حورية البحر
08-05-2012, 02:31 AM
بينما النَّاس أشغلتهم أنفسُهم ودنياهم عن مآل ما يدور من حولهم،
انبرى ثلةٌ من الأخيارِ جعلوا من قولِ الله: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: 36]،
دليلاً ونبراسًا لهم، فهم يريدون ما عند الله، لم تحرِّكهم أطماعٌ دنيوية
أو أهداف شخصية، هم يرون فيما يقومون به عبادةً يتقرَّبون بها لمولاهم الذي وعدهم؛
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] في محكمِ التنزيل.
ترى أحدَهم زائرًا لمسؤولٍ يطلبُ منه حقَّ الله فيما وُكل إليه،
وآخر جنَّد قلمَه يكتب لهذا وذاك يأمرهم لما فيه خيرٌ في دينهم ودنياهم،
وينهاهم عمَّا فيه ضررٌ عليهم، وتجد الآخرَ موكلٌ باتصالاتِه ورسائله يحترقُ غيرةً،
ويخشى أن يسألَه الله عن منكرٍ سمعه أو رآه؛ فهو ينكر على هذا ويأمرُ ذا ابتغاء ما عند الله.
جمعتهم على اختلافِ طرق احتسابهم، وعلى خفاءِ أعمالهم،
مخافة أن يأتيهم العذابُ إن سكتوا عن منكرٍ يرونه،
يخشون أن يكونوا مثل ما ذكرهم القرآن؛
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].
ويرتعدون خوفًا أن يخالفوا أمرَ حبيبهم -عليه الصَّلاة والسلام- القائل:
«والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر،
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» [حسنه الألباني].
فهم على حالٍ من الخوف، وحالٍ من الرَّجاء، يخافون أن يلحقَهم عذابٌ
إن هم لم يأمروا بالمعروفِ وينهوا عن المنكر،
ويرجون الأجرَ العظيم إن هم قاموا بما أمرَهم ربُّهم، حتى وإن لم يُستجاب لهم؛
دليلهم قول ربهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا
قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]،
فهم على خيرٍ عظيم حتى وإن ظنَّ غيرُهم أنَّ فعلَهم
لا يجدي من كثرةِ ما يُشاهدون من منكرات، فتجارتُهم ربانية، لا يلتفتون فيها لأجرٍ دنيوي،
ولا يترقَّبون أن يشهدَ لهم زيدٌ وعمرو، بل كل رجاءهم أن يرضى عنهم ربُّهم ويتقبل منهم.
إنَّ هؤلاء شرفُ كلِّ أمة، بهم يرفع الله البلاء، وبهم يُستعان على الحقِّ،
لا يخشى أحدُهم في الله لومةَ لائم، ولا يتوقَّفُ عن احتسابِه ومنهجه،
إن سمع مَن يقول: "هلكَ النَّاسُ"، قال: بل {...إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]،
لا وقوف ولا تواني عن أمرِ الله وأمر رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا تزلف ولا بغية
لأمرٍ دنيوي، تراه مخلصًا في احتسابه؛ لا رياء ولا سمعة،
مجتنبًا لمنافسةِ الخلق، ومفاخرة أبناء الجنس، متجردًا من حظوظِ النَّفس الأمَّارةِ بالسوء،
راجيًا أن يزولَ المنكر على يدي غيرِه من قوةِ إخلاصه،
إنه المحتسبُ الذي يعلم ويعمل، منشغلاً مع كثرةِ احتسابه بطلبِ العلم ورفع الجهل عن نفسِه، فهو يعلمُ أنه لا يمكن الإنكار دون معرفةٍ
بأنَّ هذا الأمر مخالف لشرعِ الله،
فبعلمه يتضحُ له المعروفُ عن المنكرِ،
وبعلمه يعرف كيف يحتسب، والأهمُّ أنه يعملُ بما يعلَم.
ومن خلالِ علمه وعمله يقيمُ ركنًا أساسيًّا من أركانِ الحسبة في شخصيتِه،
إنه المحتسب، حكيمٌ في قراراتِه، متقنٌ لكلِّ ما يقومُ به،
فهو فاهمٌ عاقل، يُراعي حالَ المأمور والمنهي، والوقت الأنسب لمخاطبتهما.
إنه المحتسب، صاحبُ أَناةٍ وتثبُّت،
يحذر من زللِ المستعجل، ويرغبُ في عمل العاقل الفطن،
تراه حليمًا وقورًا لا ينتقم لنفسِه، أو يتشفى ممن آذاه،
يعلمُ علمَ اليقين أنه يخالفُ المألوفَ ويخالف أصحابَ الشَّهوات،
فهو متوقعٌ لأن يصيبه أذًى، ويرجو الأجرَ من ربِّ السماء،
كما أنه متثبت غير متعجل فيما يقول، لا يأمر ولا ينهى
إلا ويقينه يسبقُ أمرَه ونهيه، لا يعرفُ في
احتسابِه الاحتمالات ومرادفاتها، فهو بحقٍّ ثقةٌ ثبت.
إنه المحتسب، رفيق في حسبته، لا يعرف للعنفِ مسلكًا،
يأمر وينهى برفقٍ، إن قُبل منه فخير على خير، وإن لم يقبل منه أقبل على نفسِه.
إنه المحتسب، الصَّابرُ الذي يرجو ما عند ربِّه، يعلم أنَّ طريقَه مليء بالأشواكِ والأسلاك،
ويعلم أنَّ سهامَ الأذى ستصيبُه ما دام أنه محتسبٌ لربِّه، فالصبر في احتسابِه كالهواء في أنفاسِه.
إنه المحتسب، معاشرَ القرَّاء، من يمشي وحاله:
وَلَسْتُ أُبُالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فلا ألم في احتسابٍ ما دامت التجارةُ مع الله؛
{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
فما عند ربِّهم أنساهم عذابَ آلامهم، فاللَّهمَّ اجعلنا منهم،
ولا تحرمنا فضلَهم، بارك الله في تجارِ الآخرة،
بارك الله في المحتسبين، وبالفعلِ ليس لها في دنيا ولا دين إلا المحتسبون! فهنيئًا لهم
انبرى ثلةٌ من الأخيارِ جعلوا من قولِ الله: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: 36]،
دليلاً ونبراسًا لهم، فهم يريدون ما عند الله، لم تحرِّكهم أطماعٌ دنيوية
أو أهداف شخصية، هم يرون فيما يقومون به عبادةً يتقرَّبون بها لمولاهم الذي وعدهم؛
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] في محكمِ التنزيل.
ترى أحدَهم زائرًا لمسؤولٍ يطلبُ منه حقَّ الله فيما وُكل إليه،
وآخر جنَّد قلمَه يكتب لهذا وذاك يأمرهم لما فيه خيرٌ في دينهم ودنياهم،
وينهاهم عمَّا فيه ضررٌ عليهم، وتجد الآخرَ موكلٌ باتصالاتِه ورسائله يحترقُ غيرةً،
ويخشى أن يسألَه الله عن منكرٍ سمعه أو رآه؛ فهو ينكر على هذا ويأمرُ ذا ابتغاء ما عند الله.
جمعتهم على اختلافِ طرق احتسابهم، وعلى خفاءِ أعمالهم،
مخافة أن يأتيهم العذابُ إن سكتوا عن منكرٍ يرونه،
يخشون أن يكونوا مثل ما ذكرهم القرآن؛
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].
ويرتعدون خوفًا أن يخالفوا أمرَ حبيبهم -عليه الصَّلاة والسلام- القائل:
«والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر،
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» [حسنه الألباني].
فهم على حالٍ من الخوف، وحالٍ من الرَّجاء، يخافون أن يلحقَهم عذابٌ
إن هم لم يأمروا بالمعروفِ وينهوا عن المنكر،
ويرجون الأجرَ العظيم إن هم قاموا بما أمرَهم ربُّهم، حتى وإن لم يُستجاب لهم؛
دليلهم قول ربهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا
قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]،
فهم على خيرٍ عظيم حتى وإن ظنَّ غيرُهم أنَّ فعلَهم
لا يجدي من كثرةِ ما يُشاهدون من منكرات، فتجارتُهم ربانية، لا يلتفتون فيها لأجرٍ دنيوي،
ولا يترقَّبون أن يشهدَ لهم زيدٌ وعمرو، بل كل رجاءهم أن يرضى عنهم ربُّهم ويتقبل منهم.
إنَّ هؤلاء شرفُ كلِّ أمة، بهم يرفع الله البلاء، وبهم يُستعان على الحقِّ،
لا يخشى أحدُهم في الله لومةَ لائم، ولا يتوقَّفُ عن احتسابِه ومنهجه،
إن سمع مَن يقول: "هلكَ النَّاسُ"، قال: بل {...إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]،
لا وقوف ولا تواني عن أمرِ الله وأمر رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا تزلف ولا بغية
لأمرٍ دنيوي، تراه مخلصًا في احتسابه؛ لا رياء ولا سمعة،
مجتنبًا لمنافسةِ الخلق، ومفاخرة أبناء الجنس، متجردًا من حظوظِ النَّفس الأمَّارةِ بالسوء،
راجيًا أن يزولَ المنكر على يدي غيرِه من قوةِ إخلاصه،
إنه المحتسبُ الذي يعلم ويعمل، منشغلاً مع كثرةِ احتسابه بطلبِ العلم ورفع الجهل عن نفسِه، فهو يعلمُ أنه لا يمكن الإنكار دون معرفةٍ
بأنَّ هذا الأمر مخالف لشرعِ الله،
فبعلمه يتضحُ له المعروفُ عن المنكرِ،
وبعلمه يعرف كيف يحتسب، والأهمُّ أنه يعملُ بما يعلَم.
ومن خلالِ علمه وعمله يقيمُ ركنًا أساسيًّا من أركانِ الحسبة في شخصيتِه،
إنه المحتسب، حكيمٌ في قراراتِه، متقنٌ لكلِّ ما يقومُ به،
فهو فاهمٌ عاقل، يُراعي حالَ المأمور والمنهي، والوقت الأنسب لمخاطبتهما.
إنه المحتسب، صاحبُ أَناةٍ وتثبُّت،
يحذر من زللِ المستعجل، ويرغبُ في عمل العاقل الفطن،
تراه حليمًا وقورًا لا ينتقم لنفسِه، أو يتشفى ممن آذاه،
يعلمُ علمَ اليقين أنه يخالفُ المألوفَ ويخالف أصحابَ الشَّهوات،
فهو متوقعٌ لأن يصيبه أذًى، ويرجو الأجرَ من ربِّ السماء،
كما أنه متثبت غير متعجل فيما يقول، لا يأمر ولا ينهى
إلا ويقينه يسبقُ أمرَه ونهيه، لا يعرفُ في
احتسابِه الاحتمالات ومرادفاتها، فهو بحقٍّ ثقةٌ ثبت.
إنه المحتسب، رفيق في حسبته، لا يعرف للعنفِ مسلكًا،
يأمر وينهى برفقٍ، إن قُبل منه فخير على خير، وإن لم يقبل منه أقبل على نفسِه.
إنه المحتسب، الصَّابرُ الذي يرجو ما عند ربِّه، يعلم أنَّ طريقَه مليء بالأشواكِ والأسلاك،
ويعلم أنَّ سهامَ الأذى ستصيبُه ما دام أنه محتسبٌ لربِّه، فالصبر في احتسابِه كالهواء في أنفاسِه.
إنه المحتسب، معاشرَ القرَّاء، من يمشي وحاله:
وَلَسْتُ أُبُالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فلا ألم في احتسابٍ ما دامت التجارةُ مع الله؛
{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
فما عند ربِّهم أنساهم عذابَ آلامهم، فاللَّهمَّ اجعلنا منهم،
ولا تحرمنا فضلَهم، بارك الله في تجارِ الآخرة،
بارك الله في المحتسبين، وبالفعلِ ليس لها في دنيا ولا دين إلا المحتسبون! فهنيئًا لهم