النجـــــم
23-10-2007, 05:28 AM
أيها الصحفيون... اصمتوا وإلاّ...
يحلو للبعض إطلاق صفة السلطة الرابعة على الصحافة باعتبارها تمارس دوراً رقابياً قوياً في مجتمعاتها يدفع باتجاه الإصلاح الشامل ويساعد في الوقت نفسه السلطات الثلاث الأخرى على تأدية واجباتها بصورة سليمة.
ويحلو لبعض المسؤولين القول إنه مع حرية الصحافة، وإن هناك قوانين تصب في هذا الاتجاه وتمكن الصحفيين من قول الحقيقة كاملة دون خوف من سلطة الرقيب أو بطش الحاكم.
ويحلو لبعض الكتاب والمسؤولين القول إنهم مع حرية الصحافة وحقها التام في نقد كل ظواهر التخلف والفساد في المجتمع ما دام هذا النقد يخدم الحقيقة ولا يتعارض معها.
لكن ما يحلو لكل أولئك ـ قولا ـ قد لا يحلو لهم ـ واقعا ـ فالقول شيء وتطبيقه شيء آخر، ولكل حالة لبوسها فما يصلح اليوم قد لا يصلح غداً وما يحقق المصلحة اليوم قد يتنافى معها غداً، ولله في خلقه شؤون الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها في مقال واحد لهذا سأكتفي ببعض الشواهد لعلها توضح الفكرة من المقال.
الولايات المتحدة التي تتحدث باستمرار عن حرية الصحافة، كما تتحدث عن الديموقراطية وضرورة نشرها في عالمنا العربي والإسلامي تعد من الدول المحاربة لحرية الصحافة، بل وتعدت ذلك إلى قتل الصحفيين أو سجنهم.
أمريكا قتلت عددا من الصحفيين أثناء غزوها لأفغانستان والعراق، وقد قصفت طائراتها ـ عمدا ـ مقرات بعض الفضائيات، والهدف إسكات الصحفيين الذين لا يقفون مع مخططاتها.
أمريكا منعت بعض الصحفيين الأمريكان من نشر بعض الحقائق عن مجازرها في العراق، ومازالت تمنع نشر الأخبار التي تكشف فضائحها ـ بطبيعة الحال على قدر استطاعتها ـ وفرنسا التي توصف بأنها "أم الحريات" سنت قوانين تبيح لها سجن من يتحدث بحرية عن المحرقة اليهودية، أو عن اليهود بما يسيء إليهم ـ من وجهة نظرهم ـ وقد تناست فرنسا كل أحاديثها عن الحريات التي بنت دولتها الحديثة على أساسها.
وإذا ابتعدنا عن عالم الغربيين واقتربنا من عالمنا العربي نجد أن المشكلة تزداد وضوحاً، ففي مصر يتم الحديث حالياً عن أحكام صدرت بسجن وتغريم مجموعة من رؤساء التحرير بحجة أن هؤلاء نشروا أخباراً كاذبة تتعلق بصحة الرئيس المصري حسني مبارك وكذلك أخباراً كاذبة عن بعض قيادات الحزب الحاكم.
والعجيب في المسألة أن الذي رفع الدعوى ضد هؤلاء محاميان ينتميان للحزب الحاكم... بطبيعة الحال تحرك كثير من المنظمات داخل مصر وخارجها لإدانة هذه الأحكام "المسيسة" ـ كما يقولون ـ كما توقفت ـ لمدة يوم ـ عن الصدور مجموعة كبيرة من الصحف المستقلة احتجاجاً على الأحكام ومؤازرة للصحفيين.
المسألة مازالت تتفاعل في الداخل المصري، والحكومة عبر مؤسساتها تقول إنها تحترم حرية الصحافة، وإن قوانينها تؤيد تلك الحرية ولكن ما قام به أولئك الأربعة يتنافى مع تلك الحرية.
وفي خضم هذه المعركة أصدر شيخ الأزهر فتوى تبيح جلد الصحفيين ثمانين جلدة في حالة نشرهم أخباراً غير صادقة باعتبار أن ما قالوه في تلك الحالة ينطبق عليه حد القذف!
ولست أدري أين فتاوى الشيخ من بيع الخمور علنا ومن المراقص وأشباهها؟ ليته يقول لنا ما حكمها وما حكم بيعها؟
وفي البحرين يحاكم رئيس تحرير صحيفة "الأيام" لأنه كتب مقالاً يسخر فيه من الشيخ "وجدي غنيم" فأقام الشيخ دعوى ضده يطالبه بحقه، ولا تزال القضية ـ كما أعلم ـ أمام المحكمة.
لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب لم تعجبها إحالة السيد "عيسى الشايقي " للمحكمة فطالبت بإيقاف هذه المحاكمة باعتبار أن الشايقي من دعاة الحرية الصحفية، وقالت في بيان لها بهذه المناسبة "إن خفافيش الليل البهيم هم الخاسرون دوماً من الكلمة المدوية والصريحة، ولن ينالوا إلا الخزي والهزيمة في معركة القضاء كما نالوها في معركة الصحافة".
محاكمة الصحفيين جرت في كثير من الدول العربية ـ ومنها السعودية ـ وفي كل مرة كانت تثار مسألة حرية الصحافة وحدود هذه الحرية، وفي كل مرة ـ أيضاً ـ كانت جهات الاختصاص تتحدث عن احترام حرية الصحافة وعن القوانين التي تؤيد هذه الحرية.
آخر من تحدث عن أهمية العقوبات التي يجب أن تفرض على الصحفيين الدكتور عبدالله الطويرقي عضو مجلس الشورى وأستاذ الإعلام، وقد وعد سعادته قراء "الوطن" باستصدار قانون من المجلس يختص بمعاقبة الصحفيين الذين يتجرؤون على نقد مجلس الشورى ولعله اعتقد أن هذا الوعد سيدخل السرور على القراء فاجتهد في إعطاء هذا الوعد.
الأخ الطويرقي اتخذ هذا الموقف على خلفية برنامج "طاش" الذي انتقد فيه المجلس من خلال حديثه عن الليبراليين في السعودية.
كنت أتمنى أن يسع الطويرقي ما وسع معالي رئيس المجلس الذي قال: إن تلك الحلقة انتقدت المجلس ولكن حلقات أخرى سواها انتقدت دوائر حكومية أخرى، ولا تستحق المسألة حتى مجرد الحديث عنها، وقد أحسن معاليه في هذا كثيراً وهذا يدل على سعة أفقه وحسن فهمه للأمور.
الذي لفت انتباهي إن الدكتور عبدالله كان يصنف من الكتاب الذين يمارسون النقد الجاد، ولا أستبعد أنه انتقد المجلس قبل أن يصبح عضواً فيه، فما الذي استجد في الأمر الآن حتى يتخذ هذا الموقف الذي ليس له ما يبرره على الإطلاق؟
وإذا كان الدكتور قد انطلق في موقفه القاضي بمعاقبة الصحفيين من برنامج "طاش" فلماذا لم يتخذ هذا الموقف عندما انتقد هذا البرنامج المحاكم الشرعية وهيئات الأمر بالمعروف، ووزارة الداخلية وسواها من الأجهزة الحكومية؟ وإذا كان يعتقد أن "مجلس الشورى" أهم من هذه الأجهزة كلها فسيجد من يقول بغير ما يقول وما أكثر هؤلاء.
سأفترض ـ جدلا ـ أن الدكتور نجح في إيجاد صيغة لمعاقبة منتقدي "المجلس"، وقد يستفيد من فتوى شيخ الأزهر فتكون العقوبة الجلد، وربما يضاف لها السجن أو شيء آخر يجعل حياتهم نكداً كلها أقول: لو نجح المشروع فإن كل أجهزة الدولة ستفعل الشيء نفسه ـ وما في حد أحسن من حد ـ كما يقول إخواننا المصريون، وهنا ستصبح أجهزة الدولة كلها فوق النقد، وسيحسب هذا العمل ـ إن تم ـ في موازين الدكتور إلى يوم القيامة إن شاء الله!!
كنت أتمنى أن يعرف الدكتور أن انتقاد مجلس الشورى يصب في صالح المجلس وليس العكس، ولا أقصد هنا أن المجلس سيستفيد من هذا النقد لإصلاح ما يراه نقصاً، ولكني أقصد شيئاً آخر يختلف تماماً.
بعض المواطنين ولفترة طويلة كانوا يرون أن المجلس لا يمثلهم لأنه مجلس غير منتخب وبالتالي كانوا لا يهتمون مطلقاً بالحديث عنه ولا حتى بالسؤال عما يجري فيه، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فكانوا يرون أن كل القرارات التي تتصادم مع مصالحهم تمر عبر المجلس وبمباركته وهذا التصور كان يبعدهم عن المجلس والاهتمام به أو حتى الحديث عنه.
إن قيام البعض بالحديث عن المجلس والاهتمام بما يصدر عنه أمر في غاية الأهمية حتى لو كان بعض ما يكتب نقداً لأعمال المجلس لأن هذا النقد يدل على بداية حقيقية لاهتمام المواطنين بالمجلس وتفاعلهم معه، ورغبتهم في دفعه لزيادة الاهتمام بقضاياهم.
كنت أتمنى أن يدرك الدكتور هذه الحقيقة فيفرح بها كثيراً ولا يتحدث عن مسألة تسيء للمجلس وقد تهدم كل ما بناه سابقاً.
وكنت أتمنى أيضاً أن يهتم الدكتور بالحديث عن القضايا التي تهم المواطنين ـ هذا إذا أراد أن يخف النقد عن المجلس ـ أو ينتهي تماماً، وأمامه قضايا الفقر والغلاء والبطالة والتعليم والصحة وسواها من المسائل المهمة التي ترهق المواطنين والتي يرون أن من واجب المجلس أن يجد حلولاً عاجلة لها.
لو فعل الدكتور ذلك لحمل هو وكل أعضاء المجلس على الأعناق ولما احتاج إلى إتعاب نفسه في سن قوانين لمعاقبة الصحفيين ووأد الحريات والإساءة لسمعة بلادنا.
الذي أود التأكيد عليه أن كلامي السابق لا ينفي اعتقادي أن حرية الصحافة يجب أن تكون منضبطة بضوابط الدين والخلق، وأنه من حق كل أحد أو جهة أن يقاضي الصحفي أو الكاتب الذي ينقل عنه أخباراً كاذبة تسيء إليه، وأعتقد أن هذا التقاضي لا يعتبر قيداً ضد حرية الصحافة، فليس هناك أحد يحب أو يقبل أن يفتري عليه أحد ما ليس فيه.
أما النقد الصادق فهو من حق كل صحفي أو كاتب، وليس لأحد أن يغضب من هذا النقد، بل الأولى أن يكون هذا النوع من النقد عاملاً لإصلاح الجهة المنتقدة وتحسين أدائها.
على أية حال أنصح الصحفيين ـ ومن في حكمهم ـ أن يلتزموا الصمت مادامت الفتاوى والقوانين تحاصرهم، وعليهم أن يتذكروا دائماً" "أن الصمت حكمة" ومن لم يقبل بهذا النصح فعليه أن يستعد لما هو أسوأ... والله المستعان.
الوطن
يحلو للبعض إطلاق صفة السلطة الرابعة على الصحافة باعتبارها تمارس دوراً رقابياً قوياً في مجتمعاتها يدفع باتجاه الإصلاح الشامل ويساعد في الوقت نفسه السلطات الثلاث الأخرى على تأدية واجباتها بصورة سليمة.
ويحلو لبعض المسؤولين القول إنه مع حرية الصحافة، وإن هناك قوانين تصب في هذا الاتجاه وتمكن الصحفيين من قول الحقيقة كاملة دون خوف من سلطة الرقيب أو بطش الحاكم.
ويحلو لبعض الكتاب والمسؤولين القول إنهم مع حرية الصحافة وحقها التام في نقد كل ظواهر التخلف والفساد في المجتمع ما دام هذا النقد يخدم الحقيقة ولا يتعارض معها.
لكن ما يحلو لكل أولئك ـ قولا ـ قد لا يحلو لهم ـ واقعا ـ فالقول شيء وتطبيقه شيء آخر، ولكل حالة لبوسها فما يصلح اليوم قد لا يصلح غداً وما يحقق المصلحة اليوم قد يتنافى معها غداً، ولله في خلقه شؤون الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها في مقال واحد لهذا سأكتفي ببعض الشواهد لعلها توضح الفكرة من المقال.
الولايات المتحدة التي تتحدث باستمرار عن حرية الصحافة، كما تتحدث عن الديموقراطية وضرورة نشرها في عالمنا العربي والإسلامي تعد من الدول المحاربة لحرية الصحافة، بل وتعدت ذلك إلى قتل الصحفيين أو سجنهم.
أمريكا قتلت عددا من الصحفيين أثناء غزوها لأفغانستان والعراق، وقد قصفت طائراتها ـ عمدا ـ مقرات بعض الفضائيات، والهدف إسكات الصحفيين الذين لا يقفون مع مخططاتها.
أمريكا منعت بعض الصحفيين الأمريكان من نشر بعض الحقائق عن مجازرها في العراق، ومازالت تمنع نشر الأخبار التي تكشف فضائحها ـ بطبيعة الحال على قدر استطاعتها ـ وفرنسا التي توصف بأنها "أم الحريات" سنت قوانين تبيح لها سجن من يتحدث بحرية عن المحرقة اليهودية، أو عن اليهود بما يسيء إليهم ـ من وجهة نظرهم ـ وقد تناست فرنسا كل أحاديثها عن الحريات التي بنت دولتها الحديثة على أساسها.
وإذا ابتعدنا عن عالم الغربيين واقتربنا من عالمنا العربي نجد أن المشكلة تزداد وضوحاً، ففي مصر يتم الحديث حالياً عن أحكام صدرت بسجن وتغريم مجموعة من رؤساء التحرير بحجة أن هؤلاء نشروا أخباراً كاذبة تتعلق بصحة الرئيس المصري حسني مبارك وكذلك أخباراً كاذبة عن بعض قيادات الحزب الحاكم.
والعجيب في المسألة أن الذي رفع الدعوى ضد هؤلاء محاميان ينتميان للحزب الحاكم... بطبيعة الحال تحرك كثير من المنظمات داخل مصر وخارجها لإدانة هذه الأحكام "المسيسة" ـ كما يقولون ـ كما توقفت ـ لمدة يوم ـ عن الصدور مجموعة كبيرة من الصحف المستقلة احتجاجاً على الأحكام ومؤازرة للصحفيين.
المسألة مازالت تتفاعل في الداخل المصري، والحكومة عبر مؤسساتها تقول إنها تحترم حرية الصحافة، وإن قوانينها تؤيد تلك الحرية ولكن ما قام به أولئك الأربعة يتنافى مع تلك الحرية.
وفي خضم هذه المعركة أصدر شيخ الأزهر فتوى تبيح جلد الصحفيين ثمانين جلدة في حالة نشرهم أخباراً غير صادقة باعتبار أن ما قالوه في تلك الحالة ينطبق عليه حد القذف!
ولست أدري أين فتاوى الشيخ من بيع الخمور علنا ومن المراقص وأشباهها؟ ليته يقول لنا ما حكمها وما حكم بيعها؟
وفي البحرين يحاكم رئيس تحرير صحيفة "الأيام" لأنه كتب مقالاً يسخر فيه من الشيخ "وجدي غنيم" فأقام الشيخ دعوى ضده يطالبه بحقه، ولا تزال القضية ـ كما أعلم ـ أمام المحكمة.
لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب لم تعجبها إحالة السيد "عيسى الشايقي " للمحكمة فطالبت بإيقاف هذه المحاكمة باعتبار أن الشايقي من دعاة الحرية الصحفية، وقالت في بيان لها بهذه المناسبة "إن خفافيش الليل البهيم هم الخاسرون دوماً من الكلمة المدوية والصريحة، ولن ينالوا إلا الخزي والهزيمة في معركة القضاء كما نالوها في معركة الصحافة".
محاكمة الصحفيين جرت في كثير من الدول العربية ـ ومنها السعودية ـ وفي كل مرة كانت تثار مسألة حرية الصحافة وحدود هذه الحرية، وفي كل مرة ـ أيضاً ـ كانت جهات الاختصاص تتحدث عن احترام حرية الصحافة وعن القوانين التي تؤيد هذه الحرية.
آخر من تحدث عن أهمية العقوبات التي يجب أن تفرض على الصحفيين الدكتور عبدالله الطويرقي عضو مجلس الشورى وأستاذ الإعلام، وقد وعد سعادته قراء "الوطن" باستصدار قانون من المجلس يختص بمعاقبة الصحفيين الذين يتجرؤون على نقد مجلس الشورى ولعله اعتقد أن هذا الوعد سيدخل السرور على القراء فاجتهد في إعطاء هذا الوعد.
الأخ الطويرقي اتخذ هذا الموقف على خلفية برنامج "طاش" الذي انتقد فيه المجلس من خلال حديثه عن الليبراليين في السعودية.
كنت أتمنى أن يسع الطويرقي ما وسع معالي رئيس المجلس الذي قال: إن تلك الحلقة انتقدت المجلس ولكن حلقات أخرى سواها انتقدت دوائر حكومية أخرى، ولا تستحق المسألة حتى مجرد الحديث عنها، وقد أحسن معاليه في هذا كثيراً وهذا يدل على سعة أفقه وحسن فهمه للأمور.
الذي لفت انتباهي إن الدكتور عبدالله كان يصنف من الكتاب الذين يمارسون النقد الجاد، ولا أستبعد أنه انتقد المجلس قبل أن يصبح عضواً فيه، فما الذي استجد في الأمر الآن حتى يتخذ هذا الموقف الذي ليس له ما يبرره على الإطلاق؟
وإذا كان الدكتور قد انطلق في موقفه القاضي بمعاقبة الصحفيين من برنامج "طاش" فلماذا لم يتخذ هذا الموقف عندما انتقد هذا البرنامج المحاكم الشرعية وهيئات الأمر بالمعروف، ووزارة الداخلية وسواها من الأجهزة الحكومية؟ وإذا كان يعتقد أن "مجلس الشورى" أهم من هذه الأجهزة كلها فسيجد من يقول بغير ما يقول وما أكثر هؤلاء.
سأفترض ـ جدلا ـ أن الدكتور نجح في إيجاد صيغة لمعاقبة منتقدي "المجلس"، وقد يستفيد من فتوى شيخ الأزهر فتكون العقوبة الجلد، وربما يضاف لها السجن أو شيء آخر يجعل حياتهم نكداً كلها أقول: لو نجح المشروع فإن كل أجهزة الدولة ستفعل الشيء نفسه ـ وما في حد أحسن من حد ـ كما يقول إخواننا المصريون، وهنا ستصبح أجهزة الدولة كلها فوق النقد، وسيحسب هذا العمل ـ إن تم ـ في موازين الدكتور إلى يوم القيامة إن شاء الله!!
كنت أتمنى أن يعرف الدكتور أن انتقاد مجلس الشورى يصب في صالح المجلس وليس العكس، ولا أقصد هنا أن المجلس سيستفيد من هذا النقد لإصلاح ما يراه نقصاً، ولكني أقصد شيئاً آخر يختلف تماماً.
بعض المواطنين ولفترة طويلة كانوا يرون أن المجلس لا يمثلهم لأنه مجلس غير منتخب وبالتالي كانوا لا يهتمون مطلقاً بالحديث عنه ولا حتى بالسؤال عما يجري فيه، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فكانوا يرون أن كل القرارات التي تتصادم مع مصالحهم تمر عبر المجلس وبمباركته وهذا التصور كان يبعدهم عن المجلس والاهتمام به أو حتى الحديث عنه.
إن قيام البعض بالحديث عن المجلس والاهتمام بما يصدر عنه أمر في غاية الأهمية حتى لو كان بعض ما يكتب نقداً لأعمال المجلس لأن هذا النقد يدل على بداية حقيقية لاهتمام المواطنين بالمجلس وتفاعلهم معه، ورغبتهم في دفعه لزيادة الاهتمام بقضاياهم.
كنت أتمنى أن يدرك الدكتور هذه الحقيقة فيفرح بها كثيراً ولا يتحدث عن مسألة تسيء للمجلس وقد تهدم كل ما بناه سابقاً.
وكنت أتمنى أيضاً أن يهتم الدكتور بالحديث عن القضايا التي تهم المواطنين ـ هذا إذا أراد أن يخف النقد عن المجلس ـ أو ينتهي تماماً، وأمامه قضايا الفقر والغلاء والبطالة والتعليم والصحة وسواها من المسائل المهمة التي ترهق المواطنين والتي يرون أن من واجب المجلس أن يجد حلولاً عاجلة لها.
لو فعل الدكتور ذلك لحمل هو وكل أعضاء المجلس على الأعناق ولما احتاج إلى إتعاب نفسه في سن قوانين لمعاقبة الصحفيين ووأد الحريات والإساءة لسمعة بلادنا.
الذي أود التأكيد عليه أن كلامي السابق لا ينفي اعتقادي أن حرية الصحافة يجب أن تكون منضبطة بضوابط الدين والخلق، وأنه من حق كل أحد أو جهة أن يقاضي الصحفي أو الكاتب الذي ينقل عنه أخباراً كاذبة تسيء إليه، وأعتقد أن هذا التقاضي لا يعتبر قيداً ضد حرية الصحافة، فليس هناك أحد يحب أو يقبل أن يفتري عليه أحد ما ليس فيه.
أما النقد الصادق فهو من حق كل صحفي أو كاتب، وليس لأحد أن يغضب من هذا النقد، بل الأولى أن يكون هذا النوع من النقد عاملاً لإصلاح الجهة المنتقدة وتحسين أدائها.
على أية حال أنصح الصحفيين ـ ومن في حكمهم ـ أن يلتزموا الصمت مادامت الفتاوى والقوانين تحاصرهم، وعليهم أن يتذكروا دائماً" "أن الصمت حكمة" ومن لم يقبل بهذا النصح فعليه أن يستعد لما هو أسوأ... والله المستعان.
الوطن