أميـرالقوافــل
27-09-2007, 10:03 AM
ميل دور كايم
أولا: نشأة المنظر:
ولد دور كايم في فرنسا من أسرة يهودية , ودرس في مدرسة المعلمين العليا في باريس , واهتم بالقانون والفلسفة الوضعية لأوجست كونت, وترعرع وتربى دوركايم في ظل تقاليد عصر التنوير, وتأثر بالاضطرابات السياسية والاجتماعية التي عاصرها في شبابه.
وفي عام 1887م عين أستاذا بجامعة بوردو حيث القي محاضرات قيمة في التربية الأخلاقية, وظهر في ذلك الوقت اهتمامه بدراسة المجتمع , حيث قدم فصلا دراسيا في علم الاجتماع يعتبر الأول من نوعه في فرنسا, فاثآر جدلا كبير بين العلماء المهتمين بدراسة المجتمع . ووضح في دراسته تأثره بآراء أوجست كونت, وتطويره للمذهب الوضعي والنظرة العضوية إلى المجتمع التي ابتدأها أوجست كونت (حجازي,محمد فؤاد.1988م.68).
ولقد ترك دوركايم مؤلفانا وبحوثا كثيرة نشر بعضها في حياته ونشر أتباعه البعض الآخر بعد وفاته والمؤلفات التي نشرها في حياته يمكن ترتيب ظهورها كما يلي :تقسيم العمل الاجتماعي (1893م),قواعد المنهج الاجتماعي (1895م), الانتحار دراسة اجتماعية (1896م), الإشكال الأولى للحياة الدينية(1912م).
أما مؤلفاته التي نشرها أتباعه فهي التربية وعلم الاجتماع, علم الاجتماع والفلسفة, التربية الأخلاقية, كتاب الاشتراكية.
كما انشأ دوركايم مجلته الاجتماعية المعروفة باسم السنة الاجتماعية أو التقويم الاجتماعي عام 1896م (ابوطاحون,عدلي علي.107).
ثانيا :أهم النظريات التي عالجها :
لدى دوركايم إسهامات عديدة في النظريات الاجتماعية والسياسية, ومن خلال قراءتي سوف اقسم إسهاماته النظرية إلى الآتي:
1. تقسيم العمل والتضامن الاجتماعي.
2. قواعد المنهج في علم الاجتماع.
3. الانتحار.
4. تطور المجتمعات وأشكالها.
5. التفسير الاجتماعي للدين والأخلاق والمعرفة.
وسوف أتحدث عن كل قسم على حدة :
1. تقسيم العمل والتضامن الاجتماعي:
في أول دراسة هامه لدوركايم حدد لنفسه مهمة أساسية تتلخص في التدليل على نمو تقسيم العمل بوصفة يمثل عملية تاريخية ضرورية ويؤدي بالتالي إلى تزايد التضامن الاجتماعي بين الناس.
فهذه (الوظائف ) يؤديها الناس وقد انتظموا في ترتيب طبقي محدد تتباين فيه درجات الثروة والقوة والهيبة الاجتماعية وأيضا إن تطور الصناعة وتقسيم العمل الحاصل به لن يؤدي إلى صراع المصالح والتفكك, لذا على الدولة الاستمرار دعم النسق الأخلاقي العام في المجتمع لكي لايحدث خلاف ذلك.
يعتقد دوركايم إن هناك بعض الإصلاحات الاجتماعية الضرورية التي يتعذر بدونها إقامة عدالة حقيقية وإيجاد تضامن اجتماعي قوي.
يرى دور كايم انه لا يتعين فصل الأخلاق عن العلم وإنما يجب إن نحاول إقامة علم أخلاقي مختلف تماما عن تلك الفلسفة الأخلاقية ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى إن القواعد الأخلاقية إنما ترتبط ارتباطا وثيقا بظروف الحياة الاجتماعية والتي تعتبر نسبية من حيث الزمان والمكان وهكذا يسعى علم الظواهر الأخلاقية إلى تحليل اثر الصور المتغيرة للمجتمع في تغير طابع المعايير الأخلاقية محاولا ملاحظة ووصف وتصنيف هذه المعايير.
يعتقد دور كايم إن تقسيم العمل ظاهرة ليست حديثة النشأة ولكن الجانب الاجتماعي لها أخذ يظهر بوضوح منذ وآخر القرن الثامن عشر.
دوركيم يؤيد وجهة نظر العالم أوجست كونت الذي يقول إن تقسيم العمل ليس مجرد ظاهرة اقتصادية وإنما شرط أساسي للحياة.
انتقل دور كايم بعد ذلك الى البحث عما إذا كانت هناك نماذج متعددة للتضامن الاجتماعي , وانتهى إلى وجود نموذجين أساسيين للتضامن هما التضامن الالى والتضامن العضوي .
فالتضامن الآلي يسود في المجتمعات البدائية أو التقليدية حيث يسود في المجتمع شعور قوي بينما يرتبط التضامن العضوي بالمجتمعات الحديثة التي يزداد فيها تقسيم العمل, فكان المجتمع الذي ينتشر فيه التضامن الالى هو المجتمع الانقسامي, ويتميز هذا المجتمع بسمات اجتماعية خاصة, إذ يغلب على السلوك الإنساني فيه التجانس الاجتماعي, والذي تكون فيه الأفكار والمعتقدات والعادات والآراء, وطرائق السلوك الفردي ولجماعي, أما من حيث القانون والأخلاق والضبط الاجتماعي فهناك ولاء ملحوظ للضمير الجمعي الذي يعني مجموعة المعتقدات والعواطف العامة بين أعضاء المجتمع
والتي تكون نسقا خاصا ومثل هذا الضمير العام له وجوده الخاص المتميز فهو يدوم عبر الزمن , ويعمل على توحيد الأجيال , والضمير الجمعي يعيش بين الأفراد لكنه يتميز بالقوة والاستقلال وبخاصة حينما تزداد رجة التشابه بين الأفراد وهذا من وجهة نظر دوركايم.
ما الذي يؤدي إلى زيادة تقسيم العمل ؟ يجيب دوركايم إن تقسيم العمل يختلف باختلاف حجم المجتمع وكثافة السكان, وشدة التفاعل الاجتماعي, فازدياد عدد السكان هو العامل الأساسي لتقسيم العمل فقد ترتب على ذلك شدة الصراع من اجل البقاء والاستمرار فكثرة العدد تفرض على الناس ضرورة التخصص المهني, مما يقلل من حدة الصراع, ويتيح فرصة أوسع للحصول على وسائل الحياة.
2. قواعد المنهج في علم الاجتماع :
ينظر دور كايم إلى علم الاجتماع من حيث كونه يهتم بدراسة المجتمع وما ينبعث عنه من ظواهر دراسة علمية وصفية تحليلية ولكي يحقق العلم هذه الغاية فانه لابد من منهج علمي يستطيع بفضله إلى الوصول إلى قوانين الظواهر ولقد وضع دوركايم الخصائص التي يجب إن تتميز بها دراسات علم الاجتماع والتي يمكن إيجازها في الآتي :
1. يجب دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها أشياء بمعنى إن تخضع للملاحظة والتجربة.
2. يجب على الباحث إن يتحرر من كل فكرة سابقة يعرفها عن الظاهرة حتى لا يقع أسير الأفكار الشخصية.
3. يجب على الباحث إن يبتدا بتعريف الظاهرة التي يتخذها مادة للدراسة.
4. يجب على الباحث عند دراسة طائفة خاصة من الظواهر الاجتماعية إن يبذل قصارى جهده في ملاحظة هذه الظواهر من الناحية التي تبدو فيها مستقلة عن مظاهرها الفردية.
أما فيما يتعلق بقواعد أو خطوات المهج فتتلخص في الآتي:
1. دراسة نشأة الظاهرة والوقوف على عناصرها لان الظاهرة شئ معقد وتتألف من أجزاء كثيرة.
2. دراسة تطور الظواهر والوقوف على مختلف أشكالها.
3. دراسة علاقات التي تربط الظاهرة بما عداها من الظواهر التي تنتمي إلى شعبتها.
4. الانتفاع بمطلق المقارنة في دراسة الظواهر.
5. الكشف عن الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها الظاهرة وما خضعت له هذه الوظيفة من تطور وذك في ضوء دراسة تاريخ الظاهرة.
6. تحديد القوانين التي يصل إليها الباحث من دراساته ويجب صياغة هذه القوانين بدقة لأنها هي التي تكون مادة العلم.
3. الانتحار:
ظهرت دراسة دوركايم الهامة عن الانتحار وذلك بعد مضي عامين على نشر مؤلفه قواعد المنهج في الاجتماع وأول خطوة بدئها دوركايم بأنه عرف الانتحار حيث واجه صعوبة في ذلك إلى إن خلص إلى إن الانتحار هو كل حالات الموت التي يكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لفعل سلبي أو ايجابي قام به المنتحر نفسه, وهو يعلم انه سيؤدي إلى هذه النتيجة.
وبعد إن يحدد دوركايم تعريف الانتحار ينتقل إلى مناقشة نقطة أخرى ذات أهمية وهي المجموع الكلي لحالات الانتحار في بلد معين يسمح لنا إن بحسب معل الانتحار وهذا المعدل هو (الظاهرة الاجتماعية)
بعد ذلك حلل الانتحار من ناحية غير اجتماعية مثل ربط الانتحار بالمرض العقلي وأيضا ربط الانتحار بالعوامل الكونية وأخيرا ربط الانتحار بالتقليد والمحاكاة وبعد ذلك يعتقد دوركايم بعد إن فرغ من دراسته لجميع هذه الأمور انه قد نجح في استبعاد العوامل الغير اجتماعية وبذلك ينتقل مباشرة إلى معالجة الأسباب الاجتماعية والمواقف الاجتماعية التي تحدد هذه الأسباب.
حاول دوركايم جمع حالات الانتحار في ثلاثة نماذج حيث يتضمن كل نموذج مجموعة من الأسباب الاجتماعية والنماذج الثلاثة للانتحار هي :
1. الانتحار الأناني.
2. الانتحار الغيري أو الايثاري.
3. الانتحار الانومي.
4. التفسير الاجتماعي للدين عند دوركايم :
حاول دوركايم في كتابه عن (( الصور الأولية للحياة الدينية ))إن يقدم لنا تحليلا دقيقا لصور ومصادر وطبيعة وأثار الدين من نفس ديانته السيسولوجية . وحاول أيضا دور كايم إن يبحث عن أصل الدين وذلك بتحليل الدين في أكثر المجتمعات البدائية, يعتقد دور كايم إن التغيرات في الشكل تؤدي إلى تغيرات جوهرية في الطبيعة, ويرى إن الوقوف على تطور المجتمع من البسيط إلى المركب سوف يحدد لنا مجرى التطور الأجتماعي .
يؤكد دور كايم على إن علم الأجتماع له منهجا مخالفا لدراسة الظاهرة الدينية, الدين بالنسبة لدوركايم يجب إن يدرس كحقيقة اجتماعية .
دور كايم يرفض تفسير الدين على انه نتاج تقسيمات عقلية زائفة أو توهم ناجما عن ضغط مشاعر معينة .
حاول دوركايم معرفة أصل الديانات من خلال إحدى القبائل الاسترالية التي تسمى الارونتا والتي كانت في نظرة تمثل مرحلة أولى في النمو التطورية فوجد إن أصل الديانات ديانة تعرف باسم التوتمية وهي أكثر صور الدين بساطة وتشير التوتمية إلى اعتقاد داخلي في قوة غيبية أو مقدسة أو في مبدأ يحدد مجموعة من الجزاءات يتعين تطبيقها على كل من يحاول انتهاك المحرمات ويعمل في الوقت ذاته على دعم المسئوليات الأخلاقية في الجماعة.
5. نمط المجتمع عند دوركايم :
إن نمط المجتمع عند دوركايم يقوم على صورة التماسك الاجتماعي السائدة في مجتمع ما فثمة مجتمع يسوده التماسك الالى وانخفاض في تقسيم العمل وثمة مجتمع آخر يسوده التماسك العضوي ويتميز بتعقد تقسيم العمل ويصور الجدول التالي أنماط التماسك الاجتماعي عند دوركايم :
م العوامل التضامن الآلي التضامن العضوي
1 السلوك تسيطر عليه التقاليد ومعتقدات وآراء متماثلة تزايد الفردية وينمي التخصص في العمل الفردي.
2 القوانين والأخلاق والضوابط الاجتماعية يتحكم فيه العقاب القهري التأكيد على الصواب والعقاب
3 البناء السياسي الاجتماعات العامة قيام علاقات التعاقد بين الحكومة والمواطنين
4 الاقتصاد المشاركة والملكية المشاعة الملكية التعاقدية والخاصة
5 الدين الطوطمية*النزعة القبلية والتعصب لموطن الإقامة وحدانية الله
6 الانتحار الغيري في سبيل المجاعة الأناني* والانتحار بالا مبرر نتيجة الانحراف عن المعايير.
ثالثا :قدرة النظرية على تفسير الواقع:
تناول دور كايم في دراسته عن تقسيم العمل علاقة الأفراد بالتضامن الاجتماع فبالرغم من إن استقلال الأفراد قد اخذ يتزايد بوضوح لكن اعتمادهم على المجتمع قد ازداد أيضا فكيف يمكن إذن إن نجمع في الوقت ذاته بين تزايد الفردية وبين التضامن الاجتماعي فمن وجهة نظري أرى إن السبب هو تغير طرا على التضامن داخل المجتمع وذلك بسبب تقسيم العمل وهذا قريب إلى حد ما إلى فكرة أوجست كونت في تقسيم العمل وقد خالفه في ذلك دوركايم.
من وجهة نظري إن ظاهرة تقسيم العمل التي أشار إليها العالم دوركايم أنها تطوره في الوقت هذا إلى الحد الذي جعلها عامة وواضحة لكل فرد تقريبا ولعل الاتجاه الذي غلب الصناعة الحديثة هو عمومية وانتشار هذه الظاهرة.
فالصناعة الآن تتجه اتجاها متزايدا نحو استعمال آلات ثقيلة وبهذا يحث تقسيم العمل متزايدا إلى ابعد حد.
لقد قراءة قبل فترة إن علماء الاقتصاد يرون إن القانون الأسمى للمجتمعات الإنسانية هو في تنوع المنشات الصناعية.
أرى إن المشكلة التي تتصل بتقسيم العمل هي اكتشاف الصلة بين تقسيم العمل والحياة الأخلاقية التي أشار إليها دوركايم
رابعا : أهم الانتقادات التي وجهت له :
1. ميز دور كايم بين التضامن الآلي والعضوي إلا انه أهمل نسبيا التمييز بين مستويات العمومية التي تحققها الأنماط الثقافية والقيم والمعايير والمجتمعات والادوارالتي توجد في المجتمع.
2. اهتمام دور كايم البالغ بتحليل مشكلة التماسك والتضامن إلى درجة انه أهمل دراسة الصراع كعملية أساسية في الحياة الاجتماعية.
3. أهمل دراسة المجتمعات الفرعية وهي الأجزاء التي يتكون منها الكل, كما انه تجاهل الفرد ومطالبه لأنه التفت فقط إلى المجتمع وحاجاته.
4. تأثر دوركايم كثيرا بظروف عصره وبالمناخ الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كان سائدا في فرنسا في ذلك الوقت وقد أدت هذه الأمور إلى إهمال مجموعة من الفروض..
5. أوجه القصور التي تعاني منها نظريته يكمن في التعريفات, بأنها تعريفات بدائية.
المراجع :
1. ابوطاحون,عدلي على.في النظريات الاجتماعية المعاصرة. الاسكندرية.الكتب الجامعي الحديث.
2. محمد,محمد على.(1989م). تاريخ علم الاجتماع الرواد والاتجاهات المعاصرة.الاسكندرية. دار المعرفة الجامعية.
3. محروس,محمد انور.(2004م) . دراسات وقضايا في علم الاجتماع .الاسكندرية . المكتبة المصرية.
4. الزيات,كمال عبدالحميد.(1980م).بناء النظرية في علم الاجتماع نموذج نظرية تقسم العمل.القاهرة.مكتبة نهضة الشرق.
5. حجازي, محمد فؤاد.(1988م).النظريات الاجتماعية.القاهرة.مكتبة وهبه.
منقوووووووول
أولا: نشأة المنظر:
ولد دور كايم في فرنسا من أسرة يهودية , ودرس في مدرسة المعلمين العليا في باريس , واهتم بالقانون والفلسفة الوضعية لأوجست كونت, وترعرع وتربى دوركايم في ظل تقاليد عصر التنوير, وتأثر بالاضطرابات السياسية والاجتماعية التي عاصرها في شبابه.
وفي عام 1887م عين أستاذا بجامعة بوردو حيث القي محاضرات قيمة في التربية الأخلاقية, وظهر في ذلك الوقت اهتمامه بدراسة المجتمع , حيث قدم فصلا دراسيا في علم الاجتماع يعتبر الأول من نوعه في فرنسا, فاثآر جدلا كبير بين العلماء المهتمين بدراسة المجتمع . ووضح في دراسته تأثره بآراء أوجست كونت, وتطويره للمذهب الوضعي والنظرة العضوية إلى المجتمع التي ابتدأها أوجست كونت (حجازي,محمد فؤاد.1988م.68).
ولقد ترك دوركايم مؤلفانا وبحوثا كثيرة نشر بعضها في حياته ونشر أتباعه البعض الآخر بعد وفاته والمؤلفات التي نشرها في حياته يمكن ترتيب ظهورها كما يلي :تقسيم العمل الاجتماعي (1893م),قواعد المنهج الاجتماعي (1895م), الانتحار دراسة اجتماعية (1896م), الإشكال الأولى للحياة الدينية(1912م).
أما مؤلفاته التي نشرها أتباعه فهي التربية وعلم الاجتماع, علم الاجتماع والفلسفة, التربية الأخلاقية, كتاب الاشتراكية.
كما انشأ دوركايم مجلته الاجتماعية المعروفة باسم السنة الاجتماعية أو التقويم الاجتماعي عام 1896م (ابوطاحون,عدلي علي.107).
ثانيا :أهم النظريات التي عالجها :
لدى دوركايم إسهامات عديدة في النظريات الاجتماعية والسياسية, ومن خلال قراءتي سوف اقسم إسهاماته النظرية إلى الآتي:
1. تقسيم العمل والتضامن الاجتماعي.
2. قواعد المنهج في علم الاجتماع.
3. الانتحار.
4. تطور المجتمعات وأشكالها.
5. التفسير الاجتماعي للدين والأخلاق والمعرفة.
وسوف أتحدث عن كل قسم على حدة :
1. تقسيم العمل والتضامن الاجتماعي:
في أول دراسة هامه لدوركايم حدد لنفسه مهمة أساسية تتلخص في التدليل على نمو تقسيم العمل بوصفة يمثل عملية تاريخية ضرورية ويؤدي بالتالي إلى تزايد التضامن الاجتماعي بين الناس.
فهذه (الوظائف ) يؤديها الناس وقد انتظموا في ترتيب طبقي محدد تتباين فيه درجات الثروة والقوة والهيبة الاجتماعية وأيضا إن تطور الصناعة وتقسيم العمل الحاصل به لن يؤدي إلى صراع المصالح والتفكك, لذا على الدولة الاستمرار دعم النسق الأخلاقي العام في المجتمع لكي لايحدث خلاف ذلك.
يعتقد دوركايم إن هناك بعض الإصلاحات الاجتماعية الضرورية التي يتعذر بدونها إقامة عدالة حقيقية وإيجاد تضامن اجتماعي قوي.
يرى دور كايم انه لا يتعين فصل الأخلاق عن العلم وإنما يجب إن نحاول إقامة علم أخلاقي مختلف تماما عن تلك الفلسفة الأخلاقية ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى إن القواعد الأخلاقية إنما ترتبط ارتباطا وثيقا بظروف الحياة الاجتماعية والتي تعتبر نسبية من حيث الزمان والمكان وهكذا يسعى علم الظواهر الأخلاقية إلى تحليل اثر الصور المتغيرة للمجتمع في تغير طابع المعايير الأخلاقية محاولا ملاحظة ووصف وتصنيف هذه المعايير.
يعتقد دور كايم إن تقسيم العمل ظاهرة ليست حديثة النشأة ولكن الجانب الاجتماعي لها أخذ يظهر بوضوح منذ وآخر القرن الثامن عشر.
دوركيم يؤيد وجهة نظر العالم أوجست كونت الذي يقول إن تقسيم العمل ليس مجرد ظاهرة اقتصادية وإنما شرط أساسي للحياة.
انتقل دور كايم بعد ذلك الى البحث عما إذا كانت هناك نماذج متعددة للتضامن الاجتماعي , وانتهى إلى وجود نموذجين أساسيين للتضامن هما التضامن الالى والتضامن العضوي .
فالتضامن الآلي يسود في المجتمعات البدائية أو التقليدية حيث يسود في المجتمع شعور قوي بينما يرتبط التضامن العضوي بالمجتمعات الحديثة التي يزداد فيها تقسيم العمل, فكان المجتمع الذي ينتشر فيه التضامن الالى هو المجتمع الانقسامي, ويتميز هذا المجتمع بسمات اجتماعية خاصة, إذ يغلب على السلوك الإنساني فيه التجانس الاجتماعي, والذي تكون فيه الأفكار والمعتقدات والعادات والآراء, وطرائق السلوك الفردي ولجماعي, أما من حيث القانون والأخلاق والضبط الاجتماعي فهناك ولاء ملحوظ للضمير الجمعي الذي يعني مجموعة المعتقدات والعواطف العامة بين أعضاء المجتمع
والتي تكون نسقا خاصا ومثل هذا الضمير العام له وجوده الخاص المتميز فهو يدوم عبر الزمن , ويعمل على توحيد الأجيال , والضمير الجمعي يعيش بين الأفراد لكنه يتميز بالقوة والاستقلال وبخاصة حينما تزداد رجة التشابه بين الأفراد وهذا من وجهة نظر دوركايم.
ما الذي يؤدي إلى زيادة تقسيم العمل ؟ يجيب دوركايم إن تقسيم العمل يختلف باختلاف حجم المجتمع وكثافة السكان, وشدة التفاعل الاجتماعي, فازدياد عدد السكان هو العامل الأساسي لتقسيم العمل فقد ترتب على ذلك شدة الصراع من اجل البقاء والاستمرار فكثرة العدد تفرض على الناس ضرورة التخصص المهني, مما يقلل من حدة الصراع, ويتيح فرصة أوسع للحصول على وسائل الحياة.
2. قواعد المنهج في علم الاجتماع :
ينظر دور كايم إلى علم الاجتماع من حيث كونه يهتم بدراسة المجتمع وما ينبعث عنه من ظواهر دراسة علمية وصفية تحليلية ولكي يحقق العلم هذه الغاية فانه لابد من منهج علمي يستطيع بفضله إلى الوصول إلى قوانين الظواهر ولقد وضع دوركايم الخصائص التي يجب إن تتميز بها دراسات علم الاجتماع والتي يمكن إيجازها في الآتي :
1. يجب دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها أشياء بمعنى إن تخضع للملاحظة والتجربة.
2. يجب على الباحث إن يتحرر من كل فكرة سابقة يعرفها عن الظاهرة حتى لا يقع أسير الأفكار الشخصية.
3. يجب على الباحث إن يبتدا بتعريف الظاهرة التي يتخذها مادة للدراسة.
4. يجب على الباحث عند دراسة طائفة خاصة من الظواهر الاجتماعية إن يبذل قصارى جهده في ملاحظة هذه الظواهر من الناحية التي تبدو فيها مستقلة عن مظاهرها الفردية.
أما فيما يتعلق بقواعد أو خطوات المهج فتتلخص في الآتي:
1. دراسة نشأة الظاهرة والوقوف على عناصرها لان الظاهرة شئ معقد وتتألف من أجزاء كثيرة.
2. دراسة تطور الظواهر والوقوف على مختلف أشكالها.
3. دراسة علاقات التي تربط الظاهرة بما عداها من الظواهر التي تنتمي إلى شعبتها.
4. الانتفاع بمطلق المقارنة في دراسة الظواهر.
5. الكشف عن الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها الظاهرة وما خضعت له هذه الوظيفة من تطور وذك في ضوء دراسة تاريخ الظاهرة.
6. تحديد القوانين التي يصل إليها الباحث من دراساته ويجب صياغة هذه القوانين بدقة لأنها هي التي تكون مادة العلم.
3. الانتحار:
ظهرت دراسة دوركايم الهامة عن الانتحار وذلك بعد مضي عامين على نشر مؤلفه قواعد المنهج في الاجتماع وأول خطوة بدئها دوركايم بأنه عرف الانتحار حيث واجه صعوبة في ذلك إلى إن خلص إلى إن الانتحار هو كل حالات الموت التي يكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لفعل سلبي أو ايجابي قام به المنتحر نفسه, وهو يعلم انه سيؤدي إلى هذه النتيجة.
وبعد إن يحدد دوركايم تعريف الانتحار ينتقل إلى مناقشة نقطة أخرى ذات أهمية وهي المجموع الكلي لحالات الانتحار في بلد معين يسمح لنا إن بحسب معل الانتحار وهذا المعدل هو (الظاهرة الاجتماعية)
بعد ذلك حلل الانتحار من ناحية غير اجتماعية مثل ربط الانتحار بالمرض العقلي وأيضا ربط الانتحار بالعوامل الكونية وأخيرا ربط الانتحار بالتقليد والمحاكاة وبعد ذلك يعتقد دوركايم بعد إن فرغ من دراسته لجميع هذه الأمور انه قد نجح في استبعاد العوامل الغير اجتماعية وبذلك ينتقل مباشرة إلى معالجة الأسباب الاجتماعية والمواقف الاجتماعية التي تحدد هذه الأسباب.
حاول دوركايم جمع حالات الانتحار في ثلاثة نماذج حيث يتضمن كل نموذج مجموعة من الأسباب الاجتماعية والنماذج الثلاثة للانتحار هي :
1. الانتحار الأناني.
2. الانتحار الغيري أو الايثاري.
3. الانتحار الانومي.
4. التفسير الاجتماعي للدين عند دوركايم :
حاول دوركايم في كتابه عن (( الصور الأولية للحياة الدينية ))إن يقدم لنا تحليلا دقيقا لصور ومصادر وطبيعة وأثار الدين من نفس ديانته السيسولوجية . وحاول أيضا دور كايم إن يبحث عن أصل الدين وذلك بتحليل الدين في أكثر المجتمعات البدائية, يعتقد دور كايم إن التغيرات في الشكل تؤدي إلى تغيرات جوهرية في الطبيعة, ويرى إن الوقوف على تطور المجتمع من البسيط إلى المركب سوف يحدد لنا مجرى التطور الأجتماعي .
يؤكد دور كايم على إن علم الأجتماع له منهجا مخالفا لدراسة الظاهرة الدينية, الدين بالنسبة لدوركايم يجب إن يدرس كحقيقة اجتماعية .
دور كايم يرفض تفسير الدين على انه نتاج تقسيمات عقلية زائفة أو توهم ناجما عن ضغط مشاعر معينة .
حاول دوركايم معرفة أصل الديانات من خلال إحدى القبائل الاسترالية التي تسمى الارونتا والتي كانت في نظرة تمثل مرحلة أولى في النمو التطورية فوجد إن أصل الديانات ديانة تعرف باسم التوتمية وهي أكثر صور الدين بساطة وتشير التوتمية إلى اعتقاد داخلي في قوة غيبية أو مقدسة أو في مبدأ يحدد مجموعة من الجزاءات يتعين تطبيقها على كل من يحاول انتهاك المحرمات ويعمل في الوقت ذاته على دعم المسئوليات الأخلاقية في الجماعة.
5. نمط المجتمع عند دوركايم :
إن نمط المجتمع عند دوركايم يقوم على صورة التماسك الاجتماعي السائدة في مجتمع ما فثمة مجتمع يسوده التماسك الالى وانخفاض في تقسيم العمل وثمة مجتمع آخر يسوده التماسك العضوي ويتميز بتعقد تقسيم العمل ويصور الجدول التالي أنماط التماسك الاجتماعي عند دوركايم :
م العوامل التضامن الآلي التضامن العضوي
1 السلوك تسيطر عليه التقاليد ومعتقدات وآراء متماثلة تزايد الفردية وينمي التخصص في العمل الفردي.
2 القوانين والأخلاق والضوابط الاجتماعية يتحكم فيه العقاب القهري التأكيد على الصواب والعقاب
3 البناء السياسي الاجتماعات العامة قيام علاقات التعاقد بين الحكومة والمواطنين
4 الاقتصاد المشاركة والملكية المشاعة الملكية التعاقدية والخاصة
5 الدين الطوطمية*النزعة القبلية والتعصب لموطن الإقامة وحدانية الله
6 الانتحار الغيري في سبيل المجاعة الأناني* والانتحار بالا مبرر نتيجة الانحراف عن المعايير.
ثالثا :قدرة النظرية على تفسير الواقع:
تناول دور كايم في دراسته عن تقسيم العمل علاقة الأفراد بالتضامن الاجتماع فبالرغم من إن استقلال الأفراد قد اخذ يتزايد بوضوح لكن اعتمادهم على المجتمع قد ازداد أيضا فكيف يمكن إذن إن نجمع في الوقت ذاته بين تزايد الفردية وبين التضامن الاجتماعي فمن وجهة نظري أرى إن السبب هو تغير طرا على التضامن داخل المجتمع وذلك بسبب تقسيم العمل وهذا قريب إلى حد ما إلى فكرة أوجست كونت في تقسيم العمل وقد خالفه في ذلك دوركايم.
من وجهة نظري إن ظاهرة تقسيم العمل التي أشار إليها العالم دوركايم أنها تطوره في الوقت هذا إلى الحد الذي جعلها عامة وواضحة لكل فرد تقريبا ولعل الاتجاه الذي غلب الصناعة الحديثة هو عمومية وانتشار هذه الظاهرة.
فالصناعة الآن تتجه اتجاها متزايدا نحو استعمال آلات ثقيلة وبهذا يحث تقسيم العمل متزايدا إلى ابعد حد.
لقد قراءة قبل فترة إن علماء الاقتصاد يرون إن القانون الأسمى للمجتمعات الإنسانية هو في تنوع المنشات الصناعية.
أرى إن المشكلة التي تتصل بتقسيم العمل هي اكتشاف الصلة بين تقسيم العمل والحياة الأخلاقية التي أشار إليها دوركايم
رابعا : أهم الانتقادات التي وجهت له :
1. ميز دور كايم بين التضامن الآلي والعضوي إلا انه أهمل نسبيا التمييز بين مستويات العمومية التي تحققها الأنماط الثقافية والقيم والمعايير والمجتمعات والادوارالتي توجد في المجتمع.
2. اهتمام دور كايم البالغ بتحليل مشكلة التماسك والتضامن إلى درجة انه أهمل دراسة الصراع كعملية أساسية في الحياة الاجتماعية.
3. أهمل دراسة المجتمعات الفرعية وهي الأجزاء التي يتكون منها الكل, كما انه تجاهل الفرد ومطالبه لأنه التفت فقط إلى المجتمع وحاجاته.
4. تأثر دوركايم كثيرا بظروف عصره وبالمناخ الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كان سائدا في فرنسا في ذلك الوقت وقد أدت هذه الأمور إلى إهمال مجموعة من الفروض..
5. أوجه القصور التي تعاني منها نظريته يكمن في التعريفات, بأنها تعريفات بدائية.
المراجع :
1. ابوطاحون,عدلي على.في النظريات الاجتماعية المعاصرة. الاسكندرية.الكتب الجامعي الحديث.
2. محمد,محمد على.(1989م). تاريخ علم الاجتماع الرواد والاتجاهات المعاصرة.الاسكندرية. دار المعرفة الجامعية.
3. محروس,محمد انور.(2004م) . دراسات وقضايا في علم الاجتماع .الاسكندرية . المكتبة المصرية.
4. الزيات,كمال عبدالحميد.(1980م).بناء النظرية في علم الاجتماع نموذج نظرية تقسم العمل.القاهرة.مكتبة نهضة الشرق.
5. حجازي, محمد فؤاد.(1988م).النظريات الاجتماعية.القاهرة.مكتبة وهبه.
منقوووووووول