الجشعمي
09-01-2011, 05:41 PM
ملوك الحيرة
أول ملوك الحيرة
مالك بن فهم بن غنم بن دوس من الأزد :
كان خرج من اليمن مع عمرو بن عامر مزيقياء حين أحسوا بسيل العرم، فلما صارت الأزد إلى مكة وغلبوا جرهم على ولاية البيت أقاموا زماناً ثم خرجوا إلى خزاعة، فإنها أقامت على ولاية البيت فصار مالك بن فهم إلى العراق، فأقام مالكاً على العراق عشرين سنة ثم هلك.
جذيمة بن مالك الأبرش
وملك بعده ابنه جذيمة، وكان يقال له: الأبرش والوضاح لبرص كان به، وكان ينزل الأنبار ويأتي الحيرة ثم يرجع، وكان لا ينادم أحداً ذهاباً بنفسه وينادم الفرقدين، فإذا شرب قدحاً صب لهذا قدحاً ولهذا قدحاً وهو أول من عمل المنجنيق وأول من حذيت له النعال، وأول من رفع له الشمع. وكانت له أخت يقال لها: أم عمرو، وكان أخص خدمه به وأقربهم منه فتى من لخم يقال له: عدي بن نصر بن ربيعة اللخمي، ويقال: إن نصراً أباه هو نصر بن الساطرون ملك السريانيين صاحب الحصن، وهو جرمقاني من أهل الموصل من رستاق يدعى باجرمي، وكان جبير بن مطعم يذكر أنه من بني قنص بن معد بن عدنان وأنه زوج عدي بن نصر أخته أم عمرو وهو سكران وأدخله عليها فوطئها، فلما صحا ندم على ذلك وأمر بعدي فضربت عنقه، وحملت أخته بعمرو بن عدي فأحبه وعطف عليه، وأن الجن قد استهوته فعظم فقده عليه وجعل لمن أتاه به حكمه، فرده إليه بعد زمان مالك وعقيل واحتكما منادمته، فيقال: إنهما نادماه أربعين سنة وحدثاه فما أعادا عليه، فلما رداه طوقته أمه بطوق، فلما رأى خاله الطوق واللحية قال: شب عمرو عن الطوق، فذهبت مثلاً. وخطب جذيمة الزباء وكانت بنت ملك الجزيرة وملكت بعد زوجها فأجابته، فأقبل إليها فلما دخل عليها قتلته فطلب عمرو ابن أخته وقصير غلامه بثأره فقتلاها وخلفا في بلدها رجلاً ورجعا بالغنائم، فذلك أول سبي قسم في العرب من غنائم الروم، وكان ملك جذيمة ستين سنة.
عمرو بن عدي
وملك بعده عمرو بن عدي ابن أخته فعظمته الملوك وهابته لما كان من حيلته في الطلب بثأر خاله، حتى أدركه وكان ملكه نيفاً وستين سنة.
امرؤ القيس
وملك امرؤ القيس بن عمرو بن عدي، ويقال: بل ملك الحرث بن عمرو بن عدي. ويقال: إنه هو الذي يدعى محرقاً، وفيهم يقول الشاعر الأسود ابن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد أياد.
أرض الخورنق والسدير وبارق * والقصر ذي الشرفات من سنداد.
النعمان بن امرئ القيس
ثم ملك بعده النعمان بن امرئ القيس وكان أعور، هو الذي بني الخورنق وهو النعمان الأكبر. ويقال: أنوشروان بن قباذ هو الذي ملكه وأشرف يوماً على الخورنق فنظر إلى ما حوله فقال أكل ما أرى إلى فناه وزوال، قالوا: نعم. قال: فأي خير فيما يفنى لأطلبن عيشاً لا يزول، فانخلع من ملكه ولبس المسوح وساح في الأرض وهو الذي ذكره عدي بن زيد فقال:
وتدبر رب الخورنق إذ * أشرف يوماً وللهدى تفكير.
سره ماله وكثرة ما يمل * لك والبحر معرضاً والسدير.
فارعوى قلبه وقال فما غب * طة حي إلى الممات يصير.
المنذر بن امرئ القيس
وملك أنوشروان بعده المنذر بن امرئ القيس أخاه وكانت أم المنذر من النمر بن قاسط يقال لها ماء السماء لجمالها وحسنها وأبوها عوف بن جشم.
فأما ماء السماء من الأزد فهو عامر أبو عمرو بن عامر الخارج من المن وسمي عامر ماء السماء لأنه كان إذا قحط القطر أحتبى فأقام ماله مقام القطر فسمي ماء السماء إذ أقام ماله مقامه، وقيل لابنه عمرو مزيقياء لأنه كان يمزق كل يوم حليتن يلبسهما ويكره أن يعود فيهما ويأنف أن يلبسهما غيره. قال: وذكرت هذا في هذا الموضع ليفرق بين ماء السماء الذي هو امرأة وماء السماء الذي هو رجل، وكانت تحت المنذر بن امرئ القيس.
هند بنت الحرث بن عمرو الكندي آكل المرار
وهي التي يقول فيها القائل: يا ليت هنداً ولدت ثلاثة. وولدت هند ثلاثة متتابعين: عمرو بن هند مضرط الحجارة، وقابوساً قينة العرس، وكان فيه لين، والمنذر بن المنذر. ولم يزل المنذر بن امرئ القيس على الحيرة إلى أن غزا الحرث بن أبي شمر الغساني وهو الحرث الأعرج فقتله الحرث الأعرج بالحيار.
المنذر بن المنذر
بن امرئ القيس
ثم ملك ابنه المنذر بعده وخرج يطلب دم أبيه فقتله الحرث أيضاً بعين أباغ، وقد سمعت أيضاً من يذكر أن قاتله مرة بن كلثوم التغلبي أخو عمرو بن كلثوم.
عمرو بن هند
ثم ملك عمرو بن هند مضرط الحجارة سمي بذلك لشدة وطأته وصرامته، وهو محرق أيضاً سمي بذلك لأنه أحرق ثمانية وتسعين رجلاً من بني دارم بالنار وكملهم مائة برجل من البراجم وبمرأة نهشلية ولهذا قيل. إن الشقي وافد البراجم. وكان رجلاً منهم قتل ابناً له خطأ وهو صاحب طرفة والمتلمس، وكان كتب لهما إلى عامله بالبحرين كتاباً أوهمهما أنه أمر لهما فيه بصلة، وكتب إليه يأمره بقتلهما.
فأما المتلمس فإنه دفع صحيفته إلى رجل من أهل الحيرة فقرأها فلما عرف ما فيها نبذها في نهر بقرب الحيرة ورجع فقيل: صحيفة المتلمس.
وأما طرفة فمضى بصحيفته حتى أوصلها إلى العامل فقتله، وقد ذكرت قصتهما في كتاب الشعراء بطولها وكمالها.
النعمان بن المنذر
ثم ملك بعده النعمان بن المنذر بن امرئ القيس، وكان يكنى أبا قابوس وهو صاحب النابغة الذبياني وصاحب الغرايين وهما طربالان يغريهما بدم من يقتله إذا ركب يوم بؤسه، وكان له يومان: يوم بؤس ويوم نعيم.
وقتل عبيد بن الأبرص الشاعر يوم بؤسه، وكان أتاه يمتدحه ولم يعلم أنه يوم بؤسه، وهو قاتل عدي بن زيد العبادي الشاعر، وكان عدي ترجمان أبرويز وكاتبه بالعربية، وهو وصف له النعمان وأشار عليه بتوليته واحتال في ذلك حتى ولاه من بين أخوته، وكان أذمهم وأقبحهم، ثم اتهمه النعمان فاحتال عليه حتى صار في يده فحبسه.
وكان عدي يقول الشعر في الحبس ثم قتله وتوصل ابنه زيد بن عدي إلى أبرويز بالجمال محل أبيه، فذكر زيد بن عدي لأبرويز نساء المنذر ووصفهن بالجمال والأدب، فكتب أبرويز يخطب إلى النعمان أخته أو ابنته، فلما قرأ النعمان الكتاب قال: وما يصنع الملك بنسائنا? وأين هو عن مهاء السواد. والمهاء البقر! يريد أين هو عن نساء السواد اللواتي كأنهن المهاء والعرب تشبه النساء بالمهاء? فحرف زيد القول عنده وقال: أين هو عن البقر لا ينكحهن? فطلب أبرويز النعمان فهرب النعمان منه حيناً، ثم بدا له أن يأتيه فأتاه بالمدائن فصف له أبرويز ثمانية آلاف جارية صفين، فلما صار بينهن قلن له: أما للملك فينا غناء عن بقر السواد? فعلم النعمان أنه غير ناج منه، فأمر به كسرى فحبسه بساباط ثم ألقي تحت أرجل الفيلة فوطأته حتى مات. قال الأعشى يذكر أبرويز:
هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه * نحور الفيول بعد بيت مسردق.
إياس بن قبيصة
ثم خرج الملك عن آل المنذر وولى كسرى إياس بن قبيصة الطائي ثمانية أشهر، واضطرب أمر كسرى وشغلوا، وجاء الله بالإسلام، ومات إياس بن قبيصة بعين التمر، وفيه يقول زيد الخيل:
فإن يك رب العين خلى مكانه * فكل نعيم لا محالة زائل.
الردافة
قال: ولم يكن في العرب أكثر غارة على ملوك الحيرة من بني يربوع من تميم، فصالحوهم على أن يجعلوا لهم الردافة ويكفوا عن أهل العراق الغارة، وكانت الردافة أن يجلس الملك ويجلس الردف عن يمينه، فإذا شرب الملك شرب الردف قبل الناس وإذا غزا الملك جلس الردف في موضعه، وكان خليفته على الناس حتى ينصرف وإذا غارت كتيبة أخذ الردف المرباع وكان جرير يذكر ذلك وهو من بني يربوع ويقول:
ربعنا ورادفنا الملوك وظللوا * وطاب الأحاليب الثمام المنزعا.
وكان أول من ردف منهم عتاب بن هرمى بن رباح اليربوعي ثم ابنه عوف بن عتاب ثم ابنه يزيد بن عوف على عهد المنذر بن ماء السماء، فبعث المنذر بن ماء السماء جيشاً إلى بني يربوع عليه قابوس وحسان ابناه، ويقال: إن حساناً أخوه لانتزاع الردافة منهم فحاربتهم بنو يربوع وكان ملتقاهم بطخفة، فهزمت بنو يربوع جيش المنذر وأسروا ابنيه، فبعث المنذر إليهم بألفي بعير فداء ابنيه وأقر الردافة فيهم. قال جرير:
ويوم أبي قابوس لم نعطه المنى * ولكن صدعنا البيض حتى تهزما.
إن الأعز أبانا ـكان قال لنا : أوصـيـكـم بـثـلاث إنـني تــلـف
الضيف أوصيكم بالضـيف ، إن له حــقـاً عليّ ، فأعـطيـه وأعـترف
والجار أوصيـكم بالجـار ، إن له يوماً من الدهر يثنيه ، فينصرف
وقاتلوا القوم ان القتل مكرمة إذا تـلوى بـكـف المعـصم العرف
وجند كسرى غداة الـحنو صبـحهم منا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
لما التقـينا كشفـنا عن جماجمـنا ليـعلـموا أننـا بكر فينحرفوا
قالوا : البـقيّة والهندي يحصدهم ولا بقيّة إلا الـنار ، فانكشفوا
جحاجـح ، وبـنو ملـك غطـارفـة من الأعـاجم ، في آذانـها النطف
إذا أمالوا إلى النشاب أيديهـم ملنـا ببيـض فـظـل الهام يخـتطف
وخيل بـكر فما تنـفك تطـحنهـم حتى تولوا ، وكاد اليوم ينـتـصف
لو أن كـل معـد كـانـشاركـنـا في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف
أول ملوك الحيرة
مالك بن فهم بن غنم بن دوس من الأزد :
كان خرج من اليمن مع عمرو بن عامر مزيقياء حين أحسوا بسيل العرم، فلما صارت الأزد إلى مكة وغلبوا جرهم على ولاية البيت أقاموا زماناً ثم خرجوا إلى خزاعة، فإنها أقامت على ولاية البيت فصار مالك بن فهم إلى العراق، فأقام مالكاً على العراق عشرين سنة ثم هلك.
جذيمة بن مالك الأبرش
وملك بعده ابنه جذيمة، وكان يقال له: الأبرش والوضاح لبرص كان به، وكان ينزل الأنبار ويأتي الحيرة ثم يرجع، وكان لا ينادم أحداً ذهاباً بنفسه وينادم الفرقدين، فإذا شرب قدحاً صب لهذا قدحاً ولهذا قدحاً وهو أول من عمل المنجنيق وأول من حذيت له النعال، وأول من رفع له الشمع. وكانت له أخت يقال لها: أم عمرو، وكان أخص خدمه به وأقربهم منه فتى من لخم يقال له: عدي بن نصر بن ربيعة اللخمي، ويقال: إن نصراً أباه هو نصر بن الساطرون ملك السريانيين صاحب الحصن، وهو جرمقاني من أهل الموصل من رستاق يدعى باجرمي، وكان جبير بن مطعم يذكر أنه من بني قنص بن معد بن عدنان وأنه زوج عدي بن نصر أخته أم عمرو وهو سكران وأدخله عليها فوطئها، فلما صحا ندم على ذلك وأمر بعدي فضربت عنقه، وحملت أخته بعمرو بن عدي فأحبه وعطف عليه، وأن الجن قد استهوته فعظم فقده عليه وجعل لمن أتاه به حكمه، فرده إليه بعد زمان مالك وعقيل واحتكما منادمته، فيقال: إنهما نادماه أربعين سنة وحدثاه فما أعادا عليه، فلما رداه طوقته أمه بطوق، فلما رأى خاله الطوق واللحية قال: شب عمرو عن الطوق، فذهبت مثلاً. وخطب جذيمة الزباء وكانت بنت ملك الجزيرة وملكت بعد زوجها فأجابته، فأقبل إليها فلما دخل عليها قتلته فطلب عمرو ابن أخته وقصير غلامه بثأره فقتلاها وخلفا في بلدها رجلاً ورجعا بالغنائم، فذلك أول سبي قسم في العرب من غنائم الروم، وكان ملك جذيمة ستين سنة.
عمرو بن عدي
وملك بعده عمرو بن عدي ابن أخته فعظمته الملوك وهابته لما كان من حيلته في الطلب بثأر خاله، حتى أدركه وكان ملكه نيفاً وستين سنة.
امرؤ القيس
وملك امرؤ القيس بن عمرو بن عدي، ويقال: بل ملك الحرث بن عمرو بن عدي. ويقال: إنه هو الذي يدعى محرقاً، وفيهم يقول الشاعر الأسود ابن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد أياد.
أرض الخورنق والسدير وبارق * والقصر ذي الشرفات من سنداد.
النعمان بن امرئ القيس
ثم ملك بعده النعمان بن امرئ القيس وكان أعور، هو الذي بني الخورنق وهو النعمان الأكبر. ويقال: أنوشروان بن قباذ هو الذي ملكه وأشرف يوماً على الخورنق فنظر إلى ما حوله فقال أكل ما أرى إلى فناه وزوال، قالوا: نعم. قال: فأي خير فيما يفنى لأطلبن عيشاً لا يزول، فانخلع من ملكه ولبس المسوح وساح في الأرض وهو الذي ذكره عدي بن زيد فقال:
وتدبر رب الخورنق إذ * أشرف يوماً وللهدى تفكير.
سره ماله وكثرة ما يمل * لك والبحر معرضاً والسدير.
فارعوى قلبه وقال فما غب * طة حي إلى الممات يصير.
المنذر بن امرئ القيس
وملك أنوشروان بعده المنذر بن امرئ القيس أخاه وكانت أم المنذر من النمر بن قاسط يقال لها ماء السماء لجمالها وحسنها وأبوها عوف بن جشم.
فأما ماء السماء من الأزد فهو عامر أبو عمرو بن عامر الخارج من المن وسمي عامر ماء السماء لأنه كان إذا قحط القطر أحتبى فأقام ماله مقام القطر فسمي ماء السماء إذ أقام ماله مقامه، وقيل لابنه عمرو مزيقياء لأنه كان يمزق كل يوم حليتن يلبسهما ويكره أن يعود فيهما ويأنف أن يلبسهما غيره. قال: وذكرت هذا في هذا الموضع ليفرق بين ماء السماء الذي هو امرأة وماء السماء الذي هو رجل، وكانت تحت المنذر بن امرئ القيس.
هند بنت الحرث بن عمرو الكندي آكل المرار
وهي التي يقول فيها القائل: يا ليت هنداً ولدت ثلاثة. وولدت هند ثلاثة متتابعين: عمرو بن هند مضرط الحجارة، وقابوساً قينة العرس، وكان فيه لين، والمنذر بن المنذر. ولم يزل المنذر بن امرئ القيس على الحيرة إلى أن غزا الحرث بن أبي شمر الغساني وهو الحرث الأعرج فقتله الحرث الأعرج بالحيار.
المنذر بن المنذر
بن امرئ القيس
ثم ملك ابنه المنذر بعده وخرج يطلب دم أبيه فقتله الحرث أيضاً بعين أباغ، وقد سمعت أيضاً من يذكر أن قاتله مرة بن كلثوم التغلبي أخو عمرو بن كلثوم.
عمرو بن هند
ثم ملك عمرو بن هند مضرط الحجارة سمي بذلك لشدة وطأته وصرامته، وهو محرق أيضاً سمي بذلك لأنه أحرق ثمانية وتسعين رجلاً من بني دارم بالنار وكملهم مائة برجل من البراجم وبمرأة نهشلية ولهذا قيل. إن الشقي وافد البراجم. وكان رجلاً منهم قتل ابناً له خطأ وهو صاحب طرفة والمتلمس، وكان كتب لهما إلى عامله بالبحرين كتاباً أوهمهما أنه أمر لهما فيه بصلة، وكتب إليه يأمره بقتلهما.
فأما المتلمس فإنه دفع صحيفته إلى رجل من أهل الحيرة فقرأها فلما عرف ما فيها نبذها في نهر بقرب الحيرة ورجع فقيل: صحيفة المتلمس.
وأما طرفة فمضى بصحيفته حتى أوصلها إلى العامل فقتله، وقد ذكرت قصتهما في كتاب الشعراء بطولها وكمالها.
النعمان بن المنذر
ثم ملك بعده النعمان بن المنذر بن امرئ القيس، وكان يكنى أبا قابوس وهو صاحب النابغة الذبياني وصاحب الغرايين وهما طربالان يغريهما بدم من يقتله إذا ركب يوم بؤسه، وكان له يومان: يوم بؤس ويوم نعيم.
وقتل عبيد بن الأبرص الشاعر يوم بؤسه، وكان أتاه يمتدحه ولم يعلم أنه يوم بؤسه، وهو قاتل عدي بن زيد العبادي الشاعر، وكان عدي ترجمان أبرويز وكاتبه بالعربية، وهو وصف له النعمان وأشار عليه بتوليته واحتال في ذلك حتى ولاه من بين أخوته، وكان أذمهم وأقبحهم، ثم اتهمه النعمان فاحتال عليه حتى صار في يده فحبسه.
وكان عدي يقول الشعر في الحبس ثم قتله وتوصل ابنه زيد بن عدي إلى أبرويز بالجمال محل أبيه، فذكر زيد بن عدي لأبرويز نساء المنذر ووصفهن بالجمال والأدب، فكتب أبرويز يخطب إلى النعمان أخته أو ابنته، فلما قرأ النعمان الكتاب قال: وما يصنع الملك بنسائنا? وأين هو عن مهاء السواد. والمهاء البقر! يريد أين هو عن نساء السواد اللواتي كأنهن المهاء والعرب تشبه النساء بالمهاء? فحرف زيد القول عنده وقال: أين هو عن البقر لا ينكحهن? فطلب أبرويز النعمان فهرب النعمان منه حيناً، ثم بدا له أن يأتيه فأتاه بالمدائن فصف له أبرويز ثمانية آلاف جارية صفين، فلما صار بينهن قلن له: أما للملك فينا غناء عن بقر السواد? فعلم النعمان أنه غير ناج منه، فأمر به كسرى فحبسه بساباط ثم ألقي تحت أرجل الفيلة فوطأته حتى مات. قال الأعشى يذكر أبرويز:
هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه * نحور الفيول بعد بيت مسردق.
إياس بن قبيصة
ثم خرج الملك عن آل المنذر وولى كسرى إياس بن قبيصة الطائي ثمانية أشهر، واضطرب أمر كسرى وشغلوا، وجاء الله بالإسلام، ومات إياس بن قبيصة بعين التمر، وفيه يقول زيد الخيل:
فإن يك رب العين خلى مكانه * فكل نعيم لا محالة زائل.
الردافة
قال: ولم يكن في العرب أكثر غارة على ملوك الحيرة من بني يربوع من تميم، فصالحوهم على أن يجعلوا لهم الردافة ويكفوا عن أهل العراق الغارة، وكانت الردافة أن يجلس الملك ويجلس الردف عن يمينه، فإذا شرب الملك شرب الردف قبل الناس وإذا غزا الملك جلس الردف في موضعه، وكان خليفته على الناس حتى ينصرف وإذا غارت كتيبة أخذ الردف المرباع وكان جرير يذكر ذلك وهو من بني يربوع ويقول:
ربعنا ورادفنا الملوك وظللوا * وطاب الأحاليب الثمام المنزعا.
وكان أول من ردف منهم عتاب بن هرمى بن رباح اليربوعي ثم ابنه عوف بن عتاب ثم ابنه يزيد بن عوف على عهد المنذر بن ماء السماء، فبعث المنذر بن ماء السماء جيشاً إلى بني يربوع عليه قابوس وحسان ابناه، ويقال: إن حساناً أخوه لانتزاع الردافة منهم فحاربتهم بنو يربوع وكان ملتقاهم بطخفة، فهزمت بنو يربوع جيش المنذر وأسروا ابنيه، فبعث المنذر إليهم بألفي بعير فداء ابنيه وأقر الردافة فيهم. قال جرير:
ويوم أبي قابوس لم نعطه المنى * ولكن صدعنا البيض حتى تهزما.
إن الأعز أبانا ـكان قال لنا : أوصـيـكـم بـثـلاث إنـني تــلـف
الضيف أوصيكم بالضـيف ، إن له حــقـاً عليّ ، فأعـطيـه وأعـترف
والجار أوصيـكم بالجـار ، إن له يوماً من الدهر يثنيه ، فينصرف
وقاتلوا القوم ان القتل مكرمة إذا تـلوى بـكـف المعـصم العرف
وجند كسرى غداة الـحنو صبـحهم منا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
لما التقـينا كشفـنا عن جماجمـنا ليـعلـموا أننـا بكر فينحرفوا
قالوا : البـقيّة والهندي يحصدهم ولا بقيّة إلا الـنار ، فانكشفوا
جحاجـح ، وبـنو ملـك غطـارفـة من الأعـاجم ، في آذانـها النطف
إذا أمالوا إلى النشاب أيديهـم ملنـا ببيـض فـظـل الهام يخـتطف
وخيل بـكر فما تنـفك تطـحنهـم حتى تولوا ، وكاد اليوم ينـتـصف
لو أن كـل معـد كـانـشاركـنـا في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف