مشاهدة النسخة كاملة : 15 خدمة العداد


عبير الشوق
25-05-2012, 11:45 PM
مقالة لـ الأستاذ فهد السلمان
راقت لي واحببت ان تقرأوها معي


لا أعرف الرجل ، لكني فقط أروي ما تناهى إلى مسمعي . شاب ثلاثيني لا تبدو عليه سمات الالتزام بمعاييرها الظاهرية ، فهو بالنسبة لمن يفضلون إطلاق التصنيفات وفقاً للمظهر الخارجي قد يبدو علمانياً أو ليبرالياً ، أو كلاهما معا إن شئتم ، يُطيل المكوث أمام ماكينة الصرف الآلي وهو يجري العملية تلو الأخرى ، يبلغ التذمر مداه في صاحب السيارة التي تليه ، خاصة وأنه قد أصبح محشوراً ما بينه وبين الرصيف وقطيع من السيارات التي تأخذ دورها خلفه ، يترجل من سيارته محتقناً بغيظه محاولاً استعجال الشاب الذي لا يزال منهمكاً في عملياته المصرفية ، يرفع صوته بالعتب على الشاب الذي لا يأبه بمن خلفه وفيهم المستعجل وصاحب الحاجة ومن هو على موعد ، عندئذ يكتسي وجه الشاب بحمرة الخجل ، فينسل من سيارته بقدمه اليسرى ما وسعه المدى من خلال الباب الموارب بفعل مضايقة الآلة ، ويبدأ اعتذاره قائلا : أنا في غاية الأسف ، وأنا مضطر لكشف أسباب طول مكوثي أمام هذه الآلة حتى لا أبدو في نظرك عديم الإحساس أو راغباً في مضايقة الآخرين ، أنا أسدد مجموعة من فواتير الكهرباء لعدد من الأسر الفقيرة التي قطعت على نفسي عهداً بتحملها عنهم ، وهي مبالغ تافهة لكن كل واحدة منها تحتاج كما تعلم إلى عملية مستقلة .. لذلك أنا أكرر أسفي أرجو أن تسامحني ، ها قد انتهيت ، بقول الرجل بقدر حنقي عليه بقدر ما راودتني نفسي بأن أطبع قبلة على جبينه بعدما تيقنت من السبب رغم أنه يصغرني بما لا يقل عن نصف عمري ، وبسرعة لملم فواتيره وإيصالاته وانسحب وهو يتمم اعتذاره ملوحاً لي بيده من زجاج السيارة ، لكني بعدما فرغت من عمليتي المصرفية تنبهتُ إلى أنه استدار مجدداً وأخذ دوره خلف آخر السيارات .
انتهت القصة ومن نهايتها سأبدأ مقالي فيما تبقى لي من هذه المساحة لأقول : الدنيا لا تزال بخير ، وإذا كانت مثل هذه القصة ستحقن نفوسنا مصلاً للتفاؤل ، حتى في من يعتقد البعض من هواة التصنيف على الأغلفة أن ملامحهم لن تزيد على أن تؤهلهم لأن يكونوا أفراداً من جمهور محمد عبده أو ياسر القحطاني ، فإن المؤكد أن هذا الشاب لم يهبط من الفضاء ، والنزعة التي دفعته إلى هذا الفعل الجميل لم تمر عبر الجمارك والمنافذ الحدودية ، فقط يجب أن نحسن الظن ، وأن نحرك الكادر لنرى الصورة الأخرى التي انمحت بفعل سيطرة صورة الاستلاب على كامل المشهد حتى كدنا نغرق في بحر لجّي من التشاؤم . هذا الشاب كما فهمت من خلال نوع سيارته وموديلها لا يبدو سليل أسرة مترفة ، ولا هو أحد الوارثين حتما ، لكنه ابن نقاء عقيدته وإنسانيته وإيمانياته .
وقد تبدو قيمة هذا العمل كبيرة ، وكبيرة جدا حينما تصر شركة الكهرباء على أن تستخدم ليّ الذراع مع من لا يسدد فواتيرها في الموعد المضروب بقطع التيار حتى ولو كان معدما ، مع أنها تستولي كل شهر على ( 15 ) ريالاً من كل مشترك دون وجه حق تحت اسم ( خدمة العداد ) التي لا وجود لها ، أما لماذا لا يتم تخصيصها وهي مبالغ تجني منها الشركة الملايين كل شهر للسداد عن تلك الأسر المعدمة بفواتيرها الزهيدة ، فهذا ما لا يعرفه أحد ؟ .

طارق العبيدي
26-05-2012, 12:30 AM
يا للروعة هذه القصة وجمالها

والله انها اطربتني كثيرا

وجعلتني احس ان الدنيا لا زالت بخير

وايقظت داخلي اشياء كثيرة

قدنغفل عنها منهمكين او متاثرين بما نراه ونلامسه على ارض الواقع

واصبحنا شبه يائسين ونصدر الاحكام مسبقة بحسب الاشكال والمناظر

سلمت وسلم قلمك

لك كل الشكر على مواضيعك الراقية والمفيدة

عبير الشوق
26-05-2012, 01:01 AM
القلم المميز طارق العبيدي / دائماً حضورك مميز وثري

لا عدمنا هذه الإطلالة المشرقة

تقديري