هبوب الجنوب
18-10-2013, 12:30 PM
http://www.rofof.com/img5/7mqaxi31.gif (http://www.rofof.com/img5/7mqaxi31.gif)
الغربة عن عالم الدراسة وازماتها :
تتمثل الفئة المعينة بالبحث في هذا العنوان في الحالات التي تجمع ما بين تعثر التحصيل الدراسي(تأخر ، فشل ، تسرب ....) وسوء التوافق السلوكي مدرسيا واجتماعيا .
تشكل هذه الحالات تحديا فعليا للممارسة التربوية ، كما يطرح الحاجة الفعلية إلى برامج الصحة النفسية وتدخلها المتكامل .تشكل الدراسة أزمة حقيقية لغالبية التلاميذ الذين يعانون من هذه الغربة . فدافعيتهم للتحصيل متدنية حيث يعانون من فقدان الشهية للتعلم ، ويتبرمون بالجو المدرسي الذي يعيشونه كقمع لحريتهم . كما أن التكوين الذهني يتميز بفقر واضح في التعبير عن الخبرة الوجدانية ، وذلك لحساب سيادة اللغة الحركية في التعامل مع العالم والآخرين (سرعة إفلاس الحوار الذي يتحول إلى اشتباك وشتائم وصدام ) . ويضاف إليه صعوبات في الذكاء النظري اللغوي الرياضي المنطقي الذي يتطلبه النجاح في التحصيل ، والذي تقيسه اختبارات الذكاء العام ، وذلك لحساب الذكاء العيني المحسوس الذي يتعامل مع الوقائع المادية من ناحية ، ولحساب ذكاء "تدبير الحال " الذي يتعامل مع تحديات حياة الشارع من مراوغة وتحايل ومناورات من ناحية أخرى .يأتي هؤلاء إلى المدرسة بعد أن تكيفوا طويلا لأوساط تعاني الغبن الثقافي ، مما يجعلهم يعيشون غربة حقيقية عن عالمها ، بمتطلباته ومعاييره وأنظمته ومرجعياته وعلاقاته . وغالبا ما تكون المدرسة التي يذهبون إليها من مستوى تربوي متواضع لا يوفر الجاذبية ولا يفتح الشهية ولا يساعد على الاندماج في عالمها . إنهم باختصار أبناء الغبن الوجودي اقتصاديا وثقافيا وعاطفيا وعلائقيا ، مما يجعلهم مقدما فاقدين لتكافؤ فرص التعلم مقارنة بأبناء الفئات الأوفر حظا . وتتضح صورة هذا الغبن وما يؤدي إليه من غربة ، من خلال رسم صورة مقارنة لعالمهم ، مع عالم الأطفال الذين يحظون بمناخ ثقافي أسري يتسم بالغنى والرعاية ، ويوفر الأمان والقبول ، ويفتح الشهية المعرفية التي تصبح جزءا من حياة الطفل الطبيعية .تقسم الصورة إلى قسمين : مرحلة ما قبل الدراسة ، ومرحلة الدراسة .
1- الإعداد للحياة المدرسية :
لا يدخل الطفل إلى المدرسة وهو صفحة بيضاء كما يشيع القول . إذ إن عمر 5 أو 6 سنوات يضع أسس تكوين الشخصية ، ويكون حافلا بالتجارب والخبرات ، في إيجابياتها وسلبياتها . يقوم التعليم النظامي على أساس معرفي ابتدأ منذ شهور الحياة الأولى ، وامتد طوال سنوات ما قبل المدرسة . وهنا تبرز القضية :فإما أن يكون هناك صلة واستمرار بين اهتمامات الطفل المعرفية (تبعا لواقعه الاجتماعي ) وإما أن يكون هناك انقطاع يولد الغربة والانفصام بين عالم الدراسة والعالم المعاش . إننا هنا بصدد مصير الرغبة المعرفية الأولية عند الطفل . فكل طفل مدفوع بدافع فطري لأن يعرف : من هو وما هي أسرار العالم من حوله ، من أين أتى ، ولماذا ظواهر الطبيعة هي ما هي عليه ؟ ذلك أن المعرفة هي سيطرة ، وهي بالتالي قوة ونماء .
2- تجربة الحياة المدرسية :
هكذا يبدأ التلميذ الجديد حياته المدرسية وهو غير مهيأ لإيجاد مكانته في هذا العالم الغريب . تمر السنوات الأولى (3إلى 4 سنوات ) بدون أن يبدو عليه مشكلة واضحة وملفتة للنظر . فنظرا لعنصر الجدة ، يميل الطفل إلى التكيف لهذا العالم من خلال الامتثال للنظام . كذلك فإن ضغر سنه يجعل المواقف منه أكثر تساهلا في العادة . وهو من ناحيته لم يبلغ بعد حدا من القوة كي يجابه ويعترض أو يتمرد .
القضية الأخطر في وضعه ، أن هذه السنوات الأولى تمر بدون تنبه المدرسة إلى إشكالاته ومعوقاته .إذ إنها قد تضعها على حساب صغر السن وتأخر النضج بدلا من التنبه لها والمبادرة إلى التعامل معها من خلال برامج لإعادة تأهيله النفسي والمعرفي والسلوكي ، كي يندمج فعلا في عالم الدراسة . وهو في الواقع بأمس الحاجة إلى مثل إعادة التأهيل هذه . بينما يراهن النظام المدرسي على أن الطفل سيستدرك القصور من تلقاء ذاته ، حين يكبر وينضج . أما الأهل فالمسألة بالنسبة إليهم تندرج ضمن نوع من الروتين ، طالما هم غير مؤهلين أصلا لمتابعة أطفالهم ورعايتهم ومساعدتهم على الاندماج في عالم المدرسة .
كما أن نظام التقويم يتسم بالتساهل الواضح في هذه السنوات الأولى من التعليم العام . يرفع التلميذ من سنة إلى أخرى إما بشكل آلي ، أو بدون تشخيص فعلي لوضعه ،وبدون دراسة كافية لمدى ملاءمة العمليات التعليمية (طرق التدريس ) والمناهج ومحتوياتها لاحتياجاته . وينتقل من صف إلى آخر وهو شبه أمي ، وبدون اكتساب المهارات المعرفية الأساسية . ولكن الهدوء لن يدوم طويلا . فهناك أزمات تكيفية تنمو بصمت كي تضع كل شيء موضع التساؤل في أواخر المرحلة الابتدائية .
المصدر : كتاب علم نفس النمو لــ " د. مريم سليم "
الغربة عن عالم الدراسة وازماتها :
تتمثل الفئة المعينة بالبحث في هذا العنوان في الحالات التي تجمع ما بين تعثر التحصيل الدراسي(تأخر ، فشل ، تسرب ....) وسوء التوافق السلوكي مدرسيا واجتماعيا .
تشكل هذه الحالات تحديا فعليا للممارسة التربوية ، كما يطرح الحاجة الفعلية إلى برامج الصحة النفسية وتدخلها المتكامل .تشكل الدراسة أزمة حقيقية لغالبية التلاميذ الذين يعانون من هذه الغربة . فدافعيتهم للتحصيل متدنية حيث يعانون من فقدان الشهية للتعلم ، ويتبرمون بالجو المدرسي الذي يعيشونه كقمع لحريتهم . كما أن التكوين الذهني يتميز بفقر واضح في التعبير عن الخبرة الوجدانية ، وذلك لحساب سيادة اللغة الحركية في التعامل مع العالم والآخرين (سرعة إفلاس الحوار الذي يتحول إلى اشتباك وشتائم وصدام ) . ويضاف إليه صعوبات في الذكاء النظري اللغوي الرياضي المنطقي الذي يتطلبه النجاح في التحصيل ، والذي تقيسه اختبارات الذكاء العام ، وذلك لحساب الذكاء العيني المحسوس الذي يتعامل مع الوقائع المادية من ناحية ، ولحساب ذكاء "تدبير الحال " الذي يتعامل مع تحديات حياة الشارع من مراوغة وتحايل ومناورات من ناحية أخرى .يأتي هؤلاء إلى المدرسة بعد أن تكيفوا طويلا لأوساط تعاني الغبن الثقافي ، مما يجعلهم يعيشون غربة حقيقية عن عالمها ، بمتطلباته ومعاييره وأنظمته ومرجعياته وعلاقاته . وغالبا ما تكون المدرسة التي يذهبون إليها من مستوى تربوي متواضع لا يوفر الجاذبية ولا يفتح الشهية ولا يساعد على الاندماج في عالمها . إنهم باختصار أبناء الغبن الوجودي اقتصاديا وثقافيا وعاطفيا وعلائقيا ، مما يجعلهم مقدما فاقدين لتكافؤ فرص التعلم مقارنة بأبناء الفئات الأوفر حظا . وتتضح صورة هذا الغبن وما يؤدي إليه من غربة ، من خلال رسم صورة مقارنة لعالمهم ، مع عالم الأطفال الذين يحظون بمناخ ثقافي أسري يتسم بالغنى والرعاية ، ويوفر الأمان والقبول ، ويفتح الشهية المعرفية التي تصبح جزءا من حياة الطفل الطبيعية .تقسم الصورة إلى قسمين : مرحلة ما قبل الدراسة ، ومرحلة الدراسة .
1- الإعداد للحياة المدرسية :
لا يدخل الطفل إلى المدرسة وهو صفحة بيضاء كما يشيع القول . إذ إن عمر 5 أو 6 سنوات يضع أسس تكوين الشخصية ، ويكون حافلا بالتجارب والخبرات ، في إيجابياتها وسلبياتها . يقوم التعليم النظامي على أساس معرفي ابتدأ منذ شهور الحياة الأولى ، وامتد طوال سنوات ما قبل المدرسة . وهنا تبرز القضية :فإما أن يكون هناك صلة واستمرار بين اهتمامات الطفل المعرفية (تبعا لواقعه الاجتماعي ) وإما أن يكون هناك انقطاع يولد الغربة والانفصام بين عالم الدراسة والعالم المعاش . إننا هنا بصدد مصير الرغبة المعرفية الأولية عند الطفل . فكل طفل مدفوع بدافع فطري لأن يعرف : من هو وما هي أسرار العالم من حوله ، من أين أتى ، ولماذا ظواهر الطبيعة هي ما هي عليه ؟ ذلك أن المعرفة هي سيطرة ، وهي بالتالي قوة ونماء .
2- تجربة الحياة المدرسية :
هكذا يبدأ التلميذ الجديد حياته المدرسية وهو غير مهيأ لإيجاد مكانته في هذا العالم الغريب . تمر السنوات الأولى (3إلى 4 سنوات ) بدون أن يبدو عليه مشكلة واضحة وملفتة للنظر . فنظرا لعنصر الجدة ، يميل الطفل إلى التكيف لهذا العالم من خلال الامتثال للنظام . كذلك فإن ضغر سنه يجعل المواقف منه أكثر تساهلا في العادة . وهو من ناحيته لم يبلغ بعد حدا من القوة كي يجابه ويعترض أو يتمرد .
القضية الأخطر في وضعه ، أن هذه السنوات الأولى تمر بدون تنبه المدرسة إلى إشكالاته ومعوقاته .إذ إنها قد تضعها على حساب صغر السن وتأخر النضج بدلا من التنبه لها والمبادرة إلى التعامل معها من خلال برامج لإعادة تأهيله النفسي والمعرفي والسلوكي ، كي يندمج فعلا في عالم الدراسة . وهو في الواقع بأمس الحاجة إلى مثل إعادة التأهيل هذه . بينما يراهن النظام المدرسي على أن الطفل سيستدرك القصور من تلقاء ذاته ، حين يكبر وينضج . أما الأهل فالمسألة بالنسبة إليهم تندرج ضمن نوع من الروتين ، طالما هم غير مؤهلين أصلا لمتابعة أطفالهم ورعايتهم ومساعدتهم على الاندماج في عالم المدرسة .
كما أن نظام التقويم يتسم بالتساهل الواضح في هذه السنوات الأولى من التعليم العام . يرفع التلميذ من سنة إلى أخرى إما بشكل آلي ، أو بدون تشخيص فعلي لوضعه ،وبدون دراسة كافية لمدى ملاءمة العمليات التعليمية (طرق التدريس ) والمناهج ومحتوياتها لاحتياجاته . وينتقل من صف إلى آخر وهو شبه أمي ، وبدون اكتساب المهارات المعرفية الأساسية . ولكن الهدوء لن يدوم طويلا . فهناك أزمات تكيفية تنمو بصمت كي تضع كل شيء موضع التساؤل في أواخر المرحلة الابتدائية .
المصدر : كتاب علم نفس النمو لــ " د. مريم سليم "