القشعمي
08-03-2011, 08:06 PM
سقوط الدولة العباسية
الحمد لله الذي قضى على كل مخلوق بالفناء؛ وتفرد بالعز والبقاء؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه هداة الأنام ومصابيح الدجى.
أما بعد:
فإن من المعلوم للعقلاء أن الحق والباطل لا زالا في صراع منذ قيام الدنيا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها،
وإن في قصص الزمان لعبرةً للمعتبر وعظة للمتعظ،
والعاقل الفطن هو الذي يأخذ من قصص الزمان عبراً وعظات.
ففي عام 656 من الهجرة؛ كان سقوط الدولة العباسية؛
وانتهاء عصرها وأفول شمسها؛ بعد إن استمرت ردحاً من الزمن.
وقد كان سقوطها من أعظم المآسي التي حلّت بهذه الأمة؛ حتى صارت غصة في حلق التاريخ؛
وقصة يندى لها جبين البشرية؛ وتتصدع لهولها الجبال الراسيات؛
وعقت الأيام والليالي أن تلد مثلها؛وقد حدث بسببها ما حدث من المحن والويلات العظيمة
التي جُرَّت على الأمة الإسلامية؛ بسبب غفلةٍ وحسنِ ظن وطيب نية؛
استغلها من في قلبه حقد ودغل على الإسلام وأهله؛
وقد بات في خلده حلم لا يغيب يتمثل بتغيير الواقع المنير إلى واقع مظلم بئيس.
وهذه هي سنة الله Uفي خلقه، قال I:
( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها
أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً
كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) ؛
وقال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم:« حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه » .
ففي تلك الحقبة الزمنية خرج التتار من المشرق ؛
وعاثوا في الأرض فساداً ؛ وتسلطوا على المسلمين في كثير من الدول الإسلامية
بسب تفرقهم ونزاعهم وتخاصمهم ؛ وشردوهم كل مشرد؛ وفعلوا بهم ما يعجز البيان عن وصفه؛
وما هذا إلا لحكمة يريدها الله سبحانه.
يذكر أهل التاريخ أن المستنصر-والد المستعصم- رحمه الله كان ذا همة عالية ؛
وشجاعة وافرة؛ ونفس أبية؛ وعنده إقدام عظيم ، وقد استخدم جيوشاً كثيرةً وعساكر عظيمة في الخلافة ،
كما كان له أخ يُعرف بالخفاجي؛ كان يزيد عليه بالشجاعة و الإقدام؛
وقد ذُكر عنه أنه كان يقول: إن ملّكني الله الأرض لأعبرن بالجيوش نهر ديجون ؛
وأنتزع البلاد من التتار وأستأصلهم.
فلما توفي المستنصر فضّل أكابر الأمراء ممن كانوا بعده أن يعّين المستعصم ؛
لأنهم خافوا من إقدام الخفاجي؛ وعلموا في المستعصم ضعف رأيه وانقياده لهم؛
فأرادوا أن تكون لهم الكبرياء فأقاموه خلفاً للمستنصر.
ومع الأسف الشديد فإن بداية الطامة والمصيبة العظمى التي أدت إلى سقوط دولة بني العباس؛
أن الخليفة المستعصم بالله- غفر الله له-
قد اتخذ وزيراً خبيثاً رديء المذهب يقال له: ابن العلقمي وذلك في عام 642هـ .
وقد حبب ابنُ العلقمي إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر؛
ولم يعصم المستعصم بالله في وزارته ؛ ولم يكن وزير صدق ولا مرضي الطريقة.
وكان ابن العلقمي معادياً للأمير أبي بكر ابن الخليفة وأصحابه؛
لأنه في عام 555هـ قام أبو بكر بتأديب أهل الكرخ ومحلة جماعة ابن العلقمي في بغداد؛
حين سمع أنهم قد تعرضوا لأهل السنة بالأذى.
وحينذاك فقد تملك الحقد من ابن العلقمي، وأضمر في نفسه الغل؛
واشتد حنقه على أهل الإسلام ؛ وقام بتدبير أكبر مكيدة على الإسلام وأهله ؛
مما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه ؛ منذ أن بنيت بغداد وحتى وقوع هذه الحادثة.
وكتب الوزير ابن العلقمي إلى خليفة إربل "محمد بن صلايا"
-وهو على مذهبه- رسالةٌ يقول فيها : " نُهب الكرخ المكرم ؛
وقد عزموا لا أتم الله عزمهم ؛ ولا أنفذ أمرهم على نهب الحلة والنيل؛
بل سولت لهم أنفسهم أمراً فصبر جميل، والخادم قد أسلف الإنذار؛
وعجل لهم الأعذار؛ فلا بد من الشنيعة بعد قتل جميع الأصحاب ؛
فكن لما نقول سميعاً وإلا جرعناك الحمام تجريعاً ؛
"ولآتينَّهم بجنود لا قبل لهم بها ولأخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون".
فاجتهَد ابنُ العلقمي في إعداد المخططات والمكائد؛
فكان يبذل كلَّ ما في وسعه لصرف جيوش الدولة العباسية ؛
وإسقاط أسهمهم من الديوان ؛
فقد بلغت العساكر في آخر أيام المستنصر-والد المستعصم- قريباً من مائةِ ألف مقاتل من الأمراء،
وممن هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فما زال يجتهد ابن العلقمي في تقليلهم
؛ ويزين ذلك للخليفة بحجة تقليل النفقات؛ وحجج أخرى واهية؛
حتى إنه لم يبق في زمان المستعصم سوى عشرة آلاف.
تأمل! من مائة ألف إلى عشرة آلاف!
خلافة إسلامية ولها عشرة آلاف جندي! كيف يستقيم هذا؟
وكيف يصنعون في مواجهة الأعداء؛ والتتار يبلغون الأعداد الهائلة؟
ثم بعد ذلك كاتب ابن العلقمي التتار؛ وأطمعهم في البلاد؛
وسهل عليهم ذلك؛ وحكى لهم حقيقة الحال؛ وكشف لهم ضعف الرجال؛
وذلك طمعاً في أن يزيل السنّة بالكلية؛ وأن يظهر البدعة ؛
ويقيم خليفة من الفاطميين؛ وأن يبيد العلماء والمفتين؛ وقد قيل:
ثم استهلت سنة656هـ؛ وجنود التتار كانوا قد نازلوا بغداد بقيادة زعيمهم هولاكو ؛
وجاءت إليهم إمدادات صاحب الموصل يساعدونهم –ومع الأسف الشديد- على البغاددة!
كل ذلك خوفاً من التتار؛ فصاحب الموصل خاف على حكمه فساعد التتار على إخوانه من البغاددة ؛
فعل ذلك مصانعة للتتريين قبحهم الله جميعا.
وعند ذلك سترت بغداد؛ ونصبت عليها المجانيق وغيرها من آلات الممانعة؛
ولكن لا راد لما قدر الله؛ فقد أحاطت التتار ببغداد؛ وبدار الخلافة بالذات؛
يرشقونها بالنبال من كل جانب.
وقد كان زمن قدوم هولاكو بجنوده كلهم-وهم نحو مائتي ألف مقاتل-
إلى بغداد في ثاني عشرَ المحرم من تلك السنة؛ وكان شديد الحنق على دولة الإسلام وأهلها؛
فجاء بتلك الجنود الكثيرة التي لا تحصى عدداً؛ فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية؛
وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة؛ لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم بقية الجيش؛
قد صُرفوا عن استقطاعاتهم التي يُعطون إياها.
بل ويذكر أهل التاريخ أن بعضهم صار يستجدي في الأسواق وأبواب المساجد؛
وصار الجند يطلبون من يستخدمهم في حمل القاذورات،
ومنهم من يكاري على فرسه؛ ليصلوا إلى ما يتقوتون به؛
حتى أنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم؛ ويحزنون على الإسلام وأهله.
فتأمل ما آل إليه الحال من غايةٍ في الضعف والذلة؛ بسبب مشورة وزير السوء ابن العلقمي.
ولهذا كان أول من برز إلى التتار عندما قدموا بغداد هو ابن العلقمي؛
وقد أشار على الخليفة بمصانعتهم؛ وقال: أَخرُج أنا إليهم في تقدير الصلح وتقريره
، فخرج وتوثق لنفسه من التتار؛
ثم رجع إلى المستعصم
وقال: إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر،
ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته،
على أن تكون الطاعةُ له، وينصرف عنك بجيوشه؛ .
وقال للخليفة من باب إظهار الصورة الحسنة له:
فيا مولانا أمير المؤمنين ليتك تفعل هذا ، فإن فيه حقنَ دماء المسلمين،
وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد ؛ ثم عاد وأشار على الخليفة بالخروج إلى هولاكو،
وأن يَمثُل الخليفة العباسي بين يديه؛
لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق للخليفة العباسي المستعصم بالله،
والنصف الآخر لهولاكو.
فخرج الخليفة المستعصم بالله في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء ورؤوس الأمراء والأعيان،
وذلك بمشورةِ ابن العلقمي الذي ما أراد بهم خيراً ؛
فلما اقتربوا من منـزل السلطان هولاكو؛ حجبوهم عن الخليفة وقُتِلوا عن آخرهم،
ولم يبق مع الخليفة إلا سبعة عشر نفساً؛
وأُحضِر الخليفةُ بين يدي هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة؛
فاضطرب كلامُ الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت؛
ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجةُ نصير الطوسي والوزير بن العلقمي .
ثم أشار أولئك الملأ من المنافقين على هولاكو أن يصالح الخليفة ؛
فقال الوزير ابن العلقمي-لكيده ومكره وحقده على الإسلام وأهله-
: متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك،
فحسّن لهولاكو قتل الخليفة .
تأمّل!
لما قدم الخليفة إلى هولاكو تهيّب-رغم جبروته وطغيانه- من قتله ؛
وذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
فهوّن عليه الطوسي والوزير ابن العلقمي ذلك؛
وعند ذلك أمر بقتله؛ قيل إنه خنق خنقاً؛ وقيل إنه أغرق.
وسبحان الله: ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) ؛
فباءوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد في بلاده.
منقول من الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ سالم العجمي
مراجعة الموضوع بالكامل الرابط التالي:
http://www.salemalajmi.com/main/play-148.html
للمزيد من مواضيعي
الحمد لله الذي قضى على كل مخلوق بالفناء؛ وتفرد بالعز والبقاء؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه هداة الأنام ومصابيح الدجى.
أما بعد:
فإن من المعلوم للعقلاء أن الحق والباطل لا زالا في صراع منذ قيام الدنيا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها،
وإن في قصص الزمان لعبرةً للمعتبر وعظة للمتعظ،
والعاقل الفطن هو الذي يأخذ من قصص الزمان عبراً وعظات.
ففي عام 656 من الهجرة؛ كان سقوط الدولة العباسية؛
وانتهاء عصرها وأفول شمسها؛ بعد إن استمرت ردحاً من الزمن.
وقد كان سقوطها من أعظم المآسي التي حلّت بهذه الأمة؛ حتى صارت غصة في حلق التاريخ؛
وقصة يندى لها جبين البشرية؛ وتتصدع لهولها الجبال الراسيات؛
وعقت الأيام والليالي أن تلد مثلها؛وقد حدث بسببها ما حدث من المحن والويلات العظيمة
التي جُرَّت على الأمة الإسلامية؛ بسبب غفلةٍ وحسنِ ظن وطيب نية؛
استغلها من في قلبه حقد ودغل على الإسلام وأهله؛
وقد بات في خلده حلم لا يغيب يتمثل بتغيير الواقع المنير إلى واقع مظلم بئيس.
وهذه هي سنة الله Uفي خلقه، قال I:
( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها
أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً
كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) ؛
وقال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم:« حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه » .
ففي تلك الحقبة الزمنية خرج التتار من المشرق ؛
وعاثوا في الأرض فساداً ؛ وتسلطوا على المسلمين في كثير من الدول الإسلامية
بسب تفرقهم ونزاعهم وتخاصمهم ؛ وشردوهم كل مشرد؛ وفعلوا بهم ما يعجز البيان عن وصفه؛
وما هذا إلا لحكمة يريدها الله سبحانه.
يذكر أهل التاريخ أن المستنصر-والد المستعصم- رحمه الله كان ذا همة عالية ؛
وشجاعة وافرة؛ ونفس أبية؛ وعنده إقدام عظيم ، وقد استخدم جيوشاً كثيرةً وعساكر عظيمة في الخلافة ،
كما كان له أخ يُعرف بالخفاجي؛ كان يزيد عليه بالشجاعة و الإقدام؛
وقد ذُكر عنه أنه كان يقول: إن ملّكني الله الأرض لأعبرن بالجيوش نهر ديجون ؛
وأنتزع البلاد من التتار وأستأصلهم.
فلما توفي المستنصر فضّل أكابر الأمراء ممن كانوا بعده أن يعّين المستعصم ؛
لأنهم خافوا من إقدام الخفاجي؛ وعلموا في المستعصم ضعف رأيه وانقياده لهم؛
فأرادوا أن تكون لهم الكبرياء فأقاموه خلفاً للمستنصر.
ومع الأسف الشديد فإن بداية الطامة والمصيبة العظمى التي أدت إلى سقوط دولة بني العباس؛
أن الخليفة المستعصم بالله- غفر الله له-
قد اتخذ وزيراً خبيثاً رديء المذهب يقال له: ابن العلقمي وذلك في عام 642هـ .
وقد حبب ابنُ العلقمي إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر؛
ولم يعصم المستعصم بالله في وزارته ؛ ولم يكن وزير صدق ولا مرضي الطريقة.
وكان ابن العلقمي معادياً للأمير أبي بكر ابن الخليفة وأصحابه؛
لأنه في عام 555هـ قام أبو بكر بتأديب أهل الكرخ ومحلة جماعة ابن العلقمي في بغداد؛
حين سمع أنهم قد تعرضوا لأهل السنة بالأذى.
وحينذاك فقد تملك الحقد من ابن العلقمي، وأضمر في نفسه الغل؛
واشتد حنقه على أهل الإسلام ؛ وقام بتدبير أكبر مكيدة على الإسلام وأهله ؛
مما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه ؛ منذ أن بنيت بغداد وحتى وقوع هذه الحادثة.
وكتب الوزير ابن العلقمي إلى خليفة إربل "محمد بن صلايا"
-وهو على مذهبه- رسالةٌ يقول فيها : " نُهب الكرخ المكرم ؛
وقد عزموا لا أتم الله عزمهم ؛ ولا أنفذ أمرهم على نهب الحلة والنيل؛
بل سولت لهم أنفسهم أمراً فصبر جميل، والخادم قد أسلف الإنذار؛
وعجل لهم الأعذار؛ فلا بد من الشنيعة بعد قتل جميع الأصحاب ؛
فكن لما نقول سميعاً وإلا جرعناك الحمام تجريعاً ؛
"ولآتينَّهم بجنود لا قبل لهم بها ولأخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون".
فاجتهَد ابنُ العلقمي في إعداد المخططات والمكائد؛
فكان يبذل كلَّ ما في وسعه لصرف جيوش الدولة العباسية ؛
وإسقاط أسهمهم من الديوان ؛
فقد بلغت العساكر في آخر أيام المستنصر-والد المستعصم- قريباً من مائةِ ألف مقاتل من الأمراء،
وممن هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فما زال يجتهد ابن العلقمي في تقليلهم
؛ ويزين ذلك للخليفة بحجة تقليل النفقات؛ وحجج أخرى واهية؛
حتى إنه لم يبق في زمان المستعصم سوى عشرة آلاف.
تأمل! من مائة ألف إلى عشرة آلاف!
خلافة إسلامية ولها عشرة آلاف جندي! كيف يستقيم هذا؟
وكيف يصنعون في مواجهة الأعداء؛ والتتار يبلغون الأعداد الهائلة؟
ثم بعد ذلك كاتب ابن العلقمي التتار؛ وأطمعهم في البلاد؛
وسهل عليهم ذلك؛ وحكى لهم حقيقة الحال؛ وكشف لهم ضعف الرجال؛
وذلك طمعاً في أن يزيل السنّة بالكلية؛ وأن يظهر البدعة ؛
ويقيم خليفة من الفاطميين؛ وأن يبيد العلماء والمفتين؛ وقد قيل:
ثم استهلت سنة656هـ؛ وجنود التتار كانوا قد نازلوا بغداد بقيادة زعيمهم هولاكو ؛
وجاءت إليهم إمدادات صاحب الموصل يساعدونهم –ومع الأسف الشديد- على البغاددة!
كل ذلك خوفاً من التتار؛ فصاحب الموصل خاف على حكمه فساعد التتار على إخوانه من البغاددة ؛
فعل ذلك مصانعة للتتريين قبحهم الله جميعا.
وعند ذلك سترت بغداد؛ ونصبت عليها المجانيق وغيرها من آلات الممانعة؛
ولكن لا راد لما قدر الله؛ فقد أحاطت التتار ببغداد؛ وبدار الخلافة بالذات؛
يرشقونها بالنبال من كل جانب.
وقد كان زمن قدوم هولاكو بجنوده كلهم-وهم نحو مائتي ألف مقاتل-
إلى بغداد في ثاني عشرَ المحرم من تلك السنة؛ وكان شديد الحنق على دولة الإسلام وأهلها؛
فجاء بتلك الجنود الكثيرة التي لا تحصى عدداً؛ فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية؛
وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة؛ لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم بقية الجيش؛
قد صُرفوا عن استقطاعاتهم التي يُعطون إياها.
بل ويذكر أهل التاريخ أن بعضهم صار يستجدي في الأسواق وأبواب المساجد؛
وصار الجند يطلبون من يستخدمهم في حمل القاذورات،
ومنهم من يكاري على فرسه؛ ليصلوا إلى ما يتقوتون به؛
حتى أنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم؛ ويحزنون على الإسلام وأهله.
فتأمل ما آل إليه الحال من غايةٍ في الضعف والذلة؛ بسبب مشورة وزير السوء ابن العلقمي.
ولهذا كان أول من برز إلى التتار عندما قدموا بغداد هو ابن العلقمي؛
وقد أشار على الخليفة بمصانعتهم؛ وقال: أَخرُج أنا إليهم في تقدير الصلح وتقريره
، فخرج وتوثق لنفسه من التتار؛
ثم رجع إلى المستعصم
وقال: إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر،
ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته،
على أن تكون الطاعةُ له، وينصرف عنك بجيوشه؛ .
وقال للخليفة من باب إظهار الصورة الحسنة له:
فيا مولانا أمير المؤمنين ليتك تفعل هذا ، فإن فيه حقنَ دماء المسلمين،
وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد ؛ ثم عاد وأشار على الخليفة بالخروج إلى هولاكو،
وأن يَمثُل الخليفة العباسي بين يديه؛
لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق للخليفة العباسي المستعصم بالله،
والنصف الآخر لهولاكو.
فخرج الخليفة المستعصم بالله في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء ورؤوس الأمراء والأعيان،
وذلك بمشورةِ ابن العلقمي الذي ما أراد بهم خيراً ؛
فلما اقتربوا من منـزل السلطان هولاكو؛ حجبوهم عن الخليفة وقُتِلوا عن آخرهم،
ولم يبق مع الخليفة إلا سبعة عشر نفساً؛
وأُحضِر الخليفةُ بين يدي هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة؛
فاضطرب كلامُ الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت؛
ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجةُ نصير الطوسي والوزير بن العلقمي .
ثم أشار أولئك الملأ من المنافقين على هولاكو أن يصالح الخليفة ؛
فقال الوزير ابن العلقمي-لكيده ومكره وحقده على الإسلام وأهله-
: متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك،
فحسّن لهولاكو قتل الخليفة .
تأمّل!
لما قدم الخليفة إلى هولاكو تهيّب-رغم جبروته وطغيانه- من قتله ؛
وذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
فهوّن عليه الطوسي والوزير ابن العلقمي ذلك؛
وعند ذلك أمر بقتله؛ قيل إنه خنق خنقاً؛ وقيل إنه أغرق.
وسبحان الله: ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) ؛
فباءوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد في بلاده.
منقول من الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ سالم العجمي
مراجعة الموضوع بالكامل الرابط التالي:
http://www.salemalajmi.com/main/play-148.html
للمزيد من مواضيعي