عبير الشوق
14-09-2009, 08:09 PM
يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم:
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
جعل الله الزواج آية من آياته سبحانه وتعالى، لعلمه بأسرار الخلق، ومعرفته بكنه وحقيقة النفس البشرية، فخلق الزوجين ذكرا وأنثى، رجلا وامرأة، حكمة بالغة !!
فالزواج منبع للسكينة، وراحة للقلب، وقوة للنفس على العبادة، انسجاما مع سنة الله في الخلق، لضمان استمرار الحياة البشرية والإنسانية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
كما أن الزواج حصن المسلم الذي يقيه غوائل الوقوع في الرذيلة والآثام، نصف دينه الذي يقيه المهالك إن هو اتقى الله في نصفه الآخر. وهو الطريق الطبيعي لتصريف الغريزة الفطرية التي أودعها الله سبحانه في الإنسان.
بهذا نخلص أن الزواج شرع في الإسلام كوسيلة لخدمة مقاصد الشريعة في شموليتها، وهذا ما ينبغي لشباب هذه الأمة الإحساس به، ومعرفته، كي تحسن البداية ويرسخ البنيان على أساس متين.
والزواج الناجح ينبني على التربية السليمة منذ النشأة الأولى في الأسرة الأم، تربية الفتى والفتاة على حسن الخلق وعلى التقدير والاحترام المتبادل، تربيتهم على احترام هذا الميثاق المقدس، تربيتهم على تحمل المسؤولية كاملة. وعلى هذا الأساس يبدأ الاختيار وفق توجيه الشرع الحنيف حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولنسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
تشجيع وتنويه منه صلى الله عليه وسلم للرجل ليختار المرأة لدينها وخلقها، لكنه لا ينفي أن الميل الغريزي لذات الجمال أو المال أو النسب إن تحقق شرط التدين خصوصا، وتحقق القبول ابتداء، وانتفت مسببات النفور. فهو صلى الله عليه وسلم الذي وجه الصحابة رضوان الله عليهم إلى النظر إلى من يرغب الزواج بها: قال الحبيب صلى الله عليه وسلم "انظر إليها فإنها أحرى أن يؤدم بينكم".
والاختيار حق للرجل والمرأة على السواء، فلا يصح أن يجبرها والداها أو وليها على من ارتضوه، فلا يتحقق الزواج إلا برضاها؛ إذ أورد البخاري في صحيحه، كتاب النكاح (باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها)، وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت فقالت: "إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته (ليكسب مكانة اجتماعية) وأنا كارهة، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها. فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم الناس أن ليس للآباء من الأمر شيء".
وكما ورد توجيه للرجل في اختياره، ورد أيضا توجيه للمرأة، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
فشرطا الدين والخلق يؤكد مرة أخرى، لكن لا ينفي أن يكون المال أو المظهر أو المنصب أو غيره دافعا إضافيا. وما تأكيد الشرع الحكيم على الدين والخلق إلا لتحقيق جو الطهر والإيمان الذي يسعد أفراده في رحلتهم إلى الدار الآخرة، ولا يعني البتة استبعاد المقومات الأخرى، بل يحرص الشرع الحكيم على التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وغيره من الأمور التي يكون للوالدين رأي في تقديرها، وهنا لابد من التأكيد على استشارة الوالدين في الاختيار، والأخذ برأييهما استئناسا واسترضاء واستفادة من تجربتهما في الحياة، فالزواج ليس علاقة ثنائية بين شخصين، ولكنه علاقة اجتماعية بين عائلتين تتداخل بينهما الأنساب وتتلاقى الدماء والأرحام.
فإذا كانت التربية دعامة الزواج والاختيار مسؤولية والاستشارة حماية. فالاستخارة ضمانة نتيجتها عدم الزيغ والانحراف ووقوع المحظور غير المرغوب، استخارة قبل وأثناء وبعد كل أمر ثقة بالله وتسليما للأمر له سبحانه.
لكن ماذا لو وجد الفهم وغابت وتعذرت الاستطاعة التي اشترطها الحديث الشريف الذي يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"؟
الاستطاعة والباءة أي القيام بجميع الالتزامات الزوجية، أمر ضروري يؤكد عليه الشرع الحنيف، لكن كيف يواجه شبابنا الواقع المرير المفتون بصنوف الإغراء والإثارة؟ ومعظمه يعاني الفقر والبطالة وقلة ذات اليد خاصة مع ارتفاع الأسعار وأزمة السكن والنقل والتمريض وغيرها...
الزواج واقع وليس مثالا، فلا يستعجل الشباب ويبني قصورا من الرمل سرعان ما تنهد، أو أحلاما سرعان ما يستيقظ منها على الواقع المعيش.
إن كل زواج لم يجعل التعارف والتوافق والتناسب والتكافؤ على جميع المستويات ركائز، ولم يجعل الصبر والمصابرة زاد الطريق هو ركوب للمخاطر، مخاطر النشوز والشقاق وربما الطلاق أبغض الحلال.
فليتق الله الشباب في ميثاق الله.
اخترته لكم من مفضلتي
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
جعل الله الزواج آية من آياته سبحانه وتعالى، لعلمه بأسرار الخلق، ومعرفته بكنه وحقيقة النفس البشرية، فخلق الزوجين ذكرا وأنثى، رجلا وامرأة، حكمة بالغة !!
فالزواج منبع للسكينة، وراحة للقلب، وقوة للنفس على العبادة، انسجاما مع سنة الله في الخلق، لضمان استمرار الحياة البشرية والإنسانية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
كما أن الزواج حصن المسلم الذي يقيه غوائل الوقوع في الرذيلة والآثام، نصف دينه الذي يقيه المهالك إن هو اتقى الله في نصفه الآخر. وهو الطريق الطبيعي لتصريف الغريزة الفطرية التي أودعها الله سبحانه في الإنسان.
بهذا نخلص أن الزواج شرع في الإسلام كوسيلة لخدمة مقاصد الشريعة في شموليتها، وهذا ما ينبغي لشباب هذه الأمة الإحساس به، ومعرفته، كي تحسن البداية ويرسخ البنيان على أساس متين.
والزواج الناجح ينبني على التربية السليمة منذ النشأة الأولى في الأسرة الأم، تربية الفتى والفتاة على حسن الخلق وعلى التقدير والاحترام المتبادل، تربيتهم على احترام هذا الميثاق المقدس، تربيتهم على تحمل المسؤولية كاملة. وعلى هذا الأساس يبدأ الاختيار وفق توجيه الشرع الحنيف حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولنسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
تشجيع وتنويه منه صلى الله عليه وسلم للرجل ليختار المرأة لدينها وخلقها، لكنه لا ينفي أن الميل الغريزي لذات الجمال أو المال أو النسب إن تحقق شرط التدين خصوصا، وتحقق القبول ابتداء، وانتفت مسببات النفور. فهو صلى الله عليه وسلم الذي وجه الصحابة رضوان الله عليهم إلى النظر إلى من يرغب الزواج بها: قال الحبيب صلى الله عليه وسلم "انظر إليها فإنها أحرى أن يؤدم بينكم".
والاختيار حق للرجل والمرأة على السواء، فلا يصح أن يجبرها والداها أو وليها على من ارتضوه، فلا يتحقق الزواج إلا برضاها؛ إذ أورد البخاري في صحيحه، كتاب النكاح (باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها)، وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت فقالت: "إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته (ليكسب مكانة اجتماعية) وأنا كارهة، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها. فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم الناس أن ليس للآباء من الأمر شيء".
وكما ورد توجيه للرجل في اختياره، ورد أيضا توجيه للمرأة، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
فشرطا الدين والخلق يؤكد مرة أخرى، لكن لا ينفي أن يكون المال أو المظهر أو المنصب أو غيره دافعا إضافيا. وما تأكيد الشرع الحكيم على الدين والخلق إلا لتحقيق جو الطهر والإيمان الذي يسعد أفراده في رحلتهم إلى الدار الآخرة، ولا يعني البتة استبعاد المقومات الأخرى، بل يحرص الشرع الحكيم على التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وغيره من الأمور التي يكون للوالدين رأي في تقديرها، وهنا لابد من التأكيد على استشارة الوالدين في الاختيار، والأخذ برأييهما استئناسا واسترضاء واستفادة من تجربتهما في الحياة، فالزواج ليس علاقة ثنائية بين شخصين، ولكنه علاقة اجتماعية بين عائلتين تتداخل بينهما الأنساب وتتلاقى الدماء والأرحام.
فإذا كانت التربية دعامة الزواج والاختيار مسؤولية والاستشارة حماية. فالاستخارة ضمانة نتيجتها عدم الزيغ والانحراف ووقوع المحظور غير المرغوب، استخارة قبل وأثناء وبعد كل أمر ثقة بالله وتسليما للأمر له سبحانه.
لكن ماذا لو وجد الفهم وغابت وتعذرت الاستطاعة التي اشترطها الحديث الشريف الذي يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"؟
الاستطاعة والباءة أي القيام بجميع الالتزامات الزوجية، أمر ضروري يؤكد عليه الشرع الحنيف، لكن كيف يواجه شبابنا الواقع المرير المفتون بصنوف الإغراء والإثارة؟ ومعظمه يعاني الفقر والبطالة وقلة ذات اليد خاصة مع ارتفاع الأسعار وأزمة السكن والنقل والتمريض وغيرها...
الزواج واقع وليس مثالا، فلا يستعجل الشباب ويبني قصورا من الرمل سرعان ما تنهد، أو أحلاما سرعان ما يستيقظ منها على الواقع المعيش.
إن كل زواج لم يجعل التعارف والتوافق والتناسب والتكافؤ على جميع المستويات ركائز، ولم يجعل الصبر والمصابرة زاد الطريق هو ركوب للمخاطر، مخاطر النشوز والشقاق وربما الطلاق أبغض الحلال.
فليتق الله الشباب في ميثاق الله.
اخترته لكم من مفضلتي