binhlailبن هليــل
16-10-2007, 07:13 PM
المغني
كتاب الصلح
مسألة:
قال: [ومن اعترف بحق, فصالح على بعضه لم يكن ذلك صلحا لأنه هضم للحق] وجملته أن من اعترف بحق وامتنع من أدائه حتى صولح على بعضه فالصلح باطل لأنه صالح عن بعض ماله ببعض, وهذا محال وسواء كان بلفظ الصلح أو بلفظ الإبراء أو بلفظ الهبة المقرون بشرط, مثل أن يقول: أبرأتك عن خمسمائة أو وهبت لك خمسمائة بشرط أن تعطيني ما بقي ولو لم يشترط, إلا أنه لم يعط بعض حقه إلا بإسقاطه بعضه فهو حرام أيضا لأنه هضمه حقه قال ابن أبي إسحاق: الصلح على الإقرار هضم للحق فمتى ألزم المقر له ترك بعض حقه, فتركه عن غير طيب نفسه لم يطب الأخذ وإن تطوع المقر له بإسقاط بعض حقه بطيب من نفسه جاز, غير أن ذلك ليس بصلح ولا من باب الصلح بسبيل ولم يسم الخرقي الصلح إلا في الإنكار, على الوجه الذي قدمنا ذكره فأما في الاعتراف فإذا اعترف بشيء وقضاه من جنسه, فهو وفاء وإن قضاه من غير جنسه فهي معاوضة, وإن أبرأه من بعضه اختيارا منه واستوفى الباقي فهو إبراء, وإن وهب له بعض العين وأخذ باقيها بطيب نفس فهي هبة فلا يسمى ذلك صلحا ونحو ذلك قال ابن أبي موسى وسماه القاضي وأصحابه صلحا وهو قول الشافعي وغيره والخلاف في التسمية, أما المعنى فمتفق عليه وهو فعل ما عدا وفاء الحق وإسقاطه على وجه يصح, وذلك ثلاثة أقسام معاوضة وإبراء وهبة فأما المعاوضة, فهو أن يعترف له بعين في يده أو دين في ذمته ثم يتفقان على تعويضه عن ذلك بما يجوز تعويضه به, وهذا ثلاثة أضرب أحدها أن يعترف له بأحد النقدين فيصالحه الآخر, نحو أن يعترف له بمائة درهم فيصالحه منها بعشرة دنانير أو يعترف له بعشرة دنانير, فيصالحه على مائة درهم فهذا صرف يشترط له شروط الصرف, من التقابض في المجلس ونحوه الثاني أن يعترف له بعروض فيصالحه على أثمان, أو بأثمان فيصالحه على عروض فهذا بيع يثبت فيه أحكام البيع وإن اعترف له بدين فصالحه على موصوف في الذمة, لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين الثالث أن يصالحه على سكنى دار أو خدمة عبد ونحوه, أو على أن يعمل له عملا معلوما فيكون ذلك إجارة لها حكم سائر الإجارات وإذا أتلف الدار أو العبد قبل استيفاء شيء من المنفعة, انفسخت الإجارة ورجع بما صالح عنه وإن تلفت بعد استيفاء شيء من المنفعة انفسخت فيما بقي من المدة, ورجع بقسط ما بقي ولو صالحه على أن يزوجه جاريته وهو ممن يجوز له نكاح الإماء صح وكان المصالح عنه صداقها, فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وإن طلقها قبل الدخول, رجع بنصفها وإن كان المعترف امرأة فصالحت المدعي على أن تزوجه نفسها, جاز ولو كان المعترف به عيبا في مبيعها فصالحته على نكاحها صح فإن زال العيب رجعت بأرشه لأن ذلك صداقها, فرجعت به لا بمهر مثلها وإن لم يزل العيب لكن انفسخ نكاحها بما يسقط صداقها, رجع عليها بأرشه القسم الثاني الإبراء وهو أن يعترف له بدين في ذمته, فيقول: قد أبرأتك من نصفه أو جزء معين منه فأعطني ما بقي فيصح إذا كانت البراءة مطلقة من غير شرط قال أحمد: إذا كان للرجل على الرجل الدين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه, وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما ولو فعل ذلك قاض, لم يكن عليه في ذلك إثم لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلم غرماء جابر ليضعوا عنه فوضعوا عنه الشطر وفي الذي أصيب في حديقته فمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ملزوم, فأشار إلى غرمائه بالنصف فأخذوه منه فإن فعل ذلك قاض اليوم جاز إذا كان على وجه الصلح والنظر لهما وروى يونس, عن الزهري عن عبد الله بن كعب عن أبيه, أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج إليهما ثم نادى: (يا كعب قال: لبيك يا رسول الله فأشار إليه, أن ضع الشطر من دينك قال: قد فعلت يا رسول الله قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قم فأعطه) فإن قال: على أن توفيني ما بقي بطل لأنه ما أبرأه عن بعض الحق إلا ليوفيه بقيته فكأنه عاوض بعض حقه ببعض القسم الثالث الهبة وهو أن يكون له في يده عين, فيقول قد وهبتك نصفها فأعطني بقيتها فيصح ويعتبر له شروط الهبة وإن أخرجه مخرج الشرط, لم يصح وهذا مذهب الشافعي لأنه إذا شرط في الهبة الوفاء جعل الهبة عوضا عن الوفاء به فكأنه عاوض بعض حقه ببعض وإن أبرأه من بعض الدين أو وهب له بعض العين بلفظ الصلح, مثل أن يقول: صالحن بنصف دينك على أو بنصف دارك هذه فيقول: صالحتك بذلك لم يصح ذكره القاضي وابن عقيل وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال أكثرهم: يجوز الصلح لأنه إذا لم يجز بلفظه خرج عن أن يكون صلحا, ولا يبقى له تعلق به فلا يسمى صلحا أما إذا كان بلفظ الصلح سمى صلحا لوجود اللفظ, وإن تخلف المعنى كالهبة بشرط الثواب وإنما يقتضي لفظ الصلح المعاوضة إذا كان ثم عوض, أما مع عدمه فلا وإنما معنى الصلح الاتفاق والرضى وقد يحصل هذا من غير عوض, كالتمليك إذا كان بعوض سمي بيعا وإن خلا عن العوض سمي هبة ولنا أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة لأنه إذا قال: صالحني بهبة كذا أو على نصف هذه العين, ونحو هذا فقد أضاف إليه بالمقابلة فصار كقوله: بعني بألف وإن أضاف إليه " على " جرى مجرى الشرط كقوله تعالى: {فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} [الكهف: 94]. وكلاهما لا يجوز بدليل ما لو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة وقولهم: أنه يسمى صلحا ممنوع وإن سمي صلحا فمجاز لتضمنه قطع النزاع وإزالة الخصومة وقولهم: إن الصلح لا يقتضي المعاوضة قلنا: لا نسلم وإن سلمنا لكن المعاوضة حصلت من اقتران حرف الباء, أو على أو نحوهما به فإن لفظة الصلح تحتاج إلى حرف تعدى به, وذلك يقتضي المعاوضة على ما بيناه.
فصل:
وإن ادعى على رجل بيتا فصالحه على بعضه, أو على بناء غرفة فوقه أو على أن يسكنه سنة لم يصح لأنه يصالحه من ملكه على ملكه أو منفعته وإن أسكنه كان تبرعا منه, متى شاء أخرجه منها وإن أعطاه بعض داره بناء على هذا فمتى شاء انتزعه منه لأنه أعطاه إياه عوضا عما لا يصلح عوضا عنه وإن فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقدا أن ذلك وجب عليه بالصلح, رجع عليه بأجر ما سكن وأجر ما كان في يده من الدار لأنه أخذه بعقد فاسد فأشبه المبيع المأخوذ بعقد فاسد وسكنى الدار بإجارة فاسدة وإن بنى فوق البيت غرفة, أجبر على نقضها وإذا آجر السطح مدة مقامه في يديه فله أخذ آلته ولو اتفقا على أن يصالحه صاحب البيت عن بنائه بعوض, جاز وإن بنى الغرفة بتراب من أرض صاحب البيت وآلاته فليس له أخذ بنائه لأنه ملك لصاحب البيت وإن أراد نقض البناء لم يكن له ذلك, إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ويحتمل أن يملك نقضه كقولنا في الغاصب.
فصل:
وإذا صالحه بخدمة عبده سنة صح وكانت إجارة وقد ذكرنا ذلك فإن باع العبد في السنة صح البيع, ويكون للمشتري مسلوب المنفعة بقية السنة وللمستأجر استيفاء منفعته إلى انقضاء مدته كما لو زوج أمته ثم باعها وإن لم يعلم المشتري بذلك, فله الفسخ لأنه عيب وإن أعتق العبد في أثناء المدة نفذ عتقه لأنه مملوكه يصح بيعه فصح عتقه لغيره, وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة لأنه أعتقه بعد أن ملك منفعته لغيره فأشبه ما لو أعتق الأمة المزوجة لحر ولا يرجع العبد على سيده بشيء لأنه ما زال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة, والمنافع حينئذ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلم يرجع بشيء, وإن أعتقه مسلوب المنفعة فلم يرجع بشيء كما لو أعتق زمنا أو مقطوع اليدين, أو أعتق أمة مزوجة وذكر القاضي وابن عقيل وجها آخر أنه يرجع على سيده بأجر مثله وهو قول الشافعي لأن العتق اقتضى إزالة ملكه عن الرقبة والمنفعة جميعا, فلما لم تحصل المنفعة للعبد ها هنا فكأنه حال بينه وبين منفعته ولنا أن إعتاقه لم يصادف للمعتق سوى ملك الرقبة, فلم يؤثر إلا فيه كما لو وصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فأعتق صاحب الرقبة, وكما لو أعتق أمة مزوجة وقولهم: إنه اقتضى زوال الملك عن المنفعة قلنا: إنما يقتضي ذلك إذا كانت مملوكة له أما إذا كانت مملوكة لغيره فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجود وإن تبين أن العبد مستحق تبين بطلان الصلح لفساد العوض, ورجع المدعي فيما أقر له به وإن وجد العبد معيبا عيبا تنقص به المنفعة فله رده وفسخ الصلح وإن صالح على العبد بعينه صح الصلح, ويكون بيعا والحكم فيما إذا خرج مستحقا أو ظهر به عيب كما ذكرنا.
فصل:
إذا ادعى زرعا في يد رجل فأقر له به, ثم صالحه منه على دراهم جاز على الوجه الذي يجوز به بيع الزرع وقد ذكرنا ذلك في البيع وإن كان الزرع في يد رجلين فأقر له أحدهما بنصفه, ثم صالحه عليه قبل اشتداد حبه لم يجز لأنه إن صالحه عليه بشرط التبقية أو من غير شرط القطع لم يجز لأنه لا يجوز بيعه كذلك وإن شرط القطع لم يجز لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع زرع الآخر ولو كان الزرع لواحد, فأقر للمدعي بنصفه ثم صالحه عنه بنصف الأرض ليصير الزرع كله للمقر والأرض بينهما نصفين, فإن شرط القطع جاز لأن الزرع كله للمقر فجاز شرط قطعه ويحتمل أن لا يجوز لأن في الزرع ما ليس بمبيع وهو النصف الذي لم يقر به, وهو في النصف الباقي له فلا يصح اشتراط قطعه كما لو شرط قطع زرع آخر في أرض أخرى وإن صالحه منه بجميع الأرض بشرط القطع ليسلم الأرض إليه فارغة, صح لأن قطع جميع الزرع مستحق نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الأرض فأمكن القطع وإن كان إقراره بجميع الزرع, فصالحه من نصفه على نصف الأرض ليكون الأرض والزرع بينهما نصفين وشرط القطع في الجميع احتمل الجواز لأنهما قد شرطا قطع كل الزرع وتسليم الأرض فارغة, واحتمل المنع لأن باقي الزرع ليس بمبيع فلا يصح شرط قطعه في العقد.
فصل:
إذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره أو هواء جدار له فيه شركة, أو على نفس الجدار لزم مالك الشجرة إزالة تلك الأغصان إما بردها إلى ناحية أخرى, وإما بالقطع لأن الهواء ملك لصاحب القرار فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره كالقرار فإن امتنع المالك من إزالته لم يجبر لأنه من غير فعله, فلم يجبر على إزالته كما إذا لم يكن مالكا له وإن تلف بها شيء لم يضمنه كذلك ويحتمل أن يجبر على إزالته, ويضمن ما تلف به إذا أمر بإزالته فلم يفعل بناء على ما إذا مال حائطه إلى ملك غيره, على ما سنذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ وعلى كلا الوجهين إذا امتنع من إزالته كان لصاحب الهواء إزالته بأحد الأمرين لأنه بمنزلة البهيمة التي تدخل داره له إخراجها, كذا ها هنا وهذا مذهب الشافعي فإن أمكنه إزالتها بلا إتلاف ولا قطع من غير مشقة تلزمه ولا غرامة لم يجز له إتلافها, كما أنه إذا أمكنه إخراج البهيمة من غير إتلاف لم يجز له إتلافها فإن أتلفها في هذه الحال غرمها وإن لم يمكنه إزالتها إلا بالإتلاف فله ذلك, ولا شيء عليه فإنه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه فإن صالحه على إقرارها بعوض معلوم فاختلف أصحابنا فقال ابن حامد وابن عقيل: يجوز ذلك رطبا كان الغصن أو يابسا لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة لكونها لا تمنع التسليم, بخلاف العوض فإنه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ولأن الحاجة داعية إلى الصلح عنه, لكون ذلك يكثر في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وضرر والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب, والمستأجر للغرفة يتجدد له الأولاد والغراس الذي يستأجر له الأرض يعظم ويجفو وقال أبو الخطاب: لا تصح المصالحة عنه بحال رطبا كان أو يابسا لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص, وربما ذهب كله وقال القاضي: إن كان يابسا معتمدا على نفس الجدار صحت المصالحة عنه لأن الزيادة مأمونة فيه ولا يصح الصلح على غير ذلك لأن الرطب يزيد في كل وقت, وما لا يعتمد على الجدار لا يصح الصلح عليه لأنه تبع الهواء وهذا مذهب الشافعي واللائق بمذهب أحمد صحته لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل وذلك لدعاء الحاجة إليه, وكونه لا يحتاج إلى تسليم وهذا كذلك والهواء كالقرار في كونه مملوكا لصاحبه فجاز الصلح على ما فيه, كالذي في القرار.
فصل:
وإن صالحه على إقرارها بجزء معلوم من ثمرها أو بثمرها كله فقد نقل المروذي وإسحاق بن إبراهيم, عن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: لا أدري فيحتمل أن يصح ونحوه وقال مكحول, فإنه نقل عنه أنه قال: أيما شجرة ظللت على قوم فهم بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها ويحتمل أن لا يصح وهو قول الأكثرين وإليه ذهب الشافعي لأن العوض مجهول, فإن الثمرة مجهولة وجزؤها مجهول ومن شرط الصلح العلم بالعوض, ولأن المصالح عليه أيضا مجهول لأنه يزيد ويتغير على ما أسلفنا ووجه الأول أن هذا مما يكثر في الأملاك وتدعو الحاجة إليه, وفي القطع إتلاف فجاز مع الجهالة كالصلح على مجرى مياه الأمطار, والصلح على المواريث الدارسة والحقوق المجهولة التي لا سبيل إلى علمها ويقوي عندي أن الصلح ها هنا يصح, بمعنى أن كل واحد منهما يبيح صاحبه ما بذل له فصاحب الهواء يبيح صاحب الشجرة إبقاءها ويمتنع من قطعها وإزالتها, وصاحب الشجرة يبيحه ما بذل له من ثمرتها ولا يكون هذا بمعنى البيع لأن البيع لا يصح بمعدوم ولا مجهول والثمرة في حال الصلح معدومة مجهولة, ولا هو لازم بل لكل واحد منهما الرجوع عما بذله والعود فيما قاله لأنه مجرد إباحة من كل واحد منهما لصاحبه, فجرى مجرى قول كل واحد منهما لصاحبه: اسكن داري وأسكن دارك من غير تقدير مدة ولا ذكر شروط الإجارة, أو قوله: أبحتك الأكل من ثمرة بستاني فأبحني الأكل من ثمرة بستانك وكذلك قوله: دعني أجري في أرضك ماء ولك أن تسقي به ما شئت, وتشرب منه ونحو ذلك فهذا مثله بل أولى فإن هذا مما تدعو الحاجة إليه كثيرا, وفي إلزام القطع ضرر كبير وإتلاف أموال كثيرة وفي الترك من غير نفع يصل إلى صاحب الهواء ضرر عليه, وفيما ذكرناه جمع بين الأمرين ونظر للفريقين وهو على وفق الأصول, فكان أولى.
فصل:
وكذلك الحكم في كل ما امتد من عروق شجرة إنسان إلى أرض جاره سواء أثرت ضررا مثل تأثيرها في المصانع وطي الآبار, وأساس الحيطان أو منعها من ثبات شجر لصاحب الأرض أو زرع أو لم يؤثر فإن الحكم في قطعه والصلح عليه كالحكم في الفروع إلا أن العروق لا ثمر لها, فإن اتفقا على أن ما نبت من عروقها لصاحب الأرض أو جزء معلوم منه فهو كالصلح على الثمر فيما ذكرنا, فعلى قولنا إذا اصطلحا على ذلك فمضت مدة, ثم أبى صاحب الشجرة دفع نباتها إلى صاحب الأرض فعليه أجر المثل لأنه إنما تركه في أرضه لهذا فلما لم يسلمه له, رجع بأجر المثل كما لو بذلها بعوض فلم يسلم له وكذلك الحكم في من مال حائطه إلى هواء ملك غيره أو ذلق من أخشابه إلى ملك غيره, فالحكم فيه على ما ذكرناه.
كتاب المغني
كتاب الصلح
مسألة:
قال: [ومن اعترف بحق, فصالح على بعضه لم يكن ذلك صلحا لأنه هضم للحق] وجملته أن من اعترف بحق وامتنع من أدائه حتى صولح على بعضه فالصلح باطل لأنه صالح عن بعض ماله ببعض, وهذا محال وسواء كان بلفظ الصلح أو بلفظ الإبراء أو بلفظ الهبة المقرون بشرط, مثل أن يقول: أبرأتك عن خمسمائة أو وهبت لك خمسمائة بشرط أن تعطيني ما بقي ولو لم يشترط, إلا أنه لم يعط بعض حقه إلا بإسقاطه بعضه فهو حرام أيضا لأنه هضمه حقه قال ابن أبي إسحاق: الصلح على الإقرار هضم للحق فمتى ألزم المقر له ترك بعض حقه, فتركه عن غير طيب نفسه لم يطب الأخذ وإن تطوع المقر له بإسقاط بعض حقه بطيب من نفسه جاز, غير أن ذلك ليس بصلح ولا من باب الصلح بسبيل ولم يسم الخرقي الصلح إلا في الإنكار, على الوجه الذي قدمنا ذكره فأما في الاعتراف فإذا اعترف بشيء وقضاه من جنسه, فهو وفاء وإن قضاه من غير جنسه فهي معاوضة, وإن أبرأه من بعضه اختيارا منه واستوفى الباقي فهو إبراء, وإن وهب له بعض العين وأخذ باقيها بطيب نفس فهي هبة فلا يسمى ذلك صلحا ونحو ذلك قال ابن أبي موسى وسماه القاضي وأصحابه صلحا وهو قول الشافعي وغيره والخلاف في التسمية, أما المعنى فمتفق عليه وهو فعل ما عدا وفاء الحق وإسقاطه على وجه يصح, وذلك ثلاثة أقسام معاوضة وإبراء وهبة فأما المعاوضة, فهو أن يعترف له بعين في يده أو دين في ذمته ثم يتفقان على تعويضه عن ذلك بما يجوز تعويضه به, وهذا ثلاثة أضرب أحدها أن يعترف له بأحد النقدين فيصالحه الآخر, نحو أن يعترف له بمائة درهم فيصالحه منها بعشرة دنانير أو يعترف له بعشرة دنانير, فيصالحه على مائة درهم فهذا صرف يشترط له شروط الصرف, من التقابض في المجلس ونحوه الثاني أن يعترف له بعروض فيصالحه على أثمان, أو بأثمان فيصالحه على عروض فهذا بيع يثبت فيه أحكام البيع وإن اعترف له بدين فصالحه على موصوف في الذمة, لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين الثالث أن يصالحه على سكنى دار أو خدمة عبد ونحوه, أو على أن يعمل له عملا معلوما فيكون ذلك إجارة لها حكم سائر الإجارات وإذا أتلف الدار أو العبد قبل استيفاء شيء من المنفعة, انفسخت الإجارة ورجع بما صالح عنه وإن تلفت بعد استيفاء شيء من المنفعة انفسخت فيما بقي من المدة, ورجع بقسط ما بقي ولو صالحه على أن يزوجه جاريته وهو ممن يجوز له نكاح الإماء صح وكان المصالح عنه صداقها, فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وإن طلقها قبل الدخول, رجع بنصفها وإن كان المعترف امرأة فصالحت المدعي على أن تزوجه نفسها, جاز ولو كان المعترف به عيبا في مبيعها فصالحته على نكاحها صح فإن زال العيب رجعت بأرشه لأن ذلك صداقها, فرجعت به لا بمهر مثلها وإن لم يزل العيب لكن انفسخ نكاحها بما يسقط صداقها, رجع عليها بأرشه القسم الثاني الإبراء وهو أن يعترف له بدين في ذمته, فيقول: قد أبرأتك من نصفه أو جزء معين منه فأعطني ما بقي فيصح إذا كانت البراءة مطلقة من غير شرط قال أحمد: إذا كان للرجل على الرجل الدين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه, وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما ولو فعل ذلك قاض, لم يكن عليه في ذلك إثم لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلم غرماء جابر ليضعوا عنه فوضعوا عنه الشطر وفي الذي أصيب في حديقته فمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ملزوم, فأشار إلى غرمائه بالنصف فأخذوه منه فإن فعل ذلك قاض اليوم جاز إذا كان على وجه الصلح والنظر لهما وروى يونس, عن الزهري عن عبد الله بن كعب عن أبيه, أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج إليهما ثم نادى: (يا كعب قال: لبيك يا رسول الله فأشار إليه, أن ضع الشطر من دينك قال: قد فعلت يا رسول الله قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قم فأعطه) فإن قال: على أن توفيني ما بقي بطل لأنه ما أبرأه عن بعض الحق إلا ليوفيه بقيته فكأنه عاوض بعض حقه ببعض القسم الثالث الهبة وهو أن يكون له في يده عين, فيقول قد وهبتك نصفها فأعطني بقيتها فيصح ويعتبر له شروط الهبة وإن أخرجه مخرج الشرط, لم يصح وهذا مذهب الشافعي لأنه إذا شرط في الهبة الوفاء جعل الهبة عوضا عن الوفاء به فكأنه عاوض بعض حقه ببعض وإن أبرأه من بعض الدين أو وهب له بعض العين بلفظ الصلح, مثل أن يقول: صالحن بنصف دينك على أو بنصف دارك هذه فيقول: صالحتك بذلك لم يصح ذكره القاضي وابن عقيل وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال أكثرهم: يجوز الصلح لأنه إذا لم يجز بلفظه خرج عن أن يكون صلحا, ولا يبقى له تعلق به فلا يسمى صلحا أما إذا كان بلفظ الصلح سمى صلحا لوجود اللفظ, وإن تخلف المعنى كالهبة بشرط الثواب وإنما يقتضي لفظ الصلح المعاوضة إذا كان ثم عوض, أما مع عدمه فلا وإنما معنى الصلح الاتفاق والرضى وقد يحصل هذا من غير عوض, كالتمليك إذا كان بعوض سمي بيعا وإن خلا عن العوض سمي هبة ولنا أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة لأنه إذا قال: صالحني بهبة كذا أو على نصف هذه العين, ونحو هذا فقد أضاف إليه بالمقابلة فصار كقوله: بعني بألف وإن أضاف إليه " على " جرى مجرى الشرط كقوله تعالى: {فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} [الكهف: 94]. وكلاهما لا يجوز بدليل ما لو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة وقولهم: أنه يسمى صلحا ممنوع وإن سمي صلحا فمجاز لتضمنه قطع النزاع وإزالة الخصومة وقولهم: إن الصلح لا يقتضي المعاوضة قلنا: لا نسلم وإن سلمنا لكن المعاوضة حصلت من اقتران حرف الباء, أو على أو نحوهما به فإن لفظة الصلح تحتاج إلى حرف تعدى به, وذلك يقتضي المعاوضة على ما بيناه.
فصل:
وإن ادعى على رجل بيتا فصالحه على بعضه, أو على بناء غرفة فوقه أو على أن يسكنه سنة لم يصح لأنه يصالحه من ملكه على ملكه أو منفعته وإن أسكنه كان تبرعا منه, متى شاء أخرجه منها وإن أعطاه بعض داره بناء على هذا فمتى شاء انتزعه منه لأنه أعطاه إياه عوضا عما لا يصلح عوضا عنه وإن فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقدا أن ذلك وجب عليه بالصلح, رجع عليه بأجر ما سكن وأجر ما كان في يده من الدار لأنه أخذه بعقد فاسد فأشبه المبيع المأخوذ بعقد فاسد وسكنى الدار بإجارة فاسدة وإن بنى فوق البيت غرفة, أجبر على نقضها وإذا آجر السطح مدة مقامه في يديه فله أخذ آلته ولو اتفقا على أن يصالحه صاحب البيت عن بنائه بعوض, جاز وإن بنى الغرفة بتراب من أرض صاحب البيت وآلاته فليس له أخذ بنائه لأنه ملك لصاحب البيت وإن أراد نقض البناء لم يكن له ذلك, إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ويحتمل أن يملك نقضه كقولنا في الغاصب.
فصل:
وإذا صالحه بخدمة عبده سنة صح وكانت إجارة وقد ذكرنا ذلك فإن باع العبد في السنة صح البيع, ويكون للمشتري مسلوب المنفعة بقية السنة وللمستأجر استيفاء منفعته إلى انقضاء مدته كما لو زوج أمته ثم باعها وإن لم يعلم المشتري بذلك, فله الفسخ لأنه عيب وإن أعتق العبد في أثناء المدة نفذ عتقه لأنه مملوكه يصح بيعه فصح عتقه لغيره, وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة لأنه أعتقه بعد أن ملك منفعته لغيره فأشبه ما لو أعتق الأمة المزوجة لحر ولا يرجع العبد على سيده بشيء لأنه ما زال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة, والمنافع حينئذ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلم يرجع بشيء, وإن أعتقه مسلوب المنفعة فلم يرجع بشيء كما لو أعتق زمنا أو مقطوع اليدين, أو أعتق أمة مزوجة وذكر القاضي وابن عقيل وجها آخر أنه يرجع على سيده بأجر مثله وهو قول الشافعي لأن العتق اقتضى إزالة ملكه عن الرقبة والمنفعة جميعا, فلما لم تحصل المنفعة للعبد ها هنا فكأنه حال بينه وبين منفعته ولنا أن إعتاقه لم يصادف للمعتق سوى ملك الرقبة, فلم يؤثر إلا فيه كما لو وصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فأعتق صاحب الرقبة, وكما لو أعتق أمة مزوجة وقولهم: إنه اقتضى زوال الملك عن المنفعة قلنا: إنما يقتضي ذلك إذا كانت مملوكة له أما إذا كانت مملوكة لغيره فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجود وإن تبين أن العبد مستحق تبين بطلان الصلح لفساد العوض, ورجع المدعي فيما أقر له به وإن وجد العبد معيبا عيبا تنقص به المنفعة فله رده وفسخ الصلح وإن صالح على العبد بعينه صح الصلح, ويكون بيعا والحكم فيما إذا خرج مستحقا أو ظهر به عيب كما ذكرنا.
فصل:
إذا ادعى زرعا في يد رجل فأقر له به, ثم صالحه منه على دراهم جاز على الوجه الذي يجوز به بيع الزرع وقد ذكرنا ذلك في البيع وإن كان الزرع في يد رجلين فأقر له أحدهما بنصفه, ثم صالحه عليه قبل اشتداد حبه لم يجز لأنه إن صالحه عليه بشرط التبقية أو من غير شرط القطع لم يجز لأنه لا يجوز بيعه كذلك وإن شرط القطع لم يجز لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع زرع الآخر ولو كان الزرع لواحد, فأقر للمدعي بنصفه ثم صالحه عنه بنصف الأرض ليصير الزرع كله للمقر والأرض بينهما نصفين, فإن شرط القطع جاز لأن الزرع كله للمقر فجاز شرط قطعه ويحتمل أن لا يجوز لأن في الزرع ما ليس بمبيع وهو النصف الذي لم يقر به, وهو في النصف الباقي له فلا يصح اشتراط قطعه كما لو شرط قطع زرع آخر في أرض أخرى وإن صالحه منه بجميع الأرض بشرط القطع ليسلم الأرض إليه فارغة, صح لأن قطع جميع الزرع مستحق نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الأرض فأمكن القطع وإن كان إقراره بجميع الزرع, فصالحه من نصفه على نصف الأرض ليكون الأرض والزرع بينهما نصفين وشرط القطع في الجميع احتمل الجواز لأنهما قد شرطا قطع كل الزرع وتسليم الأرض فارغة, واحتمل المنع لأن باقي الزرع ليس بمبيع فلا يصح شرط قطعه في العقد.
فصل:
إذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره أو هواء جدار له فيه شركة, أو على نفس الجدار لزم مالك الشجرة إزالة تلك الأغصان إما بردها إلى ناحية أخرى, وإما بالقطع لأن الهواء ملك لصاحب القرار فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره كالقرار فإن امتنع المالك من إزالته لم يجبر لأنه من غير فعله, فلم يجبر على إزالته كما إذا لم يكن مالكا له وإن تلف بها شيء لم يضمنه كذلك ويحتمل أن يجبر على إزالته, ويضمن ما تلف به إذا أمر بإزالته فلم يفعل بناء على ما إذا مال حائطه إلى ملك غيره, على ما سنذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ وعلى كلا الوجهين إذا امتنع من إزالته كان لصاحب الهواء إزالته بأحد الأمرين لأنه بمنزلة البهيمة التي تدخل داره له إخراجها, كذا ها هنا وهذا مذهب الشافعي فإن أمكنه إزالتها بلا إتلاف ولا قطع من غير مشقة تلزمه ولا غرامة لم يجز له إتلافها, كما أنه إذا أمكنه إخراج البهيمة من غير إتلاف لم يجز له إتلافها فإن أتلفها في هذه الحال غرمها وإن لم يمكنه إزالتها إلا بالإتلاف فله ذلك, ولا شيء عليه فإنه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه فإن صالحه على إقرارها بعوض معلوم فاختلف أصحابنا فقال ابن حامد وابن عقيل: يجوز ذلك رطبا كان الغصن أو يابسا لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة لكونها لا تمنع التسليم, بخلاف العوض فإنه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ولأن الحاجة داعية إلى الصلح عنه, لكون ذلك يكثر في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وضرر والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب, والمستأجر للغرفة يتجدد له الأولاد والغراس الذي يستأجر له الأرض يعظم ويجفو وقال أبو الخطاب: لا تصح المصالحة عنه بحال رطبا كان أو يابسا لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص, وربما ذهب كله وقال القاضي: إن كان يابسا معتمدا على نفس الجدار صحت المصالحة عنه لأن الزيادة مأمونة فيه ولا يصح الصلح على غير ذلك لأن الرطب يزيد في كل وقت, وما لا يعتمد على الجدار لا يصح الصلح عليه لأنه تبع الهواء وهذا مذهب الشافعي واللائق بمذهب أحمد صحته لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل وذلك لدعاء الحاجة إليه, وكونه لا يحتاج إلى تسليم وهذا كذلك والهواء كالقرار في كونه مملوكا لصاحبه فجاز الصلح على ما فيه, كالذي في القرار.
فصل:
وإن صالحه على إقرارها بجزء معلوم من ثمرها أو بثمرها كله فقد نقل المروذي وإسحاق بن إبراهيم, عن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: لا أدري فيحتمل أن يصح ونحوه وقال مكحول, فإنه نقل عنه أنه قال: أيما شجرة ظللت على قوم فهم بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها ويحتمل أن لا يصح وهو قول الأكثرين وإليه ذهب الشافعي لأن العوض مجهول, فإن الثمرة مجهولة وجزؤها مجهول ومن شرط الصلح العلم بالعوض, ولأن المصالح عليه أيضا مجهول لأنه يزيد ويتغير على ما أسلفنا ووجه الأول أن هذا مما يكثر في الأملاك وتدعو الحاجة إليه, وفي القطع إتلاف فجاز مع الجهالة كالصلح على مجرى مياه الأمطار, والصلح على المواريث الدارسة والحقوق المجهولة التي لا سبيل إلى علمها ويقوي عندي أن الصلح ها هنا يصح, بمعنى أن كل واحد منهما يبيح صاحبه ما بذل له فصاحب الهواء يبيح صاحب الشجرة إبقاءها ويمتنع من قطعها وإزالتها, وصاحب الشجرة يبيحه ما بذل له من ثمرتها ولا يكون هذا بمعنى البيع لأن البيع لا يصح بمعدوم ولا مجهول والثمرة في حال الصلح معدومة مجهولة, ولا هو لازم بل لكل واحد منهما الرجوع عما بذله والعود فيما قاله لأنه مجرد إباحة من كل واحد منهما لصاحبه, فجرى مجرى قول كل واحد منهما لصاحبه: اسكن داري وأسكن دارك من غير تقدير مدة ولا ذكر شروط الإجارة, أو قوله: أبحتك الأكل من ثمرة بستاني فأبحني الأكل من ثمرة بستانك وكذلك قوله: دعني أجري في أرضك ماء ولك أن تسقي به ما شئت, وتشرب منه ونحو ذلك فهذا مثله بل أولى فإن هذا مما تدعو الحاجة إليه كثيرا, وفي إلزام القطع ضرر كبير وإتلاف أموال كثيرة وفي الترك من غير نفع يصل إلى صاحب الهواء ضرر عليه, وفيما ذكرناه جمع بين الأمرين ونظر للفريقين وهو على وفق الأصول, فكان أولى.
فصل:
وكذلك الحكم في كل ما امتد من عروق شجرة إنسان إلى أرض جاره سواء أثرت ضررا مثل تأثيرها في المصانع وطي الآبار, وأساس الحيطان أو منعها من ثبات شجر لصاحب الأرض أو زرع أو لم يؤثر فإن الحكم في قطعه والصلح عليه كالحكم في الفروع إلا أن العروق لا ثمر لها, فإن اتفقا على أن ما نبت من عروقها لصاحب الأرض أو جزء معلوم منه فهو كالصلح على الثمر فيما ذكرنا, فعلى قولنا إذا اصطلحا على ذلك فمضت مدة, ثم أبى صاحب الشجرة دفع نباتها إلى صاحب الأرض فعليه أجر المثل لأنه إنما تركه في أرضه لهذا فلما لم يسلمه له, رجع بأجر المثل كما لو بذلها بعوض فلم يسلم له وكذلك الحكم في من مال حائطه إلى هواء ملك غيره أو ذلق من أخشابه إلى ملك غيره, فالحكم فيه على ما ذكرناه.
كتاب المغني