الجشعمي
14-01-2010, 05:40 PM
التسول السياسي
إن الوضع السياسي للدول القائمة في العالم يتراوح من حيث القوة والتأثير بين دول صاحبة قرار سياسي مؤثر وفاعل في الساحة الدولية أو دول ليس لها قرار ولا سيادة ولا تأثير فهي دول تابعة لغيرها تدور في فلك من هو أقوى منها .
تجد النوع الأول يصول ويجول ويحكم ويتحكم ويؤثر في غيره ، ولا يتنازل ولا يستجدي بخلاف النوع الثاني فإنه تابع لغيره ويدور فلكه يتنازل عن حقوقه أو بعض منها ، ليس له سياسة يسير وفقها يقبل بالفتات واليسير ولو مع الانحناء لغيره .
ما دفعني لكتابة هذه السطور ما آلت إليه القضية الفلسطينية من تمييع وضياع للحقوق ، حتى أنها تراوحت من حل الدولتين إلى دولة ونصف ، وما ندري ماذا سيُعرض علينا بعد ذلك .
وأغلب دول العالم تمنع التسول وتكافحه بطرق مختلفة لما له من أضرار بالغة على المجتمع والتي قد تصل إلى الجريمة بكل أشكالها؛ فهو بداية الطريق للانحراف .
فإذا كان طلب المال، أو الطعام، من عموم الناس عن طريق الاستجداء واستدرار العطف يجر إلى هذه المخاطر فكيف بطلب استرداد فلسطين ؟ ، وممن ؟ من يهود الذين قال الله – تعالى في حقهم :{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}النساء53 .
وإن الذي نشهده ونسمعه ونلاحظه من تصرفات وتصريحات ومواقف من الحكام عند حدوث المصائب والملمات كما يجري في العراق وفلسطين يبين بشكل واضح جليّ أن الواقع السياسي لهؤلاء الحكام، يبرز عليه الضعف والتخاذل والانبطاح والاستجداء للعدو مع تسميته تكتيكا أو مرحلية ، حتى أنه يرى في المحتل شريكاً ومخلّصاً، ويرى التعامل معه وتلقف مشاريعه مسايرة للتغيرات الدولية أو التقاء مصالح .
لكن العاقل والمبصر لا يمكن أن يتصرف هكذا باستجداء يصل إلى حد العبودية والسماح للقوات الأمريكية والغربية بإقامة قواعد عسكرية في بلاد المسلمين، والخضوع لشروط البنك والصندوق الدوليين وبيع البلاد في سوق النخاسة بجعلها رهينة هؤلاء الجزّارين، والتفريط ببلاد المسلمين وتمليك المحتل الأرض المباركة ، أرض الإسراء والمعراج ، والسماح لمن استهزأ بديننا ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – يصول ويجول في بلاد المسلمين .
فما الذي ألجأ هؤلاء الحكام والطبقات السياسية المحيطة بهم إلى أعدائها كالمستجير من النار بالرمضاء ؟
هل هو الخوف ؟ هل هو الضعف ؟ هل هو عدم وجود السيادة والعزة ؟
إن مما يعد أشد خطورة من الظروف السيئة التي نعيشها في هذا الزمان هو فقداننا لمقاييس العزة والكرامة والحق والباطل والأمانة والخيانة والصدق والكذب، فإذا فقدت الأمة هذه المقاييس كان من السهل خداعها وتضليلها والتلاعب بقضاياها ، وكان من السهل الوقوف موقف المستجدي للحق.
من الطبيعي على أمة عريقة تاريخها ممتد لألف وأربعمائة عام أن تمر بمراحل ضعف وكبوات بل إن من مميزات هذه الأمة أنها حافظت على صبغتها كأمة ولم تندثر ولم تفقد مبدأها برغم كل الظروف والعوامل التي أحاطت بها، وليس غريباً على أمة هذه حالها أن تتعلم من كبواتها وما يحل بها لتعقد العزم وتأخذ زمام أمرها من جديد فتعود كما كانت في مقدمة الدول وخير الأمم، ولكن المعيب لهذه الأمة أن تبقى ساكتة على حكام يدّعون الكرامة وهم يتسولون ويجمعون الأموال من هنا وهناك وهي أموال الأمة في الأصل.
كانت أعظم مصيبة حلت بالمسلمين بزوال خلافتهم وذهاب سلطانهم هي توقف العمل بكتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام. فقد كانوا يعيشون حياة إسلامية و يطبقون شرع الله في كل مناحي حياتهم و كان القرآن دستورهم كما قال عنهم ربنا عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}آل عمران110،
إن التاريخ يشهد أن دولة الإسلام كانت أقوى الدول في شتى المجالات، و كان لها التأثير الواضح في سياسات الدول الأخرى. فبعد أن كانت الدولة الإسلامية مهيبة الجانب ذات جيش لا يقهر تتسابق الدول الكافرة لنيل رضاها و إبرام معاهدات الصلح معها، و بعد أن كان المسلمون يحققون الانتصار تلو الآخر، و كانت لهم عزة ما بعدها عزة. أصبحوا الآن و بعد تلاشي دولتهم أذل شعوب العالم و أقلها شأنا بل و لم تعد لهم مكانة أصلا ناهيك عن الهيبة . فهذه بلاد المسلمين محتلة و تتوالى المصائب عليهم و كياناتُهم الهزيلة وأضحت شعوب العالم لا تحسب للمسلمين حسابا بل و تتسابق في العدوان على أمة الإسلام الجريحة كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْت )، وستبقى الحال كذلك إلا أن تهب أمة الإسلام ساعية في طريق عزتها بإقامة دولة الخلافة ، خلافة ترعى شؤونهم و تعيد لهم مكانتهم .
فهل آن الأوان لخير أمة أُخرجت للناس أن تعمل على إيجاد قادة سياسيين مخلصين لأمتهم كهارون الرشيد الذي وقف موقف العزة في هذه القصة :-
الحاجب : مولاي أمير المؤمنين .. هذا رسول من بلاد الفرنجة بالباب ...
يشير الخليفة بيده .. ويدخل الرسول مطأطئ الرأس حتى يقف بين يديه ..
الرشيد : هات ما عندك ..
يمد الرسول يده برسالة .. يأخذها الحاجب من يده .. ويعطيها الخليفة ..
يفتح الخليفة الرسالة :
من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد : فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا !
تغيّرت ملامح الرشيد .. احمر وجهه .. انتفخت أوداجه .. كأنه بركان يستعد للثوران .. أو قنبلة بدأ عدّها التنازليّ لتنفجر ..
دارت في ذهنه صور ملتهبة .. تحركها ريح عاصف من الغضب .. ويؤججها وقود شديد الانفجار من ا الشموخ ..
ما هذا ؟؟
هذا الكلام موجّه لأعظم رجل على وجه الأرض ؟؟
هذه الرسالة ترسل إلى من وطئت جيوشه وكتائبه مشارق الأرض ومغاربها ؟؟
ومن نقفور هذا ؟؟ أنا لا أعرفه !!
وهل يستحق أصلا أن أقرأ اسمه ؟ أو أنظر في رسالته ؟؟
ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت .. إذاً لما فتحت الرسالة .. ولا قرأت سطورها ..
نظر الخليفة إلى الرسول نظرة صقر غاضب .. وكأنه يردد في جوانحه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما ))
لم يكن لديه من الوقت ما يكفي لطلب ورقة يكتب فيها ردا على هذا المتطاول .. فالغضب قد بلغ أشده .. والقلب يحتاج لتصرف سريع يريح ما تأجج بداخله من بركان الغيظ الهائج ..
لم يكن أمير المؤمنين يرى أن هذا الدعيّ النكرة يستحق أن يخسر لأجله قطعة من كتاب !!
قلب الأسد الورقة .. وخطّ على ظهرها كلمات بقيت منقوشة على ذاكرة التاريخ ..
هذه الكلمات قليلة .. ولكنها تغني عن ملايين الكلمات التي نسمعها اليوم عن الشجب والاستنكار ..
هذه الكلمات معدودة .. ولكنها تغني عن آلاف الملفات التي ترزح تحتها أدراج قضايانا ودواليب مصائبنا ..
كلمات .. تعني كل معاني العزة والشموخ والتحدي ... لماذا ؟؟
لأنها لم تصدر ضمن مواثيق الأمم المتحدة .. وليس لها رقم في قرارات مجلس الأمن الدولي ...
كلمات - برغم طول العهد بها .. وبعد الزمان بيننا وبينها - إلا أنها تشعّ كل يوم قوة ومجدا .. وسموّا ..
كلمات .. ترسم صورة ذلك البركان الهائج يثور على مساحة التاريخ ..
كلمات .. لا تحتاج إلى شرح أو توضيح أو إعادة ..
تبّا لك يا نقفور .. أيّ مصيبة هذه التي أوقعت فيها نفسك ؟
تبّا لك يا نقفور !! أهكذا تخاطب أسيادك ..؟؟
تبّا لك يا نقفور .. ثم تبّا لك .. هل كنت بكامل قواك العقلية وأنت تخطّ هذه الرسالة ..؟؟ لا أظن ذلك !!
يا نقفور .. بما أنك تطاولت على أسيادك .. فخذ هذا الرد على ظهر رسالتك .. لتكون وصمة عار على جبينك .. على طول الزمن .. ومر التاريخ ..
(( مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ إِلى نُقْفُورَ كَلبِ الرّومِ !
قَرَأتُ كِتَابَكَ يَا ابنَ الكَافِرَةِ ! وَالجَوَابُ مَا تَرَاهُ دُونَ مَا تَسْمَعُه )) .
إن الحل الجذري لبيت المقدس ، لفلسطين الأرض المباركة لا يكون بالاستجداء ولا باللجوء لأعداء الأمة ؛ فديننا يأمرنا أن نقف مواقف العزة وأن لا نعط الدنية في ديننا ، وهذا لا يكون إلا في ظل خليفة المسلمين الذي يقود الجيوش نحو التحرير كما فعل الخلفاء والقادة كصلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس من أيدي الصليبيين .
فإلى العمل لإيجاد دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة كما يأمر اللهُ – تعالى - ويأمر نبيهُ - صلى الله عليه وسلم - .
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }فاطر10
إن الوضع السياسي للدول القائمة في العالم يتراوح من حيث القوة والتأثير بين دول صاحبة قرار سياسي مؤثر وفاعل في الساحة الدولية أو دول ليس لها قرار ولا سيادة ولا تأثير فهي دول تابعة لغيرها تدور في فلك من هو أقوى منها .
تجد النوع الأول يصول ويجول ويحكم ويتحكم ويؤثر في غيره ، ولا يتنازل ولا يستجدي بخلاف النوع الثاني فإنه تابع لغيره ويدور فلكه يتنازل عن حقوقه أو بعض منها ، ليس له سياسة يسير وفقها يقبل بالفتات واليسير ولو مع الانحناء لغيره .
ما دفعني لكتابة هذه السطور ما آلت إليه القضية الفلسطينية من تمييع وضياع للحقوق ، حتى أنها تراوحت من حل الدولتين إلى دولة ونصف ، وما ندري ماذا سيُعرض علينا بعد ذلك .
وأغلب دول العالم تمنع التسول وتكافحه بطرق مختلفة لما له من أضرار بالغة على المجتمع والتي قد تصل إلى الجريمة بكل أشكالها؛ فهو بداية الطريق للانحراف .
فإذا كان طلب المال، أو الطعام، من عموم الناس عن طريق الاستجداء واستدرار العطف يجر إلى هذه المخاطر فكيف بطلب استرداد فلسطين ؟ ، وممن ؟ من يهود الذين قال الله – تعالى في حقهم :{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}النساء53 .
وإن الذي نشهده ونسمعه ونلاحظه من تصرفات وتصريحات ومواقف من الحكام عند حدوث المصائب والملمات كما يجري في العراق وفلسطين يبين بشكل واضح جليّ أن الواقع السياسي لهؤلاء الحكام، يبرز عليه الضعف والتخاذل والانبطاح والاستجداء للعدو مع تسميته تكتيكا أو مرحلية ، حتى أنه يرى في المحتل شريكاً ومخلّصاً، ويرى التعامل معه وتلقف مشاريعه مسايرة للتغيرات الدولية أو التقاء مصالح .
لكن العاقل والمبصر لا يمكن أن يتصرف هكذا باستجداء يصل إلى حد العبودية والسماح للقوات الأمريكية والغربية بإقامة قواعد عسكرية في بلاد المسلمين، والخضوع لشروط البنك والصندوق الدوليين وبيع البلاد في سوق النخاسة بجعلها رهينة هؤلاء الجزّارين، والتفريط ببلاد المسلمين وتمليك المحتل الأرض المباركة ، أرض الإسراء والمعراج ، والسماح لمن استهزأ بديننا ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – يصول ويجول في بلاد المسلمين .
فما الذي ألجأ هؤلاء الحكام والطبقات السياسية المحيطة بهم إلى أعدائها كالمستجير من النار بالرمضاء ؟
هل هو الخوف ؟ هل هو الضعف ؟ هل هو عدم وجود السيادة والعزة ؟
إن مما يعد أشد خطورة من الظروف السيئة التي نعيشها في هذا الزمان هو فقداننا لمقاييس العزة والكرامة والحق والباطل والأمانة والخيانة والصدق والكذب، فإذا فقدت الأمة هذه المقاييس كان من السهل خداعها وتضليلها والتلاعب بقضاياها ، وكان من السهل الوقوف موقف المستجدي للحق.
من الطبيعي على أمة عريقة تاريخها ممتد لألف وأربعمائة عام أن تمر بمراحل ضعف وكبوات بل إن من مميزات هذه الأمة أنها حافظت على صبغتها كأمة ولم تندثر ولم تفقد مبدأها برغم كل الظروف والعوامل التي أحاطت بها، وليس غريباً على أمة هذه حالها أن تتعلم من كبواتها وما يحل بها لتعقد العزم وتأخذ زمام أمرها من جديد فتعود كما كانت في مقدمة الدول وخير الأمم، ولكن المعيب لهذه الأمة أن تبقى ساكتة على حكام يدّعون الكرامة وهم يتسولون ويجمعون الأموال من هنا وهناك وهي أموال الأمة في الأصل.
كانت أعظم مصيبة حلت بالمسلمين بزوال خلافتهم وذهاب سلطانهم هي توقف العمل بكتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام. فقد كانوا يعيشون حياة إسلامية و يطبقون شرع الله في كل مناحي حياتهم و كان القرآن دستورهم كما قال عنهم ربنا عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}آل عمران110،
إن التاريخ يشهد أن دولة الإسلام كانت أقوى الدول في شتى المجالات، و كان لها التأثير الواضح في سياسات الدول الأخرى. فبعد أن كانت الدولة الإسلامية مهيبة الجانب ذات جيش لا يقهر تتسابق الدول الكافرة لنيل رضاها و إبرام معاهدات الصلح معها، و بعد أن كان المسلمون يحققون الانتصار تلو الآخر، و كانت لهم عزة ما بعدها عزة. أصبحوا الآن و بعد تلاشي دولتهم أذل شعوب العالم و أقلها شأنا بل و لم تعد لهم مكانة أصلا ناهيك عن الهيبة . فهذه بلاد المسلمين محتلة و تتوالى المصائب عليهم و كياناتُهم الهزيلة وأضحت شعوب العالم لا تحسب للمسلمين حسابا بل و تتسابق في العدوان على أمة الإسلام الجريحة كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْت )، وستبقى الحال كذلك إلا أن تهب أمة الإسلام ساعية في طريق عزتها بإقامة دولة الخلافة ، خلافة ترعى شؤونهم و تعيد لهم مكانتهم .
فهل آن الأوان لخير أمة أُخرجت للناس أن تعمل على إيجاد قادة سياسيين مخلصين لأمتهم كهارون الرشيد الذي وقف موقف العزة في هذه القصة :-
الحاجب : مولاي أمير المؤمنين .. هذا رسول من بلاد الفرنجة بالباب ...
يشير الخليفة بيده .. ويدخل الرسول مطأطئ الرأس حتى يقف بين يديه ..
الرشيد : هات ما عندك ..
يمد الرسول يده برسالة .. يأخذها الحاجب من يده .. ويعطيها الخليفة ..
يفتح الخليفة الرسالة :
من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد : فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا !
تغيّرت ملامح الرشيد .. احمر وجهه .. انتفخت أوداجه .. كأنه بركان يستعد للثوران .. أو قنبلة بدأ عدّها التنازليّ لتنفجر ..
دارت في ذهنه صور ملتهبة .. تحركها ريح عاصف من الغضب .. ويؤججها وقود شديد الانفجار من ا الشموخ ..
ما هذا ؟؟
هذا الكلام موجّه لأعظم رجل على وجه الأرض ؟؟
هذه الرسالة ترسل إلى من وطئت جيوشه وكتائبه مشارق الأرض ومغاربها ؟؟
ومن نقفور هذا ؟؟ أنا لا أعرفه !!
وهل يستحق أصلا أن أقرأ اسمه ؟ أو أنظر في رسالته ؟؟
ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت .. إذاً لما فتحت الرسالة .. ولا قرأت سطورها ..
نظر الخليفة إلى الرسول نظرة صقر غاضب .. وكأنه يردد في جوانحه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما ))
لم يكن لديه من الوقت ما يكفي لطلب ورقة يكتب فيها ردا على هذا المتطاول .. فالغضب قد بلغ أشده .. والقلب يحتاج لتصرف سريع يريح ما تأجج بداخله من بركان الغيظ الهائج ..
لم يكن أمير المؤمنين يرى أن هذا الدعيّ النكرة يستحق أن يخسر لأجله قطعة من كتاب !!
قلب الأسد الورقة .. وخطّ على ظهرها كلمات بقيت منقوشة على ذاكرة التاريخ ..
هذه الكلمات قليلة .. ولكنها تغني عن ملايين الكلمات التي نسمعها اليوم عن الشجب والاستنكار ..
هذه الكلمات معدودة .. ولكنها تغني عن آلاف الملفات التي ترزح تحتها أدراج قضايانا ودواليب مصائبنا ..
كلمات .. تعني كل معاني العزة والشموخ والتحدي ... لماذا ؟؟
لأنها لم تصدر ضمن مواثيق الأمم المتحدة .. وليس لها رقم في قرارات مجلس الأمن الدولي ...
كلمات - برغم طول العهد بها .. وبعد الزمان بيننا وبينها - إلا أنها تشعّ كل يوم قوة ومجدا .. وسموّا ..
كلمات .. ترسم صورة ذلك البركان الهائج يثور على مساحة التاريخ ..
كلمات .. لا تحتاج إلى شرح أو توضيح أو إعادة ..
تبّا لك يا نقفور .. أيّ مصيبة هذه التي أوقعت فيها نفسك ؟
تبّا لك يا نقفور !! أهكذا تخاطب أسيادك ..؟؟
تبّا لك يا نقفور .. ثم تبّا لك .. هل كنت بكامل قواك العقلية وأنت تخطّ هذه الرسالة ..؟؟ لا أظن ذلك !!
يا نقفور .. بما أنك تطاولت على أسيادك .. فخذ هذا الرد على ظهر رسالتك .. لتكون وصمة عار على جبينك .. على طول الزمن .. ومر التاريخ ..
(( مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ إِلى نُقْفُورَ كَلبِ الرّومِ !
قَرَأتُ كِتَابَكَ يَا ابنَ الكَافِرَةِ ! وَالجَوَابُ مَا تَرَاهُ دُونَ مَا تَسْمَعُه )) .
إن الحل الجذري لبيت المقدس ، لفلسطين الأرض المباركة لا يكون بالاستجداء ولا باللجوء لأعداء الأمة ؛ فديننا يأمرنا أن نقف مواقف العزة وأن لا نعط الدنية في ديننا ، وهذا لا يكون إلا في ظل خليفة المسلمين الذي يقود الجيوش نحو التحرير كما فعل الخلفاء والقادة كصلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس من أيدي الصليبيين .
فإلى العمل لإيجاد دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة كما يأمر اللهُ – تعالى - ويأمر نبيهُ - صلى الله عليه وسلم - .
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }فاطر10