهر بيبرس ابتداءً من صنوه وزميله و مواطنه(ابن حتّته كما يقول العامة في مصر)الأمير باي ساري مروراً بابن عبد الظاهر(و كان ممن جالسوه و كتبوا له و من أقرب المقرّبين إليه )
أن الظاهر بيبرس كان شركسياً أو أنهم قالوا أشباه ذلك أو حتى أبدوا أي تشكّك أو تردّد في أثناء تسجيل انتماء"الظاهر بيبرس"إلى قبيلة القبجاق التركية التي أعطت اسمها لتلك السهوب في جنوبي روسيا!
4-أجمعت جميع المصادر التاريخية المملوكية كلها على أن الظاهر بيبرس تركي من قبيلة القبجاق التركية ،و لم يذكر غير ذلك أحد من مؤرّخي المماليك (وبعضهم من أبناء المماليك أنفسهم كابن تغري بردي و ابن إياس الشركسي)
و إن كثيراً من مؤرخي تلك الحقبة(حتى العرب منهم)كانوا ذوي مناصب مهمة و مكانة رفيعة عند ملوكهم و كان يخالطونهم و يجالسونهم ؛ ونذكر من هؤلاء :القاضي ابن خلكان و ابن عبد الظاهر الذي كان نديماً للظاهر بيبرس و كان كاتبه الخاص !!
فهل كان أمثال هؤلاء يغيب عنهم أن ملكهم "الظاهر بيبرس"ليس تركياً و خاصّة أنه -كما زعم صاحبنا - كان بدعاً عن كل محيطه من السلاطين و الأمراء الأتراك(و كان أغلبهم من القبجاق)"لا يعرف اللغة التركية"!!
5-اسم بيبرس :هو اسم تركي صميم ، فنحن نقرأ للمؤرخ المملوكي الشهير ابن تغري بردي :لسلطان الملك القاهر ثم الظاهر ركن الدين أبو الفتوح بيبرس بن عبد الله البندقداري الصالحي النجمي الأيوبي التركي،
سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية وهو الرابع من ملوك الترك.
مولده في حدود العشرين وستمائة بصحراء القبجاق، والقبجاق قبيلة عظيمة في الترك.
وهو (أي اسم بيبرس)بكسر الباء وسكون الياء المثناة من تحتها ثم فتح الباء الموحّدة وسكون الراء والسين المهملتين ومعناه باللغة التركية: أمير فهد." انتهى.(النجوم الزاهرة:ج2ص276)
فإذا علمتَ أن ابن تغري بردي(الذي كان يعيش في عهد دولة المماليك البرجية الشراكسة)كتَبَ ما كتبَ عن معنى اسم بيبرس في اللغة التركية فلم نجد أحداً(من شراكسة جيله أو ممن جاء بعده)اعترض عليه
و ذكر أن الاسم شركسي محض (كما يفعل شراكسة اليوم)!!!
6- يحدّثنا "صاحب الأدلة العقلية"عن معنى بيبرس بالشركسية فيقول:"وقد وجدت أن أفضل ترجمة عربية للاسم هي الظاهر للعدو.وهو اللقب الذي تكنى به بيبرس عندما أصبح سلطاناً
.وعليه لا أعتقد أن اختياره للاسم كان اعتباطياً بل كان يعبر عن فهمه لاسمه بالشركسية." ولكن ماذا سيكون موقف صاحبنا إذا علم أن هذا اللقب لم يكن هو اختياره الشخصي ،
بل كان قد اختار لنفسه لقب "الملك القاهر"فما كان من الوزير يعقوب بن الزبير إلا أن دخل على السلطان بيبرس بالقلعة وأشار عليه بتغيير لقبه"القاهر"و قال له ناصحاً:
"ما لُقّبَ به أحد فأفلحَ، لقب به القاهر بن المعتضد فخُلِعَ من الخلافة و سُحِل؛ ولُقّب به القاهر ابن صاحب الموصل فسُمّ"! و لذلك تشاءم منه بيبرس من لقب "القاهر" و اتخذ لقباً جديداً هو "الظاهر"!!(النجوم الزاهرة ج7ص103و104)
7-القلقشندي (المتوفى سنة821هـ)و الذي عاصر السلطان برقوق(مؤسّس دولة المماليك البرجية الشركسية)كتب في معرض حديثه عن "دشت القبجاق"="إقليم القبجاق"في كتابه "صبح الأعشى":
"الإقليم الثاني الدشت(دشت القبجاق):بفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة وتاء مثناة فوق في الآخر - وهي صحارى في جهة الشمال،
وتضاف إلى (قوم)القبجاق وهم جنس من الترك يسكنون هذه الصحارى، أهل حل وترحالٍ، على عادة البدو." ثم يقول عن القبجاق في الصفحة التالية:
"..فهم من خيار الترك أجناساً لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر، مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم.
ثم قال: ومنهم معظم جيش الديار المصرية من ملوكها وأمرائها وجندها؛ إذ لما رغب الملك الصالح نجم الدين أيوب في مشترى المماليك منهم،
ثم صار من مماليكه من انتهى إلى الملك والسلطنة، فمالت الجنسية إلى الجنسية، ووقعت الرغبة في الاستكثار منهم حتى أصبحت مصر بهم آهلة المعالم، محمية الجوانب؛
منهم أقمار مواكبها، وصدور مجالسها، وزعماء جيوشها، وعظماء أرضها وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين، حتى إنهم جاهدوا في الله أهليهم.
قال:وكفى بالنصرة الأولى يوم عين جالوت في كسر الملك المظفر قطز صاحب مصر إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة عساكر هولاكو ملك التتر بعد أن عجز عنهم عساكر الأقطار
أما في زماننا هذا فإنه لما قام السلطان الملك الظاهر برقوق من جنس الجركس، رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند، وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم. " انتهى(من صبح الأعشى ج2ص206).
8-على عكس برقوق الذي كان شركسياً و الذي "رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند،
وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم"(صبح الأعشى ج2ص206)،فإن الظاهر بيبرس أكثر من شراءالمماليك
من بني جنسه القفجاق، إذ "مالت الجنسية إلى الجنسية" على قول القلقشندي، و وقعت الرغبة في الاستكثار من القبجاق على عهد بيبرس"(راجع ص 216 من كتاب قيام دولة المماليك الأولى ،للدكتور أحمد مختار العبادي).
"وكان برقوق جركسي الجنس،....وكان ملكاً حازماً، شهماً، صارماً، شجاعاً، مقدما، فطناً، ...وكان يحب الاستكثار من المماليك، ويقدم الجراكسة على الأتراك والروم،"(السلوك ج2 ص500).
9- جاء في كتاب النجوم الزاهرة لا بن تغري بردي -في ترجمته لبيبرس الثاني(الجاشنكير)البرجي (الذي تولى الحكم عام 708هـ أي بعد وفاة بيبرس الأول الذي هو موضوع نقاشنا بـ32سنة)ما يلي:
"السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصوري الجاشنكير، أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون البرجية،
وكان جركسي الجنس،ولم نعلم أحداً ملك مصر من الجراكسة قبله .."و من هذا النص الصريح لأحد أولاد المماليك و أحد أعظم مؤرّخي الفترة المملوكية نستنتج "عقلياً" ما يلي:
أولاً-أن المؤرخين المعاصرين للمماليك كانوا -و بعكس ما موّه علينا الأستاذ الشركسي كاتب الأدلة الخمسة-على دراية تامة و تمييز دقيق بين أجناس المماليك
فقد عرفوا الرومي و ميّزوه عن الكُرْجيّ(الجيورجي)و ميّزوا بوضوح الشركس عن الترك و الأرمن و الكرج و الروس و غيرهم..
ثانياً-النفي القاطع المستنير المستيقن للجنسية الشركسية عن أي سلطان من السلاطين المماليك من قبل "الجاشنكير"هذا!!!
10-يتّضح للقرّاء مدى ما كان من التمييز بين أجناس المماليك من خلال تلك العداوات والمشاجرات و المؤامرات و الاقتتال المستمرّ على السلطة و النفوذ بين فريقي المماليك
الأتراك و الشراكسة و التي تمتلئ بها كتابات المؤرخين لتلك الحقبة و التي كان الشراكسة فيها هم الذين نفخوا نارها وأشعلوا أوارها ، فقد كانوا يحملون عنصرية شديدة لبني جنسهم
و هم الذين أوجدوا العصبية القومية بين المماليك بدلاً من عصبية الزمالة في الطباق "الخشداشية" التي كانت فاعلة في العهد المملوكي التركي ، وكنت تجدها بين أصحاب الجنسيات المختلفة من المماليك
من الروم و الترك و الكرج ..(انظر الصفحات 351و 356و 369كتاب :تاريخ المماليك في مصر و الشام ،د.سهيل طقوش،دار النفائس-بيروت-ط1،1997م-
أيضاً: المماليك،د.السيد الباز العريني-دار النهضة العربية ،بيروت ص68)
11- و أما عن صفة الظاهر بيبرس و ملامحه فيقول المقريزي في كتابه "السلوك ":
"وكان قفجاقي الأصل، طويل القامة أسمر اللون، في عينيه زرقة وبإحدى عينيه نقطة صغيرة، صوته جهوريا،"(السلوك ج1ص211)...
وهذه صفات أتراك القبجاق(لا كما أتوهمها أنا بل كما أوردها المؤرخون و الجغرافيون)كما أوردها القلقشندي أعلاه
في كتابه صبح الأعشى:"فهم (أي القبجاق)من خيار الترك أجناساً لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر، مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم".
فهل سمعت عن شركسي صميم الجنس،أصيل في شركسيته، لا مغمز في جيناته ثم يكون أسمر؟!!
و لعلّك تتساءل عن عينيه و و جود زرقة فيهما؟! ألا فاعلم أن الغالبية العظمى من الشركس هم ذوو بشرة بيضاء صافية حقاً و لكن لون عيونهم هو في الغالب بنّي لا أزرق، ولك أن ترى ذلك في أعينهم!
و حتى لون الشعر عندهم فيكون أشقر عند الطفولة ثم يتحول مع الشباب إلى الكستنائي الفاتح.
و اعلم أن الزرقة في العينين هي موجودة بوفرة بين أقوام الترك
12-"ذكر زوجاته رحمه الله تعالى: بنت بركة خان التتري ؛ وبنت سيف الدين نوكاي التتري؛ وبنت الأمير سيف الدين كراي التتري؛ وبنت الأمير سيف الدين دماجي التتري؛
وشهرزورية(كردية)ولما ملك طلقها"(السلوك ج1 ص 216-أيضاً:الوافي بالوفيات ج3ص442).و لاحظ أن نساءه جميعاً كن تركيات تتريات و ليس بينهن شركسية واحدة!!
13- عندما وصل بيبرس إلى الحكم فإنه اعتمد على قوانين الياسا=اليسق(و هي الأعراف التركية المغولية-و التي نظمها و هذبها جنكيزخان فيما بعد)في تنظيم شؤون دولته إلى جانب الشريعة الإسلامية
و في ذلك يقول ابن تغري بردي :"كان الملك الظاهر -رحمه الله -يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق" (النجوم الزاهرة ج2ص308)
و يقول أيضاً في معرض حديثه عن الياسا المغولية"ولما أن تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنكرخان هذا وأموره، ففعل ما أمكنه،
ورتب في سلطنته أشياء كثيرة، لم تكن قبله بديار مصر: مثل ضرب البوقات، وتجديد الوظائف، على ما نذكره -إن شاء الله تعالى -في ترجمته.(النجوم الزاهرةج2ص205)
و هنا نسأل من باب الدعابة لم لم يلجأ بيبرس (و هو الشركسي الصميم في نظر صاحب الأدلة)في تنظيم شؤون دولته إلى "الأديغة خابزة"و هي عبارة عن مجموع الأعراف و التقاليد الشركسية
التي لا تزال فاعلة بينكم حتى يومنا هذا!!؟.فأي شركسي هذا الأسمر الذي ولد في أرض القبجاق أولاً ثم لما تسلطن أرسل في شراء المماليك من الأتراك القبجاق ليكونوا عدة جيشه و سنده ثانياً،
ثم لا يتزوّج إلا من التركيات ثالثاً ، وفوق ذلك كله هو معجب بأعراف الترك و المغول (الياسا)و متحمّس لتنفيذها في مملكته؟؟!!!!
14-و نأتي أخيراً على دليله العقلي الأخير و المثير للعجب :" لدينا الآن الدليل الرابع والذي ورد عند ابن عبد الظاهر وعند ابن واصل في كتابه المفرج، وهو أن
السلطان (بيبرس)كان يستخدم ترجماناً عربياً.."!! فكان هذا وحده عند الشركسي صاحب الأدلة دليل عقلي دامغ على أن بيبرس لم يكن يفهم اللغةالتركية!!
و هذا الدليل "الباهر"الذي اكتشفه صاحبنا الشركسي من هذا الخبر البسيط والذي غفل عنه كل الباحثين من قبل فلم ينتبه إليه أحد ( لا من المؤرخين القدماء و لا المعاصرين منهم)
لم يكن في حقيقته إلا سوء فهم (أو سوء نية في الفهم)لما ورد في الخبر، و إنما قام هذا الفهم الخاطئ من الظنّ المغلوط بأن الظاهر بيبرس كان لا يجتمع إلا بأمراء جيشه من المماليك
و كلهم إما أتراك أو يجيدون التركية لساناً و لو كانوا من الروم أو الكرج أو غيرهم(طبعاً لم يشذّ عن هذه القاعدة في نظر "صاحب الأدلة"سوى الظاهر بيبرس الذي يفترض صاحبنا افتراضاً أنه شركسي و أنه لذلك لا يعرف التركية جيداً)
و نسي "صاحب الأدلة" أنه كان من بين من يحضر مجالسه الرسمية أرباب الوزارات و القلم و الخزينة و القضاء من العرب و القبط(انظر كتاب:الظاهر بيبرس،دكتور سعيد عبد الفتاح عاشورص131و132-س أعلام العرب)
فكيف يسوغ مثل هذا المجلس إن لم يحضر بينهم ترجمان عربي؟!!
ثمّ و رغبة مني في التسلية أسأله: لماذا لم يستعن بيبرس بأحد المماليك الشراكسة ممن يعرفون التركية ترجماناً له خاصة يرافقه حيث يذهب، وبذلك يسهل على الظاهر بيبرس "الشركسي المسكين الذي كان يعيش
غربة"حتى بين مجتمعه الخاص مع بقيةالمماليك الترك الذين لا يمتون إليه و لا يعرف هو لغتهم و لا هم يعرفون لغته؟!!! ثم فوق ذلك يؤثر المسكين الزواج من تتريات تركيات بدلاً من الشقراوات الحسان من الشركسيات،
أم لعلّه(وهذا استنتاج عقلي !)كان يجلب معه "ترجمانه"حين يأوي إلى زوجاته التركيات كي يستطيع أن يفهم كلامهنّ !!.
15-ماذا "يستنتج القارئ عقلياً"من رسالة السلطان"برقوق الشركسي"إلى تيمورلنك:
1-أن الشراكسة كانوا منذ أوليتهم شديدي العنصرية لإثنيتهم.فهو يذكر له جنسه الجركسي بتفاخر كبير من دون أن يكون في رسالة خصمه ما يستوجب ذكره!!
2-أن الشراكسة -و كما تعودنا منهم- في قديمهم و حديثهم لا يرعوي أحدهم أن ينسب -و بكل جرأة-أبطال الأجناس الأخرى إليهم تزيّداً و تكاثراً بهم!!
3-من خلال ما تعلّمناه من طريقة صاحبنا في الاستدلال العقلي ،وجب أن نذكرأن مصطلح "الجركس أو الجراكسة أو الشركس و الشراكسة"هو مصطلح غامض
أيضاً في منشئه و دلالته،فهو اسم أطلقه الآخرون عليهم ، وهو فوق ذلك شديد الالتباس حتى يومنا هذا : ففي خبائه كان (و لايزال )يدخل أقوام مختلفة العرق و اللغة و الشكل و الدين
من الداغستان و اللان و الشيشان و الأنغوش و القرتشاي و القوميق و البلقار و كلها شعوب لا تمتّ بأي قرابة لغوية أو إثنية (للأديغة و الأباظة و القبرطاي)!
و إذن فما يمنع أن يكون "من خلال الاستدلال العقلي"أن يكون برقوق من القرتشاي أو الأنغوش أو الشيشان و خاصة أن المصادر التاريخية لم تذكر أبداً
أنه كان من الأديغة أو القبرطاي مثلاً!!! و لم تذكر أنه كان يعزف على "الأكرديون"أو يرقص "رقصة شركسية معروفة"!!!
منقول