الجشعمي
03-12-2009, 07:37 PM
أحكام الدفن فى الإسلام
الدفن بعد الموت واجب ولو كان الميت كافرا ، يعنى لو كان كافرا بين أظهر المسلمين وجب على المسلمين أن يدفنوه ، فالدفن بعد الموت واجب ولو كان الميت كافرا.
ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وأحمد والنسائى ، وغيرهم(1)عن جماعة من أصحاب النبى أن رسول الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش – يعنى من المشركين ممن ماتوا وقتلوا يوم بدر – فقذفوا فى بئر من الآبار ووقف على حافة القليب – أو البئر – ينادى على بعض القتلى وهو يقول : ((يا أبا جهل ،يا بن هشام ، يا عتبة بن ربيعة ، يا شيبة بن ربيعة ، يا وليد بن عتبة)) النبى واقف على قليب بدر بئر من الآبار بعد ما أمر بوضعهم فى البئر ظل ينادي عليهم ، ثم قال النبي : ((أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟)) . ألا تتمنون أن كنتم أطعتم الله ورسوله ، لأنهم انتقلوا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ورأوا وعاينوا الحقائق فالنبى قال : ((أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟)). فسمع عمر بن الخطاب رسول الله فقال :يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ، وفى لفظ : أتكلم أناسا قد جيفوا – يعنى صاروا جيفا – فقال النبي : ((والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)). . ثم قال النبى فى رواية أخرى وكل هذه الزيادات صحيحة قال النبى : ((والله إنهم الآن ليعلمون أن الذى كنت أقول لهم هو الحق)). انتقل من دار الدنيا إلى دار الحق عرف ، بل إن الرجل على فراش الموت يعاين الحقائق كلها فى الدنيا يرى مقعده من الجنة ومن النار ، وهو بين أظهرنا فى الدنيا ، بل إذا حمله الرجال على الأعناق تكلم ، فى الصحيحين(2)ينطق وهو على أعناق الرجال إن كان صالحا يقول – أى صاحبها : قدمونى قدمونى ، فلو علمتم إلى أى خير تقدموننى لأسرعتم، لأنه رأى أين سيذهب فيريد أن يسرع إلى هذا النعيم ، رأى الجنة وهو فى الدنيا، وإن كانت الأخرى أعاذنا الله وإياكم من الأخرى قال : يا ويلها يا ويلها أين تذهبون بها ؟ النبي يقول : ((يسمع الجنازة كل شىء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق)).
تصور مثلا : لو أنك تحمل والدك أو أمك ، اللهم استرنا واختم لآبائنا وأمهاتنا بالجنة يارب العالمين ، تصور حينما يكون الإنسان حاملاً والده ، وأذن الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يسمع صوت الجنازة ، تُحمل الجنازة ، وهو فى قلب النعش يقول : يا ويلها يا ويلها إلى أين تذهبون بها ؟ يا الله {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44) سورة الإسراء حليما غفورا لماذا لم يقل : كان سميعا بصيرا ، وهو كذلك سبحانه وتعالى يعنى يسمع من يسبح ويرى من يسبح ولكن قال : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حليما بكم إذ حجب عنكم سماع تسبيح المخلوقات من حولكم ، تصور لو سمعت تسبيح كل مخلوق بأذنك ، الثوب أنت لابسه يسبح ، والعمود أنت تركن عليه الجدار تركن عليه يسبح ، والأكل فى يديك يسبح ، وكل شىء فى الكون من حولك ، ماذا يكون حالك لو سمعت تسبيح كل هذه المخلوقات من حولك؟! { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حليما بكم إذ فضلكم على جميع المخلوقات ، مع ذلك فكل المخلوقاات لا تغفل عن تسبيحه ، مع أنكم تغلفون ، ومع ذلك إنه كان حليماً بكم غفورا لكم على غفلتكم وتقصيركم إن عدتم إليه جل وعلا ، فمن ستر الله أن النبى يقول : ((والله إنهم الآن ليعلمون أن الذى كنت أقول لهم الحق)). وفى رواية : ((إنهم الآن ليسمعون غير إنهم لا يستطعون أن يردوا على شيئا)).
قال قتادة – هذه زيادة صحيحة أيضا : أحياهم الله فى القليب لرسوله ، حتى أسمعهم قول نبيه ، وما ذلك على الله بعزيز . . هذه زيادة أخرى توبيخا وحسرة وندامة هذا الحديث يستدل به على وجوب دفن الموتى ، ولو كانوا كفارا والذى أمر بدفنهم رسول الله .
أيضا : عن على – رضى الله عنه – لما توفى أبو طالب – ابوه – فأنتم تعلمون أن أبا طالب مات على كفر كما فى الصحيحين(3)أن رسول الله دخل على عمه أبى طالب وهو فى فراش الموت ، وكان يجلس إلى جوار أبى طالب ، عبد الله بن أمية ، وأبو جهل الحكم ابن هشام فلما دخل النبى على عمه جلس إلى جواره عند رأسه وقال : ((يا عم قل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة)). فنظر عبد الله بن أمية وأبو جهل إلى أبى طالب وقالا : أترغب عن ملة عبد المطلب ، دين عبد المطلب ودين آبائك وأجدادك ، فقال أبو طالب : لا بل على ملة عبد المطلب . ليس على ملة رسول الله .قال : بل على ملة عبد المطلب . فخرج النبى من عند عمه أبى طالب وهو يقول : ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) فنزل عليه قول الله تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (113) سورة التوبة.
فنزلت الآيات تحكم على أبى طالب بأنه مات على الشرك ، فلما توفى أبو طالب خرج النبى وسيدنا على عنده وهو أبوه ، فلما مات جاء على – رضى الله عنه – إلى النبى فقال : يا رسول الله إن عمك الشيخ قد مات وفى لفظ صحيح(4) : إن عمك الشيخ الضال قد مات ، فمن يواريه ؟ الشاهد : فمن يواريه ؟ فقال النبىلعلى : ((اذهب فواره – ادفنه – ثم لا تحدث شيئا حتى تأتينى)) . . فقال على يستنكر – مع أن النبى هو الذى يأمره . ((اذهب فواره)) كيف لقد مات على شرك ؟! فسيدنا على يقول للنبى : إنه مات مشركاً يعنى ، كيف نواريه ، وقد مات على الشرك؟ فقال النبى الثانيه : ((اذهب فواره)) النبى مشرع ((اذهب فواره)) وذلك فى المرة الثانيه . قال على : فواريته. ثم أتيت النبى .وقال على : فدعا لى رسول الله بدعوات ما يسرنى أن لى بها حمر النعيم.
حمر النعم : كانت من أغلى ما يمتلكه العربى فى أرض الجزيرة من نوق وجمال ، نوع من أنواع الجمال كانت من أغلى ما يمتلكه الرجل العربى فى الجزيرة العربية ، حمر النعيم : لو عدنا إلى الوراء قليلا ، تذكرون معى أن عنترة بن شداد قد طلب منه ألف ناقة من النياق ، ليقدمها مهرا لحبيبته عبلة ، فكانت شيئاً غالياً جداً ثميناً نفيساً لا يمتلكه فى أرض الجزيرة إلا الأثرياء ، فمن عنده ناقة من هذه النوق أو النياق فهو رجل ثرى . فسيدنا على يقول : فدعا لى رسول الله بدعوات ما يسرنى أن لى بها حمر النعم . . يعنى : لو أن عندى حمر النعم والله ما فرحت بها كفرحى بدعوات النبى ، قال : وكان على إذا غسل الميت اغتسل . قلنا : الغسل لمن غسل على سبيل الندب والاستحسان لا على سبيل الوجوب.
الحديث رواه أحمد(5)، وقال شيخنا الألبانى – رحمه الله تعالى : وسنده صحيح . هذا دليل آخر على وجوب دفن الميت ولو كان كافراً ، لأن أمر النبى ((اذهب فوراه)) للوجوب ،إذ لم تأت قرينة تصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الندب أو الاستحسان.
حكم دفن المسلم مع الكافر:
أيضا من الأحكام المهمة فى هذا الباب : أنه لا يجوز أبدا أن يدفن المسلم مع الكافر ، لا يجوز أبدا أن يدفن مسلم فى مقابر النصارى فلا مجاملة ولا مداهنة {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} (73) سورة المائدة إنه قرآن فلا يقدر أحد أن يغيره إلى يوم القيامة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (17) سورة المائدة فمن قال : إن الله هو المسيح ابن مريم فهو كافر ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة فهو كافر بنص القرآن ، وفى صحيح مسلم(6) من حديث أبى هريرة أن النبى قال : ((والذى نفس محمد بيده لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى أو نصرانى ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) فلا يجوز للمسلمين أن يدفنوا المسلم فى مقابر النصارى ، ولا يجوز لنصرانى أن يدفن فى مقابر المسلمين ، لا يدفن المسلم مع كافر ولا كافر مع المسلم ، بل يدفن المسلم فى مقابر المسلمين ، والكافر فى مقابر المشركين أو الكفار ، ولو مات بين أظهر المسلمين فى مقابر المشركين ، كذلك كان الأمر على عهد النبى المختار ، واستمر إلى عصرنا هذا.
ومن الأدلة على ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه(7) وغيرهم بسند صحيح أن بشير بن الخصاصية قال : بينما أنا ماشى آخذاً بيده .. فقال النبى :
(( يا بن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تماشى رسول الله )) . يعنى أصبحت فى قلبك عدم رضا عن الله تعالى ، ومع ذلك تمشى مع رسوله ، فقلت والقائل بشير : بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، ما أصبحت أنقم على الله شيئا ، كل خير فعل الله بى .
قال النبى له : كذلك ، لأنه ثبت فى رواية الطبرانى (8) قال بشير : أتيت رسول الله فلحقته بالبقيع فسمعته يقول : (( السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين )) وانقطع شسعى – هو سير النعل يعنى فقال : (( انعش قدمك )) فقلت : يا رسول الله طالت عزوبتى . ونأت عنى دار قومى – أو ونأيت عن دار قومى فقال : (( يا بشير ألا تحمد الله عز وجل الذى أخد بناصيتك من بين ربيعة وهم قوم يرون لولا أنهم إن كفت الأرض بمن فيها )) يعنى قوم على الكفر والشرك ونجاك الله تبارك وتعالى على التوحيد ، ألا ترضى بهذه النعمة .
فالنبى يقول: (( يابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تماشى رسول الله)). صلى الله عليه وسلم فقلت : بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما أصبحت أنقم على الله شيئا ، كل خير فعل الله بى ، فأتى على قبور المشركين فقال : ((لقد سبق هؤلاء بخير كثير)) (ثلاث مرات) ثم أتى على قبور المسلمين فقال : ((لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيرا)) (ثلاث مرات) . فبينما هو يمشى إذ حانت منه نظرة التفت فإذا هو برجل يمشى بين القبور عليه نعلان فقال : (( يا صاحب السبتيتين )) – نوع من أنواع النعال السبتية وهو مكان باليمن كان يأتى منه هذه النعال ، فكانت تنسب إلى هذه البلدة يقول لك مثلا : هذا نعل أمريكى نعل أوروبى نعل كورى مصرى .
فالنبى يقول له : ((ياصاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك)) نعليك فنظر ، فلما عرف الرجل رسول الله خلع نعليه فرمى بهما .. ثم أتى على قبور المشركين فقال : ((لقد فات هؤلاء خير كثير)) ثم أتى على قبور المسلمين فقال : ((لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا)) فمر على مقابر المشركين ، ثم مشى فمر على مقابر المسلمين .
احتج بهذا الحديث الإمام ابن حزم على أنه لا يدفن مسلم مع مشرك ، واحتج به أيضا فى مكان آخر على تحريم المشى بالنعال بين القبور ، السنة : ألا يدفن المسلم مع الكافر ، و ألا يدفن الكافر مع المسلم.
الدفن فى المسجد :
ومن الأحكام أيضا فى هذا الباب : أن السنة الدفن فى المقابر ليس فى المساجد ، فكل من حافظ على الصلوات فى جماعة وعلم الناس شيئاً ، ويقام له بعد ما يموت ، ويدفن فى المسجد ، لا ليس هذا من السنة ، بل من السنة الدفن فى مقابر المسلمين ، لأن النبى كان يدفن الموتى فى مقبرة البقيع . هل هناك أفضل وأطهر فى الدنيا بعد الأنبياء من الصحابة ؟ ! لا ، والله كل الصحابة الذين ماتوا فى المدينة دفنوا فى البقيع فى مقبرة المسلمين ، فالبقيع هو مقابر إلى جوار المسجد النبوى ، وهناك من الصحابة من دفن فى مقابر المسلمين خارج المدينة ، كانوا يخرجون للدعوة وللعلم و للتجارة فمن مات منهم لم يقل المسلمون : هذا صحابى من أصحاب رسول الله نعمل له ضريحاً فى المسجد وندفنه فى المسجد ، لا أبدا بل السنة أن يدفن الميت المسلم فى مقابر المسلمين . فلما قبض رسول الله لم ينقل عن أحد من السلف أبدا أن مسلما دفن فى غير المقابر ، يعنى لم يثبت عن أحد من السلف أبدا أنه طلب أن يدفن فى غير المقابر أبدا ، لا يوجد رجل من سلف الأمة الصالح من أهل الفضل والعلم أوصى قبل موته أن يدفن فى غير مقابر المسلمين .
قد يحتج علينا بدفن النبى فى غير مقابر المسلمين ، فهذا أمر خاص برسول الله ، فهذا من خصوصياته ، فلقد ثبت فى الحديث الذى رواه الترمذى (9) وغيره ، وهو حديث ثابت صحيح بمجموع طرقه ، وشواهده من حديث عائشة قالت : لما قبض رسول الله اختلفوا فى دفنه قالوا : أين ندفنه فى البقيع مع المسلمين أم أين ندفنه ؟ هذا رسول الله ! فقال أبو بكر : أهناك أصدق فى الأمة بعد نبيها من أبى بكر – إنه الصديق رضوان الله عليه – فلما وجد الصحابة قد اختلفوا قال أبو بكر – رضوان الله عليه : سمعت من رسول الله : (( ما قبض الله نبيا إلا فى الموضع الذى يحب أن يدفن فيه)) . يعنى : كل نبى قبض فى موطن دفنه – يعنى بالمكان الذى قبض فيه اللحد ويدفن فيه ، لأن الله لا يقبض نبيا إلا فى المكان الذى يحب النبى أن يقبض فيه – وأنتم تعلمون أن النبى كان يحب عائشة – رضى الله عنها – ويعلن ذلك .
روى البخارى (10) من حديث عمرو بن العاص قال : يارسول الله من أحب الناس إليك ؟ قال : (( عائشة )) . كلام واضح وصريح لكن أريد أن أقيد و أقول : بعد خديجة – رضى الله عنهن – جميعا . فقال عمرو : من الرجال أنا أسألك عن الرجال يا رسول الله : من أحب الناس إليك من الرجال ؟ قال : (( أبوها )) . أبو بكر : ثم من ؟ قال : (( ثم عمر )) ترتيب ، فعائشة أحب النساء إلى قلب النبى ، والصديق أحب الرجال إلى قلب النبى وبعد الصديق عمر .
فالنبى كان يحب عائشة ، ولذلك لما مرض النبى فى مرضه الأخير ، قبل الموت كان فى بيت حفصة – رضى الله عنها – اشتد به الوجع و الألم فى بيت حفصة لما دخل على السيدة عائشة يشكو رأسه ، فدخل ووجد السيدة عائشة تشتكى رأسها ، سأذكر الحديث الآن بالتفصيل تقول : وارأساه فقال لها : (( بل أنا والله وارأساه )) (11) يعنى أنا الذى أشتكى ألما شديدا فى رأسى فخرج من بيت عائشة ، ودخل على السيدة حفصة ، واشتد به الوجع هنالك فاجتمع نساؤه – رضوان الله عليهن – ليمرضنه وليكن إلى جواره بأبى هو و أمى ، فأمرهن أن يصبوا عليه الماء فأحضروا له طستا أو مخضبا فى بيت حفصة ، وصبوا على رسول الله الماء حتى أشار إليهن بيده وهو يقول : ((حسبكن)). وفى لفظ : ((قد فعلتن)) .
ثم عصب رأسه وأراد أن يخرج ليودع أصحابة بكلمات رقيقة رقراقة ، ثم استأذن نساءه أن يرجع ليمرض فى بيت عائشة فأذن له – رضوان الله عليهن – مع أن النوبة لم تكن على عائشة لكن استأذن أن يرجع إلى بيت عائشة ، ليكون عند عائشة – رضوان الله عليها وعلى زوجات رسول الله - فعاد النبى إلى بيت عائشة فقبض فى حجرة عائشة فى يوم الإثنين الثانى عشر من ربيع الأول .
قال أبو بكر – رضوان الله عليه : سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته : ((ما قبض الله نبيا إلا فى الموضع الذى يحب أن يدفن فيه)) . فدفنوه فى موضع فراشه هذا أمر خاص بالنبى . ثم أود ان أزيد المسألة تفصيلا و إيضاحا فأقول : كان النبى فى حجرة عائشة ، وكانت الحجرة فى خارج المسجد صحيح أن بابها يطل على المسجد ، لكنها كانت خارج المسجد كل حجرات النبى كانت تطل على المسجد النبوى ، وظل النبى مدفوناً فى حجرة عائشة حتى توفى أبو بكر – رضوان الله عليه – فدفن الصحابة أبا بكر فى الحجرة النبوية ، إلى جوار رسول الله وبعض الناس يظن أن الرسول دفن هكذا ، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله وهذا خطأ
فلما دفن أبو بكر – رضوان الله عليه – دفن هكذا وضعت رأسه عند قدم رسول الله أمامه ، وكانت عائشة – رضوان الله عليها – قد جعلت الموضع الآخر لتدفن مع رسول الله وأبيها ، فلما طعن عمر – رضوان الله عليه – تمنى عمر أن يدفن مع صاحبيه مع رسول الله و أبى بكر ، فأرسل عبد الله بن عمر – رضى الله عنهما – إلى عائشة ليستأذنها قال : اذهب يا بنى إلى عائشة فاستأذنها أن أدفن مع صاحبى ، فإن أذنت فالحمد لله فو الله ما يشغلنى الآن إلا ذلك ، فإن أبت فردونى إلى مقابر المسلمين .
قال عبد الله بن عمر : فذهبت إلى عائشة – رضى الله عنها – فوجدتها جالسة تبكى ، فقلت : إن عمر يستأذن – إن عمر بن الخطاب ، لأن عمر قال له : قل عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه ولا تقل : أمير المؤمنين فأنا اليوم لست بأمير المؤمنين فقال : عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه يقول : فوجدت عائشة تبكى وهى تقول : والله لقد كنت قد جعلت هذا المكان لنفسى ، ولكنى أؤثر اليوم عمر على نفسى ، فجاء عمر فدفن أمام أبى بكر بنفس الكيفية التى دفن بها أبى بكر مع رسول الله فلا ينبغى أبدا أن يكون أحد فى محاذاة النبى فهو هو رسول الله الذى لا يدانيه أحد من الخلق ولا من البشر ولو كان الصديق ولو كان عمر – رضوان الله على جميع أصحاب رسول الله – فدفن أبو بكر ودفن عمر .
والمسجد النبوى وسع أكثر من مرة فى عهد عثمان – رضى الله عنه – من الجهة المقابلة يعنى لو تخيلنا أن الحجرات النبوية الشريفة فى هذا الجانب ظلت الحجرات على هيئتها وكانت التوسعة من الجانب الآخر ، وسع المسجد هكذا وظل الآمر كذلك إلى سنة ستة وثمانين من الهجرة فجاء عبد الملك بن مروان للحج فلما حج وأتى المدينة للصلاة فى مسجد رسول الله وللسلام عليه ، ارتقى المنبر ليخطب فوجد الناس قد انشغلوا عنه وتعلقت أبصارهم بحجرات النبى ، فلما نزل عبد الملك أصدر أمر فى هذا اليوم أن يوسع المسجد من جهة الحجرات وأن تدخل حجرات النبى فى المسجد .من هذا اليوم فقط دخلت حجرات النبى بما فيها حجرة عائشة وفيها النبى وأبو بكر وعمر ، دخلت إلى مسجد رسول الله وكنا نتمنى فى التوسعة الأخيرة فى المسجد النبوى أن يرجع الأمر إلى أصله لكن العلماء هنالك ، وهم أهل فضل لا نظن بهم إلا كل خير ، لم يتمكنوا من ذلك من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد وهذا أمر شرعى ، لاينبغى أن يقدح فيه أحد فإن النبى لم يستطيع أن يرد البيت على قواعد إبراهيم مع قدرته على فعل ذلك كما قال ابن القيم.
قال – رحمه الله : إن النبى قد شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ، ليحصل من المعرف ما يحبه الله ورسوله ، فإن كان إنكار المنكر ، ليحصل من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر من المنكر فهو أمر بمنكر وسعى فى معصية الله ورسوله ، ولقد كان النبى يرى بمكة أكبر المكرات ، ولا يستطيع تغييرها بل لما فتح الله عليه مكة ، وصارت مكة دار إسلام وعزم النبى على هدم البيت الحرام، ورده على قواعد إبراهيم لم يفعل النبى ذلك مع قدرته على فعل ذلك ، لأن قريشاً كانت حديثة عهد بكفر ، وقريبة عهد بإسلام.
المسألة : مسائل الموازنة بين المصالح والمفاسد ، لا ينبغى لطالب علم متحمس أو متهور أن يتهم أهل العلم وأهل الفضل من العلماء الأجلاء بالجبن أو إلى آخر هذه التهم العريضة . فإذن قبر رسول الله فى المسجد هذا أمر خاص برسول الله فضلا عن أن النبى قد تضرع إلى ربه جل وعلا ألا يصير قبره يوماً من الأيام وثناً يعبد فقال : ((اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد من بعدى)) (12) .فأنت تذهب إلى هنالك لا تتمكن من أن تمد يدك على جدار الحجرة النبوية ، منكم من سافر فلم يقدر أن يمد يده ، بل إذا اتجهت إلى حجرة النبى لتدعو ربك قال لك أحد إخوانك هنالك : وجه وجهك إلى القبلة وادع ربك جل وعلا اسأل الله تبارك وتعالى.
فاستجاب الله دعاء نبيه ، فلا ينبغى أن يحتج بقبر النبى لجواز أن يدفن كل ولى فى مسجد من مساجد المسلمين ، بل يجب أن يدفن كل ميت فى مقابر المسلمين كما دفن أصحاب سيد المرسلين ، أما قبر النبى فهذا أمر خاص به إذا لا يجوز الدفن إلا فى مقابر المسلمين كما ذكرت ، للمسلم و للصالح و للعالم .
أيضا : لا بأس أن يدفن فى القبر أكثر من واحد عند الضرورة ، كما فعل النبى فى الشهداء يوم أحد ، كان يدفن فى القبر اثنين وثلاثة ، ويقدم أكثرهم قرآنا كما فى الحديث الذى رواه البخارى و غيره عن جابر بن عبد الله قال : كان النبى يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أحد فى ثوب واحد . فيسأل : أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه فى اللحد قبل صاحبه وقال : ((أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة)) (13) وأمر بدفنهم فى دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .
قال جابر : فدفن أبى وعمى يومئذ فى قبر واحد ، فلا حرج أن يدفن فى القبر اثنان وثلاثة وهذا فعل النبى .
وفى الحديث الجميل الذى رواه أحمد فى مسنده بسند حسنه الحافظ ابن حجر عن أبى قتادة قال : أتى عمرو بن الجموح – رضى الله عنه – إلى رسول الله فقال : يا رسول الله أرأيت إن قاتلت فى سبيل الله حتى أقتل أمشى برجلى هذه صحيحه فى الجنة ؟ - وكان أعرج – فقال (( نعم )) (14) فقُتل يوم أحد .
فليس فى الجنة خلل ولا نقص ولا عيب ، دار كمال ليست دار نقصان ، أعرج يتأذى بعرجته فى الدنيا ، لن يتأذى بها فى الجنة ، فأمر رسول الله بهما وبمولاهما فجعلوا – الثلاثة – قبر واحد .
من الذى ينزل الميت إلى قبره ؟ :
أيضا : يتولى إنزال الميت إلى قبره ولو كان أنثى الرجال دون النساء ، وهذا متعارف عليه معمول به ولله الحمد ، يعنى لا يجوز للنساء أن ينزلن الميت إلى القبر ، ولو كان المتوفى أنثى ، بل ينزل الميت إلى القبر الرجال دون النساء ، هذا هو المعهود على عهد النبى ، وجوب العمل به إلى يومنا هذا ، وأولياء الميت أحق بإنزاله إلى القبر لعموم قول الله تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} (75) سورة الأنفال .
هذا دليل عام إلا ما دل عليه الدليل بالتخصيص ، فقد ذكرت أنه لم يثبت دليل على أنه يجب أن يصلى على الميت أقرب الناس إليه ، فهذه الآية آية عامة ما لم يأت دليل خاص فى أى مسألة من المسائل.
فثبت فى هذا الباب – إنزال الميت فى قبره من خلال أوليائه ما رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقى بسند صحيح وله شاهد أيضا من حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – أن علياً – رضى الله عنه – قال : غسلت رسول الله فذهبت أنظر ما يكون من للميت فلم أر شيئا ، وكان رسول الله طيبا حيا وميتا ، وولى دفنه وإجنانه – أى إدخاله إلى القبر – من الجنة أى الوقاية – دون الناس أربعة : على ، والعباس والفضل ، وصالح مولى رسول الله – رضى الله عنهم أجمعين – ولعلكم لم تسمعوا عن صالح – قد شرف بإنزال النبى إلى قبره ولحدوا رسول الله لحدا عليه اللبن(15) – يعنى الطوب
أيضا : من المسائل المتعلقة بهذا الباب : يجوز للزوج أن ينزل زوجته إلى القبر ، لحديث عائشة – رضى الله عنها : رواه أحمد بسند صحيح وغيره ، وقد رواه البخارى أيضا – قالت : دخل على رسول الله فى اليوم الذى بدئ فيه بالمرض – مرض الموت – فقلت : وارأساه ، كانت تشكو من صداع فى رأسها – فقال لها النبى – انظر إلى الدعابة الجميلة من النبى : (( وددت أن ذلك كان و أنا حى فهيأتك ودفنتك )) كانت عائشة لم تبلغ العشرين فى ريعان الشباب ، والنبى ثلاثا وستون سنة – فقالت : فقلت غيرة – دبت الغيرة فى قلب عائشة فى هذه اللحظات : كأنى بك فى ذلك اليوم عروساً ببعض نسائك – تدفننى وتنام مع زوجة أخرى من نسائك – قال : (( بل أنا وارأساه يا عائشة )) وتقوم للحبيب فيقول لها : (( ادعو لى أباك وأخاك حتى أكتب لأبى بكر كتابا فإنى أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمنى يقول أنا أولى – أى بالخلافة من أبى بكر – ويأبى الله عزو وجل والمؤمنون إلا أبا بكر ))(16) هذه حديث من أعظم وأنصع الأدلة حتى أن النبى – قد قدم أبا بكر للخلافة من بعده. الحديث رواه البخارى ومسلم ورواه الإمام أحمد وغيرهم .
وفى إشارة أخرى جميلة فى حديث الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى : لما ارتقى النبى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : (( إن عبدا من عباد الله خيره الله بين إن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله فاختار ما عند الله )) (17) فقام الصديق – رضى الله عنه – فى المسجد يبكى ويقول للنبى وهو على المنبر : فديناك بآبائنا وأمهاتنا وأرواحنا يا رسول الله . فصج الناس فى المسجد من قول أبى بكر ، وقالوا : عجبا لهذا الشيخ ، رسول الله يتحدث عن عبد مخير بين الدنيا والأخرة فأختار الآخرة .
ولكن الصديق كان أفهم الصحابة لكلام النبى فلتعلم أن العبد المخير هو المصطفى قال النبى : (( على رسالك يا أبا بكر )) يعنى انتظر قليلا ، ثم قال النبى : (( أيها الناس ما منكم من أحد إلا وكان له عندنا يد كافأناه لها إلا الصديق فإنا لم نستطيع مكافأته )) . وفى لفظ : (( فإنا قد تركنا مكافأته لله عز وجل ، وما نفعنى مال أحد قط مثل ما نفعنى مال أبى بكر ، ولو كنت متخذا من العباد خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة وصحبة وانظروا إلى الأبواب التى تطل على المسجد فسدوها من اليوم إلا باب أبى بكر )) .
وكأنها إشارة أقرب إلى أن هذا الباب سيظل مفتوحا ليخرج منه خليفة رسول اللهمن بعده ، ليصلى بالمسلمين فى كل صلاة ، والشاهد من الحديث : بيان جواز أن يدخل الرجل زوجته القبر كما قال النبى : (( وددت أن ذلك كان وأنا حى فهيأتك ودفنتك )) (18)
من السنة : إدخال الميت إلى القبر من مؤخرته القبر وليس من مقدمته ، لحديث أبى إسحاق قال : أوصى الحارث أن يصلى عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ، ثم أدخلته القبر من قبل رجل القبر وقال : سنة (19). وقال البيهقى : إسناده صحيح ، وكذا قال الشيخ الألبانى – رحمه الله . عن ابن سيرين قال : كنت مع أنس – رضى الله عنه – فى جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر (20) ، وأخرجه أحمد وابن أبى شيبة وسنده صحيح .
أيضا من السنة : أن يضجع الميت فى قبره على جنبه الأيمن ووجه تجاه القبلة ، وعلى هذا جرى العمل من عهد النبى إلى يومنا هذا ، ولله الحمد ، ويقول الذى يضع الميت فى اللحد : (( بسم الله ، وعلى سنة رسول الله – أو – وعلى ملة رسول الله )) .
فاللفظتان ثابتتان عن النبى ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر – رضى الله عنهما – أن النبى كان إذا وضع الميت فى القبر قال : (( إذا وضعتم موتاكم فى القبور فقولوا : بسم الله ، وعلى سنة رسول الله )) وفى رواية : (( بسم الله وعلى ملة رسول الله)) (21) أخرجه أبو داود الترمذى ، وابن ماجه والبيهقى وغيرهم بسند حسن ، وأخرجه الحاكم فى مستدركه وقال : صحيح على شرط الشيخين .
ويستحب لمن عند القبر ، أو لمن وضع الميت فى القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد ، لحديث أبى هريرة : (( أن رسول الله صلى على جنازة ثم أتى الميت فحثا عليه ثلاث حصوات من التراب من قبل رأسه))(22) الحديث أخرجه ابن ماجه وهو حديث صحيح بشواهده كما قال الشيخ الألبانى – رحمه الله .
ويسن أيضا : بعد الفراغ من الدفن أن يرفع القبر عن الأرض قليلا نحو شبر ، فنحن نبالغ الآن فى رفع المقابر ، وإن كان لعلة أن الأرض طينية وزراعية ، وإن عمقنا خرج الماء فنضطر إلى أن يكون الميت على سطح الأرض بقليل ، شبه يعلو البناء من أعلى ، فأرجو الله إن فعلنا ذلك ألا يكون على من يفعل ذلك إثم أو وزر ، لكن إن كانت الأرض صخرية أو رملية كما بينت فمن السنة ألا يرفع القبر فوق الأرض إلا بمقدار شبر ، وليس من السنة المبالغة فى تعلية المقابر .
ولا يسوى القبر بالأرض – فليس من السنة: أن نسوى المقابر بالأرض- كما يفهم بعض إخواننا من طلبة العلم، وإلا لصار القبر ممتهناً امتهان الأرض فحتى لا يمتهن ، وليكون مميزاً لا يسوى بالأرض .
فهذا الحديث يقيد حديث على- رضى الله عنه: (( وألا تجد قبراً إلا سويته )) (23).
حتى لا يستدل طالب بالدليل فى غير موضعه ، فلا بد من الجمع بين الأدلة ، فإن تعذر الجمع ترجح الدليل ، فلا تعارض أبداً بين كلام النبى . وإنما لا بد من حمل المطلق على المقيد إذا اتفقا فى الحكم والسبب ، هذه قاعدة من قواعد الأصول المتفق عليها، فكما فى الحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيحه ، والبيهقى فى سننه بسند حسن من حديث جابر بن عبد الله – رضى الله عنه : ((أن النبى ألحد له لحد ونصب عليه اللن نصباً ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر)) (24) .
وله شاهد من حديث صالح بن أبى صالح قال : ((رأيت قبر رسول الله شبراً أو نحوه شبراً)) أى : فوق الأرض .
أيضا من السنن : فى هذا أن يجعل القبر مسنماً – أى : كظهر البعير – كما فى حديث النبى الذى رواه مسلم : (( رؤوسهن كأسنة البخت المائلة )) (25) .
البخت : نوع من أنواع الجمال الخراسانية التى كانت من أغلى ما يمتلك العربى فى زمن الجزيرة ، فالسنام : هو ما يرتفع كالهرم فوق ظهر الجمل وهذا وارد فإنه يوضع بهذه الهيئة فى القبر فيصبح القبر مسنماً.
ولا يعارض ذلك ما روى القاسم قال : دخلت على عائشة فقلت : يا أمة ، اكشفى لى عن قبر النبى وصحابيه – رضى الله عنهما – فكشفت لى عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لا طئة مبطوطة بطحاء العرض الحمراء .
قال الشيخ – رحمه الله تعالى : هذا أصح من حديث سفيان التمار وعليه ابن التركمانى وقال : هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن بل حديث التمار أصح ، لأنه مخرج فى صحيح البخارى ، وحديث القاسم لم يخرج شئ منه فى الصحيح .
أيضا : لا بأس أن يعلم أهل الميت القبر بعلامة بحجر أو بأى علامة من العلامات دون مغالاة وتكلف لحديث المطلب بن أبى وداعة – رضى الله عنه – قال : لما مات عثمان بن مظعون – رضى الله عنه – وهو أول من لقب بالسلف الصالح وهو ممن شهدوا بدراً والنبى يقول : (( لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) (26) .
والرواية ضعيفة – من باب الأمانة – ذهب إليه النبى فقبله بين عينيه ثم بكى حتى سالت دموع النبى على خدى عثمان ابن مظعون ، لما مات عثمان خرجت جنازته فدفن ، فلما دفن أمر النبى رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطيع الرجل حمله ، يقول راوى الحديث : فقام إليها رسول الله وحسر عن ذراعيه – شمر – قال المطلب : قال الذى يخبرنى عن رسول الله : كأنى أنظر إلى بياض ذراعى رسول الله حين حسر عنهما ، ثم حمل الحجر فوضعه عند رأى عثمان بن مظعون .
الشاهد : وضع النبى الحجر وقال : (( أتعلم بها قبر أخى ، وأدفن إليه من مات من أهله )) وفى لفظ : (( أتعلم بها قبر أخى ، وأدفن بها من مات من أهلى )) (27) .
وهذا هو اللفظ الصحيح: فلا بأس أن يعلم القبر – وقد يسأل سائل ويقول: ما قولك إن علم القبر بكتابة الاسم عليه ؟ أرى أنها علامة ولا بأس بذلك فالأعداد الآن فى القبور قد تكاثرت على خلاف ما كان عليه الأمر قبل ذلك ، فالأصل أن رسول الله فعل ، قد تختلف الوسيلة فى التعليم من زمان لآخر – فلا يقال عن الوسائل الحديثة كمكبرات الصوت إنها بدعة ، لأن النبى لم يتكلم فيها ، لا هذه وسيلة دعوة ، المنهج الدعوى توقيفى ، والوسائل مختلفة باختلاف الزمان والمكان ، هذه مسألة مهمة ، فأنا أقول ما قاله النبى r لكن وسيلة القول التى أنقل بها القول للناس قد تختلف ، فى شريط ، فى كتاب .
النبى كان يصلى ولم يكن فوق رأسه مروحة ، ولم يكن هناك مصابيح كهربائية فهل هذه بدع ؟ لا أبداً . وإنما أقول : هذه وسائل ، فلا بأس إن كتب اسم الميت على القبر لكن دون مغالاة ، فلا يقال مثلا : قبر العالم الربانى والحبر الهمام .
ولكن يقال: قبر فلان: حتى إذا ذهب إليه أهله عرفوا قبره ، ثم يدفنوا إلى جواره أهله.
والحديث الذى ذكره رواه أبو داود والبيهقى بسند حسن كما قال الحافظ وذكر الشيخ الألبانى له شاهدين .
تلقين الميت:أيضا من السنن : ألا يلقن الميت التلقين المعروف بعد الموت ، هذا من البدع التى لم تثبت عن النبى ، أى يذهب إلى الميت فى قبره بعد الموت ويقال له : اعلم بأنك مت ، وسيأتيك ملكان الخ.
فالتلقين الذى بان فى قول النبى: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) (28) المراد به أن يلقت الميت كلمة التوحيد على فراش الموت ليختم له بكلمة التوحيد ، فمن كان أخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة .
ومن السنة : أن نقف عند قبر الميت وأن نستغفر له ، وأن ندعو الله له بالتثبت ، كان النبى إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : (( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل )) (29) .
أما : فقفوا عند قبرى بمقدار ما يذبح جذور ويوزع لحمه ، فليس من كلام النبى ، بل هو من كلام عمرو بن العاص ، ولا شك أن فى كلام الصحابى ، إن لم يثبت دليل فكلام النبى مقدم ، لكن ليس بالضرورة أن تلزم الناس بأن يقفوا ساعة أو غير ذلك ونشق على الناس إذا كان اليوم حاراً ، أو فى يوم شديد البرد ونقول : لا بد من الوقوف ساعة أو أقل أو أكثر وإنما مقدار ما يثبت به القيام ، خمس دقائق ، عشر ، وانصرفوا فقد أجزؤوا . ويدعو الناس للميت كل فى نفسه : اللهم اغفر له وارحمه ، اللهم ثبته عند السؤال. وأنا أتالم كثيراً حينما أشهد جنازة من جنائز المسلمين فأرى ضجيجاً وصوتاً مرتفعاً عند القبر ، هذا يصيح وهذا يقول : هات الطين ، الطوب ... هذا مكان سكينة ووقار ، والنبى يأمر بالصمت فى هذا المقام ، لابد من الخشوع فمن لم يكن له مصلحة فى الوقوف بجانب القبر ، يفسح لمن يقوم بالبناء ولمن يتولى دفن الميت .
أيضا : لابأس إن جلس أحد الإخوة الحضور على حافة قبر الميت وهم يجهزونه ويعدونه وأن يذكر الحضور بحديث البراء بن عازب ، قال البراء بن عازب : خرجنا مع النبى فى جنازة رجل من الأنصار ، فأنتهينا إلى القبر ولما يلحد – أى لم يدفن – فجلس رسول الله مستقبل القبلة – وهى زيادة صحيحة – وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير ، وفى يده عود ينكت فى الأرض فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثا ثم قال: (( استعيذوا بالله من عذاب القبر ، استعيذوا بالله من عذاب القبر )) . قالها: مرتين أو ثلاثا. ثم قال (( اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر – ثم قال :- إن العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأنه وجوههم الشمس – المحتضر فى هذه اللحظات هو الذى يرى الملائكة – معهم كفن من أكفان الجنة ومعهم حنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة – وفى رواية – أيتها النفس المطمئنة – اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فى السقاء – أى سهلة – فيأخذها – أى ملك الموت )) وفى رواية : ((حتى إذا خرجت روحه صلى عليه ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك فى السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب من أبواب السماء إلا ويدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ، فإذا أخدها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذها ، فيجعلوها فى ذلك الكفن ، وفى ذلك الحنوط فذلك قوله تعالى : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} (61) سورة الأنعام ويخرج منها كأطيب نفخة مسك وجدت على ظهر الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التى كانوا يسمونه بها فى الدنيا ، حتى إذا ما انتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستحقون بها – يطلبون فتح أبواب السماء – فيفتح لهم ، فيشيعة من كل سماء مقربوها إلى السماء التى تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابقة فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدى فى عليين {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } (21) سورة المطففين فيكتب كتابه فى عليين ثم يقال : أعيدوه إلى الأرض فمنها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم مرة أخرى فترجع روحه فى جسده )) قال : (( فإنه يسمع خفقة نعال أصحابه فيأتيه ملكان شديد الانتهار فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربى الله . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : دينى الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذى بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله فيقولان له : ما عملك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمن به وصدقت)) ويقول النبى فى رواية : (( وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن )) فتنة السؤال فى القبر (( فذلك حين يقول الله عز وجل : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم.
فالثبات فيه وقتان : الوقت الأول : على فراش الموت ، والوقت الثانى : حين الخروج من القبور . وأنا أقول : لاحرج على الإطلاق فى الجميع بينهما ليثبت الله المؤمن عند الموت ويثبته عند الخروج من القبر . فمن ثبت فى الأولى إلا ليكون أهلا للتثبيت فى الثانية (( فينادى مناد من السماء : ويقول : صدق عبدى فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة )) .
رغم أنف العلمانيين المكذبين ، فالمشكلة أن العلمانيين والعقلانيين يناقشون قضية القبر فى عذابه ونعيمة بالدليل العقلى الحسى المادى ، ومن الظلم خلط قانون الحس فى قانون الغيب فإنك لا تعرف كنهه ولا حقيقته .هناك مجموعة أحضروا أجهزة للتصنت وللتصوير على أعلى مستوى ووضعوها فى المقابر حتى يصوروا عذاب القبر والملكين فكلما وضعوا جهازاً احترق .إنه غيب {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (100) سورة المؤمنون يقول ابن القيم : وسر المسألة أن نور القبر وناره وسعة القبر وضيقه ، ليست من جنس نور ونار وسعة وضيق ما يعرف الناس فى الدنيا ، فالإنسان لا يستوعب بعقله إلا المحسوس المرئى يقول : (( فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فى قبره مد البصر ، ويأتيه فى قبره رجل حسن الوجه ، حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذى يسرك – أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم – هذه الزيادة صحيحة – هذا يومك الذى كنت توعد فيقول صاحب القبر : وأنت بشرك الله بخير ، من أنت ؟ فوجهك الوجه الذى يجئ بالخير فيقول : أنا عملك الصالح ، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا فى طاعة الله بطيئاً فى معصية الله ، فجزاك الله خيرا ً)) العمل يكلم صاحبه ويؤنسه ، زوجتك التى كانت تقول : يا سبعى ويا جملى لا تستطيع أن تبيت معك ليله فى القبر ، فالذى يؤنسك هو العمل فسيكلمك ويؤنسك (( ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال له : هذا منزلك لو عصيت الله ، أبدلك الله به هذا ويشير إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فى الجنة قال : رب عجل قيام الساعة )) وفى لفظ : (( رب أقم الساعة – رب أقم الساعة كيما أرجع إلى أهلى ومالى فيقال له : اسكن فيسكن إلى يأذن الله عز وجل فى إخراج أهل الأرض من باطنها )) .
قال (( وإن العبد الكافر )) وفى لفظ : (( الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد سود الوجوه معهم المسوح – جمع المسح : وهو ما يلبس من نسيج الشعر علي البدن تقشفا وقهرا للبدن وهو مصنوع من الليف – من النار فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتي يجلس عند رأسه فيقول : يأ أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلي سخط من الله وغضب ، فتفرق في جسده – الروح فيتنزعها كما يتنزع السفود من الصوف المبلول – والسفود نوع من أنواع الحديد شديد الصلابة – فتقطع معها العروق والعصب فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض ، وتغلق أبواب السماء ليس من أهل سماء إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم فيأخذها فإذا أخذها – أي ملك الموت – لم يدعوها – أي الملائكة – في يده طرفة عين حتي يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت علي ظهر الأرض فيصعدون بها فلا يمرن بها علي ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث فيقولون : فلان ابن فلان لأخبث أسمائه التي كانوا يسمونها بها في الدنيا ، حتي ينتهي بها إلي السماء الدنيا ، فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله r قول الله تعالي : {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} (40) سورة الأعراف - سم الخياط : عين الإبرة فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين ثم يقال : أعيدوا عبدي إلي الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخري ، فتطرح روحه من السماء طرحاً حتي تقع في جسده ، ثم قرأ النبي قول الله تعالي : {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (31) سورة الحـج فتعاد روحه في جسده قال : فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه ويقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : من هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فينادي منادي من السماء : أن كذب فافرشوا له فراشاً من النار وافتحوا له باباً إلي النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتي تختلق فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح فيقال : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : وأنت بشرك الله بالشر من أنت ؟ فيقول : أنا عملك القبيح فوالله ما علمتك إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله سريعاً إلي معصية الله فجزاك الله شراً ، ثم يقيض له : أعمي أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب به جبل كان تراباً ، فيضربه بها ضربة حتي يصير بها تراباً ، ثم يعيده الله كما كان ثم يفتح له باب من النار ويمهد له من فرش النار فيقول : " رب لا تقم الساعة ، رب لا تقم الساعة" (30) أيضاً من المسائل التي اختم بها : يجوز أن تخرج الميت من القبر إن دفن الميت خطأ في مقابر النساء ، ثم عرفوا وسألوا فيجوز أن يخرج الميت من قبور النساء إلي قبور الرجال.
-------------------------------------------
-------------------------------------------
([1]) أخرجه البخارى فى المغازى ، باب قتل أبى جهل (7 / 3979) ، ومسلم فى صفة الجنة ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار (4 / 2874) ، والنسائى فى الجنائز ، باب أرواح المؤمنين وغيرهم (4 / 2074) ، وأحمد فى مسنده (3 / 104 ، 182).
([2]) أخرجه البخارى فى الجنائز ، باب قول الميت وهو على الجنازة(3 / 1316) ، ومسلم فى الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (2 / 944) , وأبو داود فى الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (3 / 3181) ، والترمذى فى الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (3 / 1015) ، والنسائى فى الجنائز ، باب السرعة بالجنازة (4 / 1908) ، وقال أبو عيسى : حديث حسن صحيح.
([3]) أخرجه البخارى فى الجنائز ، باب إذا قال المشرك عند الموت : لا إله إلا الله(3 / 1360) ، ومسلم فى الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت (1 / 24).
([4]) أخرجه النسائى فى الجنائز ، باب مواراة المشرك (4 / 2005) ، وأبو داود فى الجنائز ، باب الرجل يكون له قرابة مشرك (3/ 3214).
([5]) أخرجه أحمد فى مسنده (1 / 130) ، وصححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة(161).
([6]) أخرجه مسلم فى الإيمان ، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد r (1 / 152) ، وأحمد فى مسنده (2 / 317).
([7]) أخرجه أبو داود فى الجنائز , باب المشى فى النعل بين القبور ( 3 / 3230 ) , وابن ماجه فى الجنائز, باب ما جاء فى خلع النعلين فى المقابر ( 1 / 1568 ) , والنسائى فى الجنائز , باب كراهية المشى بين القبور فى النعال السبتية ( 4 / 2047 ) .
([8]) أخرجه أحمد فى مسنده ( 5 / 83 , 84 ) , والطبرانى فى الكبير ( 2 / 1230 ) , وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (9 /398) : رجال أحمد رجال الصحيح غير خالد بن سمير وهو ثقة .
([9]) أخرجه الترمذى فى الجنائز (3 / 1018) عن عائشة , وقال أبو عيسى : حديث غريب , وابن ماجه فى الجنائز , باب ذكر وفاته ودفنه r (1 / 1628) عن ابن عباس بنحوه .
([10]) أخرجه البخارى فى فضائل الصحابة . باب قوله r : لو كنت متخذاً خليلاً ( 7/ 3662) , ومسلم فى فضائل الصحابة , باب فضل أبو بكر الصديق ( 4 / 2384 ) .
([11]) أخرجه البخارى فى المرضى , باب ما رخص اللمريض أن يقول : وارأساه ( 10 / 5666 ) , وابن ماجه فى الجنائز, باب ما جاء فى غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها ( 1 / 1465 ) .
([12]) أخرجه مالك فى الموطأ فى قصر الصلاة فى السفر , باب جامع الصلاة ( 172 / 85 ) , وأحمد فى مسنده (2/246) , وعبد الرزاق فى مصنفه (2/1587) .
([13]) أخرجه البخارى فى الجنائز , باب اللحد والشق فى القبر ( 3/ 1353 ) , وفى المغازى , باب من قتل من المسلمين يوم أحد (7 / 4079) , والترمذى فى الجنائز , باب ما جاء فى ترك الصلاة على الشهيد ( 3/ 1036 ) , وابن ماجه فى الجنائز , باب ما جاء فى الصلاة على الشهداء ودفنهم ( 1 / 1345 ) , وأبو داود فى الجنائز , باب فى الشهيد يغسل (3/3138 , 3139 ) .
([14]) أخرجه أحمد فى مسند ( 5 / 299 ) .
([15]) أخرجة الحاكم فى المستدرك ( 1 / 362 ) , والبيهقى فى دلائل النبوة , باب ما جاء فى دفن رسول الله r ( 7 / ص253) وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجا منه غير اللحد . وقال الذهبى : فيه انقطاع .
([16]) أخرجه البخارى فى كتاب المرضى , باب ما رخص للمريض ( 10 / 5666 ) , ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أبى بكر الصديق ( 4 / 2387 ) , أحمد فى مسنده ( 6 / 144 ) .
([17]) أخرجه البخارى فى كتاب مناقب الأنصار , باب هجرة النبى r وأصحابه إلى المدينة ( 7 / 3904 ) , ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أبى بكر الصديق (4 / 2382 ) , والترمذى فى كتاب المناقب , باب مناقب أبى بكر (5 / 3660 ) .
([18]) تقدم تخريجه .
([19]) أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى ( 4/ 54 ) , وقال : هذا إسناد صحيح .
([20]) أخرجه أحمد ( 1 / 429 ) .
([21]) أخرجه أحمد فى مسند ( 2/ 27 ) , والحاكم فى المستدرك ( 1 / 366 ) , والبيهفى فى السنن الكبرى ( 4/ 55 ) , وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , وقال الذهبى : على شرطهما وقد زقفه شعبة , وصححه الألبانى فى صحيح الجامع ( 1 / 832 ) .
([22]) أخرجه ابن ماجه فى كتاب الجنائز , باب ما جاء فى حثو التراب فى القبر ( 1 / 1565 ) , وصححه الألبانى فى صحيح ابن ماجه ( 1271 ) , وانظر : الإرواء ( 751 ) .
([23]) أخرجه مسلم فى الجنائز , باب الأمر بتسوية القبر (2/969) , وأبو داود فى الجنائز , باب فى تسوية القبر (3/3291) , والترمذى فى الجنائز , باب ما جاء فى تسوية القبر ( 3 / 1049 ) .
([24]) أخرجه ابن حبان فى صحيحه ( 8 / 218 إحسان ) , والبيهقى فى سننه كتاب الجنائز , باب لا يزاد فى القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً ( 3 / 411 ) .
([25]) أخرجه مسلم فى كتاب اللباس والزينة , باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات ( 3 / 2128 ) , وأحمد فى مسنده ( 2 / 223 , 356 ) .
([26]) أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير, باب الجاسوس ( 6 / 3007 ) , ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أهل بدر ( 4 / 2494 ) .
([27]) أخرجه أبو داود فى الجنائز – باب فى جمع الموتى فى قبر والقبر يعلم ( 3 / 3206 ) , والبيهقى فى السنن الكبرى فى كتاب الجنائز , باب إعلام القبر بصخرة أو علامة ( 3 / 412 ) وإسناده حسن .
([28]) أخرجه مسلم فى كتاب الجنائز , باب تلقين الموتى : لا إله إلا الله (2/916) , وأبو داود فى كتاب الجنائز , باب فى التلقين (3/3116) , والترمذى فى كتاب الجنائز , باب ما جاء فى تلقين المريض عند الموت , والدعاء له عنده (3/976).
([29]) أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز , باب الاستغفار عند القبر للميت ( 3 / 3221 ) والحاكم فى المستدرك ( 1 / 370 ) , وقال : صحيح , ووافقة الذهبى , وصححة الألبانى فى صحيح سنن أبى داود ( 2758 ) .
([30]) أخرجه أحمد (4/287-288) ، وإسناده صحيح رجاله ثقات ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع الصغير ، ومشاكاه المصابيح (1630).
أسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالدى
الدفن بعد الموت واجب ولو كان الميت كافرا ، يعنى لو كان كافرا بين أظهر المسلمين وجب على المسلمين أن يدفنوه ، فالدفن بعد الموت واجب ولو كان الميت كافرا.
ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وأحمد والنسائى ، وغيرهم(1)عن جماعة من أصحاب النبى أن رسول الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش – يعنى من المشركين ممن ماتوا وقتلوا يوم بدر – فقذفوا فى بئر من الآبار ووقف على حافة القليب – أو البئر – ينادى على بعض القتلى وهو يقول : ((يا أبا جهل ،يا بن هشام ، يا عتبة بن ربيعة ، يا شيبة بن ربيعة ، يا وليد بن عتبة)) النبى واقف على قليب بدر بئر من الآبار بعد ما أمر بوضعهم فى البئر ظل ينادي عليهم ، ثم قال النبي : ((أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟)) . ألا تتمنون أن كنتم أطعتم الله ورسوله ، لأنهم انتقلوا من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ورأوا وعاينوا الحقائق فالنبى قال : ((أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟)). فسمع عمر بن الخطاب رسول الله فقال :يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ، وفى لفظ : أتكلم أناسا قد جيفوا – يعنى صاروا جيفا – فقال النبي : ((والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)). . ثم قال النبى فى رواية أخرى وكل هذه الزيادات صحيحة قال النبى : ((والله إنهم الآن ليعلمون أن الذى كنت أقول لهم هو الحق)). انتقل من دار الدنيا إلى دار الحق عرف ، بل إن الرجل على فراش الموت يعاين الحقائق كلها فى الدنيا يرى مقعده من الجنة ومن النار ، وهو بين أظهرنا فى الدنيا ، بل إذا حمله الرجال على الأعناق تكلم ، فى الصحيحين(2)ينطق وهو على أعناق الرجال إن كان صالحا يقول – أى صاحبها : قدمونى قدمونى ، فلو علمتم إلى أى خير تقدموننى لأسرعتم، لأنه رأى أين سيذهب فيريد أن يسرع إلى هذا النعيم ، رأى الجنة وهو فى الدنيا، وإن كانت الأخرى أعاذنا الله وإياكم من الأخرى قال : يا ويلها يا ويلها أين تذهبون بها ؟ النبي يقول : ((يسمع الجنازة كل شىء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق)).
تصور مثلا : لو أنك تحمل والدك أو أمك ، اللهم استرنا واختم لآبائنا وأمهاتنا بالجنة يارب العالمين ، تصور حينما يكون الإنسان حاملاً والده ، وأذن الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يسمع صوت الجنازة ، تُحمل الجنازة ، وهو فى قلب النعش يقول : يا ويلها يا ويلها إلى أين تذهبون بها ؟ يا الله {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44) سورة الإسراء حليما غفورا لماذا لم يقل : كان سميعا بصيرا ، وهو كذلك سبحانه وتعالى يعنى يسمع من يسبح ويرى من يسبح ولكن قال : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حليما بكم إذ حجب عنكم سماع تسبيح المخلوقات من حولكم ، تصور لو سمعت تسبيح كل مخلوق بأذنك ، الثوب أنت لابسه يسبح ، والعمود أنت تركن عليه الجدار تركن عليه يسبح ، والأكل فى يديك يسبح ، وكل شىء فى الكون من حولك ، ماذا يكون حالك لو سمعت تسبيح كل هذه المخلوقات من حولك؟! { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حليما بكم إذ فضلكم على جميع المخلوقات ، مع ذلك فكل المخلوقاات لا تغفل عن تسبيحه ، مع أنكم تغلفون ، ومع ذلك إنه كان حليماً بكم غفورا لكم على غفلتكم وتقصيركم إن عدتم إليه جل وعلا ، فمن ستر الله أن النبى يقول : ((والله إنهم الآن ليعلمون أن الذى كنت أقول لهم الحق)). وفى رواية : ((إنهم الآن ليسمعون غير إنهم لا يستطعون أن يردوا على شيئا)).
قال قتادة – هذه زيادة صحيحة أيضا : أحياهم الله فى القليب لرسوله ، حتى أسمعهم قول نبيه ، وما ذلك على الله بعزيز . . هذه زيادة أخرى توبيخا وحسرة وندامة هذا الحديث يستدل به على وجوب دفن الموتى ، ولو كانوا كفارا والذى أمر بدفنهم رسول الله .
أيضا : عن على – رضى الله عنه – لما توفى أبو طالب – ابوه – فأنتم تعلمون أن أبا طالب مات على كفر كما فى الصحيحين(3)أن رسول الله دخل على عمه أبى طالب وهو فى فراش الموت ، وكان يجلس إلى جوار أبى طالب ، عبد الله بن أمية ، وأبو جهل الحكم ابن هشام فلما دخل النبى على عمه جلس إلى جواره عند رأسه وقال : ((يا عم قل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة)). فنظر عبد الله بن أمية وأبو جهل إلى أبى طالب وقالا : أترغب عن ملة عبد المطلب ، دين عبد المطلب ودين آبائك وأجدادك ، فقال أبو طالب : لا بل على ملة عبد المطلب . ليس على ملة رسول الله .قال : بل على ملة عبد المطلب . فخرج النبى من عند عمه أبى طالب وهو يقول : ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) فنزل عليه قول الله تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (113) سورة التوبة.
فنزلت الآيات تحكم على أبى طالب بأنه مات على الشرك ، فلما توفى أبو طالب خرج النبى وسيدنا على عنده وهو أبوه ، فلما مات جاء على – رضى الله عنه – إلى النبى فقال : يا رسول الله إن عمك الشيخ قد مات وفى لفظ صحيح(4) : إن عمك الشيخ الضال قد مات ، فمن يواريه ؟ الشاهد : فمن يواريه ؟ فقال النبىلعلى : ((اذهب فواره – ادفنه – ثم لا تحدث شيئا حتى تأتينى)) . . فقال على يستنكر – مع أن النبى هو الذى يأمره . ((اذهب فواره)) كيف لقد مات على شرك ؟! فسيدنا على يقول للنبى : إنه مات مشركاً يعنى ، كيف نواريه ، وقد مات على الشرك؟ فقال النبى الثانيه : ((اذهب فواره)) النبى مشرع ((اذهب فواره)) وذلك فى المرة الثانيه . قال على : فواريته. ثم أتيت النبى .وقال على : فدعا لى رسول الله بدعوات ما يسرنى أن لى بها حمر النعيم.
حمر النعم : كانت من أغلى ما يمتلكه العربى فى أرض الجزيرة من نوق وجمال ، نوع من أنواع الجمال كانت من أغلى ما يمتلكه الرجل العربى فى الجزيرة العربية ، حمر النعيم : لو عدنا إلى الوراء قليلا ، تذكرون معى أن عنترة بن شداد قد طلب منه ألف ناقة من النياق ، ليقدمها مهرا لحبيبته عبلة ، فكانت شيئاً غالياً جداً ثميناً نفيساً لا يمتلكه فى أرض الجزيرة إلا الأثرياء ، فمن عنده ناقة من هذه النوق أو النياق فهو رجل ثرى . فسيدنا على يقول : فدعا لى رسول الله بدعوات ما يسرنى أن لى بها حمر النعم . . يعنى : لو أن عندى حمر النعم والله ما فرحت بها كفرحى بدعوات النبى ، قال : وكان على إذا غسل الميت اغتسل . قلنا : الغسل لمن غسل على سبيل الندب والاستحسان لا على سبيل الوجوب.
الحديث رواه أحمد(5)، وقال شيخنا الألبانى – رحمه الله تعالى : وسنده صحيح . هذا دليل آخر على وجوب دفن الميت ولو كان كافراً ، لأن أمر النبى ((اذهب فوراه)) للوجوب ،إذ لم تأت قرينة تصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الندب أو الاستحسان.
حكم دفن المسلم مع الكافر:
أيضا من الأحكام المهمة فى هذا الباب : أنه لا يجوز أبدا أن يدفن المسلم مع الكافر ، لا يجوز أبدا أن يدفن مسلم فى مقابر النصارى فلا مجاملة ولا مداهنة {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} (73) سورة المائدة إنه قرآن فلا يقدر أحد أن يغيره إلى يوم القيامة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (17) سورة المائدة فمن قال : إن الله هو المسيح ابن مريم فهو كافر ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة فهو كافر بنص القرآن ، وفى صحيح مسلم(6) من حديث أبى هريرة أن النبى قال : ((والذى نفس محمد بيده لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى أو نصرانى ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) فلا يجوز للمسلمين أن يدفنوا المسلم فى مقابر النصارى ، ولا يجوز لنصرانى أن يدفن فى مقابر المسلمين ، لا يدفن المسلم مع كافر ولا كافر مع المسلم ، بل يدفن المسلم فى مقابر المسلمين ، والكافر فى مقابر المشركين أو الكفار ، ولو مات بين أظهر المسلمين فى مقابر المشركين ، كذلك كان الأمر على عهد النبى المختار ، واستمر إلى عصرنا هذا.
ومن الأدلة على ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه(7) وغيرهم بسند صحيح أن بشير بن الخصاصية قال : بينما أنا ماشى آخذاً بيده .. فقال النبى :
(( يا بن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تماشى رسول الله )) . يعنى أصبحت فى قلبك عدم رضا عن الله تعالى ، ومع ذلك تمشى مع رسوله ، فقلت والقائل بشير : بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، ما أصبحت أنقم على الله شيئا ، كل خير فعل الله بى .
قال النبى له : كذلك ، لأنه ثبت فى رواية الطبرانى (8) قال بشير : أتيت رسول الله فلحقته بالبقيع فسمعته يقول : (( السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين )) وانقطع شسعى – هو سير النعل يعنى فقال : (( انعش قدمك )) فقلت : يا رسول الله طالت عزوبتى . ونأت عنى دار قومى – أو ونأيت عن دار قومى فقال : (( يا بشير ألا تحمد الله عز وجل الذى أخد بناصيتك من بين ربيعة وهم قوم يرون لولا أنهم إن كفت الأرض بمن فيها )) يعنى قوم على الكفر والشرك ونجاك الله تبارك وتعالى على التوحيد ، ألا ترضى بهذه النعمة .
فالنبى يقول: (( يابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تماشى رسول الله)). صلى الله عليه وسلم فقلت : بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما أصبحت أنقم على الله شيئا ، كل خير فعل الله بى ، فأتى على قبور المشركين فقال : ((لقد سبق هؤلاء بخير كثير)) (ثلاث مرات) ثم أتى على قبور المسلمين فقال : ((لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيرا)) (ثلاث مرات) . فبينما هو يمشى إذ حانت منه نظرة التفت فإذا هو برجل يمشى بين القبور عليه نعلان فقال : (( يا صاحب السبتيتين )) – نوع من أنواع النعال السبتية وهو مكان باليمن كان يأتى منه هذه النعال ، فكانت تنسب إلى هذه البلدة يقول لك مثلا : هذا نعل أمريكى نعل أوروبى نعل كورى مصرى .
فالنبى يقول له : ((ياصاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك)) نعليك فنظر ، فلما عرف الرجل رسول الله خلع نعليه فرمى بهما .. ثم أتى على قبور المشركين فقال : ((لقد فات هؤلاء خير كثير)) ثم أتى على قبور المسلمين فقال : ((لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا)) فمر على مقابر المشركين ، ثم مشى فمر على مقابر المسلمين .
احتج بهذا الحديث الإمام ابن حزم على أنه لا يدفن مسلم مع مشرك ، واحتج به أيضا فى مكان آخر على تحريم المشى بالنعال بين القبور ، السنة : ألا يدفن المسلم مع الكافر ، و ألا يدفن الكافر مع المسلم.
الدفن فى المسجد :
ومن الأحكام أيضا فى هذا الباب : أن السنة الدفن فى المقابر ليس فى المساجد ، فكل من حافظ على الصلوات فى جماعة وعلم الناس شيئاً ، ويقام له بعد ما يموت ، ويدفن فى المسجد ، لا ليس هذا من السنة ، بل من السنة الدفن فى مقابر المسلمين ، لأن النبى كان يدفن الموتى فى مقبرة البقيع . هل هناك أفضل وأطهر فى الدنيا بعد الأنبياء من الصحابة ؟ ! لا ، والله كل الصحابة الذين ماتوا فى المدينة دفنوا فى البقيع فى مقبرة المسلمين ، فالبقيع هو مقابر إلى جوار المسجد النبوى ، وهناك من الصحابة من دفن فى مقابر المسلمين خارج المدينة ، كانوا يخرجون للدعوة وللعلم و للتجارة فمن مات منهم لم يقل المسلمون : هذا صحابى من أصحاب رسول الله نعمل له ضريحاً فى المسجد وندفنه فى المسجد ، لا أبدا بل السنة أن يدفن الميت المسلم فى مقابر المسلمين . فلما قبض رسول الله لم ينقل عن أحد من السلف أبدا أن مسلما دفن فى غير المقابر ، يعنى لم يثبت عن أحد من السلف أبدا أنه طلب أن يدفن فى غير المقابر أبدا ، لا يوجد رجل من سلف الأمة الصالح من أهل الفضل والعلم أوصى قبل موته أن يدفن فى غير مقابر المسلمين .
قد يحتج علينا بدفن النبى فى غير مقابر المسلمين ، فهذا أمر خاص برسول الله ، فهذا من خصوصياته ، فلقد ثبت فى الحديث الذى رواه الترمذى (9) وغيره ، وهو حديث ثابت صحيح بمجموع طرقه ، وشواهده من حديث عائشة قالت : لما قبض رسول الله اختلفوا فى دفنه قالوا : أين ندفنه فى البقيع مع المسلمين أم أين ندفنه ؟ هذا رسول الله ! فقال أبو بكر : أهناك أصدق فى الأمة بعد نبيها من أبى بكر – إنه الصديق رضوان الله عليه – فلما وجد الصحابة قد اختلفوا قال أبو بكر – رضوان الله عليه : سمعت من رسول الله : (( ما قبض الله نبيا إلا فى الموضع الذى يحب أن يدفن فيه)) . يعنى : كل نبى قبض فى موطن دفنه – يعنى بالمكان الذى قبض فيه اللحد ويدفن فيه ، لأن الله لا يقبض نبيا إلا فى المكان الذى يحب النبى أن يقبض فيه – وأنتم تعلمون أن النبى كان يحب عائشة – رضى الله عنها – ويعلن ذلك .
روى البخارى (10) من حديث عمرو بن العاص قال : يارسول الله من أحب الناس إليك ؟ قال : (( عائشة )) . كلام واضح وصريح لكن أريد أن أقيد و أقول : بعد خديجة – رضى الله عنهن – جميعا . فقال عمرو : من الرجال أنا أسألك عن الرجال يا رسول الله : من أحب الناس إليك من الرجال ؟ قال : (( أبوها )) . أبو بكر : ثم من ؟ قال : (( ثم عمر )) ترتيب ، فعائشة أحب النساء إلى قلب النبى ، والصديق أحب الرجال إلى قلب النبى وبعد الصديق عمر .
فالنبى كان يحب عائشة ، ولذلك لما مرض النبى فى مرضه الأخير ، قبل الموت كان فى بيت حفصة – رضى الله عنها – اشتد به الوجع و الألم فى بيت حفصة لما دخل على السيدة عائشة يشكو رأسه ، فدخل ووجد السيدة عائشة تشتكى رأسها ، سأذكر الحديث الآن بالتفصيل تقول : وارأساه فقال لها : (( بل أنا والله وارأساه )) (11) يعنى أنا الذى أشتكى ألما شديدا فى رأسى فخرج من بيت عائشة ، ودخل على السيدة حفصة ، واشتد به الوجع هنالك فاجتمع نساؤه – رضوان الله عليهن – ليمرضنه وليكن إلى جواره بأبى هو و أمى ، فأمرهن أن يصبوا عليه الماء فأحضروا له طستا أو مخضبا فى بيت حفصة ، وصبوا على رسول الله الماء حتى أشار إليهن بيده وهو يقول : ((حسبكن)). وفى لفظ : ((قد فعلتن)) .
ثم عصب رأسه وأراد أن يخرج ليودع أصحابة بكلمات رقيقة رقراقة ، ثم استأذن نساءه أن يرجع ليمرض فى بيت عائشة فأذن له – رضوان الله عليهن – مع أن النوبة لم تكن على عائشة لكن استأذن أن يرجع إلى بيت عائشة ، ليكون عند عائشة – رضوان الله عليها وعلى زوجات رسول الله - فعاد النبى إلى بيت عائشة فقبض فى حجرة عائشة فى يوم الإثنين الثانى عشر من ربيع الأول .
قال أبو بكر – رضوان الله عليه : سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته : ((ما قبض الله نبيا إلا فى الموضع الذى يحب أن يدفن فيه)) . فدفنوه فى موضع فراشه هذا أمر خاص بالنبى . ثم أود ان أزيد المسألة تفصيلا و إيضاحا فأقول : كان النبى فى حجرة عائشة ، وكانت الحجرة فى خارج المسجد صحيح أن بابها يطل على المسجد ، لكنها كانت خارج المسجد كل حجرات النبى كانت تطل على المسجد النبوى ، وظل النبى مدفوناً فى حجرة عائشة حتى توفى أبو بكر – رضوان الله عليه – فدفن الصحابة أبا بكر فى الحجرة النبوية ، إلى جوار رسول الله وبعض الناس يظن أن الرسول دفن هكذا ، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله وهذا خطأ
فلما دفن أبو بكر – رضوان الله عليه – دفن هكذا وضعت رأسه عند قدم رسول الله أمامه ، وكانت عائشة – رضوان الله عليها – قد جعلت الموضع الآخر لتدفن مع رسول الله وأبيها ، فلما طعن عمر – رضوان الله عليه – تمنى عمر أن يدفن مع صاحبيه مع رسول الله و أبى بكر ، فأرسل عبد الله بن عمر – رضى الله عنهما – إلى عائشة ليستأذنها قال : اذهب يا بنى إلى عائشة فاستأذنها أن أدفن مع صاحبى ، فإن أذنت فالحمد لله فو الله ما يشغلنى الآن إلا ذلك ، فإن أبت فردونى إلى مقابر المسلمين .
قال عبد الله بن عمر : فذهبت إلى عائشة – رضى الله عنها – فوجدتها جالسة تبكى ، فقلت : إن عمر يستأذن – إن عمر بن الخطاب ، لأن عمر قال له : قل عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه ولا تقل : أمير المؤمنين فأنا اليوم لست بأمير المؤمنين فقال : عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه يقول : فوجدت عائشة تبكى وهى تقول : والله لقد كنت قد جعلت هذا المكان لنفسى ، ولكنى أؤثر اليوم عمر على نفسى ، فجاء عمر فدفن أمام أبى بكر بنفس الكيفية التى دفن بها أبى بكر مع رسول الله فلا ينبغى أبدا أن يكون أحد فى محاذاة النبى فهو هو رسول الله الذى لا يدانيه أحد من الخلق ولا من البشر ولو كان الصديق ولو كان عمر – رضوان الله على جميع أصحاب رسول الله – فدفن أبو بكر ودفن عمر .
والمسجد النبوى وسع أكثر من مرة فى عهد عثمان – رضى الله عنه – من الجهة المقابلة يعنى لو تخيلنا أن الحجرات النبوية الشريفة فى هذا الجانب ظلت الحجرات على هيئتها وكانت التوسعة من الجانب الآخر ، وسع المسجد هكذا وظل الآمر كذلك إلى سنة ستة وثمانين من الهجرة فجاء عبد الملك بن مروان للحج فلما حج وأتى المدينة للصلاة فى مسجد رسول الله وللسلام عليه ، ارتقى المنبر ليخطب فوجد الناس قد انشغلوا عنه وتعلقت أبصارهم بحجرات النبى ، فلما نزل عبد الملك أصدر أمر فى هذا اليوم أن يوسع المسجد من جهة الحجرات وأن تدخل حجرات النبى فى المسجد .من هذا اليوم فقط دخلت حجرات النبى بما فيها حجرة عائشة وفيها النبى وأبو بكر وعمر ، دخلت إلى مسجد رسول الله وكنا نتمنى فى التوسعة الأخيرة فى المسجد النبوى أن يرجع الأمر إلى أصله لكن العلماء هنالك ، وهم أهل فضل لا نظن بهم إلا كل خير ، لم يتمكنوا من ذلك من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد وهذا أمر شرعى ، لاينبغى أن يقدح فيه أحد فإن النبى لم يستطيع أن يرد البيت على قواعد إبراهيم مع قدرته على فعل ذلك كما قال ابن القيم.
قال – رحمه الله : إن النبى قد شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ، ليحصل من المعرف ما يحبه الله ورسوله ، فإن كان إنكار المنكر ، ليحصل من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر من المنكر فهو أمر بمنكر وسعى فى معصية الله ورسوله ، ولقد كان النبى يرى بمكة أكبر المكرات ، ولا يستطيع تغييرها بل لما فتح الله عليه مكة ، وصارت مكة دار إسلام وعزم النبى على هدم البيت الحرام، ورده على قواعد إبراهيم لم يفعل النبى ذلك مع قدرته على فعل ذلك ، لأن قريشاً كانت حديثة عهد بكفر ، وقريبة عهد بإسلام.
المسألة : مسائل الموازنة بين المصالح والمفاسد ، لا ينبغى لطالب علم متحمس أو متهور أن يتهم أهل العلم وأهل الفضل من العلماء الأجلاء بالجبن أو إلى آخر هذه التهم العريضة . فإذن قبر رسول الله فى المسجد هذا أمر خاص برسول الله فضلا عن أن النبى قد تضرع إلى ربه جل وعلا ألا يصير قبره يوماً من الأيام وثناً يعبد فقال : ((اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد من بعدى)) (12) .فأنت تذهب إلى هنالك لا تتمكن من أن تمد يدك على جدار الحجرة النبوية ، منكم من سافر فلم يقدر أن يمد يده ، بل إذا اتجهت إلى حجرة النبى لتدعو ربك قال لك أحد إخوانك هنالك : وجه وجهك إلى القبلة وادع ربك جل وعلا اسأل الله تبارك وتعالى.
فاستجاب الله دعاء نبيه ، فلا ينبغى أن يحتج بقبر النبى لجواز أن يدفن كل ولى فى مسجد من مساجد المسلمين ، بل يجب أن يدفن كل ميت فى مقابر المسلمين كما دفن أصحاب سيد المرسلين ، أما قبر النبى فهذا أمر خاص به إذا لا يجوز الدفن إلا فى مقابر المسلمين كما ذكرت ، للمسلم و للصالح و للعالم .
أيضا : لا بأس أن يدفن فى القبر أكثر من واحد عند الضرورة ، كما فعل النبى فى الشهداء يوم أحد ، كان يدفن فى القبر اثنين وثلاثة ، ويقدم أكثرهم قرآنا كما فى الحديث الذى رواه البخارى و غيره عن جابر بن عبد الله قال : كان النبى يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أحد فى ثوب واحد . فيسأل : أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه فى اللحد قبل صاحبه وقال : ((أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة)) (13) وأمر بدفنهم فى دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .
قال جابر : فدفن أبى وعمى يومئذ فى قبر واحد ، فلا حرج أن يدفن فى القبر اثنان وثلاثة وهذا فعل النبى .
وفى الحديث الجميل الذى رواه أحمد فى مسنده بسند حسنه الحافظ ابن حجر عن أبى قتادة قال : أتى عمرو بن الجموح – رضى الله عنه – إلى رسول الله فقال : يا رسول الله أرأيت إن قاتلت فى سبيل الله حتى أقتل أمشى برجلى هذه صحيحه فى الجنة ؟ - وكان أعرج – فقال (( نعم )) (14) فقُتل يوم أحد .
فليس فى الجنة خلل ولا نقص ولا عيب ، دار كمال ليست دار نقصان ، أعرج يتأذى بعرجته فى الدنيا ، لن يتأذى بها فى الجنة ، فأمر رسول الله بهما وبمولاهما فجعلوا – الثلاثة – قبر واحد .
من الذى ينزل الميت إلى قبره ؟ :
أيضا : يتولى إنزال الميت إلى قبره ولو كان أنثى الرجال دون النساء ، وهذا متعارف عليه معمول به ولله الحمد ، يعنى لا يجوز للنساء أن ينزلن الميت إلى القبر ، ولو كان المتوفى أنثى ، بل ينزل الميت إلى القبر الرجال دون النساء ، هذا هو المعهود على عهد النبى ، وجوب العمل به إلى يومنا هذا ، وأولياء الميت أحق بإنزاله إلى القبر لعموم قول الله تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} (75) سورة الأنفال .
هذا دليل عام إلا ما دل عليه الدليل بالتخصيص ، فقد ذكرت أنه لم يثبت دليل على أنه يجب أن يصلى على الميت أقرب الناس إليه ، فهذه الآية آية عامة ما لم يأت دليل خاص فى أى مسألة من المسائل.
فثبت فى هذا الباب – إنزال الميت فى قبره من خلال أوليائه ما رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقى بسند صحيح وله شاهد أيضا من حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – أن علياً – رضى الله عنه – قال : غسلت رسول الله فذهبت أنظر ما يكون من للميت فلم أر شيئا ، وكان رسول الله طيبا حيا وميتا ، وولى دفنه وإجنانه – أى إدخاله إلى القبر – من الجنة أى الوقاية – دون الناس أربعة : على ، والعباس والفضل ، وصالح مولى رسول الله – رضى الله عنهم أجمعين – ولعلكم لم تسمعوا عن صالح – قد شرف بإنزال النبى إلى قبره ولحدوا رسول الله لحدا عليه اللبن(15) – يعنى الطوب
أيضا : من المسائل المتعلقة بهذا الباب : يجوز للزوج أن ينزل زوجته إلى القبر ، لحديث عائشة – رضى الله عنها : رواه أحمد بسند صحيح وغيره ، وقد رواه البخارى أيضا – قالت : دخل على رسول الله فى اليوم الذى بدئ فيه بالمرض – مرض الموت – فقلت : وارأساه ، كانت تشكو من صداع فى رأسها – فقال لها النبى – انظر إلى الدعابة الجميلة من النبى : (( وددت أن ذلك كان و أنا حى فهيأتك ودفنتك )) كانت عائشة لم تبلغ العشرين فى ريعان الشباب ، والنبى ثلاثا وستون سنة – فقالت : فقلت غيرة – دبت الغيرة فى قلب عائشة فى هذه اللحظات : كأنى بك فى ذلك اليوم عروساً ببعض نسائك – تدفننى وتنام مع زوجة أخرى من نسائك – قال : (( بل أنا وارأساه يا عائشة )) وتقوم للحبيب فيقول لها : (( ادعو لى أباك وأخاك حتى أكتب لأبى بكر كتابا فإنى أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمنى يقول أنا أولى – أى بالخلافة من أبى بكر – ويأبى الله عزو وجل والمؤمنون إلا أبا بكر ))(16) هذه حديث من أعظم وأنصع الأدلة حتى أن النبى – قد قدم أبا بكر للخلافة من بعده. الحديث رواه البخارى ومسلم ورواه الإمام أحمد وغيرهم .
وفى إشارة أخرى جميلة فى حديث الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى : لما ارتقى النبى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : (( إن عبدا من عباد الله خيره الله بين إن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله فاختار ما عند الله )) (17) فقام الصديق – رضى الله عنه – فى المسجد يبكى ويقول للنبى وهو على المنبر : فديناك بآبائنا وأمهاتنا وأرواحنا يا رسول الله . فصج الناس فى المسجد من قول أبى بكر ، وقالوا : عجبا لهذا الشيخ ، رسول الله يتحدث عن عبد مخير بين الدنيا والأخرة فأختار الآخرة .
ولكن الصديق كان أفهم الصحابة لكلام النبى فلتعلم أن العبد المخير هو المصطفى قال النبى : (( على رسالك يا أبا بكر )) يعنى انتظر قليلا ، ثم قال النبى : (( أيها الناس ما منكم من أحد إلا وكان له عندنا يد كافأناه لها إلا الصديق فإنا لم نستطيع مكافأته )) . وفى لفظ : (( فإنا قد تركنا مكافأته لله عز وجل ، وما نفعنى مال أحد قط مثل ما نفعنى مال أبى بكر ، ولو كنت متخذا من العباد خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة وصحبة وانظروا إلى الأبواب التى تطل على المسجد فسدوها من اليوم إلا باب أبى بكر )) .
وكأنها إشارة أقرب إلى أن هذا الباب سيظل مفتوحا ليخرج منه خليفة رسول اللهمن بعده ، ليصلى بالمسلمين فى كل صلاة ، والشاهد من الحديث : بيان جواز أن يدخل الرجل زوجته القبر كما قال النبى : (( وددت أن ذلك كان وأنا حى فهيأتك ودفنتك )) (18)
من السنة : إدخال الميت إلى القبر من مؤخرته القبر وليس من مقدمته ، لحديث أبى إسحاق قال : أوصى الحارث أن يصلى عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ، ثم أدخلته القبر من قبل رجل القبر وقال : سنة (19). وقال البيهقى : إسناده صحيح ، وكذا قال الشيخ الألبانى – رحمه الله . عن ابن سيرين قال : كنت مع أنس – رضى الله عنه – فى جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر (20) ، وأخرجه أحمد وابن أبى شيبة وسنده صحيح .
أيضا من السنة : أن يضجع الميت فى قبره على جنبه الأيمن ووجه تجاه القبلة ، وعلى هذا جرى العمل من عهد النبى إلى يومنا هذا ، ولله الحمد ، ويقول الذى يضع الميت فى اللحد : (( بسم الله ، وعلى سنة رسول الله – أو – وعلى ملة رسول الله )) .
فاللفظتان ثابتتان عن النبى ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر – رضى الله عنهما – أن النبى كان إذا وضع الميت فى القبر قال : (( إذا وضعتم موتاكم فى القبور فقولوا : بسم الله ، وعلى سنة رسول الله )) وفى رواية : (( بسم الله وعلى ملة رسول الله)) (21) أخرجه أبو داود الترمذى ، وابن ماجه والبيهقى وغيرهم بسند حسن ، وأخرجه الحاكم فى مستدركه وقال : صحيح على شرط الشيخين .
ويستحب لمن عند القبر ، أو لمن وضع الميت فى القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد ، لحديث أبى هريرة : (( أن رسول الله صلى على جنازة ثم أتى الميت فحثا عليه ثلاث حصوات من التراب من قبل رأسه))(22) الحديث أخرجه ابن ماجه وهو حديث صحيح بشواهده كما قال الشيخ الألبانى – رحمه الله .
ويسن أيضا : بعد الفراغ من الدفن أن يرفع القبر عن الأرض قليلا نحو شبر ، فنحن نبالغ الآن فى رفع المقابر ، وإن كان لعلة أن الأرض طينية وزراعية ، وإن عمقنا خرج الماء فنضطر إلى أن يكون الميت على سطح الأرض بقليل ، شبه يعلو البناء من أعلى ، فأرجو الله إن فعلنا ذلك ألا يكون على من يفعل ذلك إثم أو وزر ، لكن إن كانت الأرض صخرية أو رملية كما بينت فمن السنة ألا يرفع القبر فوق الأرض إلا بمقدار شبر ، وليس من السنة المبالغة فى تعلية المقابر .
ولا يسوى القبر بالأرض – فليس من السنة: أن نسوى المقابر بالأرض- كما يفهم بعض إخواننا من طلبة العلم، وإلا لصار القبر ممتهناً امتهان الأرض فحتى لا يمتهن ، وليكون مميزاً لا يسوى بالأرض .
فهذا الحديث يقيد حديث على- رضى الله عنه: (( وألا تجد قبراً إلا سويته )) (23).
حتى لا يستدل طالب بالدليل فى غير موضعه ، فلا بد من الجمع بين الأدلة ، فإن تعذر الجمع ترجح الدليل ، فلا تعارض أبداً بين كلام النبى . وإنما لا بد من حمل المطلق على المقيد إذا اتفقا فى الحكم والسبب ، هذه قاعدة من قواعد الأصول المتفق عليها، فكما فى الحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيحه ، والبيهقى فى سننه بسند حسن من حديث جابر بن عبد الله – رضى الله عنه : ((أن النبى ألحد له لحد ونصب عليه اللن نصباً ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر)) (24) .
وله شاهد من حديث صالح بن أبى صالح قال : ((رأيت قبر رسول الله شبراً أو نحوه شبراً)) أى : فوق الأرض .
أيضا من السنن : فى هذا أن يجعل القبر مسنماً – أى : كظهر البعير – كما فى حديث النبى الذى رواه مسلم : (( رؤوسهن كأسنة البخت المائلة )) (25) .
البخت : نوع من أنواع الجمال الخراسانية التى كانت من أغلى ما يمتلك العربى فى زمن الجزيرة ، فالسنام : هو ما يرتفع كالهرم فوق ظهر الجمل وهذا وارد فإنه يوضع بهذه الهيئة فى القبر فيصبح القبر مسنماً.
ولا يعارض ذلك ما روى القاسم قال : دخلت على عائشة فقلت : يا أمة ، اكشفى لى عن قبر النبى وصحابيه – رضى الله عنهما – فكشفت لى عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لا طئة مبطوطة بطحاء العرض الحمراء .
قال الشيخ – رحمه الله تعالى : هذا أصح من حديث سفيان التمار وعليه ابن التركمانى وقال : هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن بل حديث التمار أصح ، لأنه مخرج فى صحيح البخارى ، وحديث القاسم لم يخرج شئ منه فى الصحيح .
أيضا : لا بأس أن يعلم أهل الميت القبر بعلامة بحجر أو بأى علامة من العلامات دون مغالاة وتكلف لحديث المطلب بن أبى وداعة – رضى الله عنه – قال : لما مات عثمان بن مظعون – رضى الله عنه – وهو أول من لقب بالسلف الصالح وهو ممن شهدوا بدراً والنبى يقول : (( لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) (26) .
والرواية ضعيفة – من باب الأمانة – ذهب إليه النبى فقبله بين عينيه ثم بكى حتى سالت دموع النبى على خدى عثمان ابن مظعون ، لما مات عثمان خرجت جنازته فدفن ، فلما دفن أمر النبى رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطيع الرجل حمله ، يقول راوى الحديث : فقام إليها رسول الله وحسر عن ذراعيه – شمر – قال المطلب : قال الذى يخبرنى عن رسول الله : كأنى أنظر إلى بياض ذراعى رسول الله حين حسر عنهما ، ثم حمل الحجر فوضعه عند رأى عثمان بن مظعون .
الشاهد : وضع النبى الحجر وقال : (( أتعلم بها قبر أخى ، وأدفن إليه من مات من أهله )) وفى لفظ : (( أتعلم بها قبر أخى ، وأدفن بها من مات من أهلى )) (27) .
وهذا هو اللفظ الصحيح: فلا بأس أن يعلم القبر – وقد يسأل سائل ويقول: ما قولك إن علم القبر بكتابة الاسم عليه ؟ أرى أنها علامة ولا بأس بذلك فالأعداد الآن فى القبور قد تكاثرت على خلاف ما كان عليه الأمر قبل ذلك ، فالأصل أن رسول الله فعل ، قد تختلف الوسيلة فى التعليم من زمان لآخر – فلا يقال عن الوسائل الحديثة كمكبرات الصوت إنها بدعة ، لأن النبى لم يتكلم فيها ، لا هذه وسيلة دعوة ، المنهج الدعوى توقيفى ، والوسائل مختلفة باختلاف الزمان والمكان ، هذه مسألة مهمة ، فأنا أقول ما قاله النبى r لكن وسيلة القول التى أنقل بها القول للناس قد تختلف ، فى شريط ، فى كتاب .
النبى كان يصلى ولم يكن فوق رأسه مروحة ، ولم يكن هناك مصابيح كهربائية فهل هذه بدع ؟ لا أبداً . وإنما أقول : هذه وسائل ، فلا بأس إن كتب اسم الميت على القبر لكن دون مغالاة ، فلا يقال مثلا : قبر العالم الربانى والحبر الهمام .
ولكن يقال: قبر فلان: حتى إذا ذهب إليه أهله عرفوا قبره ، ثم يدفنوا إلى جواره أهله.
والحديث الذى ذكره رواه أبو داود والبيهقى بسند حسن كما قال الحافظ وذكر الشيخ الألبانى له شاهدين .
تلقين الميت:أيضا من السنن : ألا يلقن الميت التلقين المعروف بعد الموت ، هذا من البدع التى لم تثبت عن النبى ، أى يذهب إلى الميت فى قبره بعد الموت ويقال له : اعلم بأنك مت ، وسيأتيك ملكان الخ.
فالتلقين الذى بان فى قول النبى: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) (28) المراد به أن يلقت الميت كلمة التوحيد على فراش الموت ليختم له بكلمة التوحيد ، فمن كان أخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة .
ومن السنة : أن نقف عند قبر الميت وأن نستغفر له ، وأن ندعو الله له بالتثبت ، كان النبى إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : (( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل )) (29) .
أما : فقفوا عند قبرى بمقدار ما يذبح جذور ويوزع لحمه ، فليس من كلام النبى ، بل هو من كلام عمرو بن العاص ، ولا شك أن فى كلام الصحابى ، إن لم يثبت دليل فكلام النبى مقدم ، لكن ليس بالضرورة أن تلزم الناس بأن يقفوا ساعة أو غير ذلك ونشق على الناس إذا كان اليوم حاراً ، أو فى يوم شديد البرد ونقول : لا بد من الوقوف ساعة أو أقل أو أكثر وإنما مقدار ما يثبت به القيام ، خمس دقائق ، عشر ، وانصرفوا فقد أجزؤوا . ويدعو الناس للميت كل فى نفسه : اللهم اغفر له وارحمه ، اللهم ثبته عند السؤال. وأنا أتالم كثيراً حينما أشهد جنازة من جنائز المسلمين فأرى ضجيجاً وصوتاً مرتفعاً عند القبر ، هذا يصيح وهذا يقول : هات الطين ، الطوب ... هذا مكان سكينة ووقار ، والنبى يأمر بالصمت فى هذا المقام ، لابد من الخشوع فمن لم يكن له مصلحة فى الوقوف بجانب القبر ، يفسح لمن يقوم بالبناء ولمن يتولى دفن الميت .
أيضا : لابأس إن جلس أحد الإخوة الحضور على حافة قبر الميت وهم يجهزونه ويعدونه وأن يذكر الحضور بحديث البراء بن عازب ، قال البراء بن عازب : خرجنا مع النبى فى جنازة رجل من الأنصار ، فأنتهينا إلى القبر ولما يلحد – أى لم يدفن – فجلس رسول الله مستقبل القبلة – وهى زيادة صحيحة – وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير ، وفى يده عود ينكت فى الأرض فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثا ثم قال: (( استعيذوا بالله من عذاب القبر ، استعيذوا بالله من عذاب القبر )) . قالها: مرتين أو ثلاثا. ثم قال (( اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر – ثم قال :- إن العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأنه وجوههم الشمس – المحتضر فى هذه اللحظات هو الذى يرى الملائكة – معهم كفن من أكفان الجنة ومعهم حنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة – وفى رواية – أيتها النفس المطمئنة – اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فى السقاء – أى سهلة – فيأخذها – أى ملك الموت )) وفى رواية : ((حتى إذا خرجت روحه صلى عليه ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك فى السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب من أبواب السماء إلا ويدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ، فإذا أخدها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذها ، فيجعلوها فى ذلك الكفن ، وفى ذلك الحنوط فذلك قوله تعالى : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} (61) سورة الأنعام ويخرج منها كأطيب نفخة مسك وجدت على ظهر الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التى كانوا يسمونه بها فى الدنيا ، حتى إذا ما انتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستحقون بها – يطلبون فتح أبواب السماء – فيفتح لهم ، فيشيعة من كل سماء مقربوها إلى السماء التى تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابقة فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدى فى عليين {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } (21) سورة المطففين فيكتب كتابه فى عليين ثم يقال : أعيدوه إلى الأرض فمنها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم مرة أخرى فترجع روحه فى جسده )) قال : (( فإنه يسمع خفقة نعال أصحابه فيأتيه ملكان شديد الانتهار فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربى الله . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : دينى الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذى بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله فيقولان له : ما عملك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمن به وصدقت)) ويقول النبى فى رواية : (( وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن )) فتنة السؤال فى القبر (( فذلك حين يقول الله عز وجل : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم.
فالثبات فيه وقتان : الوقت الأول : على فراش الموت ، والوقت الثانى : حين الخروج من القبور . وأنا أقول : لاحرج على الإطلاق فى الجميع بينهما ليثبت الله المؤمن عند الموت ويثبته عند الخروج من القبر . فمن ثبت فى الأولى إلا ليكون أهلا للتثبيت فى الثانية (( فينادى مناد من السماء : ويقول : صدق عبدى فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة )) .
رغم أنف العلمانيين المكذبين ، فالمشكلة أن العلمانيين والعقلانيين يناقشون قضية القبر فى عذابه ونعيمة بالدليل العقلى الحسى المادى ، ومن الظلم خلط قانون الحس فى قانون الغيب فإنك لا تعرف كنهه ولا حقيقته .هناك مجموعة أحضروا أجهزة للتصنت وللتصوير على أعلى مستوى ووضعوها فى المقابر حتى يصوروا عذاب القبر والملكين فكلما وضعوا جهازاً احترق .إنه غيب {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (100) سورة المؤمنون يقول ابن القيم : وسر المسألة أن نور القبر وناره وسعة القبر وضيقه ، ليست من جنس نور ونار وسعة وضيق ما يعرف الناس فى الدنيا ، فالإنسان لا يستوعب بعقله إلا المحسوس المرئى يقول : (( فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فى قبره مد البصر ، ويأتيه فى قبره رجل حسن الوجه ، حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذى يسرك – أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم – هذه الزيادة صحيحة – هذا يومك الذى كنت توعد فيقول صاحب القبر : وأنت بشرك الله بخير ، من أنت ؟ فوجهك الوجه الذى يجئ بالخير فيقول : أنا عملك الصالح ، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا فى طاعة الله بطيئاً فى معصية الله ، فجزاك الله خيرا ً)) العمل يكلم صاحبه ويؤنسه ، زوجتك التى كانت تقول : يا سبعى ويا جملى لا تستطيع أن تبيت معك ليله فى القبر ، فالذى يؤنسك هو العمل فسيكلمك ويؤنسك (( ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال له : هذا منزلك لو عصيت الله ، أبدلك الله به هذا ويشير إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فى الجنة قال : رب عجل قيام الساعة )) وفى لفظ : (( رب أقم الساعة – رب أقم الساعة كيما أرجع إلى أهلى ومالى فيقال له : اسكن فيسكن إلى يأذن الله عز وجل فى إخراج أهل الأرض من باطنها )) .
قال (( وإن العبد الكافر )) وفى لفظ : (( الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد سود الوجوه معهم المسوح – جمع المسح : وهو ما يلبس من نسيج الشعر علي البدن تقشفا وقهرا للبدن وهو مصنوع من الليف – من النار فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتي يجلس عند رأسه فيقول : يأ أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلي سخط من الله وغضب ، فتفرق في جسده – الروح فيتنزعها كما يتنزع السفود من الصوف المبلول – والسفود نوع من أنواع الحديد شديد الصلابة – فتقطع معها العروق والعصب فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض ، وتغلق أبواب السماء ليس من أهل سماء إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم فيأخذها فإذا أخذها – أي ملك الموت – لم يدعوها – أي الملائكة – في يده طرفة عين حتي يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت علي ظهر الأرض فيصعدون بها فلا يمرن بها علي ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث فيقولون : فلان ابن فلان لأخبث أسمائه التي كانوا يسمونها بها في الدنيا ، حتي ينتهي بها إلي السماء الدنيا ، فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله r قول الله تعالي : {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} (40) سورة الأعراف - سم الخياط : عين الإبرة فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين ثم يقال : أعيدوا عبدي إلي الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخري ، فتطرح روحه من السماء طرحاً حتي تقع في جسده ، ثم قرأ النبي قول الله تعالي : {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (31) سورة الحـج فتعاد روحه في جسده قال : فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه ويقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : من هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فينادي منادي من السماء : أن كذب فافرشوا له فراشاً من النار وافتحوا له باباً إلي النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتي تختلق فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح فيقال : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : وأنت بشرك الله بالشر من أنت ؟ فيقول : أنا عملك القبيح فوالله ما علمتك إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله سريعاً إلي معصية الله فجزاك الله شراً ، ثم يقيض له : أعمي أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب به جبل كان تراباً ، فيضربه بها ضربة حتي يصير بها تراباً ، ثم يعيده الله كما كان ثم يفتح له باب من النار ويمهد له من فرش النار فيقول : " رب لا تقم الساعة ، رب لا تقم الساعة" (30) أيضاً من المسائل التي اختم بها : يجوز أن تخرج الميت من القبر إن دفن الميت خطأ في مقابر النساء ، ثم عرفوا وسألوا فيجوز أن يخرج الميت من قبور النساء إلي قبور الرجال.
-------------------------------------------
-------------------------------------------
([1]) أخرجه البخارى فى المغازى ، باب قتل أبى جهل (7 / 3979) ، ومسلم فى صفة الجنة ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار (4 / 2874) ، والنسائى فى الجنائز ، باب أرواح المؤمنين وغيرهم (4 / 2074) ، وأحمد فى مسنده (3 / 104 ، 182).
([2]) أخرجه البخارى فى الجنائز ، باب قول الميت وهو على الجنازة(3 / 1316) ، ومسلم فى الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (2 / 944) , وأبو داود فى الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (3 / 3181) ، والترمذى فى الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (3 / 1015) ، والنسائى فى الجنائز ، باب السرعة بالجنازة (4 / 1908) ، وقال أبو عيسى : حديث حسن صحيح.
([3]) أخرجه البخارى فى الجنائز ، باب إذا قال المشرك عند الموت : لا إله إلا الله(3 / 1360) ، ومسلم فى الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت (1 / 24).
([4]) أخرجه النسائى فى الجنائز ، باب مواراة المشرك (4 / 2005) ، وأبو داود فى الجنائز ، باب الرجل يكون له قرابة مشرك (3/ 3214).
([5]) أخرجه أحمد فى مسنده (1 / 130) ، وصححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة(161).
([6]) أخرجه مسلم فى الإيمان ، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد r (1 / 152) ، وأحمد فى مسنده (2 / 317).
([7]) أخرجه أبو داود فى الجنائز , باب المشى فى النعل بين القبور ( 3 / 3230 ) , وابن ماجه فى الجنائز, باب ما جاء فى خلع النعلين فى المقابر ( 1 / 1568 ) , والنسائى فى الجنائز , باب كراهية المشى بين القبور فى النعال السبتية ( 4 / 2047 ) .
([8]) أخرجه أحمد فى مسنده ( 5 / 83 , 84 ) , والطبرانى فى الكبير ( 2 / 1230 ) , وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (9 /398) : رجال أحمد رجال الصحيح غير خالد بن سمير وهو ثقة .
([9]) أخرجه الترمذى فى الجنائز (3 / 1018) عن عائشة , وقال أبو عيسى : حديث غريب , وابن ماجه فى الجنائز , باب ذكر وفاته ودفنه r (1 / 1628) عن ابن عباس بنحوه .
([10]) أخرجه البخارى فى فضائل الصحابة . باب قوله r : لو كنت متخذاً خليلاً ( 7/ 3662) , ومسلم فى فضائل الصحابة , باب فضل أبو بكر الصديق ( 4 / 2384 ) .
([11]) أخرجه البخارى فى المرضى , باب ما رخص اللمريض أن يقول : وارأساه ( 10 / 5666 ) , وابن ماجه فى الجنائز, باب ما جاء فى غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها ( 1 / 1465 ) .
([12]) أخرجه مالك فى الموطأ فى قصر الصلاة فى السفر , باب جامع الصلاة ( 172 / 85 ) , وأحمد فى مسنده (2/246) , وعبد الرزاق فى مصنفه (2/1587) .
([13]) أخرجه البخارى فى الجنائز , باب اللحد والشق فى القبر ( 3/ 1353 ) , وفى المغازى , باب من قتل من المسلمين يوم أحد (7 / 4079) , والترمذى فى الجنائز , باب ما جاء فى ترك الصلاة على الشهيد ( 3/ 1036 ) , وابن ماجه فى الجنائز , باب ما جاء فى الصلاة على الشهداء ودفنهم ( 1 / 1345 ) , وأبو داود فى الجنائز , باب فى الشهيد يغسل (3/3138 , 3139 ) .
([14]) أخرجه أحمد فى مسند ( 5 / 299 ) .
([15]) أخرجة الحاكم فى المستدرك ( 1 / 362 ) , والبيهقى فى دلائل النبوة , باب ما جاء فى دفن رسول الله r ( 7 / ص253) وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجا منه غير اللحد . وقال الذهبى : فيه انقطاع .
([16]) أخرجه البخارى فى كتاب المرضى , باب ما رخص للمريض ( 10 / 5666 ) , ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أبى بكر الصديق ( 4 / 2387 ) , أحمد فى مسنده ( 6 / 144 ) .
([17]) أخرجه البخارى فى كتاب مناقب الأنصار , باب هجرة النبى r وأصحابه إلى المدينة ( 7 / 3904 ) , ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أبى بكر الصديق (4 / 2382 ) , والترمذى فى كتاب المناقب , باب مناقب أبى بكر (5 / 3660 ) .
([18]) تقدم تخريجه .
([19]) أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى ( 4/ 54 ) , وقال : هذا إسناد صحيح .
([20]) أخرجه أحمد ( 1 / 429 ) .
([21]) أخرجه أحمد فى مسند ( 2/ 27 ) , والحاكم فى المستدرك ( 1 / 366 ) , والبيهفى فى السنن الكبرى ( 4/ 55 ) , وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , وقال الذهبى : على شرطهما وقد زقفه شعبة , وصححه الألبانى فى صحيح الجامع ( 1 / 832 ) .
([22]) أخرجه ابن ماجه فى كتاب الجنائز , باب ما جاء فى حثو التراب فى القبر ( 1 / 1565 ) , وصححه الألبانى فى صحيح ابن ماجه ( 1271 ) , وانظر : الإرواء ( 751 ) .
([23]) أخرجه مسلم فى الجنائز , باب الأمر بتسوية القبر (2/969) , وأبو داود فى الجنائز , باب فى تسوية القبر (3/3291) , والترمذى فى الجنائز , باب ما جاء فى تسوية القبر ( 3 / 1049 ) .
([24]) أخرجه ابن حبان فى صحيحه ( 8 / 218 إحسان ) , والبيهقى فى سننه كتاب الجنائز , باب لا يزاد فى القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً ( 3 / 411 ) .
([25]) أخرجه مسلم فى كتاب اللباس والزينة , باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات ( 3 / 2128 ) , وأحمد فى مسنده ( 2 / 223 , 356 ) .
([26]) أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير, باب الجاسوس ( 6 / 3007 ) , ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة , باب من فضائل أهل بدر ( 4 / 2494 ) .
([27]) أخرجه أبو داود فى الجنائز – باب فى جمع الموتى فى قبر والقبر يعلم ( 3 / 3206 ) , والبيهقى فى السنن الكبرى فى كتاب الجنائز , باب إعلام القبر بصخرة أو علامة ( 3 / 412 ) وإسناده حسن .
([28]) أخرجه مسلم فى كتاب الجنائز , باب تلقين الموتى : لا إله إلا الله (2/916) , وأبو داود فى كتاب الجنائز , باب فى التلقين (3/3116) , والترمذى فى كتاب الجنائز , باب ما جاء فى تلقين المريض عند الموت , والدعاء له عنده (3/976).
([29]) أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز , باب الاستغفار عند القبر للميت ( 3 / 3221 ) والحاكم فى المستدرك ( 1 / 370 ) , وقال : صحيح , ووافقة الذهبى , وصححة الألبانى فى صحيح سنن أبى داود ( 2758 ) .
([30]) أخرجه أحمد (4/287-288) ، وإسناده صحيح رجاله ثقات ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع الصغير ، ومشاكاه المصابيح (1630).
أسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالدى