الجشعمي
29-10-2009, 08:13 PM
الحب عند الحيوانات
الحب تجاذب بين كيانين منفصلين، وهو علاقة عميقة تضرب بجذورها في أقدم البنى التي نشأ منها الكون، فقوة الجذب الفيزيائية التي ولدت عنها ذرات المادة ليست صماء، كما كان يعتقد في السابق. وفي ظل المعلومات المتوافرة لدى الباحثين في الفيزياء الحديثة، فإن هذا الانجذاب يخضع لقوانين شديدة التعقيد، ربما لا يمكن إدراك جميع أسرارها إلا باستشراف الطرق التي تطورت خلالها مبادئه،
ليصل إلى الحيوانات والحشرات وبعد ذلك إلى الإنسان على هيئة أعلى وأرفع مفاهيم الحب التي جسدتها الغريزة. وقد تتجلى صور الحب الذكي عند جماعات النمل والحشرات، على شكل سعي دؤوب من قبل الذكر، لاسترضاء الأنثى بمختلف الطرق، وباستخدام خلاصة مواهبه والإبداع فيها. . إنها ملكات مدهشة تتمتع بها تلك المخلوقات التي كانت إلى حد قريب مثالاً للبهيمية وعمى العاطفة باعتبارها مجرد حشرات وهوامّ.
ولاحظ الباحثون عند أنواع عديدة من الخنافس والعناكب، وعند جماعات النمل والنحل، والكثير من الديدان، ميلاً غريزياً لاستثارة الإناث وإغرائهن، هذا إذا غضضنا النظر عن تلك الأشكال الراقية من صور التجاذب، والانفعال العاطفي التي تبديها الطيور والثدييات على اختلاف أنواعها. وكمثال على ذلك نجد أن ذكر العناكب من فصيلة (بيزور)، ولدهشته إزاء ضخامة حجم أنثاه، يعمد إلى استرضائها بالتقدم نحوها بحذر شديد، ويحرص عند الاقتراب منها على تقديم حشرة اصطادها بعد أن يغلفها بخيوط الحرير. وحين تنشغل الأنثى بقضم الطريدة،
hيحاول الذكر إنهاء عملية الجماع معها بأسرع ما أمكن، لكي يهرب منها قبل أن ترتد إليه لتأكله بعد الانتهاء من الوجبة الهدية. وللخنافس أسلوب أكثر رقياً في تعامل ذكورها مع إناثها، إذ يعمل هؤلاء على جمع فضلات الحيوانات وتكويرها، لكي تضع الأنثى بيوضها فيها كما تتغذى اليرقات بعد ذلك منها. وهنالك أنواع من الذباب يقدم الذكر فيها أكبر ما يحصل عليه من قطع الغذاء للأنثى طلباً لرضاها.
وتبدو صور الحب وممارساته في أرقى أشكالها عند فصائل الطيور، والتي تتجلّى مع بداية ربيع كل عام على شكل حفل موسيقي، فهذا هو الشحرور الأسود، وتلك اليمامة التركية، وأنواع العصافير وقبرات الحقول والبلابل كلها، وكثير غيرها، يؤخذ بعاصفة حب جامحة تظهر بواكيرها مع حلول الربيع، حين تطول ساعات النهار قياساً بالشتاء، لتحدث في جوانحها تغيرات هورمونية،
وتعديلات في تركيبة دمائها، وتزداد نسبة هورمون الذكورة (تيستو ستيرون) عند الذكور، وهو المسؤول عن اندفاع الطيور في تغريدها، وهذا ما أشارت إليه بطريقة رمزية أمهات الأساطير، وخاصة أسطورة الحب اليونانية. ويمكن القول إن الغناء عند الطيور يحمل مسحة ذكورية، غير أن هذا لا يلغي بعض الاستثناءات، حيث نجد عند اليمام الأفريقي نزعة تجمع الأنثى والذكر في هديل ثنائي شجي.
وهناك نوادر مصدرها الإناث، كما هو الحال عند العصفور الأحمر; إذ تنفرد الأنثى بالغناء اجتذاباً للذكر، غير أن السمة العامة تنطبق على ذلك التغير التشريحي الذي يطال حناجر ذكور الطيور من دون إناثها، ويدفعها للغناء والرقص بأسلوب أو باَخر، وكأنها تقدم للإناث شكلاً راقياً من أشكال العواطف، يتصف بسمات فنية متقدمة، كما هي الحال عند ذكر الطاووس الذي يمزج بين الصوت وبين التغير الذي يحدثه على ألوان ريشه. وتبدو بعض الإناث، وكأنها لا تملك أذناً موسيقية،
أو أنها تتمنّع تمنّع الراغب، كما هي حال جميع الإناث، لذا تلجأ ذكور بعض الطيور المائية إلى تقديم أفضل ما تصطاد من أسماك أو حزم جميلة من النباتات إلى الإناث، وتعمد أخرى إلى التفنّن في بناء العش والرقص حوله بانتظار العروس . ولديكة الدجاج أسلوب اَخر في استدراج الإناث، حيث يبدو جماع هذه الطيور بمثابة عمليات اغتصاب لا تلبث الأنثى أن تخضع لها راغبة بعد محاولات هروب متكررة.
ويبدو الديك عادة كما لو أنه لا يعير وزناً لدجاجاته لأنه مشغول عن التفكير المباشر بها، بما يعتمل به رأسه من تحضير للصراع الدائم مع أشباهه، لذا تجده بحضور ذكور مثله أشد نشاطاً وأكثر نزقاً، كما تستهويه الدجاجة ذات العرف البارز أكثر من تلك التي حرمتها الطبيعة من ذلك التاج الأحمر. وحين نغادر عالم الطيور ونقصد عالم الحيوانات ذات الأربع قوائم،
http://www.petcaretips.net/stuffed_hen.jpg
نفاجأ باختفاء فكرة هدية الحب التي حلت محلها الرائحة المميزة التي تفرز بأشكال مختلفة عند الأنثى والذكر. ففحل الزرافة لا يقدم أغصان الأكاسيا وأوراقها إلى أنثاه، مثلما لا يجازف ذكر قرد البابون بتقديم عذق الموز إلى صاحبته، بيد أن فحل الزرافة وذكر البابون، يعمدان إلى إظهار بأسهما، وينخرطان في صراع عنيف مع الذكور المحيطة بهما،
وكذلك يفعل الثور البري، وحمار الوحش ، وطائفة عريضة من الغزلان والوعول، فيما تكتفي الإناث بالتفرج على ذلك الصراع الدامي في الكثير من الأحيان. ويبدو أن مثل هذا الصراع يعدّ المحفز لكل سياقات الإنجذاب المتبادل بين إناث وذكور هذه الفئات من الحيوان،
فيما نجد أن البول والفضلات ورائحة الجسد التي تتغير جذرياً في موسم التكاثر، قد حلّت محل أي هدايا تتبادلها الحيوانات بقصد الاقتران.
--------------------------------------------------------------------------------
الحب تجاذب بين كيانين منفصلين، وهو علاقة عميقة تضرب بجذورها في أقدم البنى التي نشأ منها الكون، فقوة الجذب الفيزيائية التي ولدت عنها ذرات المادة ليست صماء، كما كان يعتقد في السابق. وفي ظل المعلومات المتوافرة لدى الباحثين في الفيزياء الحديثة، فإن هذا الانجذاب يخضع لقوانين شديدة التعقيد، ربما لا يمكن إدراك جميع أسرارها إلا باستشراف الطرق التي تطورت خلالها مبادئه،
ليصل إلى الحيوانات والحشرات وبعد ذلك إلى الإنسان على هيئة أعلى وأرفع مفاهيم الحب التي جسدتها الغريزة. وقد تتجلى صور الحب الذكي عند جماعات النمل والحشرات، على شكل سعي دؤوب من قبل الذكر، لاسترضاء الأنثى بمختلف الطرق، وباستخدام خلاصة مواهبه والإبداع فيها. . إنها ملكات مدهشة تتمتع بها تلك المخلوقات التي كانت إلى حد قريب مثالاً للبهيمية وعمى العاطفة باعتبارها مجرد حشرات وهوامّ.
ولاحظ الباحثون عند أنواع عديدة من الخنافس والعناكب، وعند جماعات النمل والنحل، والكثير من الديدان، ميلاً غريزياً لاستثارة الإناث وإغرائهن، هذا إذا غضضنا النظر عن تلك الأشكال الراقية من صور التجاذب، والانفعال العاطفي التي تبديها الطيور والثدييات على اختلاف أنواعها. وكمثال على ذلك نجد أن ذكر العناكب من فصيلة (بيزور)، ولدهشته إزاء ضخامة حجم أنثاه، يعمد إلى استرضائها بالتقدم نحوها بحذر شديد، ويحرص عند الاقتراب منها على تقديم حشرة اصطادها بعد أن يغلفها بخيوط الحرير. وحين تنشغل الأنثى بقضم الطريدة،
hيحاول الذكر إنهاء عملية الجماع معها بأسرع ما أمكن، لكي يهرب منها قبل أن ترتد إليه لتأكله بعد الانتهاء من الوجبة الهدية. وللخنافس أسلوب أكثر رقياً في تعامل ذكورها مع إناثها، إذ يعمل هؤلاء على جمع فضلات الحيوانات وتكويرها، لكي تضع الأنثى بيوضها فيها كما تتغذى اليرقات بعد ذلك منها. وهنالك أنواع من الذباب يقدم الذكر فيها أكبر ما يحصل عليه من قطع الغذاء للأنثى طلباً لرضاها.
وتبدو صور الحب وممارساته في أرقى أشكالها عند فصائل الطيور، والتي تتجلّى مع بداية ربيع كل عام على شكل حفل موسيقي، فهذا هو الشحرور الأسود، وتلك اليمامة التركية، وأنواع العصافير وقبرات الحقول والبلابل كلها، وكثير غيرها، يؤخذ بعاصفة حب جامحة تظهر بواكيرها مع حلول الربيع، حين تطول ساعات النهار قياساً بالشتاء، لتحدث في جوانحها تغيرات هورمونية،
وتعديلات في تركيبة دمائها، وتزداد نسبة هورمون الذكورة (تيستو ستيرون) عند الذكور، وهو المسؤول عن اندفاع الطيور في تغريدها، وهذا ما أشارت إليه بطريقة رمزية أمهات الأساطير، وخاصة أسطورة الحب اليونانية. ويمكن القول إن الغناء عند الطيور يحمل مسحة ذكورية، غير أن هذا لا يلغي بعض الاستثناءات، حيث نجد عند اليمام الأفريقي نزعة تجمع الأنثى والذكر في هديل ثنائي شجي.
وهناك نوادر مصدرها الإناث، كما هو الحال عند العصفور الأحمر; إذ تنفرد الأنثى بالغناء اجتذاباً للذكر، غير أن السمة العامة تنطبق على ذلك التغير التشريحي الذي يطال حناجر ذكور الطيور من دون إناثها، ويدفعها للغناء والرقص بأسلوب أو باَخر، وكأنها تقدم للإناث شكلاً راقياً من أشكال العواطف، يتصف بسمات فنية متقدمة، كما هي الحال عند ذكر الطاووس الذي يمزج بين الصوت وبين التغير الذي يحدثه على ألوان ريشه. وتبدو بعض الإناث، وكأنها لا تملك أذناً موسيقية،
أو أنها تتمنّع تمنّع الراغب، كما هي حال جميع الإناث، لذا تلجأ ذكور بعض الطيور المائية إلى تقديم أفضل ما تصطاد من أسماك أو حزم جميلة من النباتات إلى الإناث، وتعمد أخرى إلى التفنّن في بناء العش والرقص حوله بانتظار العروس . ولديكة الدجاج أسلوب اَخر في استدراج الإناث، حيث يبدو جماع هذه الطيور بمثابة عمليات اغتصاب لا تلبث الأنثى أن تخضع لها راغبة بعد محاولات هروب متكررة.
ويبدو الديك عادة كما لو أنه لا يعير وزناً لدجاجاته لأنه مشغول عن التفكير المباشر بها، بما يعتمل به رأسه من تحضير للصراع الدائم مع أشباهه، لذا تجده بحضور ذكور مثله أشد نشاطاً وأكثر نزقاً، كما تستهويه الدجاجة ذات العرف البارز أكثر من تلك التي حرمتها الطبيعة من ذلك التاج الأحمر. وحين نغادر عالم الطيور ونقصد عالم الحيوانات ذات الأربع قوائم،
http://www.petcaretips.net/stuffed_hen.jpg
نفاجأ باختفاء فكرة هدية الحب التي حلت محلها الرائحة المميزة التي تفرز بأشكال مختلفة عند الأنثى والذكر. ففحل الزرافة لا يقدم أغصان الأكاسيا وأوراقها إلى أنثاه، مثلما لا يجازف ذكر قرد البابون بتقديم عذق الموز إلى صاحبته، بيد أن فحل الزرافة وذكر البابون، يعمدان إلى إظهار بأسهما، وينخرطان في صراع عنيف مع الذكور المحيطة بهما،
وكذلك يفعل الثور البري، وحمار الوحش ، وطائفة عريضة من الغزلان والوعول، فيما تكتفي الإناث بالتفرج على ذلك الصراع الدامي في الكثير من الأحيان. ويبدو أن مثل هذا الصراع يعدّ المحفز لكل سياقات الإنجذاب المتبادل بين إناث وذكور هذه الفئات من الحيوان،
فيما نجد أن البول والفضلات ورائحة الجسد التي تتغير جذرياً في موسم التكاثر، قد حلّت محل أي هدايا تتبادلها الحيوانات بقصد الاقتران.
--------------------------------------------------------------------------------