الجشعمي
25-03-2011, 08:36 PM
مصر الدولة العبيدية الفاطمية في مصر
محاولات العبيديين الفاطميين لفتح مصر
الحقيقة أنه رغم الجهد الكبير الذي بذله خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية لتحقيق الاستقرار لهم في بلاد المغرب إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك فكلما أخمدت ثورة ظهرت أخرى.
ولذا كانت عيون العبيديين ( الفاطميين ) على مصر وقد حاول فتحها عبيد الله المهدي مرارًا منذ سنة 301هـ حيث وجه إليها جيشًا بقيادته، وحال النيل دون تقدمه شرقًا والوصول إلى الفسطاط، فعاد إلى الإسكندرية ولكن الجيش انهزم على يد جيش الخليفة العباسي المقتدر بعد معارك دارت بينهم في برقة، وعاد الجيش إلى المغرب.
وفى سنة 306 وجه عبيد الله جيشا بقيادة ابنه أبى القاسم فاستولى على الإسكندرية ثم سار إلى الجيزة، وتوغل العبيديون (الفاطميون) في بلاد الوجه القبلي لكن مؤنس الخادم استطاع أن يقهر هذه الحملة وأحرق سفن العبيديين (الفاطميين)..
وفى سنة 321 أرسل جيشًا بقيادة جيش حبش بن أحمد المغربي ولكن هزم في سنة 322 على يد محمد بن طغج الإخشيدي كانت هاتان الحملتان بالتنسيق مع ابن طاهر الجنابي أمير القرامطة ببلاد البحرين.
وفى سنة 323 أرسل أبو القاسم الخليفة الثاني العبيدي (الفاطمي) جيوشه إلى مصر فدخلت الإسكندرية بسهولة ووجدت مناصرة من بعض زعماء المصريين مما يدل على انتشار الدعوة العبيدية الشيعية (الفاطمية) بمصر، ولكن العبيديين (الفاطميين) هُزِموا على يد الإخشيديين. وبقيت العلاقات بعد ذلك بين حكام مصر والعبيديين (الفاطميين) يشوبها التربص والحيل.
في سنة 334 هـ حرص كافور الذي كان وقتذاك يحكم مصر (وكان يقوم بالوصاية على أنوجور بن الإخشيد) على تحسين العلاقة مع الخليفة العباسي وكذلك مع الخليفة العبيدي ( الفاطمي)، فكان يهادي صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء، وفي هذه الآونة وجه الخليفة العبيدي ( الفاطمي) المعز اهتمامه لتوسيع دائرة الدعوة العبيدية (الفاطمية) في مصر، حتى استطاعوا أن يأخذوا البيعة للمعز من رجال بلاد كافور وكبار موظفي دولته، كما أنه عمل على إنشاء الطرق وحفر الآبار في الطريق إلى مصر سنة 356 هـ.
قيام الدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر
وفى سنة 357 مات كافور فاضطربت الأحوال بمصر وتردت الحالة الاقتصادية بها، وحل الوباء والقحط بالبلاد من جراء انخفاض النيل، وعجزت الحكومة عن دفع رواتب الجند، مما حمل كثيرًا من أولي الرأي بمصر على الكتابة إلى المعز لدين الله يطلبون منه القدوم إلى مصر..
وفى 14من ربيع ثاني سنة 358 هـ سار جوهر الصقلي على رأس جيش للعبيديين (الفاطميين) قوامه مائة ألف فارس، فدخل الإسكندرية بغير مقاومة ولما وردت إلى الفسطاط أخبار وصول جوهر إلى الإسكندرية، رأي الوزير المصري جعفر بن الفرات ومن معه أن يفاوضوا جوهر على شروط التسليم وطلب الأمان على أرواح المصريين، فالتقوا به عند تروجة (إحدى قري مركز أبي المطامير بمحافظة البحيرة) في 18من رجب سنة 358 فأمّنهم جوهر على أموالهم وأنه ما جاء إلا للإصلاح كما نص في كتاب الأمان، على أن يظل المصريون على مذهبهم السني ولا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي..
بيد أن طائفة كبيرة من الجند المصريين رفضوا هذا العقد، ودخلوا في معركة حربية مع جوهر الصقلي ولكنهم استسلموا في النهاية وطلبوا إعادة الأمان.
بناء القاهرة والجامع الأزهر
وبدأ عهد جديد لمصر في ظل الحكم العبيدي (الفاطمي) ووضع الأساس لبناء مدينة المنصورية (القاهرة) في 17 شعبان سنة 358 شمالي الفسطاط وأسس القصر الذي سينزل به المعز وعرف باسم القصر الشرقي الكبير.
ظلت القاهرة تعرف بالمنصورية أربع سنوات، ثم سماها المعز القاهرة تفاؤلا بأنها ستقهر الدولة العباسية، وجعل جوهر بسور القاهرة أربعة أبواب؛ باب النصر، باب الفتوح، باب زويلة، وباب القوس، ثم بدأ بناء الجامع الأزهر سنة 359 وتم بناؤه في سنتين، وذلك ليكون خاصا بشعائر المذهب العبيدي الفاطمي، خشية إثارة المصريين إذا ظهرت هذه الشعائر في مساجدهم.. وأقيمت الصلاة في الجامع الأزهر لأول مرة 7من رمضان سنة 361هـ، وتحولت الدعوة على المنابر إلى الخليفة المعز، وضرب السكة باسم الخليفة العبيدي الشيعي ( الفاطمي) بدلاً من اسم الخليفة العباسي، كذلك منع جوهر الناس من لبس السواد شعار العباسيين، وزيد في الخطبة على عادة الشيعة.. (اللهم صل على محمد النبي المصطفى، وعلى على المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا، اللهم صل على الأئمة الراشدين، آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين).
سياسة العبيديين الشيعة في مصر
محاولة نشر المذهب الشيعي
لم يف العبيدييون (الفاطميون) بتعهداتهم بعدم إجبار المصريين على تغيير مذهبهم السني إلى مذهب الشيعة
فأسندت المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين.
واتخذت المساجد الكبيرة مركز دعاية للمذهب الشيعي.
وتم إضافة منصب جديد يقوم على تعيين أحد كبار المتفقهين في مذهب الشيعة للقيام بنشر دعوتهم، وكان يعرف بداعي الدعاة، وكانت منزلته تلي قاضي القضاة ويعاونه اثنا عشر نقيبًا، ونواب في سائر البلاد، وكثيرًا ما تقلد رجل واحد منصبي قاضي القضاة والدعوة.
وحولوا الشعائر إلى المذهب الشيعي واحتفلوا بعيد الغدير ويوم مقتل الحسين وتضرر المصريون من ذلك كثيرًا.
وفي سنة 395 أمر الحاكم بأمر الله بنقش سب الصحابة على الجدران وفي الأسواق. ثم تراجع عن ذلك سنة 398.
وظهر الاحتفال بمولد النبي –صلى الله عليه وسلم- ومولد ابنته السيدة فاطمة وعليّ بن أبي طالب.
وأذن في جميع المساجد بـ (حي على العمل) فمهد بذلك جوهر للخليفة المعز المجيء إلى مصر، فدخل المعز مصر في شعبان سنة 362 هـ.
ولما دخل قصره الذي أعد له خر لله ساجدا.. وقدمت إليه الهدايا العظيمة الثمينة واتخذت القاهرة عاصمة للدولة العبيدية (الفاطمية).
أضعف ذلك نفوذ الفاطميين في بلاد المغرب، واستقلت بلاد عن نفوذ العبيديين (الفاطميين) بالمغرب..
وقد استأثر المعز بالنفوذ والسلطان في مصر ولم يشأ أن يترك لجوهر من السلطة شيئًا لئلا ينازعه ملكه وبالتدريج فقد جوهر ما كان يتمتع به من نفوذ..
اليهود والنصارى في عهد الدولة العبيدي (الفاطمية)
من الأمور البارزة في عهد العبيديين ( الفاطميين ) أنهم قربوا إليهم أهل الكتاب من النصارى واليهود!!
ففي زمن المعز استعان بكثير من الأطباء اليهود، وترقي بعضهم في المناصب، حتى صار أحدهم وهو يعقوب بن كلس وزيرًا للعزيز بن المعز، وإليه يرجع الفضل في وضع قواعد الدولة ونظمها.
وتزوج العزيز من مسيحية، أصبح لها نفوذ عظيم على العزيز، فقد حملته على العطف على بني ملتها فاحتفل بأعيادهم ومواسمهم الدينية. وأصبح بدواوين الدولة عدد كبير من كتابهم، واستأثروا بمعظم السلطات..
عين العزيز منشا بن إبراهيم الفرار اليهودي واليًا على بلاد الشام.
في سنة 393 أمر الحاكم بأمر الله أن يرتدي أهل الذمة أزياء خاصة، وبعدها بثلاث سنوات أمر بهدم بعض الكنائس في القاهرة، ومن العجيب أنه في ذات الوقت قلد الوزارة منصور بن عبدون النصراني، الذي أشار على الخليفة العبيدي (الفاطمي) الحاكم بهدم كنيسة القيامة أو القبر المقدس، فأصدر مرسومًا بهدمها. وكان لهدم هذه الكنيسة الأثر الأكبر في إثارة حمية الصليبيين للاستيلاء على بيت المقدس.
واستمر هذا الاضطهاد حتى اضطر كثير من كتاب النصارى أن يدخلوا في الإسلام، وهاجر بعضهم إلى بلاد الدولة الرومانية الشرقية والحبشة والنوبة.
وفى سنة 411 قرر الحاكم أن يرفع عنهم هذا الاضطهاد، ثم جاء الظاهر فعطف على أهل الذمة..
وفي أوائل عهد المستنصر بالله العبيدي (الفاطمي) ارتفع شأن أبي سعد إبراهيم ابن سهل التستري اليهودي، لأن والدة ذلك الخليفة كانت من قَبْل أَمَة في بيته، فلما ولي ابنها المستنصر الخلافة قربت التستري وولته ديوانها، وتحيز التستري لليهود، فتقلدوا في أيامه كثيرًا من مناصب الدولة ولكنه قتل سنة 439 هـ.
ظهور فرقة الدرزية
في عهد الحاكم وفي سنوات حكمه الأخيرة جاء إلى مصر بعض الفرس، والذين راقتهم الدعوة الإسماعيلية فاعتنقوها، وزادوا فيها فكرة تأليه الحاكم، ودعوا إليها فسخط عليهم أهل السنة وطاردوهم وكان أشهرهم والمقرب إلى الحاكم بأمر الله محمد بن إسماعيل الدرزى، وقد هرب إلى بعض قري بانياس (بلدة صغيرة غربي دمشق) حيث أخذ ينشر دعوة تأليه الحاكم، فاستمال إليه كثيرًا من الأنصار الذي أصبحوا يعرفون باسم الدرزية.
وجد الخليفة الحاكم بأمر الله في هذه الدعوة فرصة ليحيط نفسه بسياج من التقديس رغبة منه في جعل رعاياه طوع إرادته..
ثم جاء الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بعد مضي ثلاث سنوات على وفاة الحاكم، ليعلن براءته من دعوى الألوهية التي قيلت في أبيه.
عهد المستنصر العبيدي (الفاطمي)
في عهد المستنصر (427 - 487) وقعت اضطرابات عظيمة في البلاد:
فالجند السودانيون يثيرون الاضطرابات في الوجه القبلي.
ونحوًا من أربعين ألف فارس من قبيلة لواتة والأعراب، تحت زعامة ناصر الدولة الحسين بن حمدان التغلبي (المتمرد على الخلافة العبيدية الفاطمية)، يغيرون على الوجه البحري وينهبون بلاده ويحطمون الجسور والقنوات، مما ترتب عليه انقطاع المئونة عن القاهرة والفسطاط.
وفى سنة 462 بعث ناصر الدولة إلى ألب أرسلان سلطان السلاجقة بالعراق رسولاً من قبله يسأله أن يرسل إليه عسكرًا ليقيم الدعوة العباسية بمصر على أن تؤول إليه السيادة على مصر، فرحب أرسلان بذلك ولكنه انشغل بمحاربة الروم عن مصر.
وفى سنة 464 قطع ابن حمدان اسم المستنصر من الخطبة في الوجه البحري، وبعث إلى الخليفة القائم العباسي ببغداد يلتمس الخلع، ثم قدم إلى الفسطاط وتولي الحكم في القاهرة، وأطلق للخليفة مائة دينار كل شهر وخشي الأتراك على أنفسهم من جراء استبداد ناصر الدولة بالأمور في القاهرة، فدبروا لقتله فقتل وتتبعوا كل أفراد أسرته بمصر وتخلصوا منهم.
ثم تسلطت الأتراك واستبدوا بالأمور دون المستنصر سنة 466، فبعث إلى بدر الجمالي والي عكا يطلب منه القدوم ليتولى تدبير شئون الدولة، فاشترط أن يحضر معه من يختاره من عسكر الشام (أرمن)، ليستعيض بهم عن الجند الأتراك والمغاربة والسودانيين الموجودين بمصر.
وبدر الجمالي كان مملوكًا أرمينيًا للأمير جمال الدولة بن عمار، ثم أخذ يترقي في المناصب لما أظهره من كفاية في الحروب التي قامت ببلاد الشام، حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر سنة 456 وحارب الأتراك في تلك البلاد ثم تقلد نيابة عكا سنة 460 هـ.
بدأ الجمالي بقتل رءوس الأتراك فاستتب له الأمن، وكان من جنده من احتفظ بمسيحيته، واستطاع الجمالي أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد الوجه القبلي حتى أسوان وكذلك الوجه البحري، وبني جامع العطارين وأعاد الرخاء فزاد خراج مصر في سنة (457 –464) من 2.000.000 دينار إلى 3.100.000 دينار، وتوفي الجمالي سنة 487 وعهد لابنه الأفضل شاهنشاه.
وظل المستنصر في عهد وزرائه كالمحجور عليه إلى أن توفي في 17من ذي الحجة سنة 487 هـ، ومع وفاة المستنصر بدأ العصر العبيدي (الفاطمي) الثاني حيث زادت سلطة الوزراء
عصر نفوذ الوزراء وإلغاء الخلافة العبيدية
العصر العبيدي ( الفاطمي) الثاني ظهور طائفة الإسماعيلية النزارية
ابتدأ هذا العصر بالنزاع بين أبناء المستنصر نزار الابن الأكبر وولي العهد من قبل أبيه، وأحمد أبو القاسم صغير السن الذي فرضه الأفضل بدر الجمالي ليكون الخليفة رغم أنف نزار..
وكان في هذه الآونة بمصر الحسن بن الصباح القائم على الدعوة الإسماعيلية بأصبهان، جاء يتعمق في دراسة المذهب الإسماعيلي.. فلما رأي هذه الأحداث، وكان الحسن يري أن تولية نزار الإمامة بعد أبيه تتفق مع تعاليم الإسماعيلية، التي تشترط أن يكون الإمام أكبر أبناء أبيه، وأظهر الحسن رأيه بمصر، وهدد نفوذ بدر الجمالي، فكاد له بدر وزجه بالسجن ونفاه إلى بلاد المغرب، غير أن الريح قذفت بالسفينة التي أبحر عليها سنة 472 هـ إلى سواحل الشام، فنزل بثغر عكا ثم عاد إلى بلاده حيث أخذ ينادي بإمامة المستنصر وابنه نزار، من بعده ولذلك سميت هذه الطائفة الإسماعيلية النزارية.
عصر نفوذ الوزراء
سيطر الوزراء في هذا الطور على مقاليد الحكم، وبلغ من نفوذ الأفضل أنه بعد وفاة المستعلي سنة 495هـ أتى بأبي على بن المستعلي، وأقامه على الخلافة وعمره خمس سنوات، ولقبه بالآمر فلما شب هذا الخليفة الصغير ضاق ذرعًا بنفوذ وزيره فدبر لقتله فقتله سنة 515 هـ.
وفى سنة 524هـ قُتِل الخليفة وتولي أخوه عبد المجيد أبو الميمون الحافظ الخلافة من بعده، ولكن الجند ثاروا عليه وولوا أبا على أحمد بن الأفضل الوزارة، فاستأثر بالسلطة والنفوذ وسجن الحافظ- وكان إماميًا لا إسماعيليًا- فعمل على الانتصار لهم وعلى إضعاف المذهب الإسماعيلي بأن عين أربعة قضاه؛ أحدهما إمامي والآخر إسماعيلي والثالث شافعي والرابع مالكي، وأعطي كلاً منهم السلطة في إصدار أحكامه وفق مذهبه (ولم يسمع بمثل هذا في الملة الإسلامية قبل ذلك).
ومكث على ذلك حتى اغتالته الإسماعيلية سنة 526هـ وأخرجوا الحافظ من سجنه وعاد خليفة من جديد.
وفي سنة 529هـ طمع بهرام الأرمني والي الغربية في الوزارة، فقدم إلى القاهرة وحاصرها يومًا فاضطر الحافظ إلى توليته الوزارة على الرغم من عدم دخوله الإسلام، وعاني المصريون فترة من سيطرة الأرمن وتحيز بهرام لبني جنسه، حتى أنهم أكثروا من بناء الكنائس والأديرة حتى صار لكل رئيس منهم كنيسة بجوار داره.. حتى استطاع رضوان بن ولخشي والي الغربية أن يطرد بهرام وأصبح وزيرًا سنة 530 هـ، ولكنه أراد أن يعزل الحافظ ودار بينهما صراع انتهي بمقتل رضوان سنة 452هـ.
وهكذا ظل النزاع والتنافس على الوزارة بين الوزراء والخلفاء جيلاً بعد جيل، وتدخل الوزراء في تولية الخلفاء، ولم يراعوا في توليتهم تعاليم الإسماعيلية.
حملات نور الدين محمود إلى مصر
تطور التنافس على الوزارة في مصر في نهاية العصر العبيدي (الفاطمي) إلى استعانة بعض الطامعين فيها بأمراء الدول المجاورة، فلقد لجأ شاور وزير الدولة المخلوع على يد أحد قواد الجيش ضرغام سنة 558 إلى الالتجاء لنور الدين محمود، صاحب دمشق، ليمده بقوة يستعين بها على استعادة نفوذه، على أن يتنازل له عن ثلث خراج مصر فأعانه نور الدين بحملة بقيادة أسد الدين شيركوه فتغلب على ضرغام وأعيد شاور إلى منصبه سنة 559 هـ، ولم يف شاور بما عاهد عليه حليفه نور الدين، وطلب من شيركوه أن يرجع إلى الشام وأرسل شاور إلى ملك الفرنجة ببيت المقدس يستمده ويخوفه من نور الدين إن ملك الديار المصرية، فسارع الملك إلى نجدته ونجح في إخراج شيركوه إلى بلاد الشام
وفى سنة 562 أنفذ نور الدين حملة إلى مصر بقيادة شيركوه، لما ثبت له غدر شاور به، وكان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب من بين الذين اشتركوا في هذه الحملة.
استنجد شاور ثانية بالفرنجة فأجابوه والتقى جند شيركوه وجند الفرنجة وحلفاؤهم في مكان يعرف بالبابين (على مقربة من المنيا)، وكان النصر من نصيب شيركوه ولم يجد نفسه قادرًا على السير إلى القاهره فوطد سلطانه بالصعيد وجبى الخراج، ثم سار إلى الإسكندرية عبر الصحراء وعين ابن أخيه صلاح الدين واليًا عليها، ولكن قوات الفرنجة والمصريين عادت إلى محاصرة الإسكندرية برًا وبحرا فأسرع شيركوه إلى نصرة صلاح الدين. فطلب المصريون والفرنجة الصلح فأجابهم على ألا يقيم الفرنجة بالبلاد المصرية، ثم عاد شيركوه إلى دمشق والحقيقة أن قوات الفرنجة لم تغادر مصر تنفيذًا لهذا الصلح، بل عقدت مع شاور معاهدة كان من أهم شروطها.. (أن يكون لهم بالقاهرة شحنة صليبية، وتكون أبوابها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين عن إنفاذ عسكره إليهم).
كما اتفق الطرفان على أن يكون للصليبين مائة ألف دينار سنويا من دخل مصر..
أطمع الحال التي وصلت إليها مصر الفرنجة في أن يقدموا بحملة سنة 564هـ لغزوها بقيادة ملك بيت المقدس، ولم يجد شاور أمامه سوى استعمال الحيلة، فأحرق الفسطاط حتى لا يأوي إليها الصليبيون، فظلت النار مشتعلة بها أربعة وخمسين يومًا.. ثم أرسل إلى ملك الفرنجة أنه يخشى إن دخلتم مصر أن يقدم نور الدين ليحتل مصر، وأشار عليه بالصلح على أن يؤدي إليه ألف ألف دينار..
على أن شاور ما لبث أن خدع الفرنجة، فأرسل إلى نور الدين يطلب النجدة، وتعهد أن ينزل له عن ثلث بلاد مصر،وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة عنده مع جنده، وأن يكون إقطاع هؤلاء الجند خارجًا عن ثلث البلاد الذي أفرده لنور الدين.
سارع نور الدين إلى تجهيز قوة كبيرة بقيادة شيركوه توجهت نحو مصر، فلما وصلت الأخبار إلى الصليبيين قرروا الرحيل إلى فلسطين بغير قتال، ثم دخل أسد الدين شيركوه القاهرة في ربيع الآخر سنة 564 فرحب به أهلها، واستقبله الخليفة العاضد وخلع عليه، وأصبح أسد الدين شيركوه وزيرًا للعاضد، واستطاع في فترة وزارته القصيرة أن يقبض على زمام الأمر بالدولة.
وحاول شاور أن يدبر مؤامرة للقبض على شيركوه ومن معه من الأمراء، ولكن نهاه ابنه الكامل وقال: «والله لئن عزمت على هذا الأمر لأعرفن أسد الدين».
فقال شاور: «والله لئن لم نفعل هذا لنقتلن جميعًا».
قال ابنه: «صدقت، ولأن نقتل ونحن مسلمون والبلاد بيد المسلمين خير من أن نقتل وقد ملكتها الإفرنج».
فعدل عن عزمه ثم تخلص منه أسد الدين بعد ذلك وقتله..
صلاح الدين وإلغاء الخلافة العبيدية الفاطمية
توفي أسد الدين بعد ثلاثة أشهر من دخوله القاهرة، واختار العاضد صلاح الدين يوسف بن أيوب وزيرًا له، فبذل الأموال للرعية فأحبوه، وأمر بذكر نور الدين في الخطبة بعد الخليفة العبيدي
( الفاطمي)، وأقطع أصحابه البلاد، وأسند إليهم بعض المناصب، فهدد بذلك صلاح الدين أصحاب المصالح في بقاء الدولة الفاطمية، فعملوا على المكر، به واتفق رأيهم على أن يكاتبوا الفرنجة ودعوتهم إلى مصر، فإذا ما خرج صلاح الدين إلى لقائهم، قبضوا على من بقي من أصحابه بالقاهرة وانضموا إلى الفرنجة في محاربته.
ولكن صلاح الدين الأيوبي كان يقظًا واستطاع أن يقضي بقوة على خطط هؤلاء، فدبر لقتل جوهر مؤتمن الخلافة، فثار الجند السودانيون، وكانوا يزيدون على خمسين ألفًا ودار بينهم وبين قوات صلاح الدين قتال عنيف، فتتبعهم صلاح الدين حتى وصلوا الصعيد حتى قضي على نفوذهم نهائيًا سنة 572..
كانت الفرنجة تتربص بنور الدين وتوسعاته في مصر، ويرون فيه خطرًا يهدد كيانهم، ولذلك هيأوا لحملة جديدة على مصر، استعانوا فيها بإمبراطور الدولة البيزنطية، فتوجهوا إلى دمياط يعاونهم أسطول بيزنطي مزود بالمؤن والعتاد، فوصلوا إليها في صفر سنة 565 فلم يخرج إليهم صلاح الدين بنفسه خوفًا من مؤامرات العبيديين الفاطميين، بل أرسل جيشًا بقيادة أخيه تقي الدين عمر، وخالد شهاب الدين محمود لمواجهة الفرنجة وبعث يطلب المدد من نور الدين فأرسل إليه مددًا، وكان الخليفة العاضد كذلك حريصًا على إعانة صلاح الدين بالمال طوال مدة حصار الفرنجة لدمياط؛ لذلك يقول صلاح الدين.. (ما رأيت أكرم من العاضد أرسل إليّ مدة مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار سوى ما أرسله إلى من الثياب وغيرها).
وقد فترت حماسة الصليبيين فرجعوا من حيث أتوا في ربيع الأول سنة 565.
لما أيقن صلاح الدين أن سلطانه قد أستقر، وجه اهتمامه إلى القضاء على المذهب الشيعي في مصر، فأنشأ سنة 566 هـ مدرسة لتدريس المذهب الشافعي، وأخري لتدريس المذهب المالكي،وعزل قضاة الشيعة، وعين صدر الدين عبد الملك بن درباس قاضيًا للقضاة في جميع أنحاء البلاد المصرية، فاستعاد بذلك المذهب السني قوته.
ثم أرسل نور الدين إلى صلاح الدين أن يجعل الخطبة باسم الخليفة العباسي محل الخليفة العبيدي الفاطمي، فتردد متخوفًا من سخط المصريين، لكن نور الدين أصر فتحولت الخطبة للخليفة العباسي المستضيء بنور الله... وكان العاضد إذ ذاك مريضًا ولم يعلم أهله بذلك ثم توفي في 10 من محرم سنة 567، وهكذا انتهت الدولة العبيدية (الفاطمية) الشيعية بمصر.
__________________
محاولات العبيديين الفاطميين لفتح مصر
الحقيقة أنه رغم الجهد الكبير الذي بذله خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية لتحقيق الاستقرار لهم في بلاد المغرب إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك فكلما أخمدت ثورة ظهرت أخرى.
ولذا كانت عيون العبيديين ( الفاطميين ) على مصر وقد حاول فتحها عبيد الله المهدي مرارًا منذ سنة 301هـ حيث وجه إليها جيشًا بقيادته، وحال النيل دون تقدمه شرقًا والوصول إلى الفسطاط، فعاد إلى الإسكندرية ولكن الجيش انهزم على يد جيش الخليفة العباسي المقتدر بعد معارك دارت بينهم في برقة، وعاد الجيش إلى المغرب.
وفى سنة 306 وجه عبيد الله جيشا بقيادة ابنه أبى القاسم فاستولى على الإسكندرية ثم سار إلى الجيزة، وتوغل العبيديون (الفاطميون) في بلاد الوجه القبلي لكن مؤنس الخادم استطاع أن يقهر هذه الحملة وأحرق سفن العبيديين (الفاطميين)..
وفى سنة 321 أرسل جيشًا بقيادة جيش حبش بن أحمد المغربي ولكن هزم في سنة 322 على يد محمد بن طغج الإخشيدي كانت هاتان الحملتان بالتنسيق مع ابن طاهر الجنابي أمير القرامطة ببلاد البحرين.
وفى سنة 323 أرسل أبو القاسم الخليفة الثاني العبيدي (الفاطمي) جيوشه إلى مصر فدخلت الإسكندرية بسهولة ووجدت مناصرة من بعض زعماء المصريين مما يدل على انتشار الدعوة العبيدية الشيعية (الفاطمية) بمصر، ولكن العبيديين (الفاطميين) هُزِموا على يد الإخشيديين. وبقيت العلاقات بعد ذلك بين حكام مصر والعبيديين (الفاطميين) يشوبها التربص والحيل.
في سنة 334 هـ حرص كافور الذي كان وقتذاك يحكم مصر (وكان يقوم بالوصاية على أنوجور بن الإخشيد) على تحسين العلاقة مع الخليفة العباسي وكذلك مع الخليفة العبيدي ( الفاطمي)، فكان يهادي صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء، وفي هذه الآونة وجه الخليفة العبيدي ( الفاطمي) المعز اهتمامه لتوسيع دائرة الدعوة العبيدية (الفاطمية) في مصر، حتى استطاعوا أن يأخذوا البيعة للمعز من رجال بلاد كافور وكبار موظفي دولته، كما أنه عمل على إنشاء الطرق وحفر الآبار في الطريق إلى مصر سنة 356 هـ.
قيام الدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر
وفى سنة 357 مات كافور فاضطربت الأحوال بمصر وتردت الحالة الاقتصادية بها، وحل الوباء والقحط بالبلاد من جراء انخفاض النيل، وعجزت الحكومة عن دفع رواتب الجند، مما حمل كثيرًا من أولي الرأي بمصر على الكتابة إلى المعز لدين الله يطلبون منه القدوم إلى مصر..
وفى 14من ربيع ثاني سنة 358 هـ سار جوهر الصقلي على رأس جيش للعبيديين (الفاطميين) قوامه مائة ألف فارس، فدخل الإسكندرية بغير مقاومة ولما وردت إلى الفسطاط أخبار وصول جوهر إلى الإسكندرية، رأي الوزير المصري جعفر بن الفرات ومن معه أن يفاوضوا جوهر على شروط التسليم وطلب الأمان على أرواح المصريين، فالتقوا به عند تروجة (إحدى قري مركز أبي المطامير بمحافظة البحيرة) في 18من رجب سنة 358 فأمّنهم جوهر على أموالهم وأنه ما جاء إلا للإصلاح كما نص في كتاب الأمان، على أن يظل المصريون على مذهبهم السني ولا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي..
بيد أن طائفة كبيرة من الجند المصريين رفضوا هذا العقد، ودخلوا في معركة حربية مع جوهر الصقلي ولكنهم استسلموا في النهاية وطلبوا إعادة الأمان.
بناء القاهرة والجامع الأزهر
وبدأ عهد جديد لمصر في ظل الحكم العبيدي (الفاطمي) ووضع الأساس لبناء مدينة المنصورية (القاهرة) في 17 شعبان سنة 358 شمالي الفسطاط وأسس القصر الذي سينزل به المعز وعرف باسم القصر الشرقي الكبير.
ظلت القاهرة تعرف بالمنصورية أربع سنوات، ثم سماها المعز القاهرة تفاؤلا بأنها ستقهر الدولة العباسية، وجعل جوهر بسور القاهرة أربعة أبواب؛ باب النصر، باب الفتوح، باب زويلة، وباب القوس، ثم بدأ بناء الجامع الأزهر سنة 359 وتم بناؤه في سنتين، وذلك ليكون خاصا بشعائر المذهب العبيدي الفاطمي، خشية إثارة المصريين إذا ظهرت هذه الشعائر في مساجدهم.. وأقيمت الصلاة في الجامع الأزهر لأول مرة 7من رمضان سنة 361هـ، وتحولت الدعوة على المنابر إلى الخليفة المعز، وضرب السكة باسم الخليفة العبيدي الشيعي ( الفاطمي) بدلاً من اسم الخليفة العباسي، كذلك منع جوهر الناس من لبس السواد شعار العباسيين، وزيد في الخطبة على عادة الشيعة.. (اللهم صل على محمد النبي المصطفى، وعلى على المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا، اللهم صل على الأئمة الراشدين، آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين).
سياسة العبيديين الشيعة في مصر
محاولة نشر المذهب الشيعي
لم يف العبيدييون (الفاطميون) بتعهداتهم بعدم إجبار المصريين على تغيير مذهبهم السني إلى مذهب الشيعة
فأسندت المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين.
واتخذت المساجد الكبيرة مركز دعاية للمذهب الشيعي.
وتم إضافة منصب جديد يقوم على تعيين أحد كبار المتفقهين في مذهب الشيعة للقيام بنشر دعوتهم، وكان يعرف بداعي الدعاة، وكانت منزلته تلي قاضي القضاة ويعاونه اثنا عشر نقيبًا، ونواب في سائر البلاد، وكثيرًا ما تقلد رجل واحد منصبي قاضي القضاة والدعوة.
وحولوا الشعائر إلى المذهب الشيعي واحتفلوا بعيد الغدير ويوم مقتل الحسين وتضرر المصريون من ذلك كثيرًا.
وفي سنة 395 أمر الحاكم بأمر الله بنقش سب الصحابة على الجدران وفي الأسواق. ثم تراجع عن ذلك سنة 398.
وظهر الاحتفال بمولد النبي –صلى الله عليه وسلم- ومولد ابنته السيدة فاطمة وعليّ بن أبي طالب.
وأذن في جميع المساجد بـ (حي على العمل) فمهد بذلك جوهر للخليفة المعز المجيء إلى مصر، فدخل المعز مصر في شعبان سنة 362 هـ.
ولما دخل قصره الذي أعد له خر لله ساجدا.. وقدمت إليه الهدايا العظيمة الثمينة واتخذت القاهرة عاصمة للدولة العبيدية (الفاطمية).
أضعف ذلك نفوذ الفاطميين في بلاد المغرب، واستقلت بلاد عن نفوذ العبيديين (الفاطميين) بالمغرب..
وقد استأثر المعز بالنفوذ والسلطان في مصر ولم يشأ أن يترك لجوهر من السلطة شيئًا لئلا ينازعه ملكه وبالتدريج فقد جوهر ما كان يتمتع به من نفوذ..
اليهود والنصارى في عهد الدولة العبيدي (الفاطمية)
من الأمور البارزة في عهد العبيديين ( الفاطميين ) أنهم قربوا إليهم أهل الكتاب من النصارى واليهود!!
ففي زمن المعز استعان بكثير من الأطباء اليهود، وترقي بعضهم في المناصب، حتى صار أحدهم وهو يعقوب بن كلس وزيرًا للعزيز بن المعز، وإليه يرجع الفضل في وضع قواعد الدولة ونظمها.
وتزوج العزيز من مسيحية، أصبح لها نفوذ عظيم على العزيز، فقد حملته على العطف على بني ملتها فاحتفل بأعيادهم ومواسمهم الدينية. وأصبح بدواوين الدولة عدد كبير من كتابهم، واستأثروا بمعظم السلطات..
عين العزيز منشا بن إبراهيم الفرار اليهودي واليًا على بلاد الشام.
في سنة 393 أمر الحاكم بأمر الله أن يرتدي أهل الذمة أزياء خاصة، وبعدها بثلاث سنوات أمر بهدم بعض الكنائس في القاهرة، ومن العجيب أنه في ذات الوقت قلد الوزارة منصور بن عبدون النصراني، الذي أشار على الخليفة العبيدي (الفاطمي) الحاكم بهدم كنيسة القيامة أو القبر المقدس، فأصدر مرسومًا بهدمها. وكان لهدم هذه الكنيسة الأثر الأكبر في إثارة حمية الصليبيين للاستيلاء على بيت المقدس.
واستمر هذا الاضطهاد حتى اضطر كثير من كتاب النصارى أن يدخلوا في الإسلام، وهاجر بعضهم إلى بلاد الدولة الرومانية الشرقية والحبشة والنوبة.
وفى سنة 411 قرر الحاكم أن يرفع عنهم هذا الاضطهاد، ثم جاء الظاهر فعطف على أهل الذمة..
وفي أوائل عهد المستنصر بالله العبيدي (الفاطمي) ارتفع شأن أبي سعد إبراهيم ابن سهل التستري اليهودي، لأن والدة ذلك الخليفة كانت من قَبْل أَمَة في بيته، فلما ولي ابنها المستنصر الخلافة قربت التستري وولته ديوانها، وتحيز التستري لليهود، فتقلدوا في أيامه كثيرًا من مناصب الدولة ولكنه قتل سنة 439 هـ.
ظهور فرقة الدرزية
في عهد الحاكم وفي سنوات حكمه الأخيرة جاء إلى مصر بعض الفرس، والذين راقتهم الدعوة الإسماعيلية فاعتنقوها، وزادوا فيها فكرة تأليه الحاكم، ودعوا إليها فسخط عليهم أهل السنة وطاردوهم وكان أشهرهم والمقرب إلى الحاكم بأمر الله محمد بن إسماعيل الدرزى، وقد هرب إلى بعض قري بانياس (بلدة صغيرة غربي دمشق) حيث أخذ ينشر دعوة تأليه الحاكم، فاستمال إليه كثيرًا من الأنصار الذي أصبحوا يعرفون باسم الدرزية.
وجد الخليفة الحاكم بأمر الله في هذه الدعوة فرصة ليحيط نفسه بسياج من التقديس رغبة منه في جعل رعاياه طوع إرادته..
ثم جاء الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بعد مضي ثلاث سنوات على وفاة الحاكم، ليعلن براءته من دعوى الألوهية التي قيلت في أبيه.
عهد المستنصر العبيدي (الفاطمي)
في عهد المستنصر (427 - 487) وقعت اضطرابات عظيمة في البلاد:
فالجند السودانيون يثيرون الاضطرابات في الوجه القبلي.
ونحوًا من أربعين ألف فارس من قبيلة لواتة والأعراب، تحت زعامة ناصر الدولة الحسين بن حمدان التغلبي (المتمرد على الخلافة العبيدية الفاطمية)، يغيرون على الوجه البحري وينهبون بلاده ويحطمون الجسور والقنوات، مما ترتب عليه انقطاع المئونة عن القاهرة والفسطاط.
وفى سنة 462 بعث ناصر الدولة إلى ألب أرسلان سلطان السلاجقة بالعراق رسولاً من قبله يسأله أن يرسل إليه عسكرًا ليقيم الدعوة العباسية بمصر على أن تؤول إليه السيادة على مصر، فرحب أرسلان بذلك ولكنه انشغل بمحاربة الروم عن مصر.
وفى سنة 464 قطع ابن حمدان اسم المستنصر من الخطبة في الوجه البحري، وبعث إلى الخليفة القائم العباسي ببغداد يلتمس الخلع، ثم قدم إلى الفسطاط وتولي الحكم في القاهرة، وأطلق للخليفة مائة دينار كل شهر وخشي الأتراك على أنفسهم من جراء استبداد ناصر الدولة بالأمور في القاهرة، فدبروا لقتله فقتل وتتبعوا كل أفراد أسرته بمصر وتخلصوا منهم.
ثم تسلطت الأتراك واستبدوا بالأمور دون المستنصر سنة 466، فبعث إلى بدر الجمالي والي عكا يطلب منه القدوم ليتولى تدبير شئون الدولة، فاشترط أن يحضر معه من يختاره من عسكر الشام (أرمن)، ليستعيض بهم عن الجند الأتراك والمغاربة والسودانيين الموجودين بمصر.
وبدر الجمالي كان مملوكًا أرمينيًا للأمير جمال الدولة بن عمار، ثم أخذ يترقي في المناصب لما أظهره من كفاية في الحروب التي قامت ببلاد الشام، حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر سنة 456 وحارب الأتراك في تلك البلاد ثم تقلد نيابة عكا سنة 460 هـ.
بدأ الجمالي بقتل رءوس الأتراك فاستتب له الأمن، وكان من جنده من احتفظ بمسيحيته، واستطاع الجمالي أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد الوجه القبلي حتى أسوان وكذلك الوجه البحري، وبني جامع العطارين وأعاد الرخاء فزاد خراج مصر في سنة (457 –464) من 2.000.000 دينار إلى 3.100.000 دينار، وتوفي الجمالي سنة 487 وعهد لابنه الأفضل شاهنشاه.
وظل المستنصر في عهد وزرائه كالمحجور عليه إلى أن توفي في 17من ذي الحجة سنة 487 هـ، ومع وفاة المستنصر بدأ العصر العبيدي (الفاطمي) الثاني حيث زادت سلطة الوزراء
عصر نفوذ الوزراء وإلغاء الخلافة العبيدية
العصر العبيدي ( الفاطمي) الثاني ظهور طائفة الإسماعيلية النزارية
ابتدأ هذا العصر بالنزاع بين أبناء المستنصر نزار الابن الأكبر وولي العهد من قبل أبيه، وأحمد أبو القاسم صغير السن الذي فرضه الأفضل بدر الجمالي ليكون الخليفة رغم أنف نزار..
وكان في هذه الآونة بمصر الحسن بن الصباح القائم على الدعوة الإسماعيلية بأصبهان، جاء يتعمق في دراسة المذهب الإسماعيلي.. فلما رأي هذه الأحداث، وكان الحسن يري أن تولية نزار الإمامة بعد أبيه تتفق مع تعاليم الإسماعيلية، التي تشترط أن يكون الإمام أكبر أبناء أبيه، وأظهر الحسن رأيه بمصر، وهدد نفوذ بدر الجمالي، فكاد له بدر وزجه بالسجن ونفاه إلى بلاد المغرب، غير أن الريح قذفت بالسفينة التي أبحر عليها سنة 472 هـ إلى سواحل الشام، فنزل بثغر عكا ثم عاد إلى بلاده حيث أخذ ينادي بإمامة المستنصر وابنه نزار، من بعده ولذلك سميت هذه الطائفة الإسماعيلية النزارية.
عصر نفوذ الوزراء
سيطر الوزراء في هذا الطور على مقاليد الحكم، وبلغ من نفوذ الأفضل أنه بعد وفاة المستعلي سنة 495هـ أتى بأبي على بن المستعلي، وأقامه على الخلافة وعمره خمس سنوات، ولقبه بالآمر فلما شب هذا الخليفة الصغير ضاق ذرعًا بنفوذ وزيره فدبر لقتله فقتله سنة 515 هـ.
وفى سنة 524هـ قُتِل الخليفة وتولي أخوه عبد المجيد أبو الميمون الحافظ الخلافة من بعده، ولكن الجند ثاروا عليه وولوا أبا على أحمد بن الأفضل الوزارة، فاستأثر بالسلطة والنفوذ وسجن الحافظ- وكان إماميًا لا إسماعيليًا- فعمل على الانتصار لهم وعلى إضعاف المذهب الإسماعيلي بأن عين أربعة قضاه؛ أحدهما إمامي والآخر إسماعيلي والثالث شافعي والرابع مالكي، وأعطي كلاً منهم السلطة في إصدار أحكامه وفق مذهبه (ولم يسمع بمثل هذا في الملة الإسلامية قبل ذلك).
ومكث على ذلك حتى اغتالته الإسماعيلية سنة 526هـ وأخرجوا الحافظ من سجنه وعاد خليفة من جديد.
وفي سنة 529هـ طمع بهرام الأرمني والي الغربية في الوزارة، فقدم إلى القاهرة وحاصرها يومًا فاضطر الحافظ إلى توليته الوزارة على الرغم من عدم دخوله الإسلام، وعاني المصريون فترة من سيطرة الأرمن وتحيز بهرام لبني جنسه، حتى أنهم أكثروا من بناء الكنائس والأديرة حتى صار لكل رئيس منهم كنيسة بجوار داره.. حتى استطاع رضوان بن ولخشي والي الغربية أن يطرد بهرام وأصبح وزيرًا سنة 530 هـ، ولكنه أراد أن يعزل الحافظ ودار بينهما صراع انتهي بمقتل رضوان سنة 452هـ.
وهكذا ظل النزاع والتنافس على الوزارة بين الوزراء والخلفاء جيلاً بعد جيل، وتدخل الوزراء في تولية الخلفاء، ولم يراعوا في توليتهم تعاليم الإسماعيلية.
حملات نور الدين محمود إلى مصر
تطور التنافس على الوزارة في مصر في نهاية العصر العبيدي (الفاطمي) إلى استعانة بعض الطامعين فيها بأمراء الدول المجاورة، فلقد لجأ شاور وزير الدولة المخلوع على يد أحد قواد الجيش ضرغام سنة 558 إلى الالتجاء لنور الدين محمود، صاحب دمشق، ليمده بقوة يستعين بها على استعادة نفوذه، على أن يتنازل له عن ثلث خراج مصر فأعانه نور الدين بحملة بقيادة أسد الدين شيركوه فتغلب على ضرغام وأعيد شاور إلى منصبه سنة 559 هـ، ولم يف شاور بما عاهد عليه حليفه نور الدين، وطلب من شيركوه أن يرجع إلى الشام وأرسل شاور إلى ملك الفرنجة ببيت المقدس يستمده ويخوفه من نور الدين إن ملك الديار المصرية، فسارع الملك إلى نجدته ونجح في إخراج شيركوه إلى بلاد الشام
وفى سنة 562 أنفذ نور الدين حملة إلى مصر بقيادة شيركوه، لما ثبت له غدر شاور به، وكان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب من بين الذين اشتركوا في هذه الحملة.
استنجد شاور ثانية بالفرنجة فأجابوه والتقى جند شيركوه وجند الفرنجة وحلفاؤهم في مكان يعرف بالبابين (على مقربة من المنيا)، وكان النصر من نصيب شيركوه ولم يجد نفسه قادرًا على السير إلى القاهره فوطد سلطانه بالصعيد وجبى الخراج، ثم سار إلى الإسكندرية عبر الصحراء وعين ابن أخيه صلاح الدين واليًا عليها، ولكن قوات الفرنجة والمصريين عادت إلى محاصرة الإسكندرية برًا وبحرا فأسرع شيركوه إلى نصرة صلاح الدين. فطلب المصريون والفرنجة الصلح فأجابهم على ألا يقيم الفرنجة بالبلاد المصرية، ثم عاد شيركوه إلى دمشق والحقيقة أن قوات الفرنجة لم تغادر مصر تنفيذًا لهذا الصلح، بل عقدت مع شاور معاهدة كان من أهم شروطها.. (أن يكون لهم بالقاهرة شحنة صليبية، وتكون أبوابها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين عن إنفاذ عسكره إليهم).
كما اتفق الطرفان على أن يكون للصليبين مائة ألف دينار سنويا من دخل مصر..
أطمع الحال التي وصلت إليها مصر الفرنجة في أن يقدموا بحملة سنة 564هـ لغزوها بقيادة ملك بيت المقدس، ولم يجد شاور أمامه سوى استعمال الحيلة، فأحرق الفسطاط حتى لا يأوي إليها الصليبيون، فظلت النار مشتعلة بها أربعة وخمسين يومًا.. ثم أرسل إلى ملك الفرنجة أنه يخشى إن دخلتم مصر أن يقدم نور الدين ليحتل مصر، وأشار عليه بالصلح على أن يؤدي إليه ألف ألف دينار..
على أن شاور ما لبث أن خدع الفرنجة، فأرسل إلى نور الدين يطلب النجدة، وتعهد أن ينزل له عن ثلث بلاد مصر،وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة عنده مع جنده، وأن يكون إقطاع هؤلاء الجند خارجًا عن ثلث البلاد الذي أفرده لنور الدين.
سارع نور الدين إلى تجهيز قوة كبيرة بقيادة شيركوه توجهت نحو مصر، فلما وصلت الأخبار إلى الصليبيين قرروا الرحيل إلى فلسطين بغير قتال، ثم دخل أسد الدين شيركوه القاهرة في ربيع الآخر سنة 564 فرحب به أهلها، واستقبله الخليفة العاضد وخلع عليه، وأصبح أسد الدين شيركوه وزيرًا للعاضد، واستطاع في فترة وزارته القصيرة أن يقبض على زمام الأمر بالدولة.
وحاول شاور أن يدبر مؤامرة للقبض على شيركوه ومن معه من الأمراء، ولكن نهاه ابنه الكامل وقال: «والله لئن عزمت على هذا الأمر لأعرفن أسد الدين».
فقال شاور: «والله لئن لم نفعل هذا لنقتلن جميعًا».
قال ابنه: «صدقت، ولأن نقتل ونحن مسلمون والبلاد بيد المسلمين خير من أن نقتل وقد ملكتها الإفرنج».
فعدل عن عزمه ثم تخلص منه أسد الدين بعد ذلك وقتله..
صلاح الدين وإلغاء الخلافة العبيدية الفاطمية
توفي أسد الدين بعد ثلاثة أشهر من دخوله القاهرة، واختار العاضد صلاح الدين يوسف بن أيوب وزيرًا له، فبذل الأموال للرعية فأحبوه، وأمر بذكر نور الدين في الخطبة بعد الخليفة العبيدي
( الفاطمي)، وأقطع أصحابه البلاد، وأسند إليهم بعض المناصب، فهدد بذلك صلاح الدين أصحاب المصالح في بقاء الدولة الفاطمية، فعملوا على المكر، به واتفق رأيهم على أن يكاتبوا الفرنجة ودعوتهم إلى مصر، فإذا ما خرج صلاح الدين إلى لقائهم، قبضوا على من بقي من أصحابه بالقاهرة وانضموا إلى الفرنجة في محاربته.
ولكن صلاح الدين الأيوبي كان يقظًا واستطاع أن يقضي بقوة على خطط هؤلاء، فدبر لقتل جوهر مؤتمن الخلافة، فثار الجند السودانيون، وكانوا يزيدون على خمسين ألفًا ودار بينهم وبين قوات صلاح الدين قتال عنيف، فتتبعهم صلاح الدين حتى وصلوا الصعيد حتى قضي على نفوذهم نهائيًا سنة 572..
كانت الفرنجة تتربص بنور الدين وتوسعاته في مصر، ويرون فيه خطرًا يهدد كيانهم، ولذلك هيأوا لحملة جديدة على مصر، استعانوا فيها بإمبراطور الدولة البيزنطية، فتوجهوا إلى دمياط يعاونهم أسطول بيزنطي مزود بالمؤن والعتاد، فوصلوا إليها في صفر سنة 565 فلم يخرج إليهم صلاح الدين بنفسه خوفًا من مؤامرات العبيديين الفاطميين، بل أرسل جيشًا بقيادة أخيه تقي الدين عمر، وخالد شهاب الدين محمود لمواجهة الفرنجة وبعث يطلب المدد من نور الدين فأرسل إليه مددًا، وكان الخليفة العاضد كذلك حريصًا على إعانة صلاح الدين بالمال طوال مدة حصار الفرنجة لدمياط؛ لذلك يقول صلاح الدين.. (ما رأيت أكرم من العاضد أرسل إليّ مدة مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار سوى ما أرسله إلى من الثياب وغيرها).
وقد فترت حماسة الصليبيين فرجعوا من حيث أتوا في ربيع الأول سنة 565.
لما أيقن صلاح الدين أن سلطانه قد أستقر، وجه اهتمامه إلى القضاء على المذهب الشيعي في مصر، فأنشأ سنة 566 هـ مدرسة لتدريس المذهب الشافعي، وأخري لتدريس المذهب المالكي،وعزل قضاة الشيعة، وعين صدر الدين عبد الملك بن درباس قاضيًا للقضاة في جميع أنحاء البلاد المصرية، فاستعاد بذلك المذهب السني قوته.
ثم أرسل نور الدين إلى صلاح الدين أن يجعل الخطبة باسم الخليفة العباسي محل الخليفة العبيدي الفاطمي، فتردد متخوفًا من سخط المصريين، لكن نور الدين أصر فتحولت الخطبة للخليفة العباسي المستضيء بنور الله... وكان العاضد إذ ذاك مريضًا ولم يعلم أهله بذلك ثم توفي في 10 من محرم سنة 567، وهكذا انتهت الدولة العبيدية (الفاطمية) الشيعية بمصر.
__________________