حورية البحر
25-08-2009, 01:16 AM
صحت القرية على ذلك الخبر الذي حول سكونها إلى عويل ...
بركان من الحزن ... ثورة كأمواج البحر ... ألم أجتاح الصدور
كالريح العاصف ... حتى الطيور أبدلت تغريدها بصمت مطبق
لأنها لا تعرف البكاء ...
يا الله ما الذي حدث ؟ ماذا جرى؟ شيء لا يكاد يصدق ...
خرجت القرية بأكملها الرجال والشيوخ والنساء والأطفال
ومن شدة الهول والخطب الجلل خرج البعض يجر أزاره
ورائه وكأن الأزار هو الذي قال أخرجني ولا تبقني في الداخل
ماذا الم بألهل تلك القرية القابعة فوق قمة ذلك الجبل الحالم
لم يُعهد وأن خرجت من سكونها فهي تسير كل يوم في نظامها
المعتاد فلا تكاد تسمع إلاخرير الماء من عيونها وصدى اصوات
الطيور تردده وديانها ... والندى يتلئ لئ كالذهب فوق أغصان اشجارها
فماذا جرى لها ؟ وما الذي حل بسكانها الطيبين ؟
نزل( يزيد ) بعد كل تلك التساؤلات والمشهد الرهيب الذي كان يتابعه من
تلة فوق القرية الحالمة ترك غنمه وأراد أن يتأكد بنفسه ما الذي جرى
في القرية الحالمة .
##########################
وصل وهو يلهث إلى أول دار في طرف القرية
ارد أن يتحدث إلى تلك العجوز التي قد تدلى نصف جسمها الواهي
الذي قد عصره الزمن وأذبلته رياح الأيام وصفت برونقة عواصف
الوقت .
قال وهو يلهث : ماذا حدث ؟ ما الذي جرى ؟ ماذا هناك ؟
لم تعره اي نظره ولم ترفع طرفها عن ذلك المكان الذي بدأء يتجمع فيه
أهل القرية الحالمة وردت بكلمة بثلاث كلمات لم تزد عليهن حرف واحد
ولكن صوتها وهي تنتزع تلك الكلمات أنتزاعا وكأنها في الرمق الأخير
من حياتها يخيل للسامع لها بأنه لو ألفت كتب ومجلدات عن تلك الكلمات
الثلاث لما كفتها ...
ردت العجوز على الراعي يزيد : لقد... مات ... مصعب .
قبل أن تكمل العجوز العرف الأخير من الكلمة الأخيرة سقط يزيد
على الأرض من هول ما سمع ، فلم تعد قدماه الرقيقتان تقويان
على حمله بدأ رأسه يترنح يمنة ويسرة ووجدة الدموح مجرى لها
على خديه وراح يتمتم بكلمات تحمل الصبر والعزاء لنفسه التي
صعقت من هول الخبر ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) لا حول ولا قوة
إلا بالله .
########################
طُرق الباب طرقاً لم يعتد عليه منذ أن وضع في مكانه
صاحت أم أسامة على أبنها :
أنظر من الطارق يا بني فأنا منشغلة بالعجين .
فتح اسامة الباب فتسمر في مكانة من شدة ما رأه
رجل مسجى على سرير قديمة يحمله على عواتقهم عدد من الرجال
والقرية بأكملها واقفة خلفهم والدموع تنهمر من أعينهم والحزن
بادٍ على وجوهمم .
######################
من على الباب يا أسامة ؟
لم تجد أم أسامة جوابا وكانت في المطبخ الذي كساه السواد بسبب
ذلك التنور المصنوع من الطين القابع في إحدى زواياه وقد ملئته
بالحطب استعدادا لأشعاله ومن ثم تخبر العجين الذي اصبح جاهزاً
لذلك .
خرجت من المطبغ نحو الباب مسرعة واثر العجين ما يزال في كفيها
بعد أن اسبلت خمارها على وجهها بسبابتها وأبهامها خوفا أن يصيبه
العجين ...وكانت قد سمعت اصواتاً لم تمييز منها اي صوت ...
تسمرت خلف ابنها اسامة ولكنها لم تتمالك نفسها فقد جثت على
ركبتيها .... عرفت أن تلك الجثة الهامدة هو زوجها واب لطفليها
لم يدم الموقف طويلا فقد أدخله الرجال إلى منزله بعد أن خرج يسعى
على قدميه .
#####################
لم يكن مصعب مجر رجل عادي ....
بل كان محبوبا من جميلع أهل القرية.. فرغم فقره المدقع وقلة ذات اليد
إلا أنه كان يحمل بين جنبيه قلب أمتلئ بالحب والصدق والوفاء
وصل إلى ما وصل إليه من حب الناس له واحترامهم له بأن طبق
على نفسه حديث المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه حين قال :
( حب لأخيك ما تحب لنفسك ) والحديث الأخر ( المسلم من سلم المسلمين
من لسانه ويده ).
كان يسعى بالصلح بين المتخاصمين وكان يزور المريض ويصل الرحم
أبتسامته لا تفارق محياه ... يتنازل عن كثير من حقوقه حتى لا يكسب
اي عداوة يساعد الأخرين بكل ما يستطيع حتى أنه يعمل بيده في اي
عمل يطلبوا فيه مساعدته ...
يمر على الرجل الكبير فيقبل رأسه ... ويلقى أقرانه في العمر فيصافحهم
وينثر أبتسامته عليهم ... يمر بالأطفال وهم يلعبون فيسلم عليهم ويعلمهم
العدل والمحبة وخطورة الكذب والغش بطريقة يفهمونها فعادة ما يحدث
عكس تلك الأشياء في ما بين الأطفال أثناء اللعب .
يجمع الغنم لتلك العجوز الطاعنة في السن ويحمل الحطب عن أخرى ...
لا يحملا لضغينة لأي أنسان .....
#########################
أم أسامة : هل ستتأخر يا زوجي العزيز هذه المرة .
مصعب : إن شاء الله لن أتأخر سأنجز عملي هناك ومن ثم أعود .
أطرقت أم أسامة رأسها نحو الأرض .
مصعب : ما لي أراك على غير عادتك يا عزيزتي .
أم اسامة : ليس هناك أي شيء ولكن لا أعرف .. أشعر بإنقباض في صدري
مصعب : لا عليك يا زوجتي الحبيبة فمبشيئة الله سأعود .
كان مصعب وزوجته أسعد زوجين على الإطلاق فلم تسمع منه زوجته
طيلة ثمانية أعوام كلمة تجرحها ولم تطلب منه طلب إلا ولباه لها
كانت المودة والرحمة سحابة تظللهما أينما سارا ... وهو كذلك كانت
أم سامة كل شيء في حياته فهي نعم الزوجة المطيعة العفيفة الطاهرة
كسها الدين من اصبع قدمها إلى هامتها كريمة الطبع لينة الكلام
كلمة ( بسم الله ) لا تفارق شفتيها صبورة خلوقة مع زوجها ومع
جاراتها ...
حانت ساعة الوداع ... ألتفت خلفه بعد أن خرج من الباب وزوجته
ممسكة بشمالها الباب ... لمح عبرة تنحدر من عينيها ... مسحها بأنامله
أنحنى نحو أبنه اسامة وابنته دعاء وقبلهام ... كان هو لأخر يشعر بإهتزاز
في نفسه وأحس بإرتجاف يديه ...وكأن شيء من الأعماق يخبره بأنه
لن يرى تلك الوجيه التي طالما لثمها بحب وشوق وحنان ...
غلبته دموعه التي سالت من عينيه المتموجتان في بحر من الدموع
ولكنه سرعان ما أختطفها بأنامله قبل أن يستوي في وقفته ...
اسامة : ابي اريد منك أن تحضرلي هدية .
دعاء : وأنا كذلك يا أبي .
مصعب : إن شاء الله سأحضر لكما هدية لم يلعب بمثلها أي طفل في القرية
ألتفت مصب إلى زوجته وقال : استودعك الله يا زوجتي الحبيبة ، أنتبهي لنفسك
ولأبنائك ... وأراد أن يقول كلمة لكنه تردد أكثر من مرة .
أم أسامة : ما ذا تريد أن تقول يا أبا اسامة ؟
مصعب : لا . لا شئ ... ولكن كنت أود أن أخبرك بأنه ليس عليً دين لأحد
وليس لي عند أحد أي دين .
لم تنبس أم أسامة ببنت شفه ... وتركت المجال لدموعها المنهمرة .
مصعب : استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه .
أم اسامة : استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك .
سحب يده من يدها وكأنه يسحب روحه من جسده ....
ومضى على قدميه في تلك الطريق التي لا تتسع سوى لشخص يسير فيها
مضى نحو المجهول تحمله قدماه ... إلى قدره المحتوم .
مازالت أم أسامة مع أبنها وبنتها يراقبان رب أسرتهم وهو يغيب عن
الأنظار ... ولم يعرفا أنه سيغيب عن الحياة أيضا .
##############################
عاد مصعب بعد أن انجز عمله في تلك المدينة البعيده
عاد وكله شوق وحنين لزوجته ولأبنه وأبنته ...
كان وهو جالس في مقعد ذلك ( التاكسي ) المشحون
بالبشر يمسك على الكيس الذي فيه لعب لطفليه الذان ما فارقا خياله لحظة
واحدة ... كان يتخيل اللقاء الذي سيكون حارا بعد غربة دامت شهوراً
كان وهو يترنح في مقعده نتيجة لتمايل ذلك التاكسي في الطريق الوعرة
المتجه نحو قريته الحالمة يذكر الله ويسبح ويهلل ... وفجئة ودون مقدمات
فاجئهم شاب متهور بسرعته الجنونية وارتطمت سيارته بسيارتهم ..
كان أمامهم أناس من أهل القرية في سيارة كانوا متجهين نحو السوق
الذي كان يقام في مثل ذلك اليوم من كل اسبوع ... اسرعوا لمباشرة الحادث
وأنقاذ ما يمكن أنقاذه .
كان مصعب الوحيد من القرية الحالمة وباقي الركاب من قرى مجاوره
اسرع إليه احدهم وكان يعرفه ... فوجده قد رفع سبابته وهو يقول :
اللهم إني استودعك زوجتي وطفلاي ... اللهم كن لهم حافظاً ومربياً
اللهم أجمعني بهم في الفردوس الأعلى من الجنة
اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .....
###############################
كشفت أم أسامة ذلك اللحاف من على زوجها وهي تسح دموع لأ إنقطاع لها
فإذا وجهه كفلقة قمر والأبتسامة على محياه وكأنه نائم لم يمسسه سوء .
نظرت إلى شيء كان لا يزال ممسكا به بشاماله ... فإذا هو كيس فيه لعب
وعقد تناثرت حباته .... وكان ابنه اسامه ودعاء حاضرين فشاهدا اللعب التي
اشراها ابوهما لهام ...
فصاح أسامة : لأ اريد اللعبة يا أبي .... أريدك أنت .
بركان من الحزن ... ثورة كأمواج البحر ... ألم أجتاح الصدور
كالريح العاصف ... حتى الطيور أبدلت تغريدها بصمت مطبق
لأنها لا تعرف البكاء ...
يا الله ما الذي حدث ؟ ماذا جرى؟ شيء لا يكاد يصدق ...
خرجت القرية بأكملها الرجال والشيوخ والنساء والأطفال
ومن شدة الهول والخطب الجلل خرج البعض يجر أزاره
ورائه وكأن الأزار هو الذي قال أخرجني ولا تبقني في الداخل
ماذا الم بألهل تلك القرية القابعة فوق قمة ذلك الجبل الحالم
لم يُعهد وأن خرجت من سكونها فهي تسير كل يوم في نظامها
المعتاد فلا تكاد تسمع إلاخرير الماء من عيونها وصدى اصوات
الطيور تردده وديانها ... والندى يتلئ لئ كالذهب فوق أغصان اشجارها
فماذا جرى لها ؟ وما الذي حل بسكانها الطيبين ؟
نزل( يزيد ) بعد كل تلك التساؤلات والمشهد الرهيب الذي كان يتابعه من
تلة فوق القرية الحالمة ترك غنمه وأراد أن يتأكد بنفسه ما الذي جرى
في القرية الحالمة .
##########################
وصل وهو يلهث إلى أول دار في طرف القرية
ارد أن يتحدث إلى تلك العجوز التي قد تدلى نصف جسمها الواهي
الذي قد عصره الزمن وأذبلته رياح الأيام وصفت برونقة عواصف
الوقت .
قال وهو يلهث : ماذا حدث ؟ ما الذي جرى ؟ ماذا هناك ؟
لم تعره اي نظره ولم ترفع طرفها عن ذلك المكان الذي بدأء يتجمع فيه
أهل القرية الحالمة وردت بكلمة بثلاث كلمات لم تزد عليهن حرف واحد
ولكن صوتها وهي تنتزع تلك الكلمات أنتزاعا وكأنها في الرمق الأخير
من حياتها يخيل للسامع لها بأنه لو ألفت كتب ومجلدات عن تلك الكلمات
الثلاث لما كفتها ...
ردت العجوز على الراعي يزيد : لقد... مات ... مصعب .
قبل أن تكمل العجوز العرف الأخير من الكلمة الأخيرة سقط يزيد
على الأرض من هول ما سمع ، فلم تعد قدماه الرقيقتان تقويان
على حمله بدأ رأسه يترنح يمنة ويسرة ووجدة الدموح مجرى لها
على خديه وراح يتمتم بكلمات تحمل الصبر والعزاء لنفسه التي
صعقت من هول الخبر ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) لا حول ولا قوة
إلا بالله .
########################
طُرق الباب طرقاً لم يعتد عليه منذ أن وضع في مكانه
صاحت أم أسامة على أبنها :
أنظر من الطارق يا بني فأنا منشغلة بالعجين .
فتح اسامة الباب فتسمر في مكانة من شدة ما رأه
رجل مسجى على سرير قديمة يحمله على عواتقهم عدد من الرجال
والقرية بأكملها واقفة خلفهم والدموع تنهمر من أعينهم والحزن
بادٍ على وجوهمم .
######################
من على الباب يا أسامة ؟
لم تجد أم أسامة جوابا وكانت في المطبخ الذي كساه السواد بسبب
ذلك التنور المصنوع من الطين القابع في إحدى زواياه وقد ملئته
بالحطب استعدادا لأشعاله ومن ثم تخبر العجين الذي اصبح جاهزاً
لذلك .
خرجت من المطبغ نحو الباب مسرعة واثر العجين ما يزال في كفيها
بعد أن اسبلت خمارها على وجهها بسبابتها وأبهامها خوفا أن يصيبه
العجين ...وكانت قد سمعت اصواتاً لم تمييز منها اي صوت ...
تسمرت خلف ابنها اسامة ولكنها لم تتمالك نفسها فقد جثت على
ركبتيها .... عرفت أن تلك الجثة الهامدة هو زوجها واب لطفليها
لم يدم الموقف طويلا فقد أدخله الرجال إلى منزله بعد أن خرج يسعى
على قدميه .
#####################
لم يكن مصعب مجر رجل عادي ....
بل كان محبوبا من جميلع أهل القرية.. فرغم فقره المدقع وقلة ذات اليد
إلا أنه كان يحمل بين جنبيه قلب أمتلئ بالحب والصدق والوفاء
وصل إلى ما وصل إليه من حب الناس له واحترامهم له بأن طبق
على نفسه حديث المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه حين قال :
( حب لأخيك ما تحب لنفسك ) والحديث الأخر ( المسلم من سلم المسلمين
من لسانه ويده ).
كان يسعى بالصلح بين المتخاصمين وكان يزور المريض ويصل الرحم
أبتسامته لا تفارق محياه ... يتنازل عن كثير من حقوقه حتى لا يكسب
اي عداوة يساعد الأخرين بكل ما يستطيع حتى أنه يعمل بيده في اي
عمل يطلبوا فيه مساعدته ...
يمر على الرجل الكبير فيقبل رأسه ... ويلقى أقرانه في العمر فيصافحهم
وينثر أبتسامته عليهم ... يمر بالأطفال وهم يلعبون فيسلم عليهم ويعلمهم
العدل والمحبة وخطورة الكذب والغش بطريقة يفهمونها فعادة ما يحدث
عكس تلك الأشياء في ما بين الأطفال أثناء اللعب .
يجمع الغنم لتلك العجوز الطاعنة في السن ويحمل الحطب عن أخرى ...
لا يحملا لضغينة لأي أنسان .....
#########################
أم أسامة : هل ستتأخر يا زوجي العزيز هذه المرة .
مصعب : إن شاء الله لن أتأخر سأنجز عملي هناك ومن ثم أعود .
أطرقت أم أسامة رأسها نحو الأرض .
مصعب : ما لي أراك على غير عادتك يا عزيزتي .
أم اسامة : ليس هناك أي شيء ولكن لا أعرف .. أشعر بإنقباض في صدري
مصعب : لا عليك يا زوجتي الحبيبة فمبشيئة الله سأعود .
كان مصعب وزوجته أسعد زوجين على الإطلاق فلم تسمع منه زوجته
طيلة ثمانية أعوام كلمة تجرحها ولم تطلب منه طلب إلا ولباه لها
كانت المودة والرحمة سحابة تظللهما أينما سارا ... وهو كذلك كانت
أم سامة كل شيء في حياته فهي نعم الزوجة المطيعة العفيفة الطاهرة
كسها الدين من اصبع قدمها إلى هامتها كريمة الطبع لينة الكلام
كلمة ( بسم الله ) لا تفارق شفتيها صبورة خلوقة مع زوجها ومع
جاراتها ...
حانت ساعة الوداع ... ألتفت خلفه بعد أن خرج من الباب وزوجته
ممسكة بشمالها الباب ... لمح عبرة تنحدر من عينيها ... مسحها بأنامله
أنحنى نحو أبنه اسامة وابنته دعاء وقبلهام ... كان هو لأخر يشعر بإهتزاز
في نفسه وأحس بإرتجاف يديه ...وكأن شيء من الأعماق يخبره بأنه
لن يرى تلك الوجيه التي طالما لثمها بحب وشوق وحنان ...
غلبته دموعه التي سالت من عينيه المتموجتان في بحر من الدموع
ولكنه سرعان ما أختطفها بأنامله قبل أن يستوي في وقفته ...
اسامة : ابي اريد منك أن تحضرلي هدية .
دعاء : وأنا كذلك يا أبي .
مصعب : إن شاء الله سأحضر لكما هدية لم يلعب بمثلها أي طفل في القرية
ألتفت مصب إلى زوجته وقال : استودعك الله يا زوجتي الحبيبة ، أنتبهي لنفسك
ولأبنائك ... وأراد أن يقول كلمة لكنه تردد أكثر من مرة .
أم أسامة : ما ذا تريد أن تقول يا أبا اسامة ؟
مصعب : لا . لا شئ ... ولكن كنت أود أن أخبرك بأنه ليس عليً دين لأحد
وليس لي عند أحد أي دين .
لم تنبس أم أسامة ببنت شفه ... وتركت المجال لدموعها المنهمرة .
مصعب : استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه .
أم اسامة : استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك .
سحب يده من يدها وكأنه يسحب روحه من جسده ....
ومضى على قدميه في تلك الطريق التي لا تتسع سوى لشخص يسير فيها
مضى نحو المجهول تحمله قدماه ... إلى قدره المحتوم .
مازالت أم أسامة مع أبنها وبنتها يراقبان رب أسرتهم وهو يغيب عن
الأنظار ... ولم يعرفا أنه سيغيب عن الحياة أيضا .
##############################
عاد مصعب بعد أن انجز عمله في تلك المدينة البعيده
عاد وكله شوق وحنين لزوجته ولأبنه وأبنته ...
كان وهو جالس في مقعد ذلك ( التاكسي ) المشحون
بالبشر يمسك على الكيس الذي فيه لعب لطفليه الذان ما فارقا خياله لحظة
واحدة ... كان يتخيل اللقاء الذي سيكون حارا بعد غربة دامت شهوراً
كان وهو يترنح في مقعده نتيجة لتمايل ذلك التاكسي في الطريق الوعرة
المتجه نحو قريته الحالمة يذكر الله ويسبح ويهلل ... وفجئة ودون مقدمات
فاجئهم شاب متهور بسرعته الجنونية وارتطمت سيارته بسيارتهم ..
كان أمامهم أناس من أهل القرية في سيارة كانوا متجهين نحو السوق
الذي كان يقام في مثل ذلك اليوم من كل اسبوع ... اسرعوا لمباشرة الحادث
وأنقاذ ما يمكن أنقاذه .
كان مصعب الوحيد من القرية الحالمة وباقي الركاب من قرى مجاوره
اسرع إليه احدهم وكان يعرفه ... فوجده قد رفع سبابته وهو يقول :
اللهم إني استودعك زوجتي وطفلاي ... اللهم كن لهم حافظاً ومربياً
اللهم أجمعني بهم في الفردوس الأعلى من الجنة
اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .....
###############################
كشفت أم أسامة ذلك اللحاف من على زوجها وهي تسح دموع لأ إنقطاع لها
فإذا وجهه كفلقة قمر والأبتسامة على محياه وكأنه نائم لم يمسسه سوء .
نظرت إلى شيء كان لا يزال ممسكا به بشاماله ... فإذا هو كيس فيه لعب
وعقد تناثرت حباته .... وكان ابنه اسامه ودعاء حاضرين فشاهدا اللعب التي
اشراها ابوهما لهام ...
فصاح أسامة : لأ اريد اللعبة يا أبي .... أريدك أنت .