طارق فايز العجاوى
29-06-2012, 08:52 PM
دراسة ( الابداع ) - الماهية والمعوقات فى عالمنا العربى - الكاتب / طارق فايز العجاوى
انصب اهتمام علماء النفس بفهم قابليات الطفل الابداعية والمساعدة على تنميتها بل هم حقيقة تجاوزا ذلك الى الاهتمام بالقدرات الابداعية لدى الراشدين واقترحوا طرائق عدة لتعليم الاطفال والمراهقين والراشدين كيفية التفكير بطرق اكثر ابداعا
ويعد النصف الاول من القرن العشرين هو الزمان الذى درس فيه الذكاء وبحثت طبيعته ووضعت اسسه اما النصف الثانى من نفس القرن يعد الزمان الذى درس فيه الابداع والمبدعون فرسمت صيغة الابداع وصيغت اسسه فوضعت الدراسات وكثر الكلام على تربية المبدعين على كل الاحوال لسنا بحاجة للبحث بتلك الابحاث والدراسات التى طالت ذات الموضوع او عن تلك العلاقة الطبيعية بين الذكاء والابداع كون هذا الموضوع يتناوله كل مختص اراد الشرح المفصل عن الابداع بكل جوانبه لذلك نكتفى برسم الخطوط العريضة التى تهم العامة بحيث يمتلك من خلال هذه السطور فكرة عامة عن الابداع وما له وما عليه
مقدمة كان لا بد منها لارتباطها الوثيق بما سنتناول بهذه السطور فنقول ان كل مبدع ذكى وليس كل ذكى مبدعا بالضرورة على اعتبار ان الذكاء هو الشرط الاساس من شروط الابداع لذلك فالذكاء بحد ذاته غير كاف للابداع وهناك علماء كثر تناولوا الابداع من كافة الزوايا وتحديدا طبيعة الابداع فيرى ( تورانس ) انه منذ الولادة يبدو بعض الاطفال اكثر ابداعا من البعض الاخر فتجدهم نشيطون وفعْالون وكذلك نلمح فيهم ملاحظة الاشياء المحيطة بهم لذلك تراهم يستجيبون لكل صوت او صورة او حتى للرائحة ونلمح فيهم ايضا انهم يتعلمون وبسرعة فائقة كيف ينقلون طلباتهم وحاجاتهم الى من حولهم وكيف يفسرون سلوك هؤلاء الذين يحيطون بهم فتراهم يتفحصون كل الاشياء وما ان يبدأوا بالحبو حتى يحشروا انفسهم فى كل امر لذلك ندعوهم بالفضولييون
والعجيب ان هذه الفروق الفردية فى الابداع تمحى بواسطة الطريقة التى يلجأ اليها الاهل فى مواجهتهم لهذا الفضول وتلك القدرة الابداعية وبطبيعة الحال فان الامر - اقصد مواجهة القدرة الابداعية - لا يقتصر على الاهل فحسب بل يتجاوزهم بحيث تطال كل ماهو محيط بالطفل ويلعب دورا فى حياته والملاحظ ايها السادة انه كلما تقدم العمر بالطفل فان الفروق الفردية التى يمكن ملاحظتها بينه وبين سواه من الاطفال وتحديدا فيما يخص الابداع تبدو وكأنها عائدة بمجملها الى الخبرة وليس الى الوراثة
وهذا النشاط الملحوظ لدى الاطفال فى صغرهم امرا يزعج الراشدين من المحيط ويتعبهم وبالتالى فهم لا يشجعون مثل هذه النشاطات والفعاليات ولا نبالغ فى قولنا ان الطفل النشيط يعاقب على سلوكه اكثر من الطفل الطيع الوديع
ولذلك قال ( كاتينا ) انه لو كان السلوك الابداعى مرتبطا بالعامل الوراثى فلما استطاع الاهل والمعلمين فعل الشىء الكثير لزيادته وتنميته فالحقائق تدل على خطأ هذا الاعتقاد كما تدل على ان كيفية معاملة السلوك الابداعى للطفل من قبل ذويه وغبرهم ممن يحيطون به هى اكثر اهمية
ولقد اجمع العلماء الذين بحثوا فى الابداع واسسه واهمهم ( تورنس ) و ( غيلفورد ) و ( كاتينا ) ان قدرات التفكير المبدع الاربع هى
الاولى / الطلاقة - وهى القدرة على انتاج العديد من الافكار فيما يخص مهمة ما وهنا كلما ازداد عدد الافكار المعطاة ارتفع مستوى الانسان فى الطلاقة
الثانية / المرونة - وهى القدرة على انتاج الافكار التى تظهر تحرك الانسان من مستوى تفكير الى اخر او نقلاته التفكيرية بالنسبة الى مهمة معينة والواضح ان الافكار التى تكرر الاعمال ذاتها لا تظهر مثل هذه النقلات التفكيرية
الثالثة / التوسع - وهى القدرة على اضافة التفاصيل الى فكرة اساسية ثم انتاحها
الرابعة / الاصالة - وهى القدرة على انتاج افكار غير عادية ولا يستطيع انتاجها الكثيرون من الناس وهى افكار بعيدة وذكية
ولقد جاء ( تورانس ) ومساعديه فاضاف قدرات جديدة علاوة على القدرات الاربع التى ذكرناها سابقا الا وهى
***************** القدرة على التحليل والتجريد والقدرة على الاغلاق اى القدرة على تأجيل اكمال مهمة ما الى وقت يسمح بانتاج الافكار الاصيلة
ولقد ميز علماء النفس بين نوعين من التفكير هما
--- الاول - التفكير المطابق / وهو التفكير وفق الطرق العادية المألوفة المعروفة لدينا
--- الثانى - التفكير المجانف / وهو التفكير وفق الطرق غير المألوفة ولا المكررة - التى يعرفها العامة -
وبناءا على ذلك يقسم بنى البشر الاصحاء الى قسمين اساسيين هما المفكرون تفكيرا مطابقا والمفكرون تفكيرا مجانفا وعليه فان المبدعين الاصليين هم ذوو التفكير المجانف
والسائد ايها السادة ان التفكير المطابق هو ما يشجعه المربون غير الواعين من اباء وامهات ومعلمين وسواهم وهذا بالتالى يقتل فى الطفل القدرات الابداعية ويجعله بالتالى انسانا عاديا غير مبتكر ولا مبدع فهو الذى لا يغاير ولا يثور وهو فى التالى فى نظرهم طفل ( مثالى ) وهو الجدير بالنجاح والتقدم
والثابت ان التفكير المجانف هو التفكير الذى يقود الى الابتكار والابداع والاختراع ولذلك فان علماء النفس والتربية فى ايامنا هذه يشجعون هذا النوع من التفكير ويوجدون الوسائل والطرق التى تعين على استغلال هذا النوع من التفكير
ونحن بهذا الصدد لا بد من الاشارة الى ما قام به ( غيلفورد ) ويعد من الامور الهامة المتعلقة بذات الموضوع الا وهو توجيه اهتمام علماء النفس لا الى الطرق المختلفة الى تظهر ذكاء الانسان وابداعه فحسب وانما اضافة الى ذلك الى التفكير الذى يستطيع ان يقود الى العديد من البدائل المختلفة الموصلة حكما الى الاجوبة عن التساؤلات وحلول المشكلات وبالتالى الى الابداع ومن المؤكد ان هذه القدرة متصلة اتصالا وثيقا بالتفكير المجانف والقدرة على التحويل والتركيب واعادة التعريف
ويمكن ان يكون كل انسان منا مبدعا فى مجال او مجالات بعينها ولكن يبقى ان تعنى التربية والمربون باظهار قدرات الانسان وان تشجعها وتفتحها بمعنى ارشادهم الى الطرق الصحيحة التى من خلالها يبرز ابداعهم ونهيىء لها الفرص المناسبة واللازمة والظروف الملائمة وعندها يقدم الفرد ابداعه وابتكاراته لمجتمعه وخاصة ان الامم تتنافس فى ايامنا هذه فى عدد المبدعين فى كل منها ونوعهم وقدرتهم على العطاء والابداع فى شتى صنوف المعرفة
************** معوقات الابداع فى عالمنا العربى
واقع الحال يقول ان الامم المتقدمة وعلى مر الازمان والعصور تختار المبدعين من ابناء جلدتها فى كل مناحى الابداع وتكفلهم وتذلل لهم كافة المصاعب لحثهم على الابتكار والابداع وزيادة نشاطهم لابعد مدى ولا تألوا جهدا فى الانعام عليهم بالغالى والنفيس وبكافة صور التكريم المادى منه والادبى حتى تنفسح امامهم افاق الابداع والانطلاق فى شتى صنوف الفكر والمعرفة والثقافة بابوابها وعليه لا يعد خروجا عن المألوف ان نكتب فى هذا المجال وضمن هذا السياق بحثا نتناول فيه معوقات الابداع فى وطننا العربى وان نوضح كافة الوسائل والاساليب التى تكفل ازالة او تذليل هذه المعوقات على الاقل وذلك بقصد تحقيق الهدف المنشود الا وهو التطور والتقدم التى تسعى اليه امم الارض كافة
بطبيعة الحال ان المناخ والبيئة الصحية للابداع لا تتوفر بتعديل الظروف الراهنة الماثلة وعلى كافة الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ………… الخ فهذه على الرغم من اهميتها يوجد ما يعلو عليها فى الاهمية نذكر منها عوامل التنشئة الاجتماعية الاولى لاطفالنا وشبابنا ضمن اطار الرؤية المستقبلية للمجتمع من طرق ملائمة للتربية والتعليم وتحليل القيم والاتجاهات الاجتماعية حتى يتبين منها مدى الدفع او الاعاقة لنمو الابداع بين افراد المجتمع
على كل الاحوال لن تستطيع هذه السطور ان تستوعب الاعداد الكثيرة والهائلة للمبدعين فى الثقافة بشتى صنوفها وفروعها فى اقطار وطننا العربى من المحيط الى الخليج فهناك مئات بل الوف منهم يغزون ميادين المقالة والشعر والقصة والنقد والرسم …….. الخ وفى ميادين كثيرة بشتى صنوف الثقافة والمعرفة ولكن هذا النتاج الابداعى يتراجع بين مختلف الاقطار على اعتبار ان فى بعضها ما زال هشا لم يشتد عوده ولم تضرب جذوره فى عمق الارض وقد يكون فى البعض الاخر متدثرا بالرمز فى فنون القول خاصة وربما استغرقته الرمزية الغامضة حتى اوصلته الى الطلاسم المستعصية على الفهم فى اقطار ثالثة وقد يقصر كل ذلك عن الوقوف على قدم المساواة مع الابداع الجيد من الادباء والفنانين فى اقطار عربية اخرى
وكما هو معروف فى دراسات الابداع فان التصورات الجديدة قد قاربت الشقة بين المبدعين فى سائر البشر واوضحت ان الفوارق بينهم سواء سواء تعلقت بالكم او بالكيف انما تخضع حكما لتباين ظروف البيئة والمستوى الثقافى والعلمى للشعوب وان جميع هذه العوامل الاجتماعية والبيئية تمثل مؤثرا فى الابداع اما بدفعه وانطلاقه واما بتعطيله وانكفائه
ولا بد من الاشارة الى نقطة غاية فى الاهمية فى هذا المجال الا وهى ظاهرة الانتشار النسبى لبعض الاشكال الابداعية الثقافية شابتها وخالطتها فى جل الاقطار العربية ظاهرة غاية فى الخطورة وهى دون ادنى شك ظاهرة مرضية خطيرة لا ينبغى ان نغض الطرف عنها الا وهى ظاهرة استئجار الطاقات الابداعية وخصوصا فى التأليف العلمى او مجالات فنون الكتابة الاخرى فلا شك ان هذه الظاهرة ستترك ندوبا على صفحة تاريخنا الثقافى العربى وهى بلا شك مؤشر ادانة لابداعنا المعاصر فى ميدان الفكر
ومن المؤكد ان ممارسة الابداع الثقافى حق لا يمكن لاى دارس موضوعى محايد ان يسلبه من اى شعب او منطقة جغرافية والقدر الثابت ان من طبيعة كل مجتمع افراز طاقات مبدعة من ابنائه تتشكل فى كمها ونوعها على استواء تطوره الحضارى والثقافى الا انه يجب القول بمراعاة التدرج والانضاج فلا يتوقع من هذه الطاقات الابداعية ان تحرق المراحل وتطوى الزمن لاهثة متعجلة لتعوض فيما بين عشية وضحاها سنوات التخلف المثقلة بالفاقة والجهل
ومن المتعارف عليه ان الابداع الثقافي ليس هدفاً بداته وانما هو وسيلة ضمن وسائل اخرى تهدف بالمحصلة جميعها الى تقدم الامة ورقيها والحاقها بركب الحضارة المعاصرة والابداع الى دلك مبشر بالتغيير وناقد للقائم وجالب للبديل الافضل والانجع.
وغالباً ما يكون المبدع متفاعل مع قضايا امته ويعتبر هدا هو الدافع الاساس في الابداع وادا كانت حاجتنا الملحة والماسة في بناء مجتمعاتنا الجديدة تتجه اولاً الى المبدعين وارباب الفكر فجدير بنا ان نسعا اليهم وان ندلل ما يعترضهم من عقبات على اعتبار ان المبدع المحاصر بالمعوقات طاقة غامضةُ راكدة ولا يمكن التعرف عليه بمجرد ادعائه وانما نقتنع بنتاج ابداعه سواء كان بالادب او العلم او الفن ومن حقه علينا في الوقت داته ان نهيء له فرصة الانطلاق في المجال الابداعي ونطلق طاقته في مجال ابتكاره فيمضي باسهامه الخلاق في قافلة المبدعين الحقيقيين الدين يصنعون الحياة الجديدة ويتركون العالم في غير الصورة التي الفوه عليها ولن يتسنا لهم دلك الا بانطلاقهم ومد الجسور مع مواطنيهم وخوضهم مشكلاتهم في جو اجتماعيٍ مشبع بنسمات الحرية تلك الحرية الملتزمة المنتظمة النابدة للفوضى والعبث.
ويجب ان نعي جيداً ان الابداع لا يتطور ويزدهر في ظل اجواء يسودها التسلط والقهر والاستبداد وادا قدر له ان يعيش في ظل مثل هده الاجواء فانه يستبغ بمرارة الكفاح وخطورة التحدي والمناضلة وعليه فالمبدع الدي يستطيع ان يحقق هدفه او جزء منه في ظل هده الظروف الصعبة فانه يستحق من الانسانية مزيداً من التكريم والاعزاز والتبجيل والتقدير.
ويشترط لتحقيق الابداع ايضاً قيام الصلة بين المبدع ومحيطه في شتا طوائفه وفئاته وان يضاعف عنايته واحتكاكه بالطبقة الواسعة من اغلبية الشعب فمشكلات وهموم المجتمع ومتطلباته والمصالح العامة التي يبتغيها والمفاسد التي يعاني منها والحياة التي يرنو الى تحقيقها لابد ان يلامسها المبدع ويتحسسها في معايشة صادقة تتفاعل مع حسه وفكره وتجاربه ومعارفه وتصوراته الملهمة ووعييه
برسالته المتميزة وينتج من دلك كله ابداع يخدم حياة المجتمع ويرسم الخطوات الامينة على طريق التغيير والنهوض فضلاً عما يبثه المبدع فى مجتمعه من معارف جديده وافكار مضيئه ومشاعر مجتمعه ودلك ما نطلبه من مبدعينا ازاء المتغيرات التى داهمت حياتنا ويرتكب المبدع خطاً فادحا حينما ينفصل عن مجتمعه ومواطنيه لانه يحرم نفسه من معين الصدق فى ابداعه ومن المجالات الحية النابضة التي ترفد هدا الابداع وتهييء له البيئة الخصبة للازدهار والاثمار كما ان مجافات المجتمع اخلال بامانة الرسالة التي تقتضيه ان يندمج في مجتمعه ويتحسس احواله ليعبر بصدق عن موقف او يعطي لهدا المجتمع ما يتطلبه او يواجه ارادته لتغيير لمس ضرورته.
وحينما ينسلخ المبدع عن مجتمعه ويغترب عن بني قومه بفكره وروحه واستلهامهوتجاربه فان ابداعه يأتي مفرغاً اجوفاً لا ينطوي على المضمون الحقيقي للابداع وغالباً ما يجنح هدا الابداع العاق ليكون صدى للسطة يعبر عن نظرتها ويتخد مواقفها فلا يلمس منه المجتمع الا سلبياً عقيمة مراوغة لا تبني رأياً ولا تحرك ارادة ولا تبلغ هدفاً والله نسأل الا يسير مبدعوا هذا الطريق و الهاوية الخطيرة.
الى ج 2
انصب اهتمام علماء النفس بفهم قابليات الطفل الابداعية والمساعدة على تنميتها بل هم حقيقة تجاوزا ذلك الى الاهتمام بالقدرات الابداعية لدى الراشدين واقترحوا طرائق عدة لتعليم الاطفال والمراهقين والراشدين كيفية التفكير بطرق اكثر ابداعا
ويعد النصف الاول من القرن العشرين هو الزمان الذى درس فيه الذكاء وبحثت طبيعته ووضعت اسسه اما النصف الثانى من نفس القرن يعد الزمان الذى درس فيه الابداع والمبدعون فرسمت صيغة الابداع وصيغت اسسه فوضعت الدراسات وكثر الكلام على تربية المبدعين على كل الاحوال لسنا بحاجة للبحث بتلك الابحاث والدراسات التى طالت ذات الموضوع او عن تلك العلاقة الطبيعية بين الذكاء والابداع كون هذا الموضوع يتناوله كل مختص اراد الشرح المفصل عن الابداع بكل جوانبه لذلك نكتفى برسم الخطوط العريضة التى تهم العامة بحيث يمتلك من خلال هذه السطور فكرة عامة عن الابداع وما له وما عليه
مقدمة كان لا بد منها لارتباطها الوثيق بما سنتناول بهذه السطور فنقول ان كل مبدع ذكى وليس كل ذكى مبدعا بالضرورة على اعتبار ان الذكاء هو الشرط الاساس من شروط الابداع لذلك فالذكاء بحد ذاته غير كاف للابداع وهناك علماء كثر تناولوا الابداع من كافة الزوايا وتحديدا طبيعة الابداع فيرى ( تورانس ) انه منذ الولادة يبدو بعض الاطفال اكثر ابداعا من البعض الاخر فتجدهم نشيطون وفعْالون وكذلك نلمح فيهم ملاحظة الاشياء المحيطة بهم لذلك تراهم يستجيبون لكل صوت او صورة او حتى للرائحة ونلمح فيهم ايضا انهم يتعلمون وبسرعة فائقة كيف ينقلون طلباتهم وحاجاتهم الى من حولهم وكيف يفسرون سلوك هؤلاء الذين يحيطون بهم فتراهم يتفحصون كل الاشياء وما ان يبدأوا بالحبو حتى يحشروا انفسهم فى كل امر لذلك ندعوهم بالفضولييون
والعجيب ان هذه الفروق الفردية فى الابداع تمحى بواسطة الطريقة التى يلجأ اليها الاهل فى مواجهتهم لهذا الفضول وتلك القدرة الابداعية وبطبيعة الحال فان الامر - اقصد مواجهة القدرة الابداعية - لا يقتصر على الاهل فحسب بل يتجاوزهم بحيث تطال كل ماهو محيط بالطفل ويلعب دورا فى حياته والملاحظ ايها السادة انه كلما تقدم العمر بالطفل فان الفروق الفردية التى يمكن ملاحظتها بينه وبين سواه من الاطفال وتحديدا فيما يخص الابداع تبدو وكأنها عائدة بمجملها الى الخبرة وليس الى الوراثة
وهذا النشاط الملحوظ لدى الاطفال فى صغرهم امرا يزعج الراشدين من المحيط ويتعبهم وبالتالى فهم لا يشجعون مثل هذه النشاطات والفعاليات ولا نبالغ فى قولنا ان الطفل النشيط يعاقب على سلوكه اكثر من الطفل الطيع الوديع
ولذلك قال ( كاتينا ) انه لو كان السلوك الابداعى مرتبطا بالعامل الوراثى فلما استطاع الاهل والمعلمين فعل الشىء الكثير لزيادته وتنميته فالحقائق تدل على خطأ هذا الاعتقاد كما تدل على ان كيفية معاملة السلوك الابداعى للطفل من قبل ذويه وغبرهم ممن يحيطون به هى اكثر اهمية
ولقد اجمع العلماء الذين بحثوا فى الابداع واسسه واهمهم ( تورنس ) و ( غيلفورد ) و ( كاتينا ) ان قدرات التفكير المبدع الاربع هى
الاولى / الطلاقة - وهى القدرة على انتاج العديد من الافكار فيما يخص مهمة ما وهنا كلما ازداد عدد الافكار المعطاة ارتفع مستوى الانسان فى الطلاقة
الثانية / المرونة - وهى القدرة على انتاج الافكار التى تظهر تحرك الانسان من مستوى تفكير الى اخر او نقلاته التفكيرية بالنسبة الى مهمة معينة والواضح ان الافكار التى تكرر الاعمال ذاتها لا تظهر مثل هذه النقلات التفكيرية
الثالثة / التوسع - وهى القدرة على اضافة التفاصيل الى فكرة اساسية ثم انتاحها
الرابعة / الاصالة - وهى القدرة على انتاج افكار غير عادية ولا يستطيع انتاجها الكثيرون من الناس وهى افكار بعيدة وذكية
ولقد جاء ( تورانس ) ومساعديه فاضاف قدرات جديدة علاوة على القدرات الاربع التى ذكرناها سابقا الا وهى
***************** القدرة على التحليل والتجريد والقدرة على الاغلاق اى القدرة على تأجيل اكمال مهمة ما الى وقت يسمح بانتاج الافكار الاصيلة
ولقد ميز علماء النفس بين نوعين من التفكير هما
--- الاول - التفكير المطابق / وهو التفكير وفق الطرق العادية المألوفة المعروفة لدينا
--- الثانى - التفكير المجانف / وهو التفكير وفق الطرق غير المألوفة ولا المكررة - التى يعرفها العامة -
وبناءا على ذلك يقسم بنى البشر الاصحاء الى قسمين اساسيين هما المفكرون تفكيرا مطابقا والمفكرون تفكيرا مجانفا وعليه فان المبدعين الاصليين هم ذوو التفكير المجانف
والسائد ايها السادة ان التفكير المطابق هو ما يشجعه المربون غير الواعين من اباء وامهات ومعلمين وسواهم وهذا بالتالى يقتل فى الطفل القدرات الابداعية ويجعله بالتالى انسانا عاديا غير مبتكر ولا مبدع فهو الذى لا يغاير ولا يثور وهو فى التالى فى نظرهم طفل ( مثالى ) وهو الجدير بالنجاح والتقدم
والثابت ان التفكير المجانف هو التفكير الذى يقود الى الابتكار والابداع والاختراع ولذلك فان علماء النفس والتربية فى ايامنا هذه يشجعون هذا النوع من التفكير ويوجدون الوسائل والطرق التى تعين على استغلال هذا النوع من التفكير
ونحن بهذا الصدد لا بد من الاشارة الى ما قام به ( غيلفورد ) ويعد من الامور الهامة المتعلقة بذات الموضوع الا وهو توجيه اهتمام علماء النفس لا الى الطرق المختلفة الى تظهر ذكاء الانسان وابداعه فحسب وانما اضافة الى ذلك الى التفكير الذى يستطيع ان يقود الى العديد من البدائل المختلفة الموصلة حكما الى الاجوبة عن التساؤلات وحلول المشكلات وبالتالى الى الابداع ومن المؤكد ان هذه القدرة متصلة اتصالا وثيقا بالتفكير المجانف والقدرة على التحويل والتركيب واعادة التعريف
ويمكن ان يكون كل انسان منا مبدعا فى مجال او مجالات بعينها ولكن يبقى ان تعنى التربية والمربون باظهار قدرات الانسان وان تشجعها وتفتحها بمعنى ارشادهم الى الطرق الصحيحة التى من خلالها يبرز ابداعهم ونهيىء لها الفرص المناسبة واللازمة والظروف الملائمة وعندها يقدم الفرد ابداعه وابتكاراته لمجتمعه وخاصة ان الامم تتنافس فى ايامنا هذه فى عدد المبدعين فى كل منها ونوعهم وقدرتهم على العطاء والابداع فى شتى صنوف المعرفة
************** معوقات الابداع فى عالمنا العربى
واقع الحال يقول ان الامم المتقدمة وعلى مر الازمان والعصور تختار المبدعين من ابناء جلدتها فى كل مناحى الابداع وتكفلهم وتذلل لهم كافة المصاعب لحثهم على الابتكار والابداع وزيادة نشاطهم لابعد مدى ولا تألوا جهدا فى الانعام عليهم بالغالى والنفيس وبكافة صور التكريم المادى منه والادبى حتى تنفسح امامهم افاق الابداع والانطلاق فى شتى صنوف الفكر والمعرفة والثقافة بابوابها وعليه لا يعد خروجا عن المألوف ان نكتب فى هذا المجال وضمن هذا السياق بحثا نتناول فيه معوقات الابداع فى وطننا العربى وان نوضح كافة الوسائل والاساليب التى تكفل ازالة او تذليل هذه المعوقات على الاقل وذلك بقصد تحقيق الهدف المنشود الا وهو التطور والتقدم التى تسعى اليه امم الارض كافة
بطبيعة الحال ان المناخ والبيئة الصحية للابداع لا تتوفر بتعديل الظروف الراهنة الماثلة وعلى كافة الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ………… الخ فهذه على الرغم من اهميتها يوجد ما يعلو عليها فى الاهمية نذكر منها عوامل التنشئة الاجتماعية الاولى لاطفالنا وشبابنا ضمن اطار الرؤية المستقبلية للمجتمع من طرق ملائمة للتربية والتعليم وتحليل القيم والاتجاهات الاجتماعية حتى يتبين منها مدى الدفع او الاعاقة لنمو الابداع بين افراد المجتمع
على كل الاحوال لن تستطيع هذه السطور ان تستوعب الاعداد الكثيرة والهائلة للمبدعين فى الثقافة بشتى صنوفها وفروعها فى اقطار وطننا العربى من المحيط الى الخليج فهناك مئات بل الوف منهم يغزون ميادين المقالة والشعر والقصة والنقد والرسم …….. الخ وفى ميادين كثيرة بشتى صنوف الثقافة والمعرفة ولكن هذا النتاج الابداعى يتراجع بين مختلف الاقطار على اعتبار ان فى بعضها ما زال هشا لم يشتد عوده ولم تضرب جذوره فى عمق الارض وقد يكون فى البعض الاخر متدثرا بالرمز فى فنون القول خاصة وربما استغرقته الرمزية الغامضة حتى اوصلته الى الطلاسم المستعصية على الفهم فى اقطار ثالثة وقد يقصر كل ذلك عن الوقوف على قدم المساواة مع الابداع الجيد من الادباء والفنانين فى اقطار عربية اخرى
وكما هو معروف فى دراسات الابداع فان التصورات الجديدة قد قاربت الشقة بين المبدعين فى سائر البشر واوضحت ان الفوارق بينهم سواء سواء تعلقت بالكم او بالكيف انما تخضع حكما لتباين ظروف البيئة والمستوى الثقافى والعلمى للشعوب وان جميع هذه العوامل الاجتماعية والبيئية تمثل مؤثرا فى الابداع اما بدفعه وانطلاقه واما بتعطيله وانكفائه
ولا بد من الاشارة الى نقطة غاية فى الاهمية فى هذا المجال الا وهى ظاهرة الانتشار النسبى لبعض الاشكال الابداعية الثقافية شابتها وخالطتها فى جل الاقطار العربية ظاهرة غاية فى الخطورة وهى دون ادنى شك ظاهرة مرضية خطيرة لا ينبغى ان نغض الطرف عنها الا وهى ظاهرة استئجار الطاقات الابداعية وخصوصا فى التأليف العلمى او مجالات فنون الكتابة الاخرى فلا شك ان هذه الظاهرة ستترك ندوبا على صفحة تاريخنا الثقافى العربى وهى بلا شك مؤشر ادانة لابداعنا المعاصر فى ميدان الفكر
ومن المؤكد ان ممارسة الابداع الثقافى حق لا يمكن لاى دارس موضوعى محايد ان يسلبه من اى شعب او منطقة جغرافية والقدر الثابت ان من طبيعة كل مجتمع افراز طاقات مبدعة من ابنائه تتشكل فى كمها ونوعها على استواء تطوره الحضارى والثقافى الا انه يجب القول بمراعاة التدرج والانضاج فلا يتوقع من هذه الطاقات الابداعية ان تحرق المراحل وتطوى الزمن لاهثة متعجلة لتعوض فيما بين عشية وضحاها سنوات التخلف المثقلة بالفاقة والجهل
ومن المتعارف عليه ان الابداع الثقافي ليس هدفاً بداته وانما هو وسيلة ضمن وسائل اخرى تهدف بالمحصلة جميعها الى تقدم الامة ورقيها والحاقها بركب الحضارة المعاصرة والابداع الى دلك مبشر بالتغيير وناقد للقائم وجالب للبديل الافضل والانجع.
وغالباً ما يكون المبدع متفاعل مع قضايا امته ويعتبر هدا هو الدافع الاساس في الابداع وادا كانت حاجتنا الملحة والماسة في بناء مجتمعاتنا الجديدة تتجه اولاً الى المبدعين وارباب الفكر فجدير بنا ان نسعا اليهم وان ندلل ما يعترضهم من عقبات على اعتبار ان المبدع المحاصر بالمعوقات طاقة غامضةُ راكدة ولا يمكن التعرف عليه بمجرد ادعائه وانما نقتنع بنتاج ابداعه سواء كان بالادب او العلم او الفن ومن حقه علينا في الوقت داته ان نهيء له فرصة الانطلاق في المجال الابداعي ونطلق طاقته في مجال ابتكاره فيمضي باسهامه الخلاق في قافلة المبدعين الحقيقيين الدين يصنعون الحياة الجديدة ويتركون العالم في غير الصورة التي الفوه عليها ولن يتسنا لهم دلك الا بانطلاقهم ومد الجسور مع مواطنيهم وخوضهم مشكلاتهم في جو اجتماعيٍ مشبع بنسمات الحرية تلك الحرية الملتزمة المنتظمة النابدة للفوضى والعبث.
ويجب ان نعي جيداً ان الابداع لا يتطور ويزدهر في ظل اجواء يسودها التسلط والقهر والاستبداد وادا قدر له ان يعيش في ظل مثل هده الاجواء فانه يستبغ بمرارة الكفاح وخطورة التحدي والمناضلة وعليه فالمبدع الدي يستطيع ان يحقق هدفه او جزء منه في ظل هده الظروف الصعبة فانه يستحق من الانسانية مزيداً من التكريم والاعزاز والتبجيل والتقدير.
ويشترط لتحقيق الابداع ايضاً قيام الصلة بين المبدع ومحيطه في شتا طوائفه وفئاته وان يضاعف عنايته واحتكاكه بالطبقة الواسعة من اغلبية الشعب فمشكلات وهموم المجتمع ومتطلباته والمصالح العامة التي يبتغيها والمفاسد التي يعاني منها والحياة التي يرنو الى تحقيقها لابد ان يلامسها المبدع ويتحسسها في معايشة صادقة تتفاعل مع حسه وفكره وتجاربه ومعارفه وتصوراته الملهمة ووعييه
برسالته المتميزة وينتج من دلك كله ابداع يخدم حياة المجتمع ويرسم الخطوات الامينة على طريق التغيير والنهوض فضلاً عما يبثه المبدع فى مجتمعه من معارف جديده وافكار مضيئه ومشاعر مجتمعه ودلك ما نطلبه من مبدعينا ازاء المتغيرات التى داهمت حياتنا ويرتكب المبدع خطاً فادحا حينما ينفصل عن مجتمعه ومواطنيه لانه يحرم نفسه من معين الصدق فى ابداعه ومن المجالات الحية النابضة التي ترفد هدا الابداع وتهييء له البيئة الخصبة للازدهار والاثمار كما ان مجافات المجتمع اخلال بامانة الرسالة التي تقتضيه ان يندمج في مجتمعه ويتحسس احواله ليعبر بصدق عن موقف او يعطي لهدا المجتمع ما يتطلبه او يواجه ارادته لتغيير لمس ضرورته.
وحينما ينسلخ المبدع عن مجتمعه ويغترب عن بني قومه بفكره وروحه واستلهامهوتجاربه فان ابداعه يأتي مفرغاً اجوفاً لا ينطوي على المضمون الحقيقي للابداع وغالباً ما يجنح هدا الابداع العاق ليكون صدى للسطة يعبر عن نظرتها ويتخد مواقفها فلا يلمس منه المجتمع الا سلبياً عقيمة مراوغة لا تبني رأياً ولا تحرك ارادة ولا تبلغ هدفاً والله نسأل الا يسير مبدعوا هذا الطريق و الهاوية الخطيرة.
الى ج 2