القشعمي
04-12-2010, 06:11 PM
«أَحْمَقُ مِنْ بِرُقْرَاط»
وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ أَعْيَاهُ البَلَه، وظَنَّ أَنَّهُ في الـحِذْقِ لا مَثِيْلَ لَه، وبِرُقْرَاطُ رَجُلٌ مِنَ الأَوَائل، وَلاَّهُ السُّلْطَانُ بَعْضَ الشَّوَاغِل، وكانَ كَثِيْرَ الوَسْوَسَةِ والتَّعْقِيْد، مَرَّ بِهِ في عَمَلِهِ العُمْرُ المَدِيْد، ولَـمْ يُنْجِزْ شَيْئاً ذَا قِيْمَة، ولَـمْ تَكُنْ سِيْرَتُهُ قَوِيْمَة، وهوَ مُؤَسِّـسُ اللِّجَانِ الفَرْعِيَّة، وإلَيْهِ تُنْسَبُ النَّظَرِيَّةُ البِيْرُقْرَاطِيَّة.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ كَاتِباً لَدَى بِرُقْرَاط، عُرِفَ عَنْهُ الإخْلاصُ والنَّشَاط، وحَدَثَ أَنِ انْتَـهَى حِبْرُ دَوَاتِه، ولَـمْ يَسْتَطِعْ إنْجَازَ مَهَمَّاتِه، فعَـرَضَ مُشْكِلَـتَهُ عَلَى مُدِيْرِه، فعَنَّفَهُ عَلَى إهْمَالِهِ وتَبْذِيْرِه، ورَفَضَ أَنْ يُزَوِّدَهُ بِمَا أَرَاد، وأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَ المِدَاد، وأَحَالَ طَلَبَهُ إلى اللِّجَان، ومَرَّ عَلَى البَتِّ فِيْهِ عَامَان، وطَوَالَ مُدَّةِ البَتِّ في الطَّلَب، لَـمْ يُنْجِزِ الكَاتِبُ ولا كَتَب، وظَلَّ عَلَى مَكْتَبِهِ كُلَّ نَـهَار، يَنْتَظِرُ ما يُسْفِرُ عَنْهُ القَرَار، ثُمَّ صَدَرَ القَرَارُ الـحَاسِم، مُوْصِياً بِمَنْحِ ثَلاثَةِ دَرَاهِم، وأَنْ تُشْرِفَ لَـجْنَةٌ عَلَى الكَاتِب، ولَـجْنَةٌ أُخْرَى عَلَيْها تُرَاقِب، عَلَى أَنْ تُـحَقِّقَ لَـجْنَةٌ مَعَهُ بِشِدَّة، لِكَوْنِهِ لَـمْ يُنْجِزْ طَوَالَ تِلْكَ المُدَّة.
ولَـمَّا انْتَـهَتِ المُسَاءلَةُ والإجْرَاءات، شَرَعَ الكَاتِبُ في إنْجَازِ المُعَامَلات، فمَرَّتْ عَلَيْهِ حِسَابَاتُ اللِّجَان، فذُهِلَ مِنْ تَـكَالِيْفِها عَالِيَةِ الأَثْمَـان، وكَيْفَ أَنَّ صَرْفَ بِضْعَةِ دُرَيْـهِمَات، كَلَّفَ الـخَزِيْنَةَ الآلافَ والمِئات، فحَمَلَ نَفْسَهُ وكُلُّهُ إحْبَاط، ودَخَلَ عَلَى مُدِيْرِهِ بِرُقْرَاط، وأَنْشَدَهُ وهوَ بَيْنَ عِصَابَتِه، وفي يَدِهِ وَرَقَةُ اسْتِقَالَتِه:
بِرُقْرَاطُ اسْتَمِعْ مِنِّي فَإنِّي *** رَأَيْتُكَ أَحْمَقَ الآرَاءِ خِبّا
عَلَى أَنِّي عَلِمْتُكَ لا تُبَالِي *** وَلا تَرْجُو مِنَ الآسِيْنَ طِبّا
وَلَكِنِّي سَأُسْمِعُكَ احْتِقَانِي *** وَأَشْفِي مِنْكَ قَافِيَةً وَقَلْبا
سِنُوْنَ مَضَتْ وَأَنْتَ تَظُنُّ وَهْماً *** بِأَنَّكَ أَكْمَلُ الأَقْوَامِ لُبّا
وَلَسْتَ سِوَى غَبِيٍّ حَالَفَتْهُ *** حُظُوْظٌ فَارْتَقَى في الأَمْرِ صَعْبا
فَعَطَّلْتَ المَصَالِحَ في لِـجَانٍ *** تُصَيِّـرُ أَسْمَحَ الـحَاجَاتِ كَرْبا
تَـمُرُّ بِـهَا السِّنُوْنَ ولا نَجَازٌ *** فَكَمْ خَصْبٍ بِـهَا قَدْ صَارَ جَدْبا
أَمِنْ أَجْلِ اعْتِـمَادِ دُرَيْـهِماتٍ *** تُبِيْحُ خَزِيْنَةَ السُّلْطَانِ نَـهْبا؟!
تُقِرُّ لَـهَا الدَّرَاهِمَ وَافِرَاتٍ *** وَفي إقْرَارِ نَـزْرِ المَالِ تَأْبى؟!
وَتُصْدِرُ في مُعَاقَبَتِي قَرَاراً *** كَأَنِّي جِئْتُ في التَّأْخِيْرِ ذَنْبا؟!
فَلَوْ يَدْرِي بِكَ السُّلْطَانُ يَوْماً *** لَـجَرَّكَ في حِبَالِ السُّخْطِ كَلْبا
فَخُذْ مِنِّي مَقَالاً سَوْفَ يَبْقَى *** وَيَذْهَبُ في الوَرَى شَرْقاً وَغَرْبا:
وَرَبِّي لَـمْ يَكُنْ في النَّاسِ حَمْقَى *** بِأَحْمَقَ مِنْ بِرُقْرَاطٍ وَأَغْبَى
وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ أَعْيَاهُ البَلَه، وظَنَّ أَنَّهُ في الـحِذْقِ لا مَثِيْلَ لَه، وبِرُقْرَاطُ رَجُلٌ مِنَ الأَوَائل، وَلاَّهُ السُّلْطَانُ بَعْضَ الشَّوَاغِل، وكانَ كَثِيْرَ الوَسْوَسَةِ والتَّعْقِيْد، مَرَّ بِهِ في عَمَلِهِ العُمْرُ المَدِيْد، ولَـمْ يُنْجِزْ شَيْئاً ذَا قِيْمَة، ولَـمْ تَكُنْ سِيْرَتُهُ قَوِيْمَة، وهوَ مُؤَسِّـسُ اللِّجَانِ الفَرْعِيَّة، وإلَيْهِ تُنْسَبُ النَّظَرِيَّةُ البِيْرُقْرَاطِيَّة.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ كَاتِباً لَدَى بِرُقْرَاط، عُرِفَ عَنْهُ الإخْلاصُ والنَّشَاط، وحَدَثَ أَنِ انْتَـهَى حِبْرُ دَوَاتِه، ولَـمْ يَسْتَطِعْ إنْجَازَ مَهَمَّاتِه، فعَـرَضَ مُشْكِلَـتَهُ عَلَى مُدِيْرِه، فعَنَّفَهُ عَلَى إهْمَالِهِ وتَبْذِيْرِه، ورَفَضَ أَنْ يُزَوِّدَهُ بِمَا أَرَاد، وأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَ المِدَاد، وأَحَالَ طَلَبَهُ إلى اللِّجَان، ومَرَّ عَلَى البَتِّ فِيْهِ عَامَان، وطَوَالَ مُدَّةِ البَتِّ في الطَّلَب، لَـمْ يُنْجِزِ الكَاتِبُ ولا كَتَب، وظَلَّ عَلَى مَكْتَبِهِ كُلَّ نَـهَار، يَنْتَظِرُ ما يُسْفِرُ عَنْهُ القَرَار، ثُمَّ صَدَرَ القَرَارُ الـحَاسِم، مُوْصِياً بِمَنْحِ ثَلاثَةِ دَرَاهِم، وأَنْ تُشْرِفَ لَـجْنَةٌ عَلَى الكَاتِب، ولَـجْنَةٌ أُخْرَى عَلَيْها تُرَاقِب، عَلَى أَنْ تُـحَقِّقَ لَـجْنَةٌ مَعَهُ بِشِدَّة، لِكَوْنِهِ لَـمْ يُنْجِزْ طَوَالَ تِلْكَ المُدَّة.
ولَـمَّا انْتَـهَتِ المُسَاءلَةُ والإجْرَاءات، شَرَعَ الكَاتِبُ في إنْجَازِ المُعَامَلات، فمَرَّتْ عَلَيْهِ حِسَابَاتُ اللِّجَان، فذُهِلَ مِنْ تَـكَالِيْفِها عَالِيَةِ الأَثْمَـان، وكَيْفَ أَنَّ صَرْفَ بِضْعَةِ دُرَيْـهِمَات، كَلَّفَ الـخَزِيْنَةَ الآلافَ والمِئات، فحَمَلَ نَفْسَهُ وكُلُّهُ إحْبَاط، ودَخَلَ عَلَى مُدِيْرِهِ بِرُقْرَاط، وأَنْشَدَهُ وهوَ بَيْنَ عِصَابَتِه، وفي يَدِهِ وَرَقَةُ اسْتِقَالَتِه:
بِرُقْرَاطُ اسْتَمِعْ مِنِّي فَإنِّي *** رَأَيْتُكَ أَحْمَقَ الآرَاءِ خِبّا
عَلَى أَنِّي عَلِمْتُكَ لا تُبَالِي *** وَلا تَرْجُو مِنَ الآسِيْنَ طِبّا
وَلَكِنِّي سَأُسْمِعُكَ احْتِقَانِي *** وَأَشْفِي مِنْكَ قَافِيَةً وَقَلْبا
سِنُوْنَ مَضَتْ وَأَنْتَ تَظُنُّ وَهْماً *** بِأَنَّكَ أَكْمَلُ الأَقْوَامِ لُبّا
وَلَسْتَ سِوَى غَبِيٍّ حَالَفَتْهُ *** حُظُوْظٌ فَارْتَقَى في الأَمْرِ صَعْبا
فَعَطَّلْتَ المَصَالِحَ في لِـجَانٍ *** تُصَيِّـرُ أَسْمَحَ الـحَاجَاتِ كَرْبا
تَـمُرُّ بِـهَا السِّنُوْنَ ولا نَجَازٌ *** فَكَمْ خَصْبٍ بِـهَا قَدْ صَارَ جَدْبا
أَمِنْ أَجْلِ اعْتِـمَادِ دُرَيْـهِماتٍ *** تُبِيْحُ خَزِيْنَةَ السُّلْطَانِ نَـهْبا؟!
تُقِرُّ لَـهَا الدَّرَاهِمَ وَافِرَاتٍ *** وَفي إقْرَارِ نَـزْرِ المَالِ تَأْبى؟!
وَتُصْدِرُ في مُعَاقَبَتِي قَرَاراً *** كَأَنِّي جِئْتُ في التَّأْخِيْرِ ذَنْبا؟!
فَلَوْ يَدْرِي بِكَ السُّلْطَانُ يَوْماً *** لَـجَرَّكَ في حِبَالِ السُّخْطِ كَلْبا
فَخُذْ مِنِّي مَقَالاً سَوْفَ يَبْقَى *** وَيَذْهَبُ في الوَرَى شَرْقاً وَغَرْبا:
وَرَبِّي لَـمْ يَكُنْ في النَّاسِ حَمْقَى *** بِأَحْمَقَ مِنْ بِرُقْرَاطٍ وَأَغْبَى