الجشعمي
20-02-2011, 05:58 AM
بقلم نايف الفقير
مانع المريدي الجد الاعلى لقبيلة المردة،الذين هم -وفق الشائع– اسلاف اسرة آل سعود، فنسب هولاء مرتبط بمانع هذا، ويهمنا في هذا المقال القاء الضوء عن الخبر الشائع في المصادر المعاصرة عن مانع المريدي،ونعني على وجه التحديد ذلك السيناريو المرسوم عن هذا الجد في المصادر التي اعتنت بتاريخ ائمة آل سعود الكرام.
يفيد الخبر بقدوم الجدل الاعلى مانع سنة 850هـ من بلدة اسمها الدرعية بالقطيف ، ونزوله على ابن درع في الذي هو قريب له بقرابة ما ، وان ابن درع اعطاه المليبيد والغصيبة على ضفاف وادي حنيفة،فعمرها مانع وبنوه من بعده،وسُميت الدرعية بناء اسم المدينة التي قدم منها مانع قرب القطيف .
ثم يُذكر أن حرب وقعت بين ابناء مانع –او بقيادة مانع نفسه- مع آل يزيد والموالفة المنسوبين الى بني حنيفة،وان مانع او ابنائه سطو عليهم وفرقوا شملهم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك،وظل بني مانع المذكور متحكمين في الدرعية وماحولها ، حتى ظهر منهم محمد بن سعود المنتهي نسبه بمانع ، وفي عهد محمد هذا قامت الدولة السعودية فيما هو معروف في التاريخ . هكذا هي الرواية.
هذا الخبر عن مانع يفيدكما هو واضح عن آل سعود وبداية علاقتهم بالدرعية ، قبل اشتهار امرهم اثر تبنيهم الدعوة الاصلاحية منتصف القرن الثاني عشر الهجري.
ونظرا لأني كتب مبحثاً عن نسب آل سعود الكرام،فأن الكثير ممن ناقشتهم يبتديْ بذكر خبر مانع المشار اليه كبداية لحديثه ، فبقول ان مانعا كان في القطيف ، ثم يكمل بقية القصة الى آخرها كما وردت.
ولذلك قررت كتابة تحليل نقدي لهذا القصة ، لكون الخبر عن مانع هو جملة اخبار وليس خبرا واحدا، وقبل هذا يحسن بنا ان نحاول ان نتتبع المصدر الاصلي صاحب خبر مانع المريدي .
مصادر الخبر عن قدوم مانع المريدي او ابنه ربيعة من القطيف الى العارض
كل من ذكر الخبر عن مانع المريدي هم مؤلفين معاصرين لبعضهم ، وكلهم من اصحاب القرن الثالث عشر الهجري ، باستثناء مؤلف واحد جاء بعدهم فهو من القرن الرابع عشر الهجري ، وقد وجدت أن الذين تناولوا هذه الرواية هم الآتية اسمائهم :
1- حمد بن محمد بن لعبون العنزي الوائلي[1]، المتوفي بعد سنة 1255هـ ، في كتاب تاريخ ابن لعبون(مخطوط)
2- محمد بن عمر الفاخري المتوفي سنة 1277هـ ، وهو رجل من طلبة العلم من اهل اشيقر،تم جمع بعض ماكتب عن تاريخ منطقته وطباعته تحت اسم تاريخ الفاخري[2].
3- عثمان بن عبد الله بن بشر المتوفى سنة 1288هـ ، في كتاب(عنوان المجد في تاريخ نجد) .
4- ابراهيم بن صالح بن عيسى المتوفى سنة 1343هـ ، في كتاب(تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد).
وابن عيسى هو المقصود من الاستثناء ، ولعلمي ان كل من تحدث عن مانع بكتاب بعد هولاء ليس الا ناقل عن احدهم ، الا اننا فضلنا وضع ابن عيسى مع اصحاب المصادر المستقلة ، رغم انه ناقل ممن سبقه،فقد لاحظت ان ابن عيسى عدّل في خبره عن مانع التعديل الذي لم نجده عند غيره،فاضاف معلومة عن مانع لم توجد عند السابقين (اللعبون-الفاخري-ابن بشر)، ولذا عددته مصدرا ليتم مناقشته .
ولانستطيع أن نغفل ذكر اثنين من علماء الدين في فترة الدولة السعودية الاولى، وهم :محمد بن علي ابن سلوم[3]، وراشد بن خنين العائذي[4]، فلم نقع حتى تاريخ كتابة هذه السطور على مدونات لهم ، رغم أن ابن بشر أشار الى انه نقل منهم كلامه عن المردة ابناء مانع المريدي، حيث افاد ابن بشر انهم –أي ابن سلوم وابن خنين- يقولون ان المردة من بني حنيفة، ويبدو أن معارضتهم لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أسهمت في اختفاء ماكتبوه .
لاسيما أن ابن خنين كان يشنّع على آل سعود ويربط دعوتهم بدعوى مسيلمة الكذاب، مما جعل الرأي القائل بنسب آل سعود الى حنيفة يخمد الى وقت قريب، حتى جاء من دافع عن ابن خنين وهو الشيخ حمد الجاسر، حيث قال أن نسب آل سعود الى حنيفة لايتعارض مع كونهم من قبيلة عنزة الوائلية بمفهومها المعاصر.
ثم اصبح نسب آل سعود الى حنيفة محل ترويج واجتهاد من قبل المعاصرين بعد أن أيده الأمير سلمان بن عبد العزيز بمثل ماذكره الجاسر عن نسب آل سعود الى قبيلة عنزة التي شمل اسمها حنيفة. وأن نسب آل سعود العام هو عنزة على هذا الاعتبار.
خبر آخر عن مانع المريدي
لانستطيع أن نغفل معلومة تختلف عن المصادر السابقة لقصة مانع المريدي، وهو ما أورده راشد بن علي بن جريس الحنبلي صاحب كتاب (مثير الوجد في انساب ملوك نجد)[5]، وهو معاصر لابن بشر وابن لعبون والفاخري ، الا ان خبره عن مانع المريدي يختلف عن هولاء،فقد اشار الى اسم مانع بقوله:
"مانع بن المثيب،هو الذي بنى الدرعية والقطيف والحسا..ومن ذريته المنانعة في قطر"أهـ[6] ، والمنانعة هم اليوم قبيلة ينتشرأفرادها بين قطر والامارات والبحرين،وكثرتهم في قطر.
وقد ألف ابن جريس نبذته عن نسب آل سعود قبل سنة 1288هـ، ونسب مانع المريدي الى المثيب المنتهي نسبه في بني شيبان بن بكر بن وائل.ثم اكمل السلسلة الى آدم عليه السلام.
لكن خبر راشد بن جريس لم يشتهر مثل الخبر الاول والذي أظهرنا قائليه،وقد نقل خير الدين الزركلي[7]في كتابه الاعلام خبر ابن جريس كاملاً ، وأضاف: وكان -أي مانع المريدي- عمرانياً أبقى آثاراً في الأحساء والقطيف وقطرو عمان وهويعني مانع بن المثيب[8] ، وقد نقل الزركلي اضافته المذكورة من مقال نُشر في مجلة لغة العرب البغدادية سنة 1912م ، وكاتب المقال هو سليمان بن دخيل التميمي[9].
لكن معلومات ابن جريس ونبذته عن نسب آل سعود لم تلقى الاهتمام ، بل وجوبهت بهجوم كبير، ويعود عدم شهرة خبر ابن جريس عن مانع الى عدة عوامل،منها:
اولا –ان ابن جريس كان بمصر وليس في جزيرة العرب مثل ابن لعبون والفاخري وابن بشر، فلم يكن اتصال لابن جريس بأحد من هولاء .
ثانيا-الدعاية الواسعة من قبل المؤلفين المعاصرين الى مصادر ابن بشر وابن عيسى ، والمبالغة في تعظيم شأن مدوناتهم ، مع التقليل من شان أي مدون من خارج شبه الجزيرة العربية، على الرغم من ان راشد بن جريس ألف مدونته بأشراف احد امراء آل سعود انفسهم[10]. كما أنه من اهل نجد ولادةً ومنشأ، ومن حيث القدم فهو معاصر لجميع رواة خبر مانع وقصة وجوده بالقطيف وانتقاله الى الدرعية ، فلامعنى اذن لرد خبره ثم الاخذ بالمقابل خبر من يكافئه بالعدالة!
ثالثاً- أن نبذة ابن جريس جاءت بناء على طلب من ابن ثنيان ، وهوليس من فرع آل سعود الحاكم ، فاستسهل البعض مهاجمتها ومنهم محمد بن عمر العقيل الذي حقق نبذة ابن جريس ووصفه بالمختلق بشكل متعمد!
وعل كل حال يمكن أن نعتبر رواية راشد بن جريس عن مانع متكاملة – الى حد ما- مع روايات ابن بشر واللعبون ، فالتناقض بين الخبرين ليس كبيرا،فهو يتعلق بأصل مدينة الدرعية فقط .
ونحن سنقتصر في حديثنا عن خبر مانع كما ورد عن المؤلفين الثلاثة (اللعبون–الفاخري–ابن بشر)، مع عدم اغفال اهمية رواية راشد بن جريس ، لاسيما انها كانت احدى مقتنيات الملك عبد العزيز رحمه الله ، يقول امين الريحاني مؤلف كتاب(تاريخ نجد):
"أرسل لي السلطان-يقصد الملك عبد العزيز-بدل أسماء النواحي والبلدان نسخة من كتيب خطي عنوانه:مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد،تأليف راشدبن علي الحنبلي"أ.هـ[11]
نصوص المصادر المعتمدة التي ذكرت خبر مانع المريدي
1- قال حمد بن محمد بن لعبون الوائلي في الخبر عن مانع المريدي ضمن حديثه عن قبيلة عنزة(بني وائل):
"وأما آل وطبان وآل مقرن فإن جدهم الأعلى ربيعة بن مانع المريدي كان في بلد يقال لها الدرعية قريبة من القطيف تُسمى بأهلها ، ثم إنها استولى عليها الخراب فانتجع إلى قرابته آل درع أهل صياح ومعكال فأكرموه،وطلب منهم ناحية يستوطنها للغرس والزراعة فوهبوا له الناحية المسماة بالمليبيد موضع الدرعية اليوم باقي اسمها إلى الآن فاستوطنها ثم بنيه من بعده"أ.هـ
2- نص خبر عثمان بن بشر[12]عن سابقة في سنة 850هـ:
"وفيها–أي سنة 850هـ-قدم ربيعة بن مانع من بلدهم القديمة المسماة بالدرعية عند القطيف،قدم منها على ابن درع صاحب (حجر،والجزعة)المعروفين قرب الرياض،وكان من عشيرته،فأعطاه ابن درع(المليبيد،وغصيبة) المعروفين في الدرعية، فنزل في ذلك وعمّره،واتسع بالعمارة والغرس في نواحيها،وعمروها ذريته من بعده وجيرانهم ، وذُكر أن مانع المذكور كان مسكنه بلد الدروع من نواحي القطيف،ثم انه تراسل هو ورئيس دروع حجر اليمامة بنو عم دروع القطيف لما بينهم من المراحمة،فأستخرج مانعاً من القطيف، فاتاه في حجر،وأعطاه المليبيد وغصيبة المذكورين وهما من نواحي ملكهم،فاستقر فيها هو وبنوه،ومافوق غصيبة لآليزيد الحنيفيين الى دون الجبيلة،ومن الجبيلة الى (الأبكين)الى موضع حريملاء لحسن بن طوق جد آل معمر.ثم ان ولد لمانع المذكر ربيعة،وصار له له شهرة واتسع ملكه وحارب آل يزيد .ثم ظهر ابنه موسى،وصار أشهر من ابيه، واستولى على الملك في حياة والده،واحتال على قتل ابيه ربيعة،فجرحه جراحات كثيرة،وهرب الى حمد بن حسن بن طوق رئيس العيينة،فأجاره وأكرمه لأجل معروف سابق له عليه،ثم ان موسى سطا بالمزايدة،وجمع الموالفة على آل يزيد في النعمية والوصيل،وقتل منهم في ذلك الصباح ثمانون رجلاً ، وتشتتوا آل يزيد ولم يقم لهم قائمة"أ.هـويجدر بنا ان نقول انه يوجد لابن بشر نصان عن هذا الخبر ، الاول هو مانقلناه هنا، والثاني هو نص طويل عن المردة ، ذيّل به ابن بشر تاريخه في وقت لاحق، ويبدو أن سياق النص ليس لابن بشر ولذلك أوردنا نصه الاصلي.
3 – نص تاريخ الفاخري عن مانع المريدي لحوادث سنة 850هـ:
"في سنة 850هـ اشترى حسن بن طوق جد آل معمر العيينة من آل يزيد الحنيفيين ، أهل الوصيل والنعمية ، ومن ذريتهم آل دغيثر ورحل من ملهم ونزلها وعمرها،وتداولتها ذريته من بعده.وفيها قدم مانع بن ربيعة المريدي على ابن درع صاحب حجر والجزعة،من بلده القديمة وهي الدرعية التي عند القطيف،وهو من قبيلته،فأعطاه المليبيد وغصيبة المعروفة،فنزلها وعمرها،واتسعت العمارة فيها والغرس في نواحيها،وعمرتها ذريته من بعده وجيرانهم"أ.هـ
3- نص ابراهيم بن عيسى عن مانع المريدي:
"وفيها-أي سنة 850هـ-قدم مانع بن ربيعة المريدي من بلد الدروع،المعروفة بالدرعية،من نواحي القطيف،ومعه ولده ربيعة –على ابن درع رئيس الدروع–وكان بينهم مواصلة،لأن كلا منهم ينتسب الى حنيفة،فأعطاه ابن درع المليبيد وغصيبة، فعمر ذلك وذريته،وكان مافوق المليبيد وغصيبة لآل يزيد من بني حنيفة،وكان جميع الوصيل مما فوق سمحة،ومن الجبيلة الى الأبكين، الجبلين المعروفين،وموضع حريملاء لحسن بن طوق جد المعامرة من العناقر،من بني سعد بن زيد مناة بن تميم.ثم انه لما مات مانع المريدي تولى بعده ابنه ربيعة،وصار له شهرة،وكثرت جيرانه من الموالفة وغيرهم وحارب آل يزيد.ثم ظهر ابنه موسى وصار أشهر من ابيه في حياته،ثم انه احتال على قتل ابيه وجرحه جراحات،فأنفلت منه وقصد حمد بن حسن بن طوق،رئيس بلد العُيينة،فأكرمه وصار عنده.ثم ان موسى بن ربيعة المذكور جمع جموعا من المردة والموالفة وغيرهم، وصبح بهم آل يزيد،وقتل منهم أكثر من ثمانين رجلاً،وأستولى على منازلهم ودمرها،ولم يقم لهم بعد هذه الوقعة قائمة،وهي التي يضرب بها المثل في نجد:يقالصبحهم فلان صباح الموالفة لآل يزيد"أ.هـ[13]
ويجدر بنا ان ننبه القاريء الكريم ان ابن عيسى نقل نصه عن ابن بشر، ثم طلب منه الملك عبد العزيز رحمه الله ان يؤلف كتابأ عن تاريخ آل سعود، فكتب كتابا سماه بـ(عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر).
هذه اذن أهم الاخبار الورادة في الكتب او المراجع المعتبرة لقصة مانع المريدي ، وكما رأينا فهي محاولة القاء الضوء على بدء علاقة آل سعود المنتسبين الى مانع المريدي بمنطقة العارض.
تحليل خبر مانع المريدي
وقبل أن ندخل في تدقيق ونقد هذه الروايات ، يجدر بنا أن تحليل الخبر عن مانع المريدي وفق ماجاء عنه في المصادر والروايات السابقة،ونعني أن هذا الخبر التاريخي هو مركب من عدة أخبار نجملها كما يلي:
1- قدوم شخص اسمه مانع او ربيعة بن مانع المريدي من بلد اسمها الدرعية قرب القطيف، وانه قدم الى ابن درع في الحجر ( وابن درع هو شخص او قبيلة اسمها الدروع ) فأكرمه واقطعه ارضا قرب ارضه ، فسميت الدرعية نسبة للبلدة التي جاء منها. وأن ابن درع يمت بصلة بقرابة ما الى مانع او ربيعة المذكور.
2- أن هذا القدوم كان في عام 850هـ ، أي منتصف القرن التاسع الهجري. وهذا يعني ان مانعاً من اهل القطيف بالأصل ، وان هناك بلدة اسمها الدرعية قرب القطيف او من احيائها .
3- أن بني مانع او بني ربيعة توارثوا البلدة المُعطاة لهم،وغرسوها، وعمروها مع جيرانهم، ومن هولاء الجيران قبيلة باسم الموالفة.
4- أن هناك قبيلة مجاورة للمردة وابن درع،وهي آل يزيد من بني حنيفة في الوصيل،واخرى للمعامرة برئاسة حسن بن معمر في العيينة،وتزامنت هاتين القبيلتين مع ظهور المردة في المنطقة .
5- قيام موسى بن ربيعة بن مانع بمحاولة قتل ابوه ربيعة،والتجاء الاخير الى حمد(او محمد)بن حسن المعمر، وان ابن معمر ادخل ربيعة في حمايته لمعروف سابق لربيعة عليه .
6- ايضاً قيام موسى بن ربيعة بحرب آل يزيد من بني حنيفة،وتشتيت شملهم،وانه صباحهم ذلك اليوم اصبح مثلا شائعا في نجد .
الملاحظات التاريخية
هذه باختصار مجمل الاخبار الواردة عن مانع المريدي،وسنتعرض الآن الى ذكر الملاحظات على هذا الخبر وماتفرع منه.
اولاً-تتفق هذه المصادر على قدوم شخص لقبه المريدي من القطيف في شرق جزيرة العرب الى وادي حنيفة في العارض،لكن تختلف على اسمه: فهو مانع على قول(ابن بشر)، أو ربيعة بن مانع (ابن لعبون)، او مانع بن ربيعة(الفاخري، ابن عيسى)، غير ان ابن بشر الذي يبدو انه لاحظ التناقض فذكر ان مراسلات جرت بيت ابن درع ومانع، ولكن الذي هاجر هو ابنه ربيعة بن مانع .
ثانياً–أن هناك قرابة معينة بين ابن درع،وبين مانع المريدي، وواضح أن كل من المؤرخين حاول تفسير هذه القرابة ، فقال ابن بشر ان بينهم مراحمة اولا، وهذا يدل علاقة مصاهرة،ولكنه عاد فذكر ان مانع من عشيرة ابن درع، والفاخري يقول انه من قبيلته، في حين ان كلا من ابن بشر والفاخري لم يذكروا القبيلة،ذكر ابن عيسى بقوله ان كلا منهم من بني حنيفة .
ثالثاً-المصادر ناقلة من بعضها البعض كما هو واضح، لكنهم صاغوا الخبر بترتيب واسلوب مختلف فقط، وربما اضاف بعضهم اجتهادات من كيسه[14]، وربما هناك مصدر نقل الجميع منه ، لكنه بالنهاية مصدر واحد، ابن لعبون والفاخري وابن بشر متعاصرين، وربما ادرك ابن عيسى ابن بشر،فهم متعاصرين فيما بينهم،والفاخري تميز بجعل سنة 850هـ مبتدأ عائلة حسن آل معمر ايضاً،ولم يذكر حادثة سطوة موسى بن ربيعة بن مانع على آل يزيد، بل خبره يدل بوضوح أن آل يزيد لم يغادروا المنطقة مطرودين بل باعوا ارضهم بيعاً الى ابن معمر.
رابعاً-لم يذكر هذا الخبر في مصادر قديمة او مدونات لعدد من مثقفي المنطقة ، رغم وجود مدونين للأحداث الهامة في نجد بين القبائل،وابرز هولاء المدونين أحمد بن محمد بن بسام ، وأحمد المنقور(ت 1125هـ)من اهل العيينة ، ومحمدبن ربيعة الدوسري،فضلا عن استغرابنا لتجاهل المؤرخ حسين بن غنام(مؤرخ الدولة السعودية والمعاصر لبدايتها) لخبر مانع المذكور[15].
خامساً-وخامس الملاحظات التاريخية على هذا الخبر انه لم يعطي الصفة او على الاقل الظروف التي قدم بها مانع من الدرعية القديمة الى الدرعية الجديدة،فهل جاء مستوطناً بشكل عادي بعد جفت آبار منقطته، فأراد ان يذهب لاقربائه ليعطوه ارضا وزرعا لابنائه؟ أم أنه جاء للمنطقة حاكماً؟ وعندما كان في القطيف هل كان من جملة سكانها ام له صفة اخرى؟
سادساً-ليس هناك نص صريح في نسب مانع الا عند ابن لعبون، واعني القبيلة الكبرى التي ينتمي لها، حيث صرح ابن لعبون ان مانع من بني وائل الذين هم عنزة القبيلة وان جاء تصريحه هذا ضمنياً،اما ابن بشر فبعد انقضاء الخبر في الجزء الأول من تاريخه أشار بصيغة تمريض الى أن المردة من بني حنيفة على قول ابن خنين وابن سلوم والله أعلم ! ولكنه تراجع فيما يبدو عن هذا القول في الجزء الثاني واكتفى بأن مانع هو مانع المريدي من ربيعة بن نزار! وهذا ايضا جاء بالضمن.
لكن ابن عيس الذي جاء بعده قطع بحنفية المردة فأوردها ضمن خبر مانع المذكور سنة 850هـ، واشارة ابن بشر الى قول راشد بن خنين وابن سلوم تدل انهم ايضاً تناولوا الحديث عن مانع المريدي، وأنهم هم القائلين بانه من بني حنيفة.
مانع المريدي الجد الاعلى لقبيلة المردة،الذين هم -وفق الشائع– اسلاف اسرة آل سعود، فنسب هولاء مرتبط بمانع هذا، ويهمنا في هذا المقال القاء الضوء عن الخبر الشائع في المصادر المعاصرة عن مانع المريدي،ونعني على وجه التحديد ذلك السيناريو المرسوم عن هذا الجد في المصادر التي اعتنت بتاريخ ائمة آل سعود الكرام.
يفيد الخبر بقدوم الجدل الاعلى مانع سنة 850هـ من بلدة اسمها الدرعية بالقطيف ، ونزوله على ابن درع في الذي هو قريب له بقرابة ما ، وان ابن درع اعطاه المليبيد والغصيبة على ضفاف وادي حنيفة،فعمرها مانع وبنوه من بعده،وسُميت الدرعية بناء اسم المدينة التي قدم منها مانع قرب القطيف .
ثم يُذكر أن حرب وقعت بين ابناء مانع –او بقيادة مانع نفسه- مع آل يزيد والموالفة المنسوبين الى بني حنيفة،وان مانع او ابنائه سطو عليهم وفرقوا شملهم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك،وظل بني مانع المذكور متحكمين في الدرعية وماحولها ، حتى ظهر منهم محمد بن سعود المنتهي نسبه بمانع ، وفي عهد محمد هذا قامت الدولة السعودية فيما هو معروف في التاريخ . هكذا هي الرواية.
هذا الخبر عن مانع يفيدكما هو واضح عن آل سعود وبداية علاقتهم بالدرعية ، قبل اشتهار امرهم اثر تبنيهم الدعوة الاصلاحية منتصف القرن الثاني عشر الهجري.
ونظرا لأني كتب مبحثاً عن نسب آل سعود الكرام،فأن الكثير ممن ناقشتهم يبتديْ بذكر خبر مانع المشار اليه كبداية لحديثه ، فبقول ان مانعا كان في القطيف ، ثم يكمل بقية القصة الى آخرها كما وردت.
ولذلك قررت كتابة تحليل نقدي لهذا القصة ، لكون الخبر عن مانع هو جملة اخبار وليس خبرا واحدا، وقبل هذا يحسن بنا ان نحاول ان نتتبع المصدر الاصلي صاحب خبر مانع المريدي .
مصادر الخبر عن قدوم مانع المريدي او ابنه ربيعة من القطيف الى العارض
كل من ذكر الخبر عن مانع المريدي هم مؤلفين معاصرين لبعضهم ، وكلهم من اصحاب القرن الثالث عشر الهجري ، باستثناء مؤلف واحد جاء بعدهم فهو من القرن الرابع عشر الهجري ، وقد وجدت أن الذين تناولوا هذه الرواية هم الآتية اسمائهم :
1- حمد بن محمد بن لعبون العنزي الوائلي[1]، المتوفي بعد سنة 1255هـ ، في كتاب تاريخ ابن لعبون(مخطوط)
2- محمد بن عمر الفاخري المتوفي سنة 1277هـ ، وهو رجل من طلبة العلم من اهل اشيقر،تم جمع بعض ماكتب عن تاريخ منطقته وطباعته تحت اسم تاريخ الفاخري[2].
3- عثمان بن عبد الله بن بشر المتوفى سنة 1288هـ ، في كتاب(عنوان المجد في تاريخ نجد) .
4- ابراهيم بن صالح بن عيسى المتوفى سنة 1343هـ ، في كتاب(تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد).
وابن عيسى هو المقصود من الاستثناء ، ولعلمي ان كل من تحدث عن مانع بكتاب بعد هولاء ليس الا ناقل عن احدهم ، الا اننا فضلنا وضع ابن عيسى مع اصحاب المصادر المستقلة ، رغم انه ناقل ممن سبقه،فقد لاحظت ان ابن عيسى عدّل في خبره عن مانع التعديل الذي لم نجده عند غيره،فاضاف معلومة عن مانع لم توجد عند السابقين (اللعبون-الفاخري-ابن بشر)، ولذا عددته مصدرا ليتم مناقشته .
ولانستطيع أن نغفل ذكر اثنين من علماء الدين في فترة الدولة السعودية الاولى، وهم :محمد بن علي ابن سلوم[3]، وراشد بن خنين العائذي[4]، فلم نقع حتى تاريخ كتابة هذه السطور على مدونات لهم ، رغم أن ابن بشر أشار الى انه نقل منهم كلامه عن المردة ابناء مانع المريدي، حيث افاد ابن بشر انهم –أي ابن سلوم وابن خنين- يقولون ان المردة من بني حنيفة، ويبدو أن معارضتهم لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أسهمت في اختفاء ماكتبوه .
لاسيما أن ابن خنين كان يشنّع على آل سعود ويربط دعوتهم بدعوى مسيلمة الكذاب، مما جعل الرأي القائل بنسب آل سعود الى حنيفة يخمد الى وقت قريب، حتى جاء من دافع عن ابن خنين وهو الشيخ حمد الجاسر، حيث قال أن نسب آل سعود الى حنيفة لايتعارض مع كونهم من قبيلة عنزة الوائلية بمفهومها المعاصر.
ثم اصبح نسب آل سعود الى حنيفة محل ترويج واجتهاد من قبل المعاصرين بعد أن أيده الأمير سلمان بن عبد العزيز بمثل ماذكره الجاسر عن نسب آل سعود الى قبيلة عنزة التي شمل اسمها حنيفة. وأن نسب آل سعود العام هو عنزة على هذا الاعتبار.
خبر آخر عن مانع المريدي
لانستطيع أن نغفل معلومة تختلف عن المصادر السابقة لقصة مانع المريدي، وهو ما أورده راشد بن علي بن جريس الحنبلي صاحب كتاب (مثير الوجد في انساب ملوك نجد)[5]، وهو معاصر لابن بشر وابن لعبون والفاخري ، الا ان خبره عن مانع المريدي يختلف عن هولاء،فقد اشار الى اسم مانع بقوله:
"مانع بن المثيب،هو الذي بنى الدرعية والقطيف والحسا..ومن ذريته المنانعة في قطر"أهـ[6] ، والمنانعة هم اليوم قبيلة ينتشرأفرادها بين قطر والامارات والبحرين،وكثرتهم في قطر.
وقد ألف ابن جريس نبذته عن نسب آل سعود قبل سنة 1288هـ، ونسب مانع المريدي الى المثيب المنتهي نسبه في بني شيبان بن بكر بن وائل.ثم اكمل السلسلة الى آدم عليه السلام.
لكن خبر راشد بن جريس لم يشتهر مثل الخبر الاول والذي أظهرنا قائليه،وقد نقل خير الدين الزركلي[7]في كتابه الاعلام خبر ابن جريس كاملاً ، وأضاف: وكان -أي مانع المريدي- عمرانياً أبقى آثاراً في الأحساء والقطيف وقطرو عمان وهويعني مانع بن المثيب[8] ، وقد نقل الزركلي اضافته المذكورة من مقال نُشر في مجلة لغة العرب البغدادية سنة 1912م ، وكاتب المقال هو سليمان بن دخيل التميمي[9].
لكن معلومات ابن جريس ونبذته عن نسب آل سعود لم تلقى الاهتمام ، بل وجوبهت بهجوم كبير، ويعود عدم شهرة خبر ابن جريس عن مانع الى عدة عوامل،منها:
اولا –ان ابن جريس كان بمصر وليس في جزيرة العرب مثل ابن لعبون والفاخري وابن بشر، فلم يكن اتصال لابن جريس بأحد من هولاء .
ثانيا-الدعاية الواسعة من قبل المؤلفين المعاصرين الى مصادر ابن بشر وابن عيسى ، والمبالغة في تعظيم شأن مدوناتهم ، مع التقليل من شان أي مدون من خارج شبه الجزيرة العربية، على الرغم من ان راشد بن جريس ألف مدونته بأشراف احد امراء آل سعود انفسهم[10]. كما أنه من اهل نجد ولادةً ومنشأ، ومن حيث القدم فهو معاصر لجميع رواة خبر مانع وقصة وجوده بالقطيف وانتقاله الى الدرعية ، فلامعنى اذن لرد خبره ثم الاخذ بالمقابل خبر من يكافئه بالعدالة!
ثالثاً- أن نبذة ابن جريس جاءت بناء على طلب من ابن ثنيان ، وهوليس من فرع آل سعود الحاكم ، فاستسهل البعض مهاجمتها ومنهم محمد بن عمر العقيل الذي حقق نبذة ابن جريس ووصفه بالمختلق بشكل متعمد!
وعل كل حال يمكن أن نعتبر رواية راشد بن جريس عن مانع متكاملة – الى حد ما- مع روايات ابن بشر واللعبون ، فالتناقض بين الخبرين ليس كبيرا،فهو يتعلق بأصل مدينة الدرعية فقط .
ونحن سنقتصر في حديثنا عن خبر مانع كما ورد عن المؤلفين الثلاثة (اللعبون–الفاخري–ابن بشر)، مع عدم اغفال اهمية رواية راشد بن جريس ، لاسيما انها كانت احدى مقتنيات الملك عبد العزيز رحمه الله ، يقول امين الريحاني مؤلف كتاب(تاريخ نجد):
"أرسل لي السلطان-يقصد الملك عبد العزيز-بدل أسماء النواحي والبلدان نسخة من كتيب خطي عنوانه:مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد،تأليف راشدبن علي الحنبلي"أ.هـ[11]
نصوص المصادر المعتمدة التي ذكرت خبر مانع المريدي
1- قال حمد بن محمد بن لعبون الوائلي في الخبر عن مانع المريدي ضمن حديثه عن قبيلة عنزة(بني وائل):
"وأما آل وطبان وآل مقرن فإن جدهم الأعلى ربيعة بن مانع المريدي كان في بلد يقال لها الدرعية قريبة من القطيف تُسمى بأهلها ، ثم إنها استولى عليها الخراب فانتجع إلى قرابته آل درع أهل صياح ومعكال فأكرموه،وطلب منهم ناحية يستوطنها للغرس والزراعة فوهبوا له الناحية المسماة بالمليبيد موضع الدرعية اليوم باقي اسمها إلى الآن فاستوطنها ثم بنيه من بعده"أ.هـ
2- نص خبر عثمان بن بشر[12]عن سابقة في سنة 850هـ:
"وفيها–أي سنة 850هـ-قدم ربيعة بن مانع من بلدهم القديمة المسماة بالدرعية عند القطيف،قدم منها على ابن درع صاحب (حجر،والجزعة)المعروفين قرب الرياض،وكان من عشيرته،فأعطاه ابن درع(المليبيد،وغصيبة) المعروفين في الدرعية، فنزل في ذلك وعمّره،واتسع بالعمارة والغرس في نواحيها،وعمروها ذريته من بعده وجيرانهم ، وذُكر أن مانع المذكور كان مسكنه بلد الدروع من نواحي القطيف،ثم انه تراسل هو ورئيس دروع حجر اليمامة بنو عم دروع القطيف لما بينهم من المراحمة،فأستخرج مانعاً من القطيف، فاتاه في حجر،وأعطاه المليبيد وغصيبة المذكورين وهما من نواحي ملكهم،فاستقر فيها هو وبنوه،ومافوق غصيبة لآليزيد الحنيفيين الى دون الجبيلة،ومن الجبيلة الى (الأبكين)الى موضع حريملاء لحسن بن طوق جد آل معمر.ثم ان ولد لمانع المذكر ربيعة،وصار له له شهرة واتسع ملكه وحارب آل يزيد .ثم ظهر ابنه موسى،وصار أشهر من ابيه، واستولى على الملك في حياة والده،واحتال على قتل ابيه ربيعة،فجرحه جراحات كثيرة،وهرب الى حمد بن حسن بن طوق رئيس العيينة،فأجاره وأكرمه لأجل معروف سابق له عليه،ثم ان موسى سطا بالمزايدة،وجمع الموالفة على آل يزيد في النعمية والوصيل،وقتل منهم في ذلك الصباح ثمانون رجلاً ، وتشتتوا آل يزيد ولم يقم لهم قائمة"أ.هـويجدر بنا ان نقول انه يوجد لابن بشر نصان عن هذا الخبر ، الاول هو مانقلناه هنا، والثاني هو نص طويل عن المردة ، ذيّل به ابن بشر تاريخه في وقت لاحق، ويبدو أن سياق النص ليس لابن بشر ولذلك أوردنا نصه الاصلي.
3 – نص تاريخ الفاخري عن مانع المريدي لحوادث سنة 850هـ:
"في سنة 850هـ اشترى حسن بن طوق جد آل معمر العيينة من آل يزيد الحنيفيين ، أهل الوصيل والنعمية ، ومن ذريتهم آل دغيثر ورحل من ملهم ونزلها وعمرها،وتداولتها ذريته من بعده.وفيها قدم مانع بن ربيعة المريدي على ابن درع صاحب حجر والجزعة،من بلده القديمة وهي الدرعية التي عند القطيف،وهو من قبيلته،فأعطاه المليبيد وغصيبة المعروفة،فنزلها وعمرها،واتسعت العمارة فيها والغرس في نواحيها،وعمرتها ذريته من بعده وجيرانهم"أ.هـ
3- نص ابراهيم بن عيسى عن مانع المريدي:
"وفيها-أي سنة 850هـ-قدم مانع بن ربيعة المريدي من بلد الدروع،المعروفة بالدرعية،من نواحي القطيف،ومعه ولده ربيعة –على ابن درع رئيس الدروع–وكان بينهم مواصلة،لأن كلا منهم ينتسب الى حنيفة،فأعطاه ابن درع المليبيد وغصيبة، فعمر ذلك وذريته،وكان مافوق المليبيد وغصيبة لآل يزيد من بني حنيفة،وكان جميع الوصيل مما فوق سمحة،ومن الجبيلة الى الأبكين، الجبلين المعروفين،وموضع حريملاء لحسن بن طوق جد المعامرة من العناقر،من بني سعد بن زيد مناة بن تميم.ثم انه لما مات مانع المريدي تولى بعده ابنه ربيعة،وصار له شهرة،وكثرت جيرانه من الموالفة وغيرهم وحارب آل يزيد.ثم ظهر ابنه موسى وصار أشهر من ابيه في حياته،ثم انه احتال على قتل ابيه وجرحه جراحات،فأنفلت منه وقصد حمد بن حسن بن طوق،رئيس بلد العُيينة،فأكرمه وصار عنده.ثم ان موسى بن ربيعة المذكور جمع جموعا من المردة والموالفة وغيرهم، وصبح بهم آل يزيد،وقتل منهم أكثر من ثمانين رجلاً،وأستولى على منازلهم ودمرها،ولم يقم لهم بعد هذه الوقعة قائمة،وهي التي يضرب بها المثل في نجد:يقالصبحهم فلان صباح الموالفة لآل يزيد"أ.هـ[13]
ويجدر بنا ان ننبه القاريء الكريم ان ابن عيسى نقل نصه عن ابن بشر، ثم طلب منه الملك عبد العزيز رحمه الله ان يؤلف كتابأ عن تاريخ آل سعود، فكتب كتابا سماه بـ(عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر).
هذه اذن أهم الاخبار الورادة في الكتب او المراجع المعتبرة لقصة مانع المريدي ، وكما رأينا فهي محاولة القاء الضوء على بدء علاقة آل سعود المنتسبين الى مانع المريدي بمنطقة العارض.
تحليل خبر مانع المريدي
وقبل أن ندخل في تدقيق ونقد هذه الروايات ، يجدر بنا أن تحليل الخبر عن مانع المريدي وفق ماجاء عنه في المصادر والروايات السابقة،ونعني أن هذا الخبر التاريخي هو مركب من عدة أخبار نجملها كما يلي:
1- قدوم شخص اسمه مانع او ربيعة بن مانع المريدي من بلد اسمها الدرعية قرب القطيف، وانه قدم الى ابن درع في الحجر ( وابن درع هو شخص او قبيلة اسمها الدروع ) فأكرمه واقطعه ارضا قرب ارضه ، فسميت الدرعية نسبة للبلدة التي جاء منها. وأن ابن درع يمت بصلة بقرابة ما الى مانع او ربيعة المذكور.
2- أن هذا القدوم كان في عام 850هـ ، أي منتصف القرن التاسع الهجري. وهذا يعني ان مانعاً من اهل القطيف بالأصل ، وان هناك بلدة اسمها الدرعية قرب القطيف او من احيائها .
3- أن بني مانع او بني ربيعة توارثوا البلدة المُعطاة لهم،وغرسوها، وعمروها مع جيرانهم، ومن هولاء الجيران قبيلة باسم الموالفة.
4- أن هناك قبيلة مجاورة للمردة وابن درع،وهي آل يزيد من بني حنيفة في الوصيل،واخرى للمعامرة برئاسة حسن بن معمر في العيينة،وتزامنت هاتين القبيلتين مع ظهور المردة في المنطقة .
5- قيام موسى بن ربيعة بن مانع بمحاولة قتل ابوه ربيعة،والتجاء الاخير الى حمد(او محمد)بن حسن المعمر، وان ابن معمر ادخل ربيعة في حمايته لمعروف سابق لربيعة عليه .
6- ايضاً قيام موسى بن ربيعة بحرب آل يزيد من بني حنيفة،وتشتيت شملهم،وانه صباحهم ذلك اليوم اصبح مثلا شائعا في نجد .
الملاحظات التاريخية
هذه باختصار مجمل الاخبار الواردة عن مانع المريدي،وسنتعرض الآن الى ذكر الملاحظات على هذا الخبر وماتفرع منه.
اولاً-تتفق هذه المصادر على قدوم شخص لقبه المريدي من القطيف في شرق جزيرة العرب الى وادي حنيفة في العارض،لكن تختلف على اسمه: فهو مانع على قول(ابن بشر)، أو ربيعة بن مانع (ابن لعبون)، او مانع بن ربيعة(الفاخري، ابن عيسى)، غير ان ابن بشر الذي يبدو انه لاحظ التناقض فذكر ان مراسلات جرت بيت ابن درع ومانع، ولكن الذي هاجر هو ابنه ربيعة بن مانع .
ثانياً–أن هناك قرابة معينة بين ابن درع،وبين مانع المريدي، وواضح أن كل من المؤرخين حاول تفسير هذه القرابة ، فقال ابن بشر ان بينهم مراحمة اولا، وهذا يدل علاقة مصاهرة،ولكنه عاد فذكر ان مانع من عشيرة ابن درع، والفاخري يقول انه من قبيلته، في حين ان كلا من ابن بشر والفاخري لم يذكروا القبيلة،ذكر ابن عيسى بقوله ان كلا منهم من بني حنيفة .
ثالثاً-المصادر ناقلة من بعضها البعض كما هو واضح، لكنهم صاغوا الخبر بترتيب واسلوب مختلف فقط، وربما اضاف بعضهم اجتهادات من كيسه[14]، وربما هناك مصدر نقل الجميع منه ، لكنه بالنهاية مصدر واحد، ابن لعبون والفاخري وابن بشر متعاصرين، وربما ادرك ابن عيسى ابن بشر،فهم متعاصرين فيما بينهم،والفاخري تميز بجعل سنة 850هـ مبتدأ عائلة حسن آل معمر ايضاً،ولم يذكر حادثة سطوة موسى بن ربيعة بن مانع على آل يزيد، بل خبره يدل بوضوح أن آل يزيد لم يغادروا المنطقة مطرودين بل باعوا ارضهم بيعاً الى ابن معمر.
رابعاً-لم يذكر هذا الخبر في مصادر قديمة او مدونات لعدد من مثقفي المنطقة ، رغم وجود مدونين للأحداث الهامة في نجد بين القبائل،وابرز هولاء المدونين أحمد بن محمد بن بسام ، وأحمد المنقور(ت 1125هـ)من اهل العيينة ، ومحمدبن ربيعة الدوسري،فضلا عن استغرابنا لتجاهل المؤرخ حسين بن غنام(مؤرخ الدولة السعودية والمعاصر لبدايتها) لخبر مانع المذكور[15].
خامساً-وخامس الملاحظات التاريخية على هذا الخبر انه لم يعطي الصفة او على الاقل الظروف التي قدم بها مانع من الدرعية القديمة الى الدرعية الجديدة،فهل جاء مستوطناً بشكل عادي بعد جفت آبار منقطته، فأراد ان يذهب لاقربائه ليعطوه ارضا وزرعا لابنائه؟ أم أنه جاء للمنطقة حاكماً؟ وعندما كان في القطيف هل كان من جملة سكانها ام له صفة اخرى؟
سادساً-ليس هناك نص صريح في نسب مانع الا عند ابن لعبون، واعني القبيلة الكبرى التي ينتمي لها، حيث صرح ابن لعبون ان مانع من بني وائل الذين هم عنزة القبيلة وان جاء تصريحه هذا ضمنياً،اما ابن بشر فبعد انقضاء الخبر في الجزء الأول من تاريخه أشار بصيغة تمريض الى أن المردة من بني حنيفة على قول ابن خنين وابن سلوم والله أعلم ! ولكنه تراجع فيما يبدو عن هذا القول في الجزء الثاني واكتفى بأن مانع هو مانع المريدي من ربيعة بن نزار! وهذا ايضا جاء بالضمن.
لكن ابن عيس الذي جاء بعده قطع بحنفية المردة فأوردها ضمن خبر مانع المذكور سنة 850هـ، واشارة ابن بشر الى قول راشد بن خنين وابن سلوم تدل انهم ايضاً تناولوا الحديث عن مانع المريدي، وأنهم هم القائلين بانه من بني حنيفة.