الجشعمي
08-04-2011, 03:33 AM
كتابات - غانم محمد الحيو
كانت هذه الهجرات مستمرة والمراعي شاسعة تتسع للمزيد فكانت هذه الهجرات شبه حرة ألا إذا حدث نزاع مع من سبقهم على مكان معين فقد كان هناك مكانٌ متسعٌ آخر …
سكن العرب الهلال الخصيب قبل الميلاد بقرون . فالبادية والهلال الخصيب امتداد لارض جزيرة العرب .الهجرة أليها قديمة قدم وجود الإنسان في هذه المواقع . فسكان الجزيرة العربية كلما أقحلت ديارهم أو حدث نزاع بين قبيلتين نزحوا إلى الشمال طلبا للمرعى والماء فيجدون أرضا خصبة ومياها ثرة ومناخا جميلا (1) خاصة بعد أن تغير مناخ الجزيرة العربية الذي دافئا وكثير الرطوبة وغزير المياه مما ساعد على سكن البشر فلما تغير المناخ تدريجيا نقص السكان وتحولوا إلى حياة البداوة وهاجر عدد منهم إلى أطراف الجزيرة حيث الخصب ووفرة المياه (2)
ومن الهجرات الواسعة التي حملت عددا كبيرا من الناس إلى بلاد الخصيب كثيرة وابرز هذه الهجرات :
1- هجرة الاكاديين الذين استوطنوا العراق سنة 3500ق.م وكونوا الدولة الاكادية
2- هجرة العموريين إلى العراق والكنعانيين والفينيقين إلى سوريا حوالي سنة 2200ق.م .
3- هجرة الآراميين الذين انتشروا في سوريا وفلسطين وشمال العراق حوالي سنة 1500 ق.م (3)
أن اقدم موجة عرف انسياحها من جزيرة العرب إلى العراق هي الموجة التي يطلق عليها المؤرخون اسم (الكلدانيين) اقتباسا من كلمة (كلدو) التي كانت تطلق على المنطقة الجنوبية من العراق والتي نزلت فيها هذه الموجة . ويظن أن الكلمة العربية بل لقد أطلق العرب قبل الإسلام كلمة (كلدة ) على بعض من اسمائهم منها (الحارث بن كلدة ) (4)
وقد كانت هذه الموجات هي التي كونت الأساس البشري لغالبية السكان في تلك الفترات (5)
وعبر الأجيال استمر تدفق القبائل العربية . وقد أشارت المصادر الآشورية والعربية إلى وجود العرب في المنطقة وبشكل مبكر (6)
أي منطقة الجزيرة التي تشكل الثقل الاجتماعي و الحضاري لها و لديها ومما يدل على البعد الزمني لتواجدهم انهم كانوا يتولون حراسة القوافل المنازل ا لتي تمر بها طرق التجارة . فأن وجدوا ضعفا من أهل البلد الذي نزحوا إليه . فرضوا عليهم الضرائب وتولوا أمر حمايتهم . فتملكوا في الهلال الخصيب وشيدوا عدة مدن واقاموا لهم دولا صغيرة وتولوا الحكم في بعضها مثل سنجار وحران وحمص والرها وغيرها من البلاد (7)
ومن الدول التي كان لها شأن في بلاد الجزيرة هي (مدينة الحضر العربية ) سكنها الكثير من تنوخ و قضاعة وغيرهما . وكانت نقطة اتصال على الطريق التجاري الذي يربط بين الهلال الخصيب
ان الحضر اصبحت من المدن الهامة في القرن الثاني للميلاد وترتبط تاريخيا بأحد ملوكها العرب . حيث حكمت الحضر سلالة عربية مدة ثلاثة قرون وكان أول حكامها أميرا عربيا اسمه سنطروق ولقب (ملك العرب ) من قبيلة قضاعة العربية (8)
من خلال استقراء أحداث الهجرات العربية يتبين ان كل موجة كانت تدفع الموجة التي تسبقها الى الشمال او تتخطاها الى شمالها او أي مكان اخر وكانت كل موجة تدفع بعضها الاخر بالتوسع والانتشار وكان الزحف مستمرا نحو الشمال نحو الجزيرة الفراتية والشام ومنطقة الموصل وغيرها …
وكان الشائع لدى الباحثين اطلاق اسم الاقوام السامية على جميع الاقوام التي تنتمي الى هذه المجموعة التي هاجرت اصلا من الجزيرة العربية وتسمية لغاتها بالسامية. غير ان الدراسات الحديثة بينت عدم دقة التسمية فاستعيض عنها بمصطلح الاقوام العربية القديمة والاقوام الجزرية واقوام شبه الجزيرة العربية وينسحب ذلك على تسمية اللغات الخاصة بها (9)
كانت منطقة الموصل منذ عصور ما قبل التاريخ موطن عطاء حضاري متقدم بحكم خصوبة أرضها وجودة مناخها وموقعها الجغرافي الملائم . لذلك قامت الاقوام التي نزحت من شبه الجزيرة العربية بدور متميز في خدمة الانسانية من خلال الكثير من المعطيات الحضارية التي توجتها بتأسيس الدول والحضارات التي حققت منجزات كبيرة في التاريخ (10)
ازدياد الهجرات العربية الى منطقة الموصل
بسقوط نينوى وزوال الكيان الاشوري زادت هجرة القبائل العربية الى بلاد الجزيرة وبادية الشام ثم امتدت الى نصيبين وديار بكر والى ما وراء مدينة الرها واورن الحالية الى سهل انطاكية فطغت موجات القبائل العربية الى هذه البلاد وصارت تعرف ببلاد (عربايا) أي بلاد العرب واقدم ذكر لأسم عربايا يرجع الى اواخر القرن السادس قبل الميلاد في كتابة حجر بهستون (11)
قال الاصمعي : كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا وهي الموصل لقدرها عندهم (12)
ومما يؤكد انه كان كثيفا ومؤثرا ويحسب لها الحسابات حتى اصبحت لهم دولة من دول الطوائف التي قامت بعد الفريثيين اقامها العرب في الموصل وأن ملك الموصل كان في ذلك العصر (سابق بن مالك )رجل من اليمن ( 13)
معنى هذا ان تواجد العرب في منطقة الموصل مما مكنهم من تاسيس دولة ملكها عربيٌ منهم .
كانت اغلبية السكان في ارض الجزيرة الفراتية تتكون من العنصر العربي وبدأهذا الطابع يزداد رويدا رويدا (14) . والموصل هي قاعدة الجزيرة الفراتية .
عوامل وأسباب الهجرات العربية إلى منطقة الموصل
ان الهجرات العربية المتعاقبة من جزيرة العرب إلى الشمال العراق وسوريا والجزيرة ومنطقة الموصل ترجع لعدة اسباب وعوامل منها
1- المناخ : من تغير مناخ الجزيرة العربية الى المناخ الصحراوي وتحولهم الى حياة البداوة هاجر بعضهم إلى حيث الخصب و وفرة المياه . (15)
2- الاسرى من العرب الذين كانوا يؤسرون في الحروب من قبل الدول كالكلدانين والاشورين وغيرهم . وبعض من الاسرى من العرب الساكنين في اطراف الجزيرة العربية وغيرها فيأتون بهم الى بلادهم ويسكنوهم فيها (16)
3- الغزوات والحروب : كان للغزوات والحروب اثر في نزوح القبائل العربية التي جاءت إلى الموصل و التي خرجت من الجزيرة العربية سبب الحروب كحرب البسوس وداحس والغبراء وغيرها وهذه الحروب التي خلقت منهم اناسا اشداء ومحاربين يتقنون اساليب القتال (17) مما كان يسهل عليهم الهيمنة والسيطرة على المناطق التي ينزحون اليها .
4- وجود العصبية القبيلية كان من عوامل الهجرة من عرب الشمال وعرب الجنوب . ومن اشهر القبائل التي هاجرت من جراء العصبية القبيلية هي قبيلة اياد وكانوا قد نزلوا الجزيرة وطردوا منها قوما من العمالقة فنزلوا بها ونزلوا الموصل وتكريت (18)
5 –العامل الاقتصادي كان له الاثر الكبير في الهجرة والنزوح لغرض البحث عن أراضٍ جديدة وعيش اكثر رخاء (19) لان اعتماد العرب على الرعي ومنطقة الموصل من أخصب الأراضي الزراعية والمراعي الواسعة جدا .
6 – ولعل من أهم وأبرز أسباب هجرة الكثير من القبائل العربية هو خراب ودمار سد مأرب حيث تفرقت كثير من القبائل العربية
بعد حادثة سيل العرم سنة 450ق. م زادت هجرة القبائل العربية فنزحت القبائل القحطانية الى مشارف جزيرة العرب وامتدت منها إلى الجزيرة والشام وما جاورها من البلدان وصارت تعرف بأسماء القبائل التي استوطنتها (20)
وكان ممن هاجر الى الجزيرة الفراتية التي قدمها مالك بن فهم (مالك بن فهم بن غنم بن دوس)حتى نزل ارض العراق في ايام ملوك الطوائف فأصاب بها قوما من معد وغيرهم فملكوه عشرين سنة وذلك قبل قدوم جذيمة بن الابرش .
الازد ونزل الموصل بعد خراب سد مأرب (21)
ومن القبائل الكبيرة التي تفرعت منها قبائل كثيرة جدا هاجرت قبل الإسلام شطر الجزيرة من قبائل الشمال قبيلتا ربيعة ومضر ثم بنو اسد من عدنان ويتصل بنو وائل نسبا الى ربيعة . فوائل بن قاسط بن هنب بن انعى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة . الذين انقسموا الى قسمين عظيمين فذهبوا الى انحاء الجزيرة واحتل بنو بكر شمالها وهبط بنو تغلب الى جوانبها (21/أ)
استقرار القبائل العربية في منطقة الموصل
ان القبائل العربية التي استقرت في الموصل والجزيرة قبل الاسلام سكنت مناطق سميت ديارا بأسمها :
مثل ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر (22) وكما يلي
1- ديار ربيعة : وهي من الموصل و رأس العين نحو بقاع الموصل و نصيبين ورأس عين ودنيسر والخابور جميعه. وما بين ذلك من المدن والقرى . وربما جمعت ديار بكر وديار ربيعة وسميت كلها ديار ربيعة لانهم كلهم ربيعة وكانت العرب تحله قبل الاسلام وفي بواديه .(23)
2- ديار مضر : وهم من كان في السهل من شرقي الفرات نحو حران والرقة وشمشاط وسروج وتل برزان .(24)
3 – ديار بكر : وهي بلاد كبيرة تنتسب الى بكر بن وائل بن قاسط من عدنان وهي غربي دجلة الى الجبل المطل على نصيبين الى دجلة ومنه حصن كيفا وامد وميافارقين ويتجاوز دجلة الى سعرت وحيزان وصيني وما تخلل ذلك من البلاد ولا يتجاوز السهل .
هذا وكانت الرقة على الفرات اشهر ديار مضر وان اشهر ديار بكر اعلى مجرى دجلة والموصل على دجلة اشهر بلاد ربيعة (26)
من هذا يتضح ما كان للعرب من نفوذ في منطقة الموصل قاعدة الجزيرة وما لهم من الهيمنة والقوة والسطوة والكثرة حتى تسمى هذه المناطق الشاسعة بأسمائهم وتسمى ديارهم وهي اقاليم وليس قرية او ضاحية حتى سميت ببيت عربايا أي بلاد العرب لاستقرارهم فيها منذ امد طويل
لقد كان لهجرات القبائل العربية الى العراق .ومنطقة الجزيرة المحيطة بالموصل اثرٌ كبيرٌ في المحافظة على الهوية العربية للمنطقة ومقاومة التسلط الاجنبي عليها .
ومن الملاحظ ان اهل الموصل وساكنيها العرب لم يتأثروا بالدخول في دين الحكام كالمجوس دين الفرس الرسمي ولا المسيحية دين الروم وحتى المسيحيون العرب في الموصل لم يعتنقوا المذهب الرسمي للروم بخصوص طبيعة السيد المسيح عليه السلام .(27)
وكان من ابرز القبائل العربية التي هاجرت الى العراق واستوطنت منطقة الجزيرة والموصل (اياد وتغلب ونمر وشيبان وفضاعة .(28)
حيث كونت هذه القبائل العربية وغيرها الغالبية العظمى لسكان الموصل .
وكان لهذه القبائل الدور الكبير والحاسم في فتح تكريت والموصل سنة 16 هـ وفي ما يلي تعريف ببعض هذه القبائل العربية العريقة .
1- إياد
2- تغلب
3- النمر
4- ألا زد
5- فضاعة
1- قبيلة إيـاد
وهي من القبائل العربية التي هاجرت الى الموصل واستقرت فيها وفي بعض مناطق الجزيرة الاخرى . ذلك فبل الفتح الاسلامي وهم من القبائل العدنانية بنو اياد بن نزار بن معد بن عدنان ثم استمروا في زحفهم الى الجزيرة وكانوا كالليل في الكثرة وكانت لهم حروب مع الفرس في زمن سابور الثالث بن سابور (383-388م) فقال شاعرهم
على رغم سابور بن سابور اصبحت
قباب إياد حولها الخيل والنعم
ولهم حروب مع كسرى انو شروان . ولهم كاتب كسرى وترجمانه في العربية (لقيط بن يعمر الأيادي ) الذي حذر قومه من بطش كسرى بقصيدة أرسلها إليهم أولها
كتاب في الصحيفة من لقيط
الى من بالجزيرة من أياد
وفتك فيهم كسرى فلحق بعضهم بأرض الروم (31)
ونزل بعضهم تكريت وبعضهم الجزيرة واراضي الموصل كلها ولكثرتهم اطلق عليهم (المطبق) لاطباقها على الكثير من الأراضي في العراق . وكانوا ممن سار مع الانطاف القائد البيزنطي للدفاع عن الموصل عند الفتح الاسلامي (32)
مما تقدم يظهر انهم كانوا قوة قوية ومؤثرة في المنطقة تقف بوجه اعتى امبراطورية أنذاك وظهر منهم المثقفون والوجهاء حتى يصل بعضهم الى بلاط الامبراطور كسرى رغم شدة عدائه لهم ولم ينسوا قبيلتهم ولم يغتروا بمناصبهم بل منهم لقيط من حذر قومه وهو ترجمان كسرى والمقرب اليه.
2- قبيلة تغلب
تغلب من القبائل العربية الكبيرة وهي من القبائل المهاجرة تركت ديارها وارتحلت الى الشمال فسكنت في العراق وفي بادية الشام واتصلت منازلها بالغساسنة والمناذرة والروم والفرس وكانت غالبيتها على النصرانية عند ضهور الاسلام (33)
ونسبهم تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن انعى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (34)
كانت تسكن تهامة ثم انتشرت في الحجاز فلما تحاربت مع بكر بن وائل زحفت نحو الشمال حتى بلغت اطراف الجزيرة(35) كانت بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصيبين وتعرف ديارهم بديار ربيعة وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم (36)
واول من نزل من بطون تغلب في الجزيرة الفراتية هو (علقمة بن سيف بن شرحبيل) وكان شريفا بالجاهلية ومما جاء في معلقة عمرو بن كلثوم :
ورثنا مجد علقمة بن سيف
اباح لنا حصون المجد دينا .
حيث قاتل اهل الجزيرة حتى غلبهم وانزل قومه بها .(37)
وكانوا ممن ساعد في فتح الموصل (38)
2- قبيلة النمر
من ربيعة من العدنانيين وهم بنو النمر بن قاسط ابن هيت بن مضر بن الدعمي بن جديلة بن ربيعة . وديارهم رأس العين من اعماق الجزيرة الفراتية (39) والموصل وهي قبيلة عربية عزيزة الجانب في الموصل يستعين الفرس برجالها في الادارة والحرب فكان سنان بن مالك والد صهيب (رضي الله عنه) من اهل الموصل عاملا لكسرى على الابله (40) وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صهيبا وهو غلام صغير فنشأ صهيب في ارض الروم (41)
وكان لهم دور متميز في الفتح الاسلامي حيث كانوا ممن انضموا الى جيش المسلمين وساعدوهم على فتح تكريت والموصل (42)
4- قبيلة الازد
من القبائل القحطانية تنتسب الى الازد بن الغوث بن نبت بن مالك . سكن بعضهم الموصل قبل الاسلام حيث سار ولد (حوالة) من الهنوء ابن الازد الى الموصل فنزلوها بعد خراب سد مأرب (43)
والهنوء (بكسر الهاء وسكون النون) من الازد من القحطانية وهم بنو الهنوء ابن الازد
(44 )
5- قبيلة قضاعة
قبيلة قضاعة من حمير من القحطانيين غلب عليهم اسم ابيهم فقيل لهم قضاعة وهو قضاعة بن مالك ابن عمرو ابن مرة بن زيد بن مالك بن حمير .
قال عمرو القضاعي :
نحن بنو الشيخ الحجان الازهر
قضاعة بن مالك بن حمير (45)
لما تفرقت قضاعة في البلاد سار ( عمرو بن مالك التزيدي ) ومن معه من قضاعة أرض الجزيرة وخالطوا قراها وغلبوا على طائفة فيها (46)
وكان منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الاحرام ابن عمرو ابن النخع بن سليم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . ملك الجزيرة كلها الى الشام فنزل مدينة الحضر وكانت لهم وقعة مع سابور فقال شاعرهم عمرو الجدي :
لقيناهم بجمع من علاف
وبالخيل الصلادمه الذكور
فلاقت فارس منا نكالا
وقتلنا هرابذ شهر زور
دلفنا للأعاجم من بعيد
بجمع كالجزيرة في السعير
وفي عهد الملك سابور الثاني ( ذو الاكتاف ) 310-370 م حاربهم وقتل جماعة منهم فلحق بعضهم بالشام فكانوا مع تنوخ (49)
وموضوع الحضر وسقوطها مشهور ومعروف في كتب التاريخ .
مما تقدم يظهر لنا أن الموصل ومنطقة الجزيرة هي عربية قلبا وقالبا سكنها العرب قبل الميلاد بعدة قرون وأن منطقة الموصل والعراق امتداد للجزيرة العربية والهجرات العربية اليها قديمة قدم وجود الانسان في هذه المواقع قام العرب بدور متميز في خدمة الحضارة الانسانية واقيمت لهم عدة دول و إمارات مستقلة حتى ان المناطق الاقليمية فيها سميت بأسماء القبائل العربية بلفظة ديار ربيعة وغيرها (كما جاء في البحث) وكان لهم من القوة والمنعة ما حاربوا الفرس واصابوا منهم في عدة معارك عبر التاريخ . حيث لم تتمكن أكبر الامبراطوريات في التأريخ كالفرس والروم من تغير هوية الموصل التي هي قاعدة الجزيرة ولا النيل من عروبتها وتغيير هويتها العربية وظل العرب هم المهيمنين على المنطقة وكان لهم الدور البارز والمؤثر في الفتح الاسلامي و بمجرد انسحابهم من جيش الروم أنهزمت الامبراطورية الرومانية شر هزيمة .
فالموصل ومنطقتها عربية منذ بدء الحياة الاجتماعية في تلك المنطقة كانت ولا زالت وستبقى عربية بأذن الله تعالى وقاعدة الاسلام القوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
كشاف الهوامش
(1) الديوجي سعيد – تاريخ الموصل – المجمع العلمي العراقي 1403 هـ 1982 م .ج1 ص9
(2) العلي – الدكتور صالح احمد العلي – محاضرات في تاريخ العرب – مؤسسة دار الكتب – جامعة الموصل سنة 1981 ج1 ص11
(3) نفس المرجع ص12
(4) دروزة – محمد عزة – تاريخ الجنس العربي – المكتبة العصرية بيروت . ج3/24 ب.ت.ط
(5) سوادي – الدكتور عمر محمد – الاحوال الاجتماعية والاقتصادية في بلاد الجزيرة الفراتية . دار الشؤون الثقافية بغداد . سنة 1989 – ص57
(6) السلمان – عبد الماجود احمد – الموصل في العهدين الراشدي والأموي – مكتبة بسام – موصل 1406 هـ 1985م ص35
(7) الديوجي – تاريخ ص12
(8) حمادي – محمد جاسم – الجزيرة الفراتية والموصل – دار الرسالة للطباعة بغداد سنة 1397 هـ 1977م ص149
(9) سليمان – الدكتور عامر – منطقة الموصل في الالف الثالث قبل الميلاد – موسوعة الموصل الحضارية ج1 ص61-62
(10) الملاح الدكتور هاشم يحيى – الموصل والرسالة الاسلامية – موسوعة الموصل الحضارية 2/3
(11) الديوْجي – تاريخ الموصل ص10
(12) الديوْجي – نفس المرجع ص11 والسلمان – الموصل ص35
(13) السلمان – نفس المصدر ص35
(14) سوادي نفس المرجع ص58
(15) العلي نفس المرجع 1/11
(16) الصائغ سليمان – تاريخ الموصل 1/28
(17) السلمان – الموصل 53
(18) حمادي – الجزيرة ص156
(19) نفس المرجع ص159
(20) الديوه جي – تاريخ 9/11
(21) حمادي – الجزيرة ص155
21/أ الصائغ – تاريخ 1/31
(22) ابن شداد – عز الدين محمد بن علي بن ابراهيم ت 684هـ الآعلاق الخطيرة ج 3 ق1 ص5 تحقيق يحيى عبادة – وزارة الثقافة والارشاد القومي – دمشق 1978
(23) ياقوت – معجم البلدان 2/494 شهاب الدين ابي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي – دار صادر . بيروت ب.ت.ط
(24) نفس المصدر والصفحة
(25) نفس المصدر والصفحة
(26) الصائغ- تاريخ الموصل1/31
(27) الملاح – الدكتور هاشم – الرسالة . ضمن الموسوعة 2/14
(28) نفس المرجع ص14
(29) حمادي – الجزيرة ص163
(30) المسعودي – التنبيه والاشراف ص175
(31) ابن دريد – الاشتقاق ص168 و الديوه جي - تاريخ 1/17
(32) السلمان – الموصل ص36
(33) علي – الدكتور جواد – المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام – مكتبة النهضة بغداد – الطبعة الثانية 1977م ج4 / 490
(34) الزبيدي – تاج العروس ج3/ 492
(35) جواد – نفس المصدر 4/490
(36) القلقشندي – نهاية الارب 176
(37) جواد - نفس المصدر 4/491
(38) الديوه جي – تاريخ الموصل 1/17
(39) القلقشندي – نهاية الارب 74
(40) الديوه جي تاريخ الموصل 1/17
(41) ابن سعد – الطبقات الكبرى 3/161 – وابن قتيبة – المعارف 151
(42) الديوه جي – نفس المصدر 17
(43) حمادي – الجزيرة ص155 والديوه جي 1/20
(44) القلقشندي – نهاية الارب 75
(45) نفس المصدر ص 366
(46) الديوه جي تاريخ 1/18
(47) الطبري – تاريخ 2/47 وياقوت – معجم البلدان 2/268
(48) الطبري – تاريخ 2/48
(49) الديوه جي تاريخ ص18
كانت هذه الهجرات مستمرة والمراعي شاسعة تتسع للمزيد فكانت هذه الهجرات شبه حرة ألا إذا حدث نزاع مع من سبقهم على مكان معين فقد كان هناك مكانٌ متسعٌ آخر …
سكن العرب الهلال الخصيب قبل الميلاد بقرون . فالبادية والهلال الخصيب امتداد لارض جزيرة العرب .الهجرة أليها قديمة قدم وجود الإنسان في هذه المواقع . فسكان الجزيرة العربية كلما أقحلت ديارهم أو حدث نزاع بين قبيلتين نزحوا إلى الشمال طلبا للمرعى والماء فيجدون أرضا خصبة ومياها ثرة ومناخا جميلا (1) خاصة بعد أن تغير مناخ الجزيرة العربية الذي دافئا وكثير الرطوبة وغزير المياه مما ساعد على سكن البشر فلما تغير المناخ تدريجيا نقص السكان وتحولوا إلى حياة البداوة وهاجر عدد منهم إلى أطراف الجزيرة حيث الخصب ووفرة المياه (2)
ومن الهجرات الواسعة التي حملت عددا كبيرا من الناس إلى بلاد الخصيب كثيرة وابرز هذه الهجرات :
1- هجرة الاكاديين الذين استوطنوا العراق سنة 3500ق.م وكونوا الدولة الاكادية
2- هجرة العموريين إلى العراق والكنعانيين والفينيقين إلى سوريا حوالي سنة 2200ق.م .
3- هجرة الآراميين الذين انتشروا في سوريا وفلسطين وشمال العراق حوالي سنة 1500 ق.م (3)
أن اقدم موجة عرف انسياحها من جزيرة العرب إلى العراق هي الموجة التي يطلق عليها المؤرخون اسم (الكلدانيين) اقتباسا من كلمة (كلدو) التي كانت تطلق على المنطقة الجنوبية من العراق والتي نزلت فيها هذه الموجة . ويظن أن الكلمة العربية بل لقد أطلق العرب قبل الإسلام كلمة (كلدة ) على بعض من اسمائهم منها (الحارث بن كلدة ) (4)
وقد كانت هذه الموجات هي التي كونت الأساس البشري لغالبية السكان في تلك الفترات (5)
وعبر الأجيال استمر تدفق القبائل العربية . وقد أشارت المصادر الآشورية والعربية إلى وجود العرب في المنطقة وبشكل مبكر (6)
أي منطقة الجزيرة التي تشكل الثقل الاجتماعي و الحضاري لها و لديها ومما يدل على البعد الزمني لتواجدهم انهم كانوا يتولون حراسة القوافل المنازل ا لتي تمر بها طرق التجارة . فأن وجدوا ضعفا من أهل البلد الذي نزحوا إليه . فرضوا عليهم الضرائب وتولوا أمر حمايتهم . فتملكوا في الهلال الخصيب وشيدوا عدة مدن واقاموا لهم دولا صغيرة وتولوا الحكم في بعضها مثل سنجار وحران وحمص والرها وغيرها من البلاد (7)
ومن الدول التي كان لها شأن في بلاد الجزيرة هي (مدينة الحضر العربية ) سكنها الكثير من تنوخ و قضاعة وغيرهما . وكانت نقطة اتصال على الطريق التجاري الذي يربط بين الهلال الخصيب
ان الحضر اصبحت من المدن الهامة في القرن الثاني للميلاد وترتبط تاريخيا بأحد ملوكها العرب . حيث حكمت الحضر سلالة عربية مدة ثلاثة قرون وكان أول حكامها أميرا عربيا اسمه سنطروق ولقب (ملك العرب ) من قبيلة قضاعة العربية (8)
من خلال استقراء أحداث الهجرات العربية يتبين ان كل موجة كانت تدفع الموجة التي تسبقها الى الشمال او تتخطاها الى شمالها او أي مكان اخر وكانت كل موجة تدفع بعضها الاخر بالتوسع والانتشار وكان الزحف مستمرا نحو الشمال نحو الجزيرة الفراتية والشام ومنطقة الموصل وغيرها …
وكان الشائع لدى الباحثين اطلاق اسم الاقوام السامية على جميع الاقوام التي تنتمي الى هذه المجموعة التي هاجرت اصلا من الجزيرة العربية وتسمية لغاتها بالسامية. غير ان الدراسات الحديثة بينت عدم دقة التسمية فاستعيض عنها بمصطلح الاقوام العربية القديمة والاقوام الجزرية واقوام شبه الجزيرة العربية وينسحب ذلك على تسمية اللغات الخاصة بها (9)
كانت منطقة الموصل منذ عصور ما قبل التاريخ موطن عطاء حضاري متقدم بحكم خصوبة أرضها وجودة مناخها وموقعها الجغرافي الملائم . لذلك قامت الاقوام التي نزحت من شبه الجزيرة العربية بدور متميز في خدمة الانسانية من خلال الكثير من المعطيات الحضارية التي توجتها بتأسيس الدول والحضارات التي حققت منجزات كبيرة في التاريخ (10)
ازدياد الهجرات العربية الى منطقة الموصل
بسقوط نينوى وزوال الكيان الاشوري زادت هجرة القبائل العربية الى بلاد الجزيرة وبادية الشام ثم امتدت الى نصيبين وديار بكر والى ما وراء مدينة الرها واورن الحالية الى سهل انطاكية فطغت موجات القبائل العربية الى هذه البلاد وصارت تعرف ببلاد (عربايا) أي بلاد العرب واقدم ذكر لأسم عربايا يرجع الى اواخر القرن السادس قبل الميلاد في كتابة حجر بهستون (11)
قال الاصمعي : كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا وهي الموصل لقدرها عندهم (12)
ومما يؤكد انه كان كثيفا ومؤثرا ويحسب لها الحسابات حتى اصبحت لهم دولة من دول الطوائف التي قامت بعد الفريثيين اقامها العرب في الموصل وأن ملك الموصل كان في ذلك العصر (سابق بن مالك )رجل من اليمن ( 13)
معنى هذا ان تواجد العرب في منطقة الموصل مما مكنهم من تاسيس دولة ملكها عربيٌ منهم .
كانت اغلبية السكان في ارض الجزيرة الفراتية تتكون من العنصر العربي وبدأهذا الطابع يزداد رويدا رويدا (14) . والموصل هي قاعدة الجزيرة الفراتية .
عوامل وأسباب الهجرات العربية إلى منطقة الموصل
ان الهجرات العربية المتعاقبة من جزيرة العرب إلى الشمال العراق وسوريا والجزيرة ومنطقة الموصل ترجع لعدة اسباب وعوامل منها
1- المناخ : من تغير مناخ الجزيرة العربية الى المناخ الصحراوي وتحولهم الى حياة البداوة هاجر بعضهم إلى حيث الخصب و وفرة المياه . (15)
2- الاسرى من العرب الذين كانوا يؤسرون في الحروب من قبل الدول كالكلدانين والاشورين وغيرهم . وبعض من الاسرى من العرب الساكنين في اطراف الجزيرة العربية وغيرها فيأتون بهم الى بلادهم ويسكنوهم فيها (16)
3- الغزوات والحروب : كان للغزوات والحروب اثر في نزوح القبائل العربية التي جاءت إلى الموصل و التي خرجت من الجزيرة العربية سبب الحروب كحرب البسوس وداحس والغبراء وغيرها وهذه الحروب التي خلقت منهم اناسا اشداء ومحاربين يتقنون اساليب القتال (17) مما كان يسهل عليهم الهيمنة والسيطرة على المناطق التي ينزحون اليها .
4- وجود العصبية القبيلية كان من عوامل الهجرة من عرب الشمال وعرب الجنوب . ومن اشهر القبائل التي هاجرت من جراء العصبية القبيلية هي قبيلة اياد وكانوا قد نزلوا الجزيرة وطردوا منها قوما من العمالقة فنزلوا بها ونزلوا الموصل وتكريت (18)
5 –العامل الاقتصادي كان له الاثر الكبير في الهجرة والنزوح لغرض البحث عن أراضٍ جديدة وعيش اكثر رخاء (19) لان اعتماد العرب على الرعي ومنطقة الموصل من أخصب الأراضي الزراعية والمراعي الواسعة جدا .
6 – ولعل من أهم وأبرز أسباب هجرة الكثير من القبائل العربية هو خراب ودمار سد مأرب حيث تفرقت كثير من القبائل العربية
بعد حادثة سيل العرم سنة 450ق. م زادت هجرة القبائل العربية فنزحت القبائل القحطانية الى مشارف جزيرة العرب وامتدت منها إلى الجزيرة والشام وما جاورها من البلدان وصارت تعرف بأسماء القبائل التي استوطنتها (20)
وكان ممن هاجر الى الجزيرة الفراتية التي قدمها مالك بن فهم (مالك بن فهم بن غنم بن دوس)حتى نزل ارض العراق في ايام ملوك الطوائف فأصاب بها قوما من معد وغيرهم فملكوه عشرين سنة وذلك قبل قدوم جذيمة بن الابرش .
الازد ونزل الموصل بعد خراب سد مأرب (21)
ومن القبائل الكبيرة التي تفرعت منها قبائل كثيرة جدا هاجرت قبل الإسلام شطر الجزيرة من قبائل الشمال قبيلتا ربيعة ومضر ثم بنو اسد من عدنان ويتصل بنو وائل نسبا الى ربيعة . فوائل بن قاسط بن هنب بن انعى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة . الذين انقسموا الى قسمين عظيمين فذهبوا الى انحاء الجزيرة واحتل بنو بكر شمالها وهبط بنو تغلب الى جوانبها (21/أ)
استقرار القبائل العربية في منطقة الموصل
ان القبائل العربية التي استقرت في الموصل والجزيرة قبل الاسلام سكنت مناطق سميت ديارا بأسمها :
مثل ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر (22) وكما يلي
1- ديار ربيعة : وهي من الموصل و رأس العين نحو بقاع الموصل و نصيبين ورأس عين ودنيسر والخابور جميعه. وما بين ذلك من المدن والقرى . وربما جمعت ديار بكر وديار ربيعة وسميت كلها ديار ربيعة لانهم كلهم ربيعة وكانت العرب تحله قبل الاسلام وفي بواديه .(23)
2- ديار مضر : وهم من كان في السهل من شرقي الفرات نحو حران والرقة وشمشاط وسروج وتل برزان .(24)
3 – ديار بكر : وهي بلاد كبيرة تنتسب الى بكر بن وائل بن قاسط من عدنان وهي غربي دجلة الى الجبل المطل على نصيبين الى دجلة ومنه حصن كيفا وامد وميافارقين ويتجاوز دجلة الى سعرت وحيزان وصيني وما تخلل ذلك من البلاد ولا يتجاوز السهل .
هذا وكانت الرقة على الفرات اشهر ديار مضر وان اشهر ديار بكر اعلى مجرى دجلة والموصل على دجلة اشهر بلاد ربيعة (26)
من هذا يتضح ما كان للعرب من نفوذ في منطقة الموصل قاعدة الجزيرة وما لهم من الهيمنة والقوة والسطوة والكثرة حتى تسمى هذه المناطق الشاسعة بأسمائهم وتسمى ديارهم وهي اقاليم وليس قرية او ضاحية حتى سميت ببيت عربايا أي بلاد العرب لاستقرارهم فيها منذ امد طويل
لقد كان لهجرات القبائل العربية الى العراق .ومنطقة الجزيرة المحيطة بالموصل اثرٌ كبيرٌ في المحافظة على الهوية العربية للمنطقة ومقاومة التسلط الاجنبي عليها .
ومن الملاحظ ان اهل الموصل وساكنيها العرب لم يتأثروا بالدخول في دين الحكام كالمجوس دين الفرس الرسمي ولا المسيحية دين الروم وحتى المسيحيون العرب في الموصل لم يعتنقوا المذهب الرسمي للروم بخصوص طبيعة السيد المسيح عليه السلام .(27)
وكان من ابرز القبائل العربية التي هاجرت الى العراق واستوطنت منطقة الجزيرة والموصل (اياد وتغلب ونمر وشيبان وفضاعة .(28)
حيث كونت هذه القبائل العربية وغيرها الغالبية العظمى لسكان الموصل .
وكان لهذه القبائل الدور الكبير والحاسم في فتح تكريت والموصل سنة 16 هـ وفي ما يلي تعريف ببعض هذه القبائل العربية العريقة .
1- إياد
2- تغلب
3- النمر
4- ألا زد
5- فضاعة
1- قبيلة إيـاد
وهي من القبائل العربية التي هاجرت الى الموصل واستقرت فيها وفي بعض مناطق الجزيرة الاخرى . ذلك فبل الفتح الاسلامي وهم من القبائل العدنانية بنو اياد بن نزار بن معد بن عدنان ثم استمروا في زحفهم الى الجزيرة وكانوا كالليل في الكثرة وكانت لهم حروب مع الفرس في زمن سابور الثالث بن سابور (383-388م) فقال شاعرهم
على رغم سابور بن سابور اصبحت
قباب إياد حولها الخيل والنعم
ولهم حروب مع كسرى انو شروان . ولهم كاتب كسرى وترجمانه في العربية (لقيط بن يعمر الأيادي ) الذي حذر قومه من بطش كسرى بقصيدة أرسلها إليهم أولها
كتاب في الصحيفة من لقيط
الى من بالجزيرة من أياد
وفتك فيهم كسرى فلحق بعضهم بأرض الروم (31)
ونزل بعضهم تكريت وبعضهم الجزيرة واراضي الموصل كلها ولكثرتهم اطلق عليهم (المطبق) لاطباقها على الكثير من الأراضي في العراق . وكانوا ممن سار مع الانطاف القائد البيزنطي للدفاع عن الموصل عند الفتح الاسلامي (32)
مما تقدم يظهر انهم كانوا قوة قوية ومؤثرة في المنطقة تقف بوجه اعتى امبراطورية أنذاك وظهر منهم المثقفون والوجهاء حتى يصل بعضهم الى بلاط الامبراطور كسرى رغم شدة عدائه لهم ولم ينسوا قبيلتهم ولم يغتروا بمناصبهم بل منهم لقيط من حذر قومه وهو ترجمان كسرى والمقرب اليه.
2- قبيلة تغلب
تغلب من القبائل العربية الكبيرة وهي من القبائل المهاجرة تركت ديارها وارتحلت الى الشمال فسكنت في العراق وفي بادية الشام واتصلت منازلها بالغساسنة والمناذرة والروم والفرس وكانت غالبيتها على النصرانية عند ضهور الاسلام (33)
ونسبهم تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن انعى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (34)
كانت تسكن تهامة ثم انتشرت في الحجاز فلما تحاربت مع بكر بن وائل زحفت نحو الشمال حتى بلغت اطراف الجزيرة(35) كانت بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصيبين وتعرف ديارهم بديار ربيعة وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم (36)
واول من نزل من بطون تغلب في الجزيرة الفراتية هو (علقمة بن سيف بن شرحبيل) وكان شريفا بالجاهلية ومما جاء في معلقة عمرو بن كلثوم :
ورثنا مجد علقمة بن سيف
اباح لنا حصون المجد دينا .
حيث قاتل اهل الجزيرة حتى غلبهم وانزل قومه بها .(37)
وكانوا ممن ساعد في فتح الموصل (38)
2- قبيلة النمر
من ربيعة من العدنانيين وهم بنو النمر بن قاسط ابن هيت بن مضر بن الدعمي بن جديلة بن ربيعة . وديارهم رأس العين من اعماق الجزيرة الفراتية (39) والموصل وهي قبيلة عربية عزيزة الجانب في الموصل يستعين الفرس برجالها في الادارة والحرب فكان سنان بن مالك والد صهيب (رضي الله عنه) من اهل الموصل عاملا لكسرى على الابله (40) وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صهيبا وهو غلام صغير فنشأ صهيب في ارض الروم (41)
وكان لهم دور متميز في الفتح الاسلامي حيث كانوا ممن انضموا الى جيش المسلمين وساعدوهم على فتح تكريت والموصل (42)
4- قبيلة الازد
من القبائل القحطانية تنتسب الى الازد بن الغوث بن نبت بن مالك . سكن بعضهم الموصل قبل الاسلام حيث سار ولد (حوالة) من الهنوء ابن الازد الى الموصل فنزلوها بعد خراب سد مأرب (43)
والهنوء (بكسر الهاء وسكون النون) من الازد من القحطانية وهم بنو الهنوء ابن الازد
(44 )
5- قبيلة قضاعة
قبيلة قضاعة من حمير من القحطانيين غلب عليهم اسم ابيهم فقيل لهم قضاعة وهو قضاعة بن مالك ابن عمرو ابن مرة بن زيد بن مالك بن حمير .
قال عمرو القضاعي :
نحن بنو الشيخ الحجان الازهر
قضاعة بن مالك بن حمير (45)
لما تفرقت قضاعة في البلاد سار ( عمرو بن مالك التزيدي ) ومن معه من قضاعة أرض الجزيرة وخالطوا قراها وغلبوا على طائفة فيها (46)
وكان منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الاحرام ابن عمرو ابن النخع بن سليم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . ملك الجزيرة كلها الى الشام فنزل مدينة الحضر وكانت لهم وقعة مع سابور فقال شاعرهم عمرو الجدي :
لقيناهم بجمع من علاف
وبالخيل الصلادمه الذكور
فلاقت فارس منا نكالا
وقتلنا هرابذ شهر زور
دلفنا للأعاجم من بعيد
بجمع كالجزيرة في السعير
وفي عهد الملك سابور الثاني ( ذو الاكتاف ) 310-370 م حاربهم وقتل جماعة منهم فلحق بعضهم بالشام فكانوا مع تنوخ (49)
وموضوع الحضر وسقوطها مشهور ومعروف في كتب التاريخ .
مما تقدم يظهر لنا أن الموصل ومنطقة الجزيرة هي عربية قلبا وقالبا سكنها العرب قبل الميلاد بعدة قرون وأن منطقة الموصل والعراق امتداد للجزيرة العربية والهجرات العربية اليها قديمة قدم وجود الانسان في هذه المواقع قام العرب بدور متميز في خدمة الحضارة الانسانية واقيمت لهم عدة دول و إمارات مستقلة حتى ان المناطق الاقليمية فيها سميت بأسماء القبائل العربية بلفظة ديار ربيعة وغيرها (كما جاء في البحث) وكان لهم من القوة والمنعة ما حاربوا الفرس واصابوا منهم في عدة معارك عبر التاريخ . حيث لم تتمكن أكبر الامبراطوريات في التأريخ كالفرس والروم من تغير هوية الموصل التي هي قاعدة الجزيرة ولا النيل من عروبتها وتغيير هويتها العربية وظل العرب هم المهيمنين على المنطقة وكان لهم الدور البارز والمؤثر في الفتح الاسلامي و بمجرد انسحابهم من جيش الروم أنهزمت الامبراطورية الرومانية شر هزيمة .
فالموصل ومنطقتها عربية منذ بدء الحياة الاجتماعية في تلك المنطقة كانت ولا زالت وستبقى عربية بأذن الله تعالى وقاعدة الاسلام القوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
كشاف الهوامش
(1) الديوجي سعيد – تاريخ الموصل – المجمع العلمي العراقي 1403 هـ 1982 م .ج1 ص9
(2) العلي – الدكتور صالح احمد العلي – محاضرات في تاريخ العرب – مؤسسة دار الكتب – جامعة الموصل سنة 1981 ج1 ص11
(3) نفس المرجع ص12
(4) دروزة – محمد عزة – تاريخ الجنس العربي – المكتبة العصرية بيروت . ج3/24 ب.ت.ط
(5) سوادي – الدكتور عمر محمد – الاحوال الاجتماعية والاقتصادية في بلاد الجزيرة الفراتية . دار الشؤون الثقافية بغداد . سنة 1989 – ص57
(6) السلمان – عبد الماجود احمد – الموصل في العهدين الراشدي والأموي – مكتبة بسام – موصل 1406 هـ 1985م ص35
(7) الديوجي – تاريخ ص12
(8) حمادي – محمد جاسم – الجزيرة الفراتية والموصل – دار الرسالة للطباعة بغداد سنة 1397 هـ 1977م ص149
(9) سليمان – الدكتور عامر – منطقة الموصل في الالف الثالث قبل الميلاد – موسوعة الموصل الحضارية ج1 ص61-62
(10) الملاح الدكتور هاشم يحيى – الموصل والرسالة الاسلامية – موسوعة الموصل الحضارية 2/3
(11) الديوْجي – تاريخ الموصل ص10
(12) الديوْجي – نفس المرجع ص11 والسلمان – الموصل ص35
(13) السلمان – نفس المصدر ص35
(14) سوادي نفس المرجع ص58
(15) العلي نفس المرجع 1/11
(16) الصائغ سليمان – تاريخ الموصل 1/28
(17) السلمان – الموصل 53
(18) حمادي – الجزيرة ص156
(19) نفس المرجع ص159
(20) الديوه جي – تاريخ 9/11
(21) حمادي – الجزيرة ص155
21/أ الصائغ – تاريخ 1/31
(22) ابن شداد – عز الدين محمد بن علي بن ابراهيم ت 684هـ الآعلاق الخطيرة ج 3 ق1 ص5 تحقيق يحيى عبادة – وزارة الثقافة والارشاد القومي – دمشق 1978
(23) ياقوت – معجم البلدان 2/494 شهاب الدين ابي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي – دار صادر . بيروت ب.ت.ط
(24) نفس المصدر والصفحة
(25) نفس المصدر والصفحة
(26) الصائغ- تاريخ الموصل1/31
(27) الملاح – الدكتور هاشم – الرسالة . ضمن الموسوعة 2/14
(28) نفس المرجع ص14
(29) حمادي – الجزيرة ص163
(30) المسعودي – التنبيه والاشراف ص175
(31) ابن دريد – الاشتقاق ص168 و الديوه جي - تاريخ 1/17
(32) السلمان – الموصل ص36
(33) علي – الدكتور جواد – المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام – مكتبة النهضة بغداد – الطبعة الثانية 1977م ج4 / 490
(34) الزبيدي – تاج العروس ج3/ 492
(35) جواد – نفس المصدر 4/490
(36) القلقشندي – نهاية الارب 176
(37) جواد - نفس المصدر 4/491
(38) الديوه جي – تاريخ الموصل 1/17
(39) القلقشندي – نهاية الارب 74
(40) الديوه جي تاريخ الموصل 1/17
(41) ابن سعد – الطبقات الكبرى 3/161 – وابن قتيبة – المعارف 151
(42) الديوه جي – نفس المصدر 17
(43) حمادي – الجزيرة ص155 والديوه جي 1/20
(44) القلقشندي – نهاية الارب 75
(45) نفس المصدر ص 366
(46) الديوه جي تاريخ 1/18
(47) الطبري – تاريخ 2/47 وياقوت – معجم البلدان 2/268
(48) الطبري – تاريخ 2/48
(49) الديوه جي تاريخ ص18