النجـــــم
06-10-2007, 03:19 AM
الإفراج عن نواز شريف: الدواعي والتبعات
عادت الاضطرابات إلى الساحة السياسية البا**تانية من جديد، واشتعلت قضية انعقاد الانتخابات في ظل تهديدات الأحزاب المتحالفة المتمزقة لمقاطعتها؛ وذلك عقب أمر الجنرال برويز مشرف بتاريخ 10 من شهر ديسمبر - في تطور دراماتيكي ومفاجئ - الإفراج عن محمد نواز شريف رئيس الوزراء السابق لأسباب صحية، ونفيه إلى السعودية، بعد أن قضى نواز 13 شهرًا (من 14 عامًا) في السجن الذي حكم بحقه، لينتهي بذلك سيناريو الصراع "الشخصي" بين الجنرال مشرف ونواز شريف.
التأثير السعودي على صناعة القرار البا**تاني
اعتبرت الأوساط السياسية البا**تانية الوساطة السعودية - بالإضافة إلى عوامل أخرى - هي العاملة الفاعلة المباشرة التي لعبت دورًا بصدد الإفراج؛ حيث تتمتع السعودية بعلاقات حسنة مع كل من العسكر والرابطة الإسلامية التي تمثل الح** السياسي الأقوى والأقدم في با**تان. كما سبق وأن لعبت شفاعتها لدى الجنرال مشرف دورًا بارزًا في تحويل صيغة عقوبة الإعدام على نواز إلى السجن المؤبد ثم إلى 14 عامًا.
وتعود العلاقات "المتجذرة" بين البلدين إلى سنوات ما بعد قيام با**تان في الخمسينيات، والتي ازدادت ترابطًا في السبعينيات في عهد الملك الفيصل - رحمه الله - الذي كان يساعد با**تان ماديًّا ومعنويًّا في وجه الاتحاد السوفييتي الزاحف نحو المياه الدافئة.
وبلغت العلاقات ذروتها توثقًا في عهد الجنرال ضياء الحق الذي وقف بقوة خلف الجهاد الأفغاني أواخر السبعينيات وعقد الثمانينيات، واختار مواقف سياسية إيحابية، وسعى نحو "أسلمة" القوانين. ويعتبر نواز شريف - الذي استلم رئاسة الوزراء مرتين – امتداداً لهذا المسار، وإن انحرف فيما بعد عنه بصورة جوهرية. ويتولد هذا التأثير السعودي على مراكز صناعة القرار في إسلام آباد نتيجة دعامات مادية تقدمها السعودية ضمن إستراتيجيتها لبا**تان لدعمها في وجه الأحزاب الشيعية المسيطرة على قطاعي الاقتصاد والإعلام؛ وكذلك حمايتها من حركة طالبان الأفغانية المتمثلة في الإسلام السُّنِّي في وجه إيران الشيعية.
مكاسب عاجلة
يرى المراقبون البا**تانيون أيضًا أن من الأسباب التي دفعت العسكر ليقوم باتخاذ هذه الخطوة وبصورة مفاجئة هو وجود عوامل متعددة و**ب مكاسب عاجلة، على حساب عقبات سلبية آجلة؛ وأهم هذه المكاسب ما يلي:
1 - التخفيف من حدة الضغوط الخارجية المطالبة بعودة الديموقراطية والإفراج عن نواز شريف الذي أطيح بحكومته في أكتوبر 1999م. ويرى الجنرال المتقاعد "حميد جل" رئيس الاستخبارات السابق (ISI) أن مبادرة العسكر للإعفاء عن نواز شريف هو ناتج عن ضغوط الولايات المتحدة على الجنرال مشرف.
وقد يريد الغرب تكريس هذا النمط من "الديمقراطية الفوضوية" في با**تان للنيل من هذه الدولة الإسلامية الوحيدة التي تصرح بامتلاكها القوة النووية. تلك الديمقراطية التي أعطت رونقًا للفساد المالي والإداري، كما لعبت دورًا في تدهور الأخلاق؛ وهو العامل الأساسي الذي وضع با**تان في المرتبة الثانية من قائمة الدول التي يكثر فيها الفساد الإداري والمالي والارتشاء - حسب إحصائية منظمة غير حكومية في برلين. وقد حاول العسكر أكثر من مرة القضاء على هذه الديمقراطية بخيرها وشرها في الخمسينيات بيد الجنرال أيوب خان الذي ابتكر الديمقراطية المنظمة؛ كما حاول الجنرال ضياء الحق إدخال تعديلات جوهرية فيها.
2 - تفكيك شمل المعارضة التي هددت بمقاطعة الانتخابات وشن مظاهرات الشوارع، فالتحالف الذي شُكِّل مؤخرًا كان قد هدد بمقاطعة الانتخابات التي سيتم انعقادها في مطلع العام المقبل، وهو ما كان أثار مخاوف الجنرال مشرف. وبالفعل اخترق خروج نواز من السجن - دون التنسيق مع حلفائه السياسيين - صفوف الأحزاب المتحالفة ولقاها ضربة قاسية في مهدها، وإن كان رئيس التحالف "نواب زاده نصر الله خان" يرى غير ذلك؛ إذ يقول: "إن الإفراج عن نواز شريف لن يؤثر على التحالف، وإن العمل من أجل استعادة الديمقراطية سوف يستمر". كما حدث على نفس الوتيرة انشقاق بين كبار قادة ح** الرابطة، الذين شنوا هجومًا على نواز شريف بعد الإفراج عنه واستولوا على مقاره؛ وهم يفكرون بالفعل في طرده من رئاسة ح** الرابطة وتعيين "جاويد هاشمي" رئيسًا له. ومن قادة الح** من انزعج عن الإفراج عن نواز، كما صرح "إعجاز شافعي" - أحد أعضاء اللجنة التنفيذية في الح**.
وهكذا نال السيناريو - ولو بصفة مؤقتة - من تماسك المعارضة ليمهد الطريق أمام الجنرال مشرف لإجراء الانتخابات.
3 - التخفيف من الضغوط الاقتصادية: ولعل الجنرال أيضًا فتح باب السجن لإطلاق سراح المجرمين الذين يفضلون إعادة الأموال التي نهبوها على البقاء في غياهب السجن. يستنبط ذلك من اشتراط العسكر لإتمام هذه الصفقات إعادة الأموال التي نهبوها إلى الدولة البا**تانية. وكانت – ولا تزال - إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح من أكبر التحديات أمام الحكومة العسكرية، حيث أدت الابتزازات المتكررة من قبل السياسيين إلى ازدياد الفقر باطراد، ليقفز من (17,3%) في عام 1988م إلى (32,6%) عام 1998م. وقد طلب بعض زعماء التحالف، منهم "طاهر القادري" زعيم "ح** نهضة عوام"، و"أكبر بغتي" زعيم "ح** جهوري وطن" من الحكومة ألا تتنازل عن استرداد ما سرق من ممتلكات الدولة.
وعلى ذلك من المحتمل أن توسع الحكومة مجال الإفراج عن كثير من المجرمين، لاسترداد أموال بيت المال؛ لدرجة أن هناك مزاعم بشأن الإفراج عن "آصف زرداري" زوج رئيسة الوزراء السابقة "بينظير بوتو"، وشخصيات أخرى من ح**ي نواز شريف وبينظير بوتو. وقد تشير إحصائيات أن مديونياتهم المتراكمة تصل مبلغ 11 مليار دولار.
ومن الجدير بالذكر هنا: أنه حتى إذا تمكن العسكر بالفعل من تخفيض حدة الضغوط الخارجية وإفشال خطة التحالف المعارض الداخلي، فستزداد في المقابل التبعات السلبية - كما يشير المراقبون البا**تانيون - والتي قد تتفاقم في المستقبل، وأهمها ما يلي:
1 - فقدان الثقة:
افتقد العسكر فجأة ثقة الشعب، وهدم ما كان وضعه ضمن أجندته الثقيلة في سبيل إعادة بناء الثقة الوطنية التي ضاعت نتيجة التصرفات السيئة للحكومات المدنية، ودمر ما قدمه للرأي العام من إبداء وجه جاد في تنفيذ قراراته. وإن مبادرة الجنرال مشرف - باتخاذ هذه الخطوة - قلصت بشكل ملحوظ هذه الثقة، وكشفت هشاشة دعاياته، شأنه شأن حكومات مدنية أخرى قامت بادعاءات عريضة من دون أن تغطيها بثوب العمل. خير مثال على ذلك ما قامت به حكومة نواز شريف في المعركة الانتخابية عام 1998م للتخلص من المديونية الخارجية تحت شعار "سدد الديون وأنقذ البلد"؛ إذ قام بتأسيس محاكم "الاحتساب" لمحاسبة المتورطين في ابتزاز أموال العامة بهدف التخفيف من عبء المديونية. ثم إذا بحكومة نواز تقوم بعد ذلك بالاقتراض من الصندوق النقد الدولي، ضاربة عرض الحائط كل شعارات كانت ترفعها.
2 - الاستهزاء بالقوة القضائية:
اعتبر الكثير الصفقة - التي تمت بين عشية وضحاها - استهزاء وتلاعبًا بالقوة القضائية وسخرية لمحاكم "الاحتساب" التي تتابع قضايا الفساد. كتبت صحيفة "ذي فرانتير بوست" البا**تانية بهذا الصدد: "إطلاق سراح نواز شريف ونفيه إلى السعودية يضع ادعاءات حكومة العسكر العريضة بشأن محاكمة المبتزين ومعاقبتهم محلاًّ للتساؤل، وإن الشعب ينقد هذا التصرف بشدة".
وقال المتحدث باسم ح** الشعب البا**تاني بزعامة بينظير بوتو: "بات من الواضح أن المحاسبة لن تفعل شيئًا تجاه الفساد، وإنما تستهدف الوصول لأهداف سياسية بوسائل شريفة أو غيرها من أجل تنفيذ أجندة سياسية".
وتقول صحيفة "ذي نيشن" البا**تانية: "إن إطلاق سراح نواز شريف بهذه الصورة غير المتوقعة حيَّر الشعب، وإنه قد حان أن تُزال محاكمة "المحاسبة" التي صرفت ملايين من الروبيات لمتابعة قضايا نواز شريف". وإن أكد العسكر أن العفو عن نواز شريف لا يشمل تهم الفساد التي لم يُحاكم ضدها، وأن أية تهمة تثبت عليه ستتم معاقبته عليها وفقًا للقانون. وبالفعل قامت الحكومة العسكرية ببيع ممتلكات نواز شريف بالمزاد العلني.
ويصرح البعض أن نواز وبينظير ليسا أكثر من لصَّين كبيرين يجب معاقبتها حسب الشريعة الإسلامية. كتبت صحيفة "أنصاف" الأوردية بهذا الصدد: ".. قام مولانا عبد القدير خاموش" زعيم "جمعية علماء أهل الحديث" بكتابة رسالة وجهها إلى الشيخ عبد العزيز مفتي ديار السعودية ليفتي بقطع يد نواز شريف بسبب تورطه في ابتزاز الممتلكات العامة. وأضاف مولانا قائلاً: "إن نواز شريف ابتز ممتلكات شعب با**تان، وإن بموجب القوانين السعودية يجب قطع يد السارق".
3- تدهور الأوضاع:
يتوقع المراقبون في ظل المستجدات الراهنة تدهور الأوضاع السياسية عبر اندلاع الإضرابات والمظاهرات التي بدورها ستخلف تدني الأوضاع الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية في بلد يصل مديونيته إلى 38 مليار دولار. بيد أن أخطر عقبة ناتجة من تدني الأوضاع على الإطلاق هي اضطرار با**تان للتوقيع على اتفاقية منع حظر التجارب النووية.
هذا، وتعاني با**تان من ضغوط عالمية لاتفاق معاهدة حظر التجربة النووية، والتي تثقل على كاهل الاقتصاد البا**تاني؛ ولا سيما وأن المساعدات المالية والعسكرية الأمريكية لبا**تان انقطعت بموجب تعديل بريسلر عام 1990م، مما خلفت عقبات سيئة على القوة النووية البا**تانية.
الاحتمالات المستقبلية
يقع العسكر حاليًا في مواجهة جبهات متعددة. فقد كتبت صحيفة "ذي نيوز" البا**تانية: "إن نفي نواز شريف بمثابة هزيمة سياسية للعسكر والتي ستجر تبعات سلبيات أخرى ستنجلي آثارها عن قريب". وتضيف: ".. إن الشعب يعتبر نفي نواز شريف بمثابة إطلاق سراحه، وإن الناس ينتقدون الحكومة نظرًا لهول لاتهامات الواردة على نواز شريف. واعتبرت الجماعة الإسلامية بزعامة القاضي حسين أحمد خطوة الإفراج عن نواز شريف وإبعاده غير عادلة، وأنه يجب على العسكر التخلي عن السلطة، وأنذر من بدء حملة من أجل إسقاط الجنرال مشرف".
وعلى صعيد آخر يرى المراقبون أن نواز شريف سوف يقوم بشن حملة معارضة ضد العسكر. كتبت صحيفة "ذي نيشن" اليومية: "إن نواز شريف الذي نفي اليوم، سيعود إلى المعركة غدًا من جديد". وذكرت مصادر صحفية أخرى أن قد تعود إلى البلاد رئيسة الوزراء البا**تانية السابقة بينظير بوتو، زعيمة ح** الشعب المعارض، بالرغم من وجود أمر باعتقالها فور عودتها.
ومن المحتمل أن تكون بينظير صاحبة السمعة السيئة نتيجة تورط زوجها "آصف علي زرداري" في ابتزازات متعددة، واشتهاره أيام رئاسته بـ "السيد 10 %"، وصاحب المحلات التجارية المعفية من الضرائب.. المستفيد الأكبر من هذه المعركة في المستقبل.. ذلك أنها أثبتت لياقتها من استغلال الماء العكر لتحقيق أطماعها السياسية والح**ية.
وأخيرًا، وفي السياق نفسه تحدثت العديد من التقارير الصحفية عن تغييرات قريبة محتملة في البلاد، قد تكون على شكل إعلان الجنرال مشرف عن حكومة انتقالية وتسمية رئيس وزراء قد يكون هو السيد "إلهي بخش سومورو". على كل، ستكون الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عما نعجز عن التكهن بشأنه.
منقول
عادت الاضطرابات إلى الساحة السياسية البا**تانية من جديد، واشتعلت قضية انعقاد الانتخابات في ظل تهديدات الأحزاب المتحالفة المتمزقة لمقاطعتها؛ وذلك عقب أمر الجنرال برويز مشرف بتاريخ 10 من شهر ديسمبر - في تطور دراماتيكي ومفاجئ - الإفراج عن محمد نواز شريف رئيس الوزراء السابق لأسباب صحية، ونفيه إلى السعودية، بعد أن قضى نواز 13 شهرًا (من 14 عامًا) في السجن الذي حكم بحقه، لينتهي بذلك سيناريو الصراع "الشخصي" بين الجنرال مشرف ونواز شريف.
التأثير السعودي على صناعة القرار البا**تاني
اعتبرت الأوساط السياسية البا**تانية الوساطة السعودية - بالإضافة إلى عوامل أخرى - هي العاملة الفاعلة المباشرة التي لعبت دورًا بصدد الإفراج؛ حيث تتمتع السعودية بعلاقات حسنة مع كل من العسكر والرابطة الإسلامية التي تمثل الح** السياسي الأقوى والأقدم في با**تان. كما سبق وأن لعبت شفاعتها لدى الجنرال مشرف دورًا بارزًا في تحويل صيغة عقوبة الإعدام على نواز إلى السجن المؤبد ثم إلى 14 عامًا.
وتعود العلاقات "المتجذرة" بين البلدين إلى سنوات ما بعد قيام با**تان في الخمسينيات، والتي ازدادت ترابطًا في السبعينيات في عهد الملك الفيصل - رحمه الله - الذي كان يساعد با**تان ماديًّا ومعنويًّا في وجه الاتحاد السوفييتي الزاحف نحو المياه الدافئة.
وبلغت العلاقات ذروتها توثقًا في عهد الجنرال ضياء الحق الذي وقف بقوة خلف الجهاد الأفغاني أواخر السبعينيات وعقد الثمانينيات، واختار مواقف سياسية إيحابية، وسعى نحو "أسلمة" القوانين. ويعتبر نواز شريف - الذي استلم رئاسة الوزراء مرتين – امتداداً لهذا المسار، وإن انحرف فيما بعد عنه بصورة جوهرية. ويتولد هذا التأثير السعودي على مراكز صناعة القرار في إسلام آباد نتيجة دعامات مادية تقدمها السعودية ضمن إستراتيجيتها لبا**تان لدعمها في وجه الأحزاب الشيعية المسيطرة على قطاعي الاقتصاد والإعلام؛ وكذلك حمايتها من حركة طالبان الأفغانية المتمثلة في الإسلام السُّنِّي في وجه إيران الشيعية.
مكاسب عاجلة
يرى المراقبون البا**تانيون أيضًا أن من الأسباب التي دفعت العسكر ليقوم باتخاذ هذه الخطوة وبصورة مفاجئة هو وجود عوامل متعددة و**ب مكاسب عاجلة، على حساب عقبات سلبية آجلة؛ وأهم هذه المكاسب ما يلي:
1 - التخفيف من حدة الضغوط الخارجية المطالبة بعودة الديموقراطية والإفراج عن نواز شريف الذي أطيح بحكومته في أكتوبر 1999م. ويرى الجنرال المتقاعد "حميد جل" رئيس الاستخبارات السابق (ISI) أن مبادرة العسكر للإعفاء عن نواز شريف هو ناتج عن ضغوط الولايات المتحدة على الجنرال مشرف.
وقد يريد الغرب تكريس هذا النمط من "الديمقراطية الفوضوية" في با**تان للنيل من هذه الدولة الإسلامية الوحيدة التي تصرح بامتلاكها القوة النووية. تلك الديمقراطية التي أعطت رونقًا للفساد المالي والإداري، كما لعبت دورًا في تدهور الأخلاق؛ وهو العامل الأساسي الذي وضع با**تان في المرتبة الثانية من قائمة الدول التي يكثر فيها الفساد الإداري والمالي والارتشاء - حسب إحصائية منظمة غير حكومية في برلين. وقد حاول العسكر أكثر من مرة القضاء على هذه الديمقراطية بخيرها وشرها في الخمسينيات بيد الجنرال أيوب خان الذي ابتكر الديمقراطية المنظمة؛ كما حاول الجنرال ضياء الحق إدخال تعديلات جوهرية فيها.
2 - تفكيك شمل المعارضة التي هددت بمقاطعة الانتخابات وشن مظاهرات الشوارع، فالتحالف الذي شُكِّل مؤخرًا كان قد هدد بمقاطعة الانتخابات التي سيتم انعقادها في مطلع العام المقبل، وهو ما كان أثار مخاوف الجنرال مشرف. وبالفعل اخترق خروج نواز من السجن - دون التنسيق مع حلفائه السياسيين - صفوف الأحزاب المتحالفة ولقاها ضربة قاسية في مهدها، وإن كان رئيس التحالف "نواب زاده نصر الله خان" يرى غير ذلك؛ إذ يقول: "إن الإفراج عن نواز شريف لن يؤثر على التحالف، وإن العمل من أجل استعادة الديمقراطية سوف يستمر". كما حدث على نفس الوتيرة انشقاق بين كبار قادة ح** الرابطة، الذين شنوا هجومًا على نواز شريف بعد الإفراج عنه واستولوا على مقاره؛ وهم يفكرون بالفعل في طرده من رئاسة ح** الرابطة وتعيين "جاويد هاشمي" رئيسًا له. ومن قادة الح** من انزعج عن الإفراج عن نواز، كما صرح "إعجاز شافعي" - أحد أعضاء اللجنة التنفيذية في الح**.
وهكذا نال السيناريو - ولو بصفة مؤقتة - من تماسك المعارضة ليمهد الطريق أمام الجنرال مشرف لإجراء الانتخابات.
3 - التخفيف من الضغوط الاقتصادية: ولعل الجنرال أيضًا فتح باب السجن لإطلاق سراح المجرمين الذين يفضلون إعادة الأموال التي نهبوها على البقاء في غياهب السجن. يستنبط ذلك من اشتراط العسكر لإتمام هذه الصفقات إعادة الأموال التي نهبوها إلى الدولة البا**تانية. وكانت – ولا تزال - إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح من أكبر التحديات أمام الحكومة العسكرية، حيث أدت الابتزازات المتكررة من قبل السياسيين إلى ازدياد الفقر باطراد، ليقفز من (17,3%) في عام 1988م إلى (32,6%) عام 1998م. وقد طلب بعض زعماء التحالف، منهم "طاهر القادري" زعيم "ح** نهضة عوام"، و"أكبر بغتي" زعيم "ح** جهوري وطن" من الحكومة ألا تتنازل عن استرداد ما سرق من ممتلكات الدولة.
وعلى ذلك من المحتمل أن توسع الحكومة مجال الإفراج عن كثير من المجرمين، لاسترداد أموال بيت المال؛ لدرجة أن هناك مزاعم بشأن الإفراج عن "آصف زرداري" زوج رئيسة الوزراء السابقة "بينظير بوتو"، وشخصيات أخرى من ح**ي نواز شريف وبينظير بوتو. وقد تشير إحصائيات أن مديونياتهم المتراكمة تصل مبلغ 11 مليار دولار.
ومن الجدير بالذكر هنا: أنه حتى إذا تمكن العسكر بالفعل من تخفيض حدة الضغوط الخارجية وإفشال خطة التحالف المعارض الداخلي، فستزداد في المقابل التبعات السلبية - كما يشير المراقبون البا**تانيون - والتي قد تتفاقم في المستقبل، وأهمها ما يلي:
1 - فقدان الثقة:
افتقد العسكر فجأة ثقة الشعب، وهدم ما كان وضعه ضمن أجندته الثقيلة في سبيل إعادة بناء الثقة الوطنية التي ضاعت نتيجة التصرفات السيئة للحكومات المدنية، ودمر ما قدمه للرأي العام من إبداء وجه جاد في تنفيذ قراراته. وإن مبادرة الجنرال مشرف - باتخاذ هذه الخطوة - قلصت بشكل ملحوظ هذه الثقة، وكشفت هشاشة دعاياته، شأنه شأن حكومات مدنية أخرى قامت بادعاءات عريضة من دون أن تغطيها بثوب العمل. خير مثال على ذلك ما قامت به حكومة نواز شريف في المعركة الانتخابية عام 1998م للتخلص من المديونية الخارجية تحت شعار "سدد الديون وأنقذ البلد"؛ إذ قام بتأسيس محاكم "الاحتساب" لمحاسبة المتورطين في ابتزاز أموال العامة بهدف التخفيف من عبء المديونية. ثم إذا بحكومة نواز تقوم بعد ذلك بالاقتراض من الصندوق النقد الدولي، ضاربة عرض الحائط كل شعارات كانت ترفعها.
2 - الاستهزاء بالقوة القضائية:
اعتبر الكثير الصفقة - التي تمت بين عشية وضحاها - استهزاء وتلاعبًا بالقوة القضائية وسخرية لمحاكم "الاحتساب" التي تتابع قضايا الفساد. كتبت صحيفة "ذي فرانتير بوست" البا**تانية بهذا الصدد: "إطلاق سراح نواز شريف ونفيه إلى السعودية يضع ادعاءات حكومة العسكر العريضة بشأن محاكمة المبتزين ومعاقبتهم محلاًّ للتساؤل، وإن الشعب ينقد هذا التصرف بشدة".
وقال المتحدث باسم ح** الشعب البا**تاني بزعامة بينظير بوتو: "بات من الواضح أن المحاسبة لن تفعل شيئًا تجاه الفساد، وإنما تستهدف الوصول لأهداف سياسية بوسائل شريفة أو غيرها من أجل تنفيذ أجندة سياسية".
وتقول صحيفة "ذي نيشن" البا**تانية: "إن إطلاق سراح نواز شريف بهذه الصورة غير المتوقعة حيَّر الشعب، وإنه قد حان أن تُزال محاكمة "المحاسبة" التي صرفت ملايين من الروبيات لمتابعة قضايا نواز شريف". وإن أكد العسكر أن العفو عن نواز شريف لا يشمل تهم الفساد التي لم يُحاكم ضدها، وأن أية تهمة تثبت عليه ستتم معاقبته عليها وفقًا للقانون. وبالفعل قامت الحكومة العسكرية ببيع ممتلكات نواز شريف بالمزاد العلني.
ويصرح البعض أن نواز وبينظير ليسا أكثر من لصَّين كبيرين يجب معاقبتها حسب الشريعة الإسلامية. كتبت صحيفة "أنصاف" الأوردية بهذا الصدد: ".. قام مولانا عبد القدير خاموش" زعيم "جمعية علماء أهل الحديث" بكتابة رسالة وجهها إلى الشيخ عبد العزيز مفتي ديار السعودية ليفتي بقطع يد نواز شريف بسبب تورطه في ابتزاز الممتلكات العامة. وأضاف مولانا قائلاً: "إن نواز شريف ابتز ممتلكات شعب با**تان، وإن بموجب القوانين السعودية يجب قطع يد السارق".
3- تدهور الأوضاع:
يتوقع المراقبون في ظل المستجدات الراهنة تدهور الأوضاع السياسية عبر اندلاع الإضرابات والمظاهرات التي بدورها ستخلف تدني الأوضاع الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية في بلد يصل مديونيته إلى 38 مليار دولار. بيد أن أخطر عقبة ناتجة من تدني الأوضاع على الإطلاق هي اضطرار با**تان للتوقيع على اتفاقية منع حظر التجارب النووية.
هذا، وتعاني با**تان من ضغوط عالمية لاتفاق معاهدة حظر التجربة النووية، والتي تثقل على كاهل الاقتصاد البا**تاني؛ ولا سيما وأن المساعدات المالية والعسكرية الأمريكية لبا**تان انقطعت بموجب تعديل بريسلر عام 1990م، مما خلفت عقبات سيئة على القوة النووية البا**تانية.
الاحتمالات المستقبلية
يقع العسكر حاليًا في مواجهة جبهات متعددة. فقد كتبت صحيفة "ذي نيوز" البا**تانية: "إن نفي نواز شريف بمثابة هزيمة سياسية للعسكر والتي ستجر تبعات سلبيات أخرى ستنجلي آثارها عن قريب". وتضيف: ".. إن الشعب يعتبر نفي نواز شريف بمثابة إطلاق سراحه، وإن الناس ينتقدون الحكومة نظرًا لهول لاتهامات الواردة على نواز شريف. واعتبرت الجماعة الإسلامية بزعامة القاضي حسين أحمد خطوة الإفراج عن نواز شريف وإبعاده غير عادلة، وأنه يجب على العسكر التخلي عن السلطة، وأنذر من بدء حملة من أجل إسقاط الجنرال مشرف".
وعلى صعيد آخر يرى المراقبون أن نواز شريف سوف يقوم بشن حملة معارضة ضد العسكر. كتبت صحيفة "ذي نيشن" اليومية: "إن نواز شريف الذي نفي اليوم، سيعود إلى المعركة غدًا من جديد". وذكرت مصادر صحفية أخرى أن قد تعود إلى البلاد رئيسة الوزراء البا**تانية السابقة بينظير بوتو، زعيمة ح** الشعب المعارض، بالرغم من وجود أمر باعتقالها فور عودتها.
ومن المحتمل أن تكون بينظير صاحبة السمعة السيئة نتيجة تورط زوجها "آصف علي زرداري" في ابتزازات متعددة، واشتهاره أيام رئاسته بـ "السيد 10 %"، وصاحب المحلات التجارية المعفية من الضرائب.. المستفيد الأكبر من هذه المعركة في المستقبل.. ذلك أنها أثبتت لياقتها من استغلال الماء العكر لتحقيق أطماعها السياسية والح**ية.
وأخيرًا، وفي السياق نفسه تحدثت العديد من التقارير الصحفية عن تغييرات قريبة محتملة في البلاد، قد تكون على شكل إعلان الجنرال مشرف عن حكومة انتقالية وتسمية رئيس وزراء قد يكون هو السيد "إلهي بخش سومورو". على كل، ستكون الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عما نعجز عن التكهن بشأنه.
منقول