المستشــار
05-11-2007, 08:23 AM
شمس ثقافةٍ خليجية
عبدالله بن بجاد العتيبي
نعم، لم يزل المشهد الثقافي الخليجي في طور التشكّل والتلقّي أكثر من كونه صانعاً للثقافة ومصدّراً لها، ولكنّه يضع أقدامه بثقةٍ على طريقٍ طويلٍ يسعى بجدٍ ومثابرةٍ لمواصلته حتى النهاية
؟ شهد التاريخ والجغرافيا أنّ شمس العالم العربي تطلع دائماً من الشرق، ولم يكذّب الواقع شهادتيهما بل وقف معهما شاهداً صادقاً تؤيده لغة الأرقام والإحصاءات، وتشدّ من عضده التفاعلات الثقافية والنهضة التعليمية والرؤية بعيدة المدى والقدرة على الأرض.
أحسب - بدايةً - أنّ البحث في المعاجم العربيّة للوصول إلى معنى الثقافة في اللغة العربية بحثٌ ليس وراءه طائل، ذلك أن المفهوم الذي تحمله الثقافة اليوم هو مفهوم تمّت صياغته وتداوله في السياق الحضاري الغربي ومنتجاته الفلسفية، وعند التعريب اختار بعض المترجمين العرب هذه اللفظة ليدلّل بها على المفهوم، وبغض النظر عن هذه المحاولة فإن مفهوم الثقافة أصبح مفهوماً شائعاً، ولفظ الثقافة أصبح لفظاً يدلّ على هذا المفهوم بشكلٍ أو بآخر لدى المتلقّي بعيداً عن الخلافات التعريفية الضيّقة، وأحسب أنّ هذا هو الأهم، فالمفاهيم أهمّ من الألفاظ المعبّرة عنها دون التقليل من أهمية الألفاظ ضمن سياقاتٍ معيّنة.
إن الثقافة بطبيعتها أشبه ما تكون بالهواء، إن الهواء في منطقةٍ مناخية ما يختلف عنه في منطقة أخرى، مع الأخذ بالاعتبار كل المتغيرات التي تؤثر في المناخ من المكان على خطوط العرض إلى مستوى الارتفاع إلى البيئة إلى غير ذلك من المتغيرات، فالحديث عن الثقافة وفق هذا التصوّر يمنحنا مساحة من الحريّة في تناولها، ففي حين يمكن الحديث توسّعاً عن ثقافة إنسانية عامة تمتد في الزمان أو في المكان، إلى الحديث عن ثقافة فردية تتمثل في شخصٍ معيّن يختلف بها عن شخصٍ آخر، وبين هذين البعدين يمكن الحديث عن ثقافة فردية وثقافة جماعية وعن ثقافة وطنية وثقافة إقليمية، وعن ثقافة متلقّية وثقافة ملقّنة وهكذا يمكن الحديث عن ثقافات تتنوع بتنوع الاعتبار الذي ننظر فيه إليها.
إذا كان يمكننا الحديث عن ثقافة عربية لها خصوصيتها التي تميّزها عن ثقافة غربية أو ثقافة صينية أو ثقافة هندية أو ثقافة فارسية، فيمكننا الحديث داخل الثقافة العربية عن ثقافة خليجية تمتلك عدداً من الخواصّ أو الخاصيّات التي تتميّز بها عن نظيراتها العربية، في تلك الخواص إيجابيات وفيها سلبيات، ولكنها في النهاية تدلّ على ثقافة ذات تكوين مختلف بدرجةٍ ما عن محيطها العربي.
بدأت الثقافة العربية في العصر الحديث بالتشكل والانطلاق في عصر النهضة العربية وكانت لبنانية مصرية ساهمت فيها بشكلٍ أو بآخر دول الهلال الخصيب، بأسماء من وزن الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ثم العقّاد والرافعي ولطفي السيّد وطه حسين وغيرهم ثم خسرت هذه الدول ميزة الريادة الثقافية لصالح المغرب العربي وخاصة دولتي المغرب وتونس ولمعت أسماء كالجابري والعروي وطه عبدالرحمن وغيرهم، هذا من ناحية الأشخاص ويمكن الحديث عن ذات الفكرة بنماذج من المؤسسات، وفي هذا السياق فإنني أحسب أنّ الحقبة القادمة ستكون حقبةً خليجية بجدارة إن استمرت بعض المعطيات الحالية على ماهي عليه وتمّت تنميتها والاستثمار فيها.
نعم، لم يزل المشهد الثقافي الخليجي في طور التشكّل والتلقّي أكثر من كونه صانعاً للثقافة ومصدّراً لها، ولكنّه يضع أقدامه بثقةٍ على طريقٍ طويلٍ يسعى بجدٍ ومثابرةٍ لمواصلته حتى النهاية.
يجدر البدء بالنواقص قبل الإيجابيات، لتفاديها أولاً ولصناعة نقيضها ثانياً، فالمشهد الثقافي الخليجي تنقصه نواقص كثيرة، منها: كليّاتٌ مستقلّةٌ للفلسفة، وهو تخصّصٌ يعلّم النابهين من الطلاّب طرائق التفكير خارج الصناديق المغلقة، من تراثٍ وعاداتٍ اجتماعية وموروثٍ يجمع المتناقضات، وعدم وجود هذه الكليّات أو انعدام فعاليّتها - إن وجدت - يسبب خللاً كبيراً في توازن المشهد والطموح الذي يسعى له.
وبالإضافة لما سبق فإن المشهد الثقافي الخليجي ما زالت تنقصه الحريّة الثقافية التي تمنحه القدرة على الإبداع والتأثير، وهي حريّةٌ يجب خلقها لتمنح المحاولات الثقافية مجالاً أوسع للحراك والتأثير، على رغم أننا نعترف بوجود محاولاتٍ جادّةٍ لانتزاع هذه الحرية وكسر التابوهات التي تقيّدها من عددٍ لا يستهان به من المثقفين الخليجيين، سواء كانت هذه التابوهات دينية أم سياسية أم اجتماعية أم غيرها.
نعم توجد في الخليج مراكز أبحاثٍ مهمّةٍ ومتطوّرةٍ في مجالاتٍ عدّةٍ ولكن المشهد لم تزل تنقصه العناية الخاصّة بهذه المراكز البحثية، ذلك أنّ مراكز الأبحاث تعتبر مؤشراً دالاً على مدى تطور الوعي لدى الأمم، فهي لبنة مهمة في البناء الحضاري لأي أمة، لما تقوم به من دور في تطوير الوعي وإدارة المعرفة وصنع الاستراتيجيات في مختلف مجالات التنمية. كما أنها تقرأ مشكلات المجتمع وتحللها وترسم طرق الخلاص من براثنها بطرق علمية منضبطة وفعالة، كما تساهم في رسم خريطة الأولويات المعرفية والسياسية والاجتماعية لها، وذلك بحسب الزاوية التي يختارها كل مركز بحثي لتشكل رأس أولوياته واهتمامه.
كانت هذه بعض نواقص المشهد الثقافي الخليجي لا كلّها، ولكنها نواقص لا تلغي الإيجابيات إن لم تكن تثبتها، فالمشهد الثقافي الخليجي يشهد حراكاً موّاراً باتجاه الأكمل، وعلى ذلك شواهد أكثر من أن نعدّدها كاملةً في مقالة واحدة.
من شواهد هذا الحراك ما يشهده الخليج من نموٍ اقتصاديٍ كبير مقارنة بغيره من الدول العربية، والنموّ الاقتصادي داعمٌ رئيسٌ في تطوّر الثقافة حين تدعمه رؤية واضحة تسعى للكمال والتحدّي في عالمٍ لا يقيم وزناً للجامدين فضلاً عن المتقهقرين.
للحراك والتطوّر الثقافي الخليجي شواهد متعددة في مجالاتٍ شديدة الأهمية وبالغة الدلالة، في مجال التعليم العالي كما في مجال الفنون والإعلام والإنترنت والجوائز الثقافية ورعاية الإبداع ونموّ سوق الكتاب وغيرها.
ففي مجال التعليم العالي لم تزل الجامعات تنشأ وترعى وإن لم تصل للمرتجى منها بعد، فمن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والتي تمّ الإعلان عنها في جدة قبل فترة وجيزة، إلى استجلاب الجامعات الغربية العريقة كجامعة السوربون وجامعة نيويورك وغيرهما في أبوظبي.
ثمّ إنّ دول الخليج لا تكتفي بالجامعات الكبرى التي تنشِئها أو تستجلبها من الخارج للاستفادة من تطوّرها وخبرتها، بل إن الخليج يشهد ما يمكن أن نسمّيه ثورة في ابتعاث الطلاّب للتعلّم والدراسة في الدول المتقدمة، وهو ما يزيد من تمتين البنية التحتية للثقافة ويمنحها معيناً من الدارسين المتميّزين الذين سيزيدونها في المستقبل انتعاشاً وتماسكاً.
وفي مجال الإعلام يشهد الإعلام الخليجي ثورةً بالنسبة للإعلام العربي فأنجح الفضائيات العربية وأوسعها انتشاراً في مجالات الأخبار والمنوّعات والأفلام وغيرها هي قنواتٌ خليجية، وأشهر الصحف العربية التي تخاطب العرب جميعاً هي صحفٌ خليجية.
وفي مجال الجوائز الثقافية في العالم العربي نجد أن الجوائز الثقافية الكبرى هي جوائز خليجية، إن على مستوى الحكومات أو مستوى المؤسسات المدنية، فمن جائزة الملك فيصل إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب ومن جائزة العويس إلى جائزة البابطين، وغيرها العديد من الجوائز ذات البعد الثقافي المميّز.
وفي مجال الكتاب والعناية به، تحدّث الأرقام أنّ أسرع الأسواق العربية للكتاب نمواً هي الأسواق الخليجية، هذا من ناحية الكمّ، أما من ناحية الكيف فإن الشباب الخليجي يتشوّف إلى التهام الإصدارات الثقافية المميّزة بشغفٍ واهتمامٍ يفوق نظراءهم في كثيرٍ من الدول العربية.
ويمكن التقاط العديد من الشواهد الكثيرة الأخرى التي تبشّر بمثل هذه الفكرة، غير أنّ المأمول من دول الخليج أن تتبنّى انتعاشة ثقافية شاملة إن لم نقل ثورة ثقافية تكون ذات استراتيجيات معلنة تضمن لصناعة الثقافة في الخليج أن تكون عملاً مؤسسيا ناجحا، مدعوما ومخدوما، بحيث يصبح العمل الثقافي هاجسا للمعنيين ومنتجاته فاعلة في المجتمع وفي المحيط الإقليمي وفي العالم أجمع.
الرياض
عبدالله بن بجاد العتيبي
نعم، لم يزل المشهد الثقافي الخليجي في طور التشكّل والتلقّي أكثر من كونه صانعاً للثقافة ومصدّراً لها، ولكنّه يضع أقدامه بثقةٍ على طريقٍ طويلٍ يسعى بجدٍ ومثابرةٍ لمواصلته حتى النهاية
؟ شهد التاريخ والجغرافيا أنّ شمس العالم العربي تطلع دائماً من الشرق، ولم يكذّب الواقع شهادتيهما بل وقف معهما شاهداً صادقاً تؤيده لغة الأرقام والإحصاءات، وتشدّ من عضده التفاعلات الثقافية والنهضة التعليمية والرؤية بعيدة المدى والقدرة على الأرض.
أحسب - بدايةً - أنّ البحث في المعاجم العربيّة للوصول إلى معنى الثقافة في اللغة العربية بحثٌ ليس وراءه طائل، ذلك أن المفهوم الذي تحمله الثقافة اليوم هو مفهوم تمّت صياغته وتداوله في السياق الحضاري الغربي ومنتجاته الفلسفية، وعند التعريب اختار بعض المترجمين العرب هذه اللفظة ليدلّل بها على المفهوم، وبغض النظر عن هذه المحاولة فإن مفهوم الثقافة أصبح مفهوماً شائعاً، ولفظ الثقافة أصبح لفظاً يدلّ على هذا المفهوم بشكلٍ أو بآخر لدى المتلقّي بعيداً عن الخلافات التعريفية الضيّقة، وأحسب أنّ هذا هو الأهم، فالمفاهيم أهمّ من الألفاظ المعبّرة عنها دون التقليل من أهمية الألفاظ ضمن سياقاتٍ معيّنة.
إن الثقافة بطبيعتها أشبه ما تكون بالهواء، إن الهواء في منطقةٍ مناخية ما يختلف عنه في منطقة أخرى، مع الأخذ بالاعتبار كل المتغيرات التي تؤثر في المناخ من المكان على خطوط العرض إلى مستوى الارتفاع إلى البيئة إلى غير ذلك من المتغيرات، فالحديث عن الثقافة وفق هذا التصوّر يمنحنا مساحة من الحريّة في تناولها، ففي حين يمكن الحديث توسّعاً عن ثقافة إنسانية عامة تمتد في الزمان أو في المكان، إلى الحديث عن ثقافة فردية تتمثل في شخصٍ معيّن يختلف بها عن شخصٍ آخر، وبين هذين البعدين يمكن الحديث عن ثقافة فردية وثقافة جماعية وعن ثقافة وطنية وثقافة إقليمية، وعن ثقافة متلقّية وثقافة ملقّنة وهكذا يمكن الحديث عن ثقافات تتنوع بتنوع الاعتبار الذي ننظر فيه إليها.
إذا كان يمكننا الحديث عن ثقافة عربية لها خصوصيتها التي تميّزها عن ثقافة غربية أو ثقافة صينية أو ثقافة هندية أو ثقافة فارسية، فيمكننا الحديث داخل الثقافة العربية عن ثقافة خليجية تمتلك عدداً من الخواصّ أو الخاصيّات التي تتميّز بها عن نظيراتها العربية، في تلك الخواص إيجابيات وفيها سلبيات، ولكنها في النهاية تدلّ على ثقافة ذات تكوين مختلف بدرجةٍ ما عن محيطها العربي.
بدأت الثقافة العربية في العصر الحديث بالتشكل والانطلاق في عصر النهضة العربية وكانت لبنانية مصرية ساهمت فيها بشكلٍ أو بآخر دول الهلال الخصيب، بأسماء من وزن الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ثم العقّاد والرافعي ولطفي السيّد وطه حسين وغيرهم ثم خسرت هذه الدول ميزة الريادة الثقافية لصالح المغرب العربي وخاصة دولتي المغرب وتونس ولمعت أسماء كالجابري والعروي وطه عبدالرحمن وغيرهم، هذا من ناحية الأشخاص ويمكن الحديث عن ذات الفكرة بنماذج من المؤسسات، وفي هذا السياق فإنني أحسب أنّ الحقبة القادمة ستكون حقبةً خليجية بجدارة إن استمرت بعض المعطيات الحالية على ماهي عليه وتمّت تنميتها والاستثمار فيها.
نعم، لم يزل المشهد الثقافي الخليجي في طور التشكّل والتلقّي أكثر من كونه صانعاً للثقافة ومصدّراً لها، ولكنّه يضع أقدامه بثقةٍ على طريقٍ طويلٍ يسعى بجدٍ ومثابرةٍ لمواصلته حتى النهاية.
يجدر البدء بالنواقص قبل الإيجابيات، لتفاديها أولاً ولصناعة نقيضها ثانياً، فالمشهد الثقافي الخليجي تنقصه نواقص كثيرة، منها: كليّاتٌ مستقلّةٌ للفلسفة، وهو تخصّصٌ يعلّم النابهين من الطلاّب طرائق التفكير خارج الصناديق المغلقة، من تراثٍ وعاداتٍ اجتماعية وموروثٍ يجمع المتناقضات، وعدم وجود هذه الكليّات أو انعدام فعاليّتها - إن وجدت - يسبب خللاً كبيراً في توازن المشهد والطموح الذي يسعى له.
وبالإضافة لما سبق فإن المشهد الثقافي الخليجي ما زالت تنقصه الحريّة الثقافية التي تمنحه القدرة على الإبداع والتأثير، وهي حريّةٌ يجب خلقها لتمنح المحاولات الثقافية مجالاً أوسع للحراك والتأثير، على رغم أننا نعترف بوجود محاولاتٍ جادّةٍ لانتزاع هذه الحرية وكسر التابوهات التي تقيّدها من عددٍ لا يستهان به من المثقفين الخليجيين، سواء كانت هذه التابوهات دينية أم سياسية أم اجتماعية أم غيرها.
نعم توجد في الخليج مراكز أبحاثٍ مهمّةٍ ومتطوّرةٍ في مجالاتٍ عدّةٍ ولكن المشهد لم تزل تنقصه العناية الخاصّة بهذه المراكز البحثية، ذلك أنّ مراكز الأبحاث تعتبر مؤشراً دالاً على مدى تطور الوعي لدى الأمم، فهي لبنة مهمة في البناء الحضاري لأي أمة، لما تقوم به من دور في تطوير الوعي وإدارة المعرفة وصنع الاستراتيجيات في مختلف مجالات التنمية. كما أنها تقرأ مشكلات المجتمع وتحللها وترسم طرق الخلاص من براثنها بطرق علمية منضبطة وفعالة، كما تساهم في رسم خريطة الأولويات المعرفية والسياسية والاجتماعية لها، وذلك بحسب الزاوية التي يختارها كل مركز بحثي لتشكل رأس أولوياته واهتمامه.
كانت هذه بعض نواقص المشهد الثقافي الخليجي لا كلّها، ولكنها نواقص لا تلغي الإيجابيات إن لم تكن تثبتها، فالمشهد الثقافي الخليجي يشهد حراكاً موّاراً باتجاه الأكمل، وعلى ذلك شواهد أكثر من أن نعدّدها كاملةً في مقالة واحدة.
من شواهد هذا الحراك ما يشهده الخليج من نموٍ اقتصاديٍ كبير مقارنة بغيره من الدول العربية، والنموّ الاقتصادي داعمٌ رئيسٌ في تطوّر الثقافة حين تدعمه رؤية واضحة تسعى للكمال والتحدّي في عالمٍ لا يقيم وزناً للجامدين فضلاً عن المتقهقرين.
للحراك والتطوّر الثقافي الخليجي شواهد متعددة في مجالاتٍ شديدة الأهمية وبالغة الدلالة، في مجال التعليم العالي كما في مجال الفنون والإعلام والإنترنت والجوائز الثقافية ورعاية الإبداع ونموّ سوق الكتاب وغيرها.
ففي مجال التعليم العالي لم تزل الجامعات تنشأ وترعى وإن لم تصل للمرتجى منها بعد، فمن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والتي تمّ الإعلان عنها في جدة قبل فترة وجيزة، إلى استجلاب الجامعات الغربية العريقة كجامعة السوربون وجامعة نيويورك وغيرهما في أبوظبي.
ثمّ إنّ دول الخليج لا تكتفي بالجامعات الكبرى التي تنشِئها أو تستجلبها من الخارج للاستفادة من تطوّرها وخبرتها، بل إن الخليج يشهد ما يمكن أن نسمّيه ثورة في ابتعاث الطلاّب للتعلّم والدراسة في الدول المتقدمة، وهو ما يزيد من تمتين البنية التحتية للثقافة ويمنحها معيناً من الدارسين المتميّزين الذين سيزيدونها في المستقبل انتعاشاً وتماسكاً.
وفي مجال الإعلام يشهد الإعلام الخليجي ثورةً بالنسبة للإعلام العربي فأنجح الفضائيات العربية وأوسعها انتشاراً في مجالات الأخبار والمنوّعات والأفلام وغيرها هي قنواتٌ خليجية، وأشهر الصحف العربية التي تخاطب العرب جميعاً هي صحفٌ خليجية.
وفي مجال الجوائز الثقافية في العالم العربي نجد أن الجوائز الثقافية الكبرى هي جوائز خليجية، إن على مستوى الحكومات أو مستوى المؤسسات المدنية، فمن جائزة الملك فيصل إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب ومن جائزة العويس إلى جائزة البابطين، وغيرها العديد من الجوائز ذات البعد الثقافي المميّز.
وفي مجال الكتاب والعناية به، تحدّث الأرقام أنّ أسرع الأسواق العربية للكتاب نمواً هي الأسواق الخليجية، هذا من ناحية الكمّ، أما من ناحية الكيف فإن الشباب الخليجي يتشوّف إلى التهام الإصدارات الثقافية المميّزة بشغفٍ واهتمامٍ يفوق نظراءهم في كثيرٍ من الدول العربية.
ويمكن التقاط العديد من الشواهد الكثيرة الأخرى التي تبشّر بمثل هذه الفكرة، غير أنّ المأمول من دول الخليج أن تتبنّى انتعاشة ثقافية شاملة إن لم نقل ثورة ثقافية تكون ذات استراتيجيات معلنة تضمن لصناعة الثقافة في الخليج أن تكون عملاً مؤسسيا ناجحا، مدعوما ومخدوما، بحيث يصبح العمل الثقافي هاجسا للمعنيين ومنتجاته فاعلة في المجتمع وفي المحيط الإقليمي وفي العالم أجمع.
الرياض