النجـــــم
09-10-2007, 10:22 PM
(( قصيدة المســــــاء ))
إيليا أبو ماضي , شاعر لبنان بالمهجر أو شاعر المهجر ولد إيليا أبو ماضي في بلدة المحيدثة بلبنان عام 1889م وحصل على الابتدائية ثم هاجر إلى مصر متجها إلى الإسكندرية ليعمل بالتجارة وفي أثناء ذلك يدرس الأدب واللغة ويكتب الشعر في مجلة الزهور ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره أصدر ديوانه الأول , ثم هاجر إلى أمريكا الشمالية بعد أن ضاقت به الحال عام 1912م واستقر به المقام في مدينة نيويورك 1916م حيث انضم إلى نخبة الأدباء والشعراء المهجريين ، له عدة دواوين هي تذكار الماضي وديوان أبي ماضي و الجداول ، الخمائل ، خبز وتراب .
احتار النقاد في معنى النص ومقصود أبي ماضي فمنهم من رأى أن الشاعر قد تخيل فتاة يائسة تتأمل في الحياة والكهولة المؤذنة بانتهاء العمر وقد تكون شخصية سلمى شخصية حقيقية يعرض فيها خواطره ، أو شخصية خيالية ليدير الحوار معها ويخاطبها بأفكار فهي صورة لما في نفسه من عوامل التشاؤم التي يحاول التغلب عليها بتفاؤله الذي عرف عنه واشتهر به .
ولكن بعض النقاد رأوا أن أبي ماضي كان يخاطب الأمة العربية فسلمى كنية لأقدم الأسماء العربية والحوار في القصيدة كأنه يخاطب الأمة العربية التي ظلت قابعة في مكانها بينما بقية الأمم سارت في ركب التطور والحضارة .متأملاً وضع الأمة العربية حين كانت شابة في وقت الضحى , ضحى حضارتها خاصة بعد زوال أحلام الطفولة وهي تختفي خلف التخوم وكيف أصبحت في المساء معصوبة الجبين تئن من الأوجاع ، أوجاع وأشباح الكهولة حيث لم تخف فقط من الظلام القاتم مع غروب شمسها بل إنها تخشى ألا تطلع النجوم في هذا المساء الدامس لتستنير طريقها بين أعدائها , بحيث أنها أصبحت – كما ترى هي نفسها – مثل سائح في صحراء ظل طريقه ولا يرى إلا الهلاك وكأن هذا السائح يبحث عن صديق يعينه على الاستدلال بالطريق ولكن هيهات في القفر وفي غابة العالم لا يوجد أصدقاء فالكل يريد أن ينهب الزاد والماء من الآخر من أجل البقاء , ثم يشبه الأمة العربية كما يراها الشاعر مثل فارس تحت غبار المعركة فلم يعد يعرف صديقه من عدوه
كم أنه لا يستطيع النصر و يطيق الشعور بالهزيمة والمهانة , ثم يناشد الأمة التي عصبت رأسها ووضعته بين يديها تحلل في ألغاز حيرتها مكتئبة على نفسها تماماً مثل اكتئاب العاشقين ولكنه عشق لماضيها وسؤددها وسيادتها العالمية في الماضي التي ضاعت من بين يديها بقوله (( سلمى بماذا تفكرين ؟! )) ويستمر الشاعر في طرح رؤيته بأن الأمة في لحظات شيبها وكهولتها وبعد أن تبدل صباحها مساء فإنه قد تساوت في الليل القصور والأكواخ والزهور والأشواك والأنهار كالمستنقعات .
ثم يحاول أن يواسي الأمة ويعزيها في هذا الواقع المرير , بأنه رغم ذلك عليها التعامل مع آلامها فالزهر يظل زاخر بالأريج والعطر والحمام مستمر بالحفيف والعندليب بالصداح والنسائم وريح الصبا لم تتغير , ولذا عليها أن تتعامل مع هذا الواقع لا تندب الماضي فقط فتشم طيب الزهر وتتمتع بالجداول الجارية وتتدبر الأفلاك والنجوم بما يعنيه من جمال وعلم , لأن القادم سيكون أسوأ من قبل أن يأتي زمان مثل الدخان فلا تستطيع التمتع بهذه الحياة الجميلة , لأن النهار من ظهر وعصر وهما أبناء الصباح قد مات فلا تسألي وتتعبي نفسك كيف مات فلتدعي الكآبة والأسى ولتعودي إلى المرح وترك أوجاع الحياة , فكما كانت الأمة العربية متهللة الوجه في ضحى مجدها فليكن كذلك في هذا المساء , يمكن لنا أن نقول أن هذه فلسفة أيليا أبو ماضي تجاه نكبة أمته التي رمز لها بأقدم أسماء نسائها العربيات (( سلمى )) فإلى القصيدة :
السحــب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمـــس تـبـدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحــر ساجٍ صــامـتٌ فيه خشــوع الزاهدين
لكنما عـــيناك باهتتان في الأفــق البعــــيد
سلمى ...بمـاذا تفـكـرين؟
سلمى ...بماذا تحلميـــن؟
أرأيت أحلام الطفــــولة تختفي خلف التخـوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشـــباح الكهولة في الغيـوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمحـين من المــشــــاهد إنما
أظلالـها في ناظـــريك
تنم ، ياســـلمى ، عليك
إني أراك كســـائحٍ في القفر ضل عن الطــريق
يرجو صديقاً في الفــلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضـوءها ، ويخاف تخدعهُ البروق
بـلْ أنت أعظم حــيرة من فــارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتـصار
ولا يطيق الانـكسـار
هـذي الهواجـس لم تكن مرســومة في مقلتيك
فلقـد رأيـتـك في الضـحى ورأيته في وجـنتيك
لكن وجدتُك في المســاء وضعت رأسك في يديك
وجلست في عـينيك ألغازٌ ، وفي النفــس اكتئاب
مثل اكتئاب العـــاشقين
ســلمى ...بماذا تفكرين ؟
بالأرض كيف هـوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمــروج الخُضرِ سـاد الصمت في جنباتها؟
أم بالعــصـافــير التي تعـدو إلى وكناتهـا؟
أم بالمــسا؟ إن المســـا يخفي المدائن كالقرى
والكـوخ كالقصـر المكينْ
والشـوكُ مــثلُ الياسمين
لا فــرق عــند الليل بين النهــر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطــروب كأدمع المــتوجـعِ
إن الجــمالَ يغــيبُ مــثل القبح تحت البرقعِ
لكن لماذا تجــزعــين على النهــار وللدجى
أحـــلامه ورغائبه
وســماؤُهُ وكواكبهْ؟
إن كان قد ســـتر البلاد سهـولها ووعورها
لم يسلــب الزهر الأريج ولا المياه خــريرها
كلا ، ولا منعَ النســائم في الفضــاءِ مسيرُهَا
ما زال في الـوَرَقِ الحفيفُ وفي الصَّبَا أنفـاسُها
والعـندليب صداحُه
لا ظفـرُهُ وجناحهُ
فاصغي إلى صـوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واسـتنشــقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشهــب في الأفـــلاك مادامتْ تلوح
من قـبل أن يأتي زمان كالضـــباب أو الدخان
لا تبصرين به الغــدير
ولا يلـذُّ لك الخـــريرْ
مـات النهار ابن الصباح فلا تقــولي كيف مات
إن التـأمل في الحـــياة يزيد إيمــان الفتاة
فدعي الكآبة والأسى واســـترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهــللاً
فيه البشـــــاشة والبهــــــــــاءْ
ليكــن كــذلك في المســــــــــاء
منقوووول
إيليا أبو ماضي , شاعر لبنان بالمهجر أو شاعر المهجر ولد إيليا أبو ماضي في بلدة المحيدثة بلبنان عام 1889م وحصل على الابتدائية ثم هاجر إلى مصر متجها إلى الإسكندرية ليعمل بالتجارة وفي أثناء ذلك يدرس الأدب واللغة ويكتب الشعر في مجلة الزهور ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره أصدر ديوانه الأول , ثم هاجر إلى أمريكا الشمالية بعد أن ضاقت به الحال عام 1912م واستقر به المقام في مدينة نيويورك 1916م حيث انضم إلى نخبة الأدباء والشعراء المهجريين ، له عدة دواوين هي تذكار الماضي وديوان أبي ماضي و الجداول ، الخمائل ، خبز وتراب .
احتار النقاد في معنى النص ومقصود أبي ماضي فمنهم من رأى أن الشاعر قد تخيل فتاة يائسة تتأمل في الحياة والكهولة المؤذنة بانتهاء العمر وقد تكون شخصية سلمى شخصية حقيقية يعرض فيها خواطره ، أو شخصية خيالية ليدير الحوار معها ويخاطبها بأفكار فهي صورة لما في نفسه من عوامل التشاؤم التي يحاول التغلب عليها بتفاؤله الذي عرف عنه واشتهر به .
ولكن بعض النقاد رأوا أن أبي ماضي كان يخاطب الأمة العربية فسلمى كنية لأقدم الأسماء العربية والحوار في القصيدة كأنه يخاطب الأمة العربية التي ظلت قابعة في مكانها بينما بقية الأمم سارت في ركب التطور والحضارة .متأملاً وضع الأمة العربية حين كانت شابة في وقت الضحى , ضحى حضارتها خاصة بعد زوال أحلام الطفولة وهي تختفي خلف التخوم وكيف أصبحت في المساء معصوبة الجبين تئن من الأوجاع ، أوجاع وأشباح الكهولة حيث لم تخف فقط من الظلام القاتم مع غروب شمسها بل إنها تخشى ألا تطلع النجوم في هذا المساء الدامس لتستنير طريقها بين أعدائها , بحيث أنها أصبحت – كما ترى هي نفسها – مثل سائح في صحراء ظل طريقه ولا يرى إلا الهلاك وكأن هذا السائح يبحث عن صديق يعينه على الاستدلال بالطريق ولكن هيهات في القفر وفي غابة العالم لا يوجد أصدقاء فالكل يريد أن ينهب الزاد والماء من الآخر من أجل البقاء , ثم يشبه الأمة العربية كما يراها الشاعر مثل فارس تحت غبار المعركة فلم يعد يعرف صديقه من عدوه
كم أنه لا يستطيع النصر و يطيق الشعور بالهزيمة والمهانة , ثم يناشد الأمة التي عصبت رأسها ووضعته بين يديها تحلل في ألغاز حيرتها مكتئبة على نفسها تماماً مثل اكتئاب العاشقين ولكنه عشق لماضيها وسؤددها وسيادتها العالمية في الماضي التي ضاعت من بين يديها بقوله (( سلمى بماذا تفكرين ؟! )) ويستمر الشاعر في طرح رؤيته بأن الأمة في لحظات شيبها وكهولتها وبعد أن تبدل صباحها مساء فإنه قد تساوت في الليل القصور والأكواخ والزهور والأشواك والأنهار كالمستنقعات .
ثم يحاول أن يواسي الأمة ويعزيها في هذا الواقع المرير , بأنه رغم ذلك عليها التعامل مع آلامها فالزهر يظل زاخر بالأريج والعطر والحمام مستمر بالحفيف والعندليب بالصداح والنسائم وريح الصبا لم تتغير , ولذا عليها أن تتعامل مع هذا الواقع لا تندب الماضي فقط فتشم طيب الزهر وتتمتع بالجداول الجارية وتتدبر الأفلاك والنجوم بما يعنيه من جمال وعلم , لأن القادم سيكون أسوأ من قبل أن يأتي زمان مثل الدخان فلا تستطيع التمتع بهذه الحياة الجميلة , لأن النهار من ظهر وعصر وهما أبناء الصباح قد مات فلا تسألي وتتعبي نفسك كيف مات فلتدعي الكآبة والأسى ولتعودي إلى المرح وترك أوجاع الحياة , فكما كانت الأمة العربية متهللة الوجه في ضحى مجدها فليكن كذلك في هذا المساء , يمكن لنا أن نقول أن هذه فلسفة أيليا أبو ماضي تجاه نكبة أمته التي رمز لها بأقدم أسماء نسائها العربيات (( سلمى )) فإلى القصيدة :
السحــب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمـــس تـبـدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحــر ساجٍ صــامـتٌ فيه خشــوع الزاهدين
لكنما عـــيناك باهتتان في الأفــق البعــــيد
سلمى ...بمـاذا تفـكـرين؟
سلمى ...بماذا تحلميـــن؟
أرأيت أحلام الطفــــولة تختفي خلف التخـوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشـــباح الكهولة في الغيـوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمحـين من المــشــــاهد إنما
أظلالـها في ناظـــريك
تنم ، ياســـلمى ، عليك
إني أراك كســـائحٍ في القفر ضل عن الطــريق
يرجو صديقاً في الفــلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضـوءها ، ويخاف تخدعهُ البروق
بـلْ أنت أعظم حــيرة من فــارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتـصار
ولا يطيق الانـكسـار
هـذي الهواجـس لم تكن مرســومة في مقلتيك
فلقـد رأيـتـك في الضـحى ورأيته في وجـنتيك
لكن وجدتُك في المســاء وضعت رأسك في يديك
وجلست في عـينيك ألغازٌ ، وفي النفــس اكتئاب
مثل اكتئاب العـــاشقين
ســلمى ...بماذا تفكرين ؟
بالأرض كيف هـوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمــروج الخُضرِ سـاد الصمت في جنباتها؟
أم بالعــصـافــير التي تعـدو إلى وكناتهـا؟
أم بالمــسا؟ إن المســـا يخفي المدائن كالقرى
والكـوخ كالقصـر المكينْ
والشـوكُ مــثلُ الياسمين
لا فــرق عــند الليل بين النهــر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطــروب كأدمع المــتوجـعِ
إن الجــمالَ يغــيبُ مــثل القبح تحت البرقعِ
لكن لماذا تجــزعــين على النهــار وللدجى
أحـــلامه ورغائبه
وســماؤُهُ وكواكبهْ؟
إن كان قد ســـتر البلاد سهـولها ووعورها
لم يسلــب الزهر الأريج ولا المياه خــريرها
كلا ، ولا منعَ النســائم في الفضــاءِ مسيرُهَا
ما زال في الـوَرَقِ الحفيفُ وفي الصَّبَا أنفـاسُها
والعـندليب صداحُه
لا ظفـرُهُ وجناحهُ
فاصغي إلى صـوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واسـتنشــقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشهــب في الأفـــلاك مادامتْ تلوح
من قـبل أن يأتي زمان كالضـــباب أو الدخان
لا تبصرين به الغــدير
ولا يلـذُّ لك الخـــريرْ
مـات النهار ابن الصباح فلا تقــولي كيف مات
إن التـأمل في الحـــياة يزيد إيمــان الفتاة
فدعي الكآبة والأسى واســـترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهــللاً
فيه البشـــــاشة والبهــــــــــاءْ
ليكــن كــذلك في المســــــــــاء
منقوووول